سودانيات .. تواصل ومحبة

سودانيات .. تواصل ومحبة (http://www.sudanyat.org/vb/index.php)
-   منتـــــــــدى الحـــــوار (http://www.sudanyat.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   الى عمر كانديك في الأعالي .. ! (http://www.sudanyat.org/vb/showthread.php?t=27319)

طارق صديق كانديك 11-04-2013 10:03 PM

الى عمر كانديك في الأعالي .. !
 
في الرابع عشر من أبريل في العام 2007 في تمام الواحدة ظهراً، هاتفني ابن عمتك، "مدثر" كنت أنت تقدره وتبجله لأنك تحترم أكابر من تعرفهم أهلك وغيرهم، هاتفني ينعيك اليّ، هكذا بمنتهى التسليم بقضاء الله الذي مضى فيك وأنت في طريقك الى أن تقدم واجب العزاء في صديقك الذي سبقك الى هناك ببضعة ليالٍ لا غير.

لا بد أنك تذكر كيف أنني قرّعتك حين تعرضتما سوياً لحادث حركة في طريق مدني الخرطوم، تذكر كيف كنتُ جاداً وقاسياً معك حين استنكرت عليك كيف أنك تغادر الخرطوم الى مدني هكذا على قارعة الطريق، فتصعد مع من لا تعرفه، وأنا الآن أذكر، كيف قابلت لهجتي القاسية، بابتسامتك الوضيئة وأنت تتألم من كتفك عقب أيامٍ خلين من ذاك الحادث الذي شاركك فيه صديقك الذي ذهبت تبكيه.

وتمضي بك الأيام وبنا، تمضي فتتخذ موقعك في حياة الناس الذين عشت بينهم، وتودعني في مطار الخرطوم قبل عامين من رحيلك المر، أذكر أنا الآن كيف أننا جلسنا نستبقى من الوقت الذي انسرب سريعاً وكيف ضحكنا ملء أعماقنا، وأنت تعتدل في جلستك تارةً وتنظرني تاراتٍ عديدة فأكاد أبكي فلابد أنك تعي كيف أنك كنتُ ابني وليس شقيقي، ثم ينعيك "مدثر" في وضح النهار. هكذا بعباراتٍ متحشرجة، حاول هو أن يبدو ثابتاً لكنها محاولات الفاشلين، بكى ذاك الرجل الشديد القسمات، بكى في أذني، لكني ما بكيت، انعقد الدمع والعبرة كانت تسد حلقي ومسامعي، وقفت حاملاً هاتفي. وألفيتني في بيتي بين المعزين، كنتُ أنا آخر من حدثوه بعد أن هيأوا ما هيأوا من لوازم الفجيعة.

كانت مفارقة عجيبة، أن أطلب من أصحاب العمل أن يقوموا بتحضير جوازي قبل يومين من ذاك الاتصال المر، لا لشئ لم أك مصغياً يوماً لغير دمي القديم، كما يقول الفيتوري- ثم ماهي إلا يومُ وليلة كيف كنتُ فيهما لا أدري، أتحدث الى من حولي بثبات، ثم ما أن أخلو بك وبنفسي، حتى يغشاني الأنين، أنيناً مراً حنظلاً، أذكر عندها، كيف أنك كنتُ صغيراً بين يدي "بت العتيق" وكنتُ أنا وقتها ابن عشر سنين أو تزيد قليلاً، فاتبعك من هاتيك المهود حتى أشعر بصدرك وأنت تحتويني حين أتاك الخبر بقبولك في جامعة الخرطوم، لا بد أن تذكر كيف أنني بكيت، فبكى من شهد معنا عصر ذاك اليوم، كنت أنت حلمي الذي حلمت.

وأنا أهم بدخول البيت الذي نشأنا فيه، وجدتُ أخوتك كلهم وقوفاً في حزنٍ مهيب، بعضهم لم يسمح لي بأن أرى عينيه أخذني هكذا واحتواني ليضع راسه على كتفي فيستريح من عناء النظرة الباكية الحارقة، حدثوني، وأنا في الطريق كيف أن "بت العتيق" صابرة ومحتسبة، وكيف أنها لم تبكِك سوى مرة واحدة ،حين ألقت عليك نظرة الوداع وأنت مسجىً بأربطة المستشفى، هناك في ذات المكان الذي شهد حادثك أنت وصديقك الذي ذهبت تبكيه، تكرر ذات المشهد، هو سبقك بالموت بذات السبب فقط، وأنت آثرت الموت بذات السبب وذات المكان، فيا لذواتنا أجمعين.

أذكر أنا كيف أنك حدثتني ولآخر مرة، أن أهتم بمنزلي حذر المطر، ولا زلتُ أتبين نبرة الحزن الذي كساك وقتها، حزناً لم أعهده فيك، ولم أقف عنده، كنتُ مشغولاً عن فكرة الموت والرحيل هكذا في غمضة عين، كنتُ أعتقد مخطئاً أننا لن نفترق، فأنت تعلم كيف أني أحبك وسأظل.

الى عليين



أمين محمد سليمان 11-04-2013 10:10 PM

يا للحزن يا طارق ... رحم الله عمر و تقبله في خيار من عنده .
كلامك ده صحا كل الحزن الكامن ... الله يسامحك ياخي !!!

الجيلى أحمد 11-04-2013 10:16 PM

اقتباس:

أذكر عندها، كيف أنك كنتُ صغيراً بين يدي "بت العتيق" وكنتُ أنا وقتها ابن عشر سنين أو تزيد قليلاً، فاتبعك من هاتيك المهود حتى أشعر بصدرك وأنت تحتويني حين أتاك الخبر بقبولك في جامعة الخرطوم،
ياصديقى
ليس لك غير الصبر من صاحب..

النقلة السريعة التى صنعتها بعاليه, تفعل أفاعيل..
كأنما الوقت يتخلى بكامل رغبته عن رغبة احصاء السنين..

سلام عليه, وعلى بت العتيق, وعليك

كيشو 11-04-2013 10:24 PM

طارق يا أخي
فلنترحم على عمر وعلى من فارقنا من الأحباب
ولا حول ولا قوة إلا بالله

نبراس السيد الدمرداش 11-04-2013 10:30 PM

اقتباس:

كنت أنت حلمي الذي حلمت


لك الله يا صديقي لك الله
ولعمر عالي الجنان

صبر جميل والله المستعان

حسين عبدالجليل 11-04-2013 10:36 PM

تحياتي أخ طارق :
التفكر في من رحل من الأحبة للضفة الأخري من الوجود يجعل المرء يدرك كم هي هشة هذه الحياة , وما الكتابة عنهم إلا محاولة نبيلة لمعالجة حالة الحزن .

فأجهش ياأبن أمي باللغة , أو كما قال درويش .

اسامة عبدالماجد 11-04-2013 10:59 PM

صديقي كانديك
ما بال هذه المواجع ترافقنا عمرا ..
والموت يسكب طغيان ارادته فينا ونتسربل بالحزن دوما .
كانت اثقال الدنيا كلها تداهمني وطائرتك الميمون تهبط بمطار الخرطوم لانني كنت اعرف شيئا مما بينك وهذا العمر الذي جاء للحياة متجاوزا زمنة ويحمل نبوغة بين (ضفتي حياتة هذا الوميض الذى مضي .
كنت ومجموعة رفاقي ننتظرك ونخاف من رؤيتك وانت محاط بكل هذا الحزن وحاصرنا الصمت بجلال الموت حتي وقفت بنا السيارة امام منزلكم وكنت احسب أن مسافة الطريق كانت دهرا من الاحزان يحتوينا .
لعمر الرحمة والمغفرة
وربنايعوض شبابة الجنة ويصبغ علي اهلة ومعارفة ورفاقة صبرا .

عبدالله علي موسى 12-04-2013 12:16 AM

لا حول ولا قوة إلا بالله.
رحمة الله عليه.

علاءالدين عبدالله الاحمر 12-04-2013 12:32 AM

جعله الله من الاكرمين أخ طارق عزائكم هذه الذكريات الطيبة وأحرفك هذه المليئة بالصدق أعقبها بالترحم عليه

محمد مصطفي 12-04-2013 12:33 AM

له الرحمة يا طارق ... ولك ولبت العتيق الصحة والعافية
والحرف ذو أنين .... لكنه ما أجمله من حرف رغم الحزن
لقد ساقني الي كل الذين رحلوا الي تلك الدار .. ذكرياتهم .. اشيائهم .. وهم
كلهم جميلين
فليرحم الله امواتنا جميعاً
فأكتب يا صديقي واثكب ما تبقي من أنين

فتح العليم 12-04-2013 12:34 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق صديق كانديك (المشاركة 530956)
في الرابع عشر من أبريل في العام 2007 في تمام الواحدة ظهراً، هاتفني ابن عمتك، "مدثر" كنت أنت تقدره وتبجله لأنك تحترم أكابر من تعرفهم أهلك وغيرهم، هاتفني ينعيك اليّ، هكذا بمنتهى التسليم بقضاء الله الذي مضى فيك وأنت في طريقك الى أن تقدم واجب العزاء في صديقك الذي سبقك الى هناك ببضعة ليالٍ لا غير.

لا بد أنك تذكر كيف أنني قرّعتك حين تعرضتما سوياً لحادث حركة في طريق مدني الخرطوم، تذكر كيف كنتُ جاداً وقاسياً معك حين استنكرت عليك كيف أنك تغادر الخرطوم الى مدني هكذا على قارعة الطريق، فتصعد مع من لا تعرفه، وأنا الآن أذكر، كيف قابلت لهجتي القاسية، بابتسامتك الوضيئة وأنت تتألم من كتفك عقب أيامٍ خلين من ذاك الحادث الذي شاركك فيه صديقك الذي ذهبت تبكيه.

وتمضي بك الأيام وبنا، تمضي فتتخذ موقعك في حياة الناس الذين عشت بينهم، وتودعني في مطار الخرطوم قبل عامين من رحيلك المر، أذكر أنا الآن كيف أننا جلسنا نستبقى من الوقت الذي انسرب سريعاً وكيف ضحكنا ملء أعماقنا، وأنت تعتدل في جلستك تارةً وتنظرني تاراتٍ عديدة فأكاد أبكي فلابد أنك تعي كيف أنك كنتُ ابني وليس شقيقي، ثم ينعيك "مدثر" في وضح النهار. هكذا بعباراتٍ متحشرجة، حاول هو أن يبدو ثابتاً لكنها محاولات الفاشلين، بكى ذاك الرجل الشديد القسمات، بكى في أذني، لكني ما بكيت، انعقد الدمع والعبرة كانت تسد حلقي ومسامعي، وقفت حاملاً هاتفي. وألفيتني في بيتي بين المعزين، كنتُ أنا آخر من حدثوه بعد أن هيأوا ما هيأوا من لوازم الفجيعة.

كانت مفارقة عجيبة، أن أطلب من أصحاب العمل أن يقوموا بتحضير جوازي قبل يومين من ذاك الاتصال المر، لا لشئ لم أك مصغياً يوماً لغير دمي القديم، كما يقول الفيتوري- ثم ماهي إلا يومُ وليلة كيف كنتُ فيهما لا أدري، أتحدث الى من حولي بثبات، ثم ما أن أخلو بك وبنفسي، حتى يغشاني الأنين، أنيناً مراً حنظلاً، أذكر عندها، كيف أنك كنتُ صغيراً بين يدي "بت العتيق" وكنتُ أنا وقتها ابن عشر سنين أو تزيد قليلاً، فاتبعك من هاتيك المهود حتى أشعر بصدرك وأنت تحتويني حين أتاك الخبر بقبولك في جامعة الخرطوم، لا بد أن تذكر كيف أنني بكيت، فبكى من شهد معنا عصر ذاك اليوم، كنت أنت حلمي الذي حلمت.

وأنا أهم بدخول البيت الذي نشأنا فيه، وجدتُ أخوتك كلهم وقوفاً في حزنٍ مهيب، بعضهم لم يسمح لي بأن أرى عينيه أخذني هكذا واحتواني ليضع راسه على كتفي فيستريح من عناء النظرة الباكية الحارقة، حدثوني، وأنا في الطريق كيف أن "بت العتيق" صابرة ومحتسبة، وكيف أنها لم تبكِك سوى مرة واحدة ،حين ألقت عليك نظرة الوداع وأنت مسجىً بأربطة المستشفى، هناك في ذات المكان الذي شهد حادثك أنت وصديقك الذي ذهبت تبكيه، تكرر ذات المشهد، هو سبقك بالموت بذات السبب فقط، وأنت آثرت الموت بذات السبب وذات المكان، فيا لذواتنا أجمعين.

أذكر أنا كيف أنك حدثتني ولآخر مرة، أن أهتم بمنزلي حذر المطر، ولا زلتُ أتبين نبرة الحزن الذي كساك وقتها، حزناً لم أعهده فيك، ولم أقف عنده، كنتُ مشغولاً عن فكرة الموت والرحيل هكذا في غمضة عين، كنتُ أعتقد مخطئاً أننا لن نفترق، فأنت تعلم كيف أني أحبك وسأظل.

الى عليين



ليه ياطارق عدت لنا الاحزان واجترار شريط الذكريات ورجوعنا من مكاتب المحاماة الى بيتكم ووجوده في البيت ............... ارتجف وانا اكتب لا استطيع مواصلة الكتابة
اللهم ارحمه وادخله الجنة

مهند الخطيب 12-04-2013 01:01 AM

رفقا ياصديق ...رفقاً بالله عليك ...

كتابة تجبر كل من تجري عيناه عليها أن يئن ويتذكر مقرباً خطفته تلك اليد ...

للحزن فينا دين ، له فينا شاسع الاقامة وفرد أجنحة الدموع الداخلية ...

فرفقاً...

عكــود 12-04-2013 06:51 AM

يا الله يا طارق!

رحمة الله تغشاه.
كتابة تسد الحلق وتغبّش الرؤيا لقارئيها؛
فكيف هو حالك حين كتبتها؟

لك الله والصبر الجميل.

طارق صديق كانديك 12-04-2013 07:14 AM

إنها لحظات الضعف الإنساني، حين يغشاه الحنين، نتكئ دوماً على الحرف وأكتاف الصحاب.

شكراً لكم أجمعين.

سارة 12-04-2013 07:19 AM

له الرحمة وعالى الجنان ولكم صبرا جميلا ابا حمزة
له الرحمة يا طارق له الرحمة يا شقيقى


الساعة الآن 09:05 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.