سودانيات .. تواصل ومحبة

سودانيات .. تواصل ومحبة (http://www.sudanyat.org/vb/index.php)
-   منتـــــــــدى الحـــــوار (http://www.sudanyat.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   في محراب ديسمبر العظيمة زنقة ( ود أبزنقة ) (http://www.sudanyat.org/vb/showthread.php?t=63006)

ناصر يوسف 11-04-2022 12:11 PM

في محراب ديسمبر العظيمة زنقة ( ود أبزنقة )
 
ود أبزنقة


قام من مرقدهِ تحت شجرة النيم فزعاً و هو يرتدي جلبابه المهترئ ، لم ينتعل حذاءه المتهالك ، هرول إلي فناء الدار و هو يصيح بأعلي صوت
الأبرييييق ، الأبرييييييييق ، بدور أطلع الخلااااااااااااء ،، المسترااااااح ،،، الرااااااااااح ،،، الكنيف الكنيف الكنيف الكنيف الكنييييييييف ، بدور بيت اللدب ،،، الأدبخاااااااااااااااااااااااااااااااااااانة

هكذا كان يصيح أيوب و هو خارجاً من باب بيته ملتقطاً الإبريق بيمناه ، بينما يسراه تمسك بِتِكَّة السروال حول خصره المكتنز بالشحوم
تجمهرت النسوة أمام بيت السُرَّة بت أم فَلَجَة بعد سماعهن لصياح أيوب و فناجين القهوة علي أياديهن و هنَّ ينظرنَ له و يتغامزن مطلقات ضحكاتهن الماجنة و الأطفال يهرولون خلفه مرددين صيحاتهم ،،،،، ود أبزنقة ، زنقك زنقك زنقك ود أبزنقة فك الزنقة ،، زنقك زنقك زنقك
إختفي أيوب خلف أشجار الطندب عكس إتجاه الريح وبعض الرجال جالسون تحت شجرة النيم العتيقة التي تتوسط فناء القرية الوحيد ، يلعبون في السيجة.


ثلاثة ساعات بالكمال و أيوب في خلوته هناك في الخلاء خلف أشجار الطندب لم يعد بعد ، لقد حطمَّ الرقم القياسي المسجل بإسم زينوبة بت جادين التي قضت في الخلاء ساعتين و نصف الساعة حينما داهمها الإسهال ذات نهار يوم الجمعة المشهود.
في يوم الجمعة المشهود و الذي شهد أكبر قافلة تهاجر هجرةً جماعية إلي الخلاء ، كان يوم سماية أيوب يوم ولادته ، و قد توافد العربان إلي القرية من كل حدبٍ و صوب ليشهدوا هذه الإحتفالية الكبري و يكونوا حضوراً لإلصاق إسم أيوب علي المولود المعجزة . كيف لا و والده هو العمدة العاااااااااقر و زوجته التي كثيراً ما داهمها الحمل الكاذب . لقد كانت تتوحم بأشياء غريبة ، فتارة تطلب شمامة في غير موسم الشمام ، و مرةً أخري تطلب بخور التيمان المخلوط بالعسل


تناقل الناس خبر ست النفر بت عثمان الغبيان زوجة العمدة ما بين مصدق و مكذب ، منهم من قال بأنه إبن الشيطان ، و منهم من إتهم زوجة العمدة بالحمل سفاحاً من الطاهر العوقة الملازم للعمدة كما الظل.

ذبحت الذبائح و أمتلأت القدور بما لذ و طاب و روائح الشواء ملأت الآفاق . لم تشهد القرية و لا القري المجاورة لها ولائم مثل تلك التي أولمها العمدة و المقربين منه رياءاً يوم سماية أيوب ، و كان مولده في زمن الجوع أيام التصحر و الجفاف ، فهجم الناس علي الموائد هجوماً يماثل هجوم أسراب الجراد الضخمة العابرة من الغرب الإفريقي علي الزرع تلتهم كل ما يقابلها إلتهاماً دون تمييز. و ما لبثوا كثيراً من الوقت وهم يحتسون المريسة الكااااااااااااربة ذات الزبد الطافي علي الجرادل قبل تحريمها من قبل العمدة في ما بعد ، و البعض الآخر إحتضن برادات الشاهي المنعنع ، حتي بدأت الأصوات داخل البطون تصدر أصواتاً بدأت صغيرةً و ما لبثت أن تعالت و كبرت حتي ماثلت صوت فرقعة الألعاب النارية ، و بعض الروائح الغير محببة بدأت تختلط بروائح الطعام

عثمان الرايق من حلة تِحِت بدأ الهرولة إلي الخلاء فتبعه الآخرون ، الرجال توافدوا جماعات جماعات نحو أشجار الطندب ، بينما النساء إتجهن إلي الإتجاه المعاكس تماماً و أختفين خلف تلال الرمال الواقعة غرب القرية ، و الأطفال صاروا يتغوطون علي الطرقات هنا و هناك . كان يوماً عظيماً من أيام نداء الطبيعة


كان كل من يذهب إلي الخلاء من ضيوف العمدة من الوافدين من القري المجاورة ، ملبياً لنداء الطبيعة العاااجل ،، يواصل مسيره صوب قريته و لا يعود إلي مكان الضيافة في القرية مرةً أخري ، أهل القرية كانوا في حركة ذهاب و إياب ما بين الخلاء و ما بين القرية فلقد ضاقت بهم الوسيعة ربما من ما حاق ببطونهم و أوعيتهم من آلام و أوجاع. عاد الجميع قبيل المغرب بساعة وهجموا حينها علي أشجار الليمون يبتلعون ثمارها ابتلاعاً ليخفف من حدة ما أصابهم ، و لم تعد زينوبة بت جادين بعد من الخلاء خلف تلال الرمال


الفزعة آآآ ناس هوي ،، ألحقوا بت جادين دي نعل ما تكون لحقت أُمَّات طه ،، فهرولت النساء صوب اتجاه مغيب الشمس يقتفين أثراً لها خلف تلال الرمال و لم يعدن إلأ بعد أن غابت شمس تلك الجمعة المشهودة و توجهنَ بها إلي بيت أبيها ، جائن يحملنها حملاً كما الطفلة حينما وجدنَ أن أرجلها لم تعد تقوي علي حمل جسدها الهزيل.

أيوب ،،، الطفل المدلل للعمدة ، خرج إلي هذي الحياة هكذا دونما استئذان من أحد ، الكل يهابه ، ليس خوفاً منه و إنما من والده العمدة و من حرسه الأقوياء الأشداء الذين يبطشون بأي من تسول له نفسه فقط أن لا يرد السلام علي الطفل أيوب العجيب .
لأيوب الكثير من العيوب ، فهو كثير الغباء كثير الحركة محباً للطعام متحرشاً ببنات القرية متسخ الثياب علي الدوام ، لم يعرف جسده المكتنز بالشحوم طعماً لمياه الإستحمام قط ، و لم يعرف المسواك طريقاً لفمه المتعفن القذر ، تجده متسكعاً بين أزقة القرية و من خلفه الأوباش يصنعون له طوق حماية عظيم فهو بن العمدة الوحيد و الذي سيكون عمدتهم حين رحيل والده الذي دلف من باب الكهولة قليلاً إذ تجاوز الخامسة و التسعين وفق تقويم القرية القمري.

الحاج تمتام ود عيسي الأغلف وجد نفسه عمدة للقرية أيضاً بعد رحيل والده و سريعاً ما جمع من حوله بعضاً من مساعدي والده و بعضاً من الشباب الأقوياء من خارج القرية ليقوموا بحمايته و حماية ممتلكات العمودية و رويداً رويدا ، توسعت دائرة ممتلكاته بحيث توغل عميقاً صوب النهر المحازي للقرية من ناحية الشرق ، مستولياً علي أراضي البسطاء من أهل القرية ، المغلوبين علي أمرهم . و كان توغله صوب النهر لأمرٍ قد ضمره أعوانه في أنفسهم.

عاشت القرية معاناةً في الحياة بحيث تحول جميع أهلها إلي تابعين تحت إمرة العمدة و كل من يخالف أمراً صادراً منه يلاقي ما يلاقي من أنواع الإعتقال و التعذيب و القتل و النفي أيضاً من محيط القرية ، أما المختفين ، فكان جوف النهر لهم مسكناً أبدياً .عاث أتباع العمدة تمتام ود عيسي الأغلف فساداً كثيراً في القرية فتململ الناس و لكن كيف الخلاص.

لم يكن العمدة تمتام ود عيسي الأغلف قائداً محنكاً بالمعني الحقيقي لرئاسة القرية ، بل كان من حوله من الطحلب البشري هم الحاكمين بأمر القرية يزينون له الدنيا بمصابيح ، يشرعون التشريعات وفق هواهم يمررون أجندتهم الخاصة عبر القوانين الجاهزة ، يضعون له الأوراق أمامه فقط لكي يبصم عليها و هو الأمي الذي لا يقرأ و لا يكتب ، إستطاعوا أن يقنعوه بأنه ولي من أولياء الله الصالحين و أنَّ الحكم بالدين هو أساس الحكم فكثرت القوانين الصارمة ذات الصبغة الدينية ، منعوا صناعة و شرب المريسة في القرية أطلقوا للحاهم العنان و قصروا من طول ثيابهم و حفروا علي جباههم علامات سوداء و عاثوا في الأرض فساداً بإسم الدين يزكم الأنوف.

الرجال لا يزالون يمارسون لعب السيجة تحت الشجرة و الأطفال يلعبون ( سكج بكج ) في ذات الفناء ، حينما عاد أيوب ود العمدة من خلاءه منهار القوي يكاد يتوكأ علي الإبريق من شدة الإعياء وقد طغت علي القرية رائحة نتنة أحالت كل أجواء القرية إلي خلاء و تعالي الذباب هنا و هناك يطن و يلتصق بكل شئ ، الأطفال ما لبثوا أن رأوه حتي تعالت صيحاتهم تعلو من جديد ، زنقك زنقك ود أب زنقة فكَ الزنقة زنقك زنقك.
كانت هذه الصيحات بمثابة الصحوة لأهل القرية لوقف هذا التمادي في العنف المفرط تجاه الإنسان ، حينما رأي الرجال بعضاً من لئام العسس من الغجر الأوباش و هم يهجمون علي الأطفال و يبرحوهم ضرباً عنيفاً همجياً بربرياً بالعصي و سياط العنج المدهونة بالقطران. رأي الرجال و النساء اللائي خرجن من بيوتهن الأطفال يسقطون الواحد تلو الآخر بين قتيل و بين جريح ،، رأوهم قد حملوا العديد من أطفال القرية ما بين قتيل و جريح و أتجهوا بهم بعربتهم الصدئة صوب النهر ، يا إلهي يا وجع الأبناء ، رأتهم آمنة بت محمود يلقون بهم في جوف النهر تباعاً و من يحاول الفرار يرمونه قتيلاً

حينها إنطلقت من آمنة بت محمود زغرودةً قوية فعلت فعل السحر لدي الرجال ، فهبوا هبة رجلٍ واحد محاولين إبعاد هؤلاء الهمج عن الأطفال فنالوا ما نالوا من ضرب و قتل و إعتقال .

لم تنم القرية في ذلك اليوم و لم تزق طعماً للنوم بعدها قط و تحولت إلي مرجل يغلي ، أضحت إذن هي الحرب ، حرب الخلاص لأهل القرية من هذا العبث الملتحي في ظاهره و الممارس للعهر و الفساد في باطنه.

إجتمع الشباب سراً يخططون ، و الرجال يدعمون ، و كان للنساء فعل السحر البديع في قيام ثورتهم العظيمة علي الأوباش القتلة السفلة ، حدث ذات نهار أن إعتلي أيوب العوقة ود العمدة منبر المسجد الوحيد بالقرية عقب صلاة الجمعة حاملاً بيده سيفه بعد أن أخرجه من غمده ، مهدداً بالوعيد و الويل لكل من سيخرج ضد والده العمدة
الداير يشوف رقبته مقطوعة بسيفي ده اليبقي مارق تاني ،، أولاد أم زقدة
حاول طارق أحد شباب القرية أن يرد عليه فأمسك بفمه قرينه عباس و خرج أيوب العوقة منتفخ الأوداج و من حوله بعض الطحلب البشري القميئ يحيطون به من كل جانب .


إذدات قبضة عسس العمدة تضييقاً علي أهل القرية ، و بالمقابل إذاد حماس الناس من أجل الخلاص ، فأغلقوا طرقات القرية الداخلية هنا و هناك ، و خرجوا منددين بالقتلة السفلة ، كل ما يحاول عسس العمدة فض تجمهر من بعض أهل القرية في مكان ما ، تنطلق أفواجاً أخري وقودها الشباب و النساء في مكان آخر ، الزغاريد تنطلق من عمق القرية ، من أطرافها ، تعلو و تعلو لتصم آذان الباغين اللئام ، الشباب و الرجال و النساء في كامل هندام التأدب أمام القرية الوطن ، يضيقوون علي العسس من أجل الخلاص.


في ذات مساءٍ بهيج و كغير العادة ، إنطلقت الزغاريد من كل نساء القرية في وقت واحد بعد أن نمي إلي علمهن بأنَّ العمدة تمتام ود عيسي الأغلف و إبنه أيوب العوقة ود أبزنقة قد أضحوا قيد الإعتقال من قبل كبير مساعدي العمدة حينما خاطبهم من منبر المسجد بعد صلاة العشاء

الأهل و الأحباب ،، لقد ظللنا نتابع كل الذي كان يحدث في قريتنا دي من وجع ،، قتلوا شفعنا و أخواننا و حتي ( العَوِين ) ما خلوهن فوق حالهن ،، و نحن ، و من منطلق مسئوليتنا تجاه قريتنا دي و أهلنا الأحباااااااااب ، قمنا بللازم و مسكنالكم العمدة و وليده العوقة ديل و قفلناهم فوق بكاناً سري مافي زولاً خابرو وين ،، و قفلنا كل المسعولين الكانوا مع العمدة ده فوق ( التُمنة ) بحراسة البوليس و إننا و قد و إذا و أنه و حيث أنه أيضاً ذلك و كذلك ،،

و في غمرة الفرح الذي طال أهل القرية لم يلقوا بالاً بأنَّ محدثهم هذا ، ينتمي أيضاً للعمدة و كان مشاركاً في ذات القتل و السحل و الفساد

لم يسقط العمدة تمتام ود الأغلف بعد ،، و لا زالت ثورة القرية مستمرة




تحياتي
ناصر يوسف


الساعة الآن 06:26 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.