سودانيات .. تواصل ومحبة

سودانيات .. تواصل ومحبة (http://www.sudanyat.org/vb/index.php)
-   منتـــــــــدى الحـــــوار (http://www.sudanyat.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   الحزب الجمهوري الاشتراكي 1951 – 1954 “حزب وسط دون مقومات” - برف :فدوي عبدالرحمن علي طه (http://www.sudanyat.org/vb/showthread.php?t=62725)

elmhasi 29-07-2021 06:15 AM

الحزب الجمهوري الاشتراكي 1951 – 1954 “حزب وسط دون مقومات” - برف :فدوي عبدالرحمن علي طه
 
اقتباس:


الحزب الجمهوري الاشتراكي 1951م – 1954م “حزب وسط دون مقومات” (1)

بقلم : بروفسور/ فدوى عبد الرحمن علي طه / جامعة الخرطوم
رئيس التحرير: طارق الجزولي
رُفع بواسطة رئيس التحرير: طارق الجزولي
26 يوليو, 2021م

نشر هذا البحث الذي يعتمد بصفة أساسية على وثائق غير منشورة محفوظة بأرشيف السودان بجامعة درهام (Sudan Archive Durham) وبدار الوثائق العامة بلندن (Public Record Office) ، قبل عشر سنوات في مجلة “دراسات شرق أوسطية العدد 47 رقم (4) في يوليو 2011م ، باللغة الانجليزية ويحتل الصفحات 623 – 639 . وهي وثائق وقفت عليها بنفسي. وأعيد نشرهـ بعد ترجمته إلى اللغة العربية كي تعم الفائدة ويسهم في إيراد معلومات توضح نشأة هذا الحزب قصير الأجل المثير للجدل وذلك بتناول نشأته في إطارها التاريخي الصحيح وتعقيدات الوضع السياسي الذي فرض قيام هذا الحزب . إن الحسنة الوحيدة في مقال شوقي بدريبروفيسورة فدوى عبد الرحمن علي طه : جهل العارفين” هي تشجيعي على ترجمة هذا البحث إلى اللغة العربية ، وبخلاف ذلك لم ولن أفكر قط في الرد على ما كتبه شوقي بدري .

عندما فكرت الإدارة البريطانية في السودان في قيام حزب وسط عام 1949م كانت الحركة الوطنية السودانية مستقطبة مسبقاً حول إما الاستقلال التام أو الاتحاد مع مصر . وكانت مجموعة الأحزاب الاستقلالية وأبرزها حزب الأمة تحظى بدعم ابن المهدي السيد عبد الرحمن ، الذي نجح في إعادة تنظيم الأنصار، أتباع والدهـ محمد أحمد المهدي . المجموعة الثانية الأحزاب الاتحادية تحت رعاية السيد علي الميرغني زعيم طائفة الختمية . ويُعرف السيدان بالنسبة لموظفي الحكم الثنائي البريطانيين كزعماء طوائف . وعرفوا السياسة السودانية بأنها سياسة طوائف . وعموماً تعني “الطائفية” لهؤلاء الموظفين ، حرفياً ، سيادة مصالح الطائفتين في كل مناحي الحياة . ومن منطلق هذا الفهم ، فإن وجهة نظر أتباعهم تعتمد كلياً على التعليمات التي تأتيهم من الزعيمين . ويعني هذا بالنسبة لبعض المراقبين منع تطور حركة السياسة السودانية على أساس فكري أو طرق تعكس المصالح الطبقية والأقاليم والقطر ككل . (1)
قبلت المجموعة الأولى التعاون مع مؤسسات الإدارة البريطانية لنيل الحكم الذاتي كخطوة نحو تقرير المصير بينما رفضت المجموعة الثانية المشاركة في هذهـ المؤسسات ورأت في مصر حليف ضد الإدارة البريطانية في السودان وسعت للاتحاد مع مصر بصورة من الصور، خاصة وأن السيد علي الميرغني كان يعتقد بأن الادارة البريطانية تعمل لتنصيب السيد عبدالرحمن ملكاً على السودان .

احبطت الإدارة البريطانية في السودان بمقاطعة قسم معتبر في الحركة الوطنية للجمعية التشريعية التي كونت عام 1948م ولذلك حاولت وبشتى السبل الحصول على دعم داخل الجمعية . وكان أحدى الطرق تشجيع تكوين الحزب الجمهوري الاشتراكي عام 1951م من أجل الحصول على دعم طائفة الختمية للحزب ولتنظيم زعماء القبائل والجنوبيين في حزب سياسي ضد حزب الأمة . وشجعت قيام الحزب أيضاً كي يدعم سياستها في الاحتفاظ بالإدارة الحالية وتأخير تقرير المصير . وفشل الحزب في الحصول على الدعم لأسباب متعددة ستناقش في هذا البحث .
اعتقدت الإدارة البريطانية في السودان أن التنافس بين السيد علي الميرغني والسيد عبدالرحمن المهدي هو السبب الرئيس الذي منع اتباع الختمية من المشاركة في الجمعية التشريعية . وقد اشتد هذا التنافس في عام 1919م (3) ولعبت الإدارة البريطانية دوراً رئيساً في ذلك . فحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914م كان السيد علي الميرغني يقف بمفردهـ الزعيم الديني البارز الحائز على ثقة الإدارة البريطانية في السودان (4) وكان أول سوداني ينال لقب فارس في ديسمبر 1900م ووصفه اللورد كرومر بأنه شاب ذكي وحسن الأخلاق .(5) . وكان السيد علي الميرغني يتناسب مع سياسة الإدارة البريطانية في ذلك الوقت بمحاربة المهدية والنفوذ المصري في السودان . وبالرغم من أنه كان لاجئاً في مصر خلال المهدية ، فقد عبر عن معارضته لأي نفوذ مصري في السودان . 5 وقد هدد وضع السيد علي عام 1915م عندما احتاجت الحكومة البريطانية لدعم السيد عبدالرحمن لمواجهة دعوة الجهاد التي فجرها السلطان العثمان ضد دول الحلفاء .(6)
اتخذت خطوة أخرى للاعتراف بالسيد عبدالرحمن كزعيم مهم . فقد ضمن في وفد زعماء السودان الذي سافر إلى لندن لتهنئة الملك جورج الخامس بانتصار بريطانيا في الحرب . وأهدى السيد عبدالرحمن خلال هذهـ الزيارة سيف والدهـ الإمام المهدي للملك جورج . وكان قصد السيد عبدالرحمن أن يوضح أنه لا يريد الدخول في مواجهة مع السلطات كما فعل والدهـ . إلا أن تصرف السيد عبدالرحمن تناقض ما اتفق عليه الوفد وهو عدم تقديم هدايا . (7) وأغضب هذا التصرف السيد علي الميرغني رئيس الوفد ، الذي اعتقد أن الأمر رتبت له حكومة السودان كجزء من سياستها التي ترمي إلى تلبية طموحات السيد عبدالرحمن وتطلعه لأن يصبح ملكاً على السودان . وبهذا اهتزت ثقة السيد علي الميرغني في حكومة السودان ، فاحتمى بمصر الشريك الآخر في الحكم الثنائي .
ساهم موضوع الملوكية مساهمة كبيرة في شق الحركة الوطنية وفقاً للطائفية . ولم ينتظر رد فعل السيد علي رجوعه إلى السودان . ففي مقابلة مع اللورد كيرزون ، وزير خارجية بريطانيا ، تحدث بايجابية عن دور مصر التاريخي في السودان والروابط بين القطرين .(8) وكان متصلباً ومصراً على رفضه لملوكية السيد عبدالرحمن فقد أخبر لاحقاً السكرتير الإداري جيمس روبرتسون بأنه يفضل أن يرى هيلاسلاسي ملكاً على السودان لا السيد عبدالرحمن .(9)
كان طبيعياً أن يؤدي هذا الاعتقاد من جانب السيد علي الميرغني في تطلع السيد عبدالرحمن لأن يصبح ملكاً على السودان لبحثه عن نوع من الروابط مع مصر . وبدأ في أوائل الثلاثينيات في إحاطة نفسه بمجموعة من الخريجين .(10) ورعى في أوائل الأربعينيات الأحزاب السياسية التي تشاركه الرأي . وبالرغم من أن السيد عبدالرحمن المهدي قد أحاط نفسه بمجموعة من الخريجين في الثلاثينيات (11) إلا أن هذا الوضع هددهـ قيام الأحزاب السياسية في الأربعينيات . فقد انضمت مجموعة المتعلمين المحايدة إلى الأحزاب الاتحادية التي يرعاها السيد علي الميرغني خوفاً من طموحات السيد عبدالرحمن خاصة وأنهم ينظرون إلى حزب الأمة كحزب يرعى مصالح بيت المهدي . وتضجر السيد علي على وجه الخصوص من زعم السيد عبدالرحمن في التحدث باسم السودانيين في المقابلات التي يجريها مع الحكومة البريطانية .(12) ومهما كان الأمر فقد كان الختمية ومناصروهم من الأحزاب السياسية من القوة بمكان وأحسن تنظيماً في معارضة أي نزعات ملوكية للسيد عبدالرحمن تدعمها الإدارة البريطانية وحكومتها . وأحبطوا الإدارة البريطانية برفضهم المشاركة في الجمعية التشريعية فقد انزعجت من مقاطعة الختمية لانتخابات الجمعية . ولما للختمية من أغلبية في مناطق مثل شمال السودان وكسلا فإن الجمعية التشريعية لم تكن حقيقة ممثلة للسودانيين.(13)
رغم إدعاء الإدارة البريطانية في السودان علناً بأن الجمعية التشريعية تملك صفة تمثيلية ، إلا أنها وفي مدوناتها الخاصة توضح أن الأمر غير ذلك . وأكد الحاكم العام سرا أن الجمعية لم تكن هيئة تمثيلية بالكامل حتى الآن لأن العديد من الأحزاب المعارضة في السودان ، خاصة تلك المؤيدة للاتحاد مع مصر ، رفضت المشاركة في الانتخابات .(14) وذهب إلى أبعد من ذلك بإخبار وزارة الخارجية في أوائل عام 1949م إنهم يواجهون وضعاً تحجب فيه كتلة كبيرة ومتينة من مؤيدي الحكومة التقليديين مساندتها للحكومة وأن الطريقة الوحيدة الأكثر فاعلية ، لاستعادة ثقتهم في الحكومة وإحضارهم إلى حظيرتها هو إزالة مخاوفهم من الطموحات الملوكية للسيد عبدالرحمن .(15) ومع ذلك ، ومنذ تشكيله في عام 1945م ، بدأ واضحاً لحكومة السودان أن حزب الأمة لن يجتذب الرأي المعتدل . فقد أخبر روبرتسون السكرتير الإداري لحكومة السودان وكيل حكومة السودان في القاهرة أن حزب الأمة قد أحدث فوضى في الأمور كونه فرع من دائرة المهدي التابعة للسيد عبدالرحمن المهدي وبدلاً من توحيد العناصر المعتدلة اعتبر مجرد حزب تابع للسيد عبدالرحمن .(16)
اقترح الحاكم العام على حكومته أن تصدر تصريحاً بأنها لا تؤيد قيام حكم ملوكي في السودان . واعترضت وزارة الخارجية باعتبار أن هذا أمر يحددهـ السودانيون عبر القنوات الدستورية . وعلى كل اقترح الحاكم العام ما يلي ‘‘خط آخر من السياسة هو إدارة حزب وسط في الجمعية التشريعية وفي البلاد يرتكز على البارزين مثل النظار (زعماء القبائل) الذين يشكلون العمود الفقري المخلص للبلاد . هذهـ الفكرة موجودة بالفعل هنا”.(17) بهذا أرادت حكومة السودان خدمة غرضين . الأول حشد دعم الختمية في حزب الوسط هذا ، والثاني هو منع أي احتمال لتأييد الختمية لحزب الأشقاء ، الحزب القوي والمنظم بين الأحزاب الداعية إلى الوحدة مع مصر .
كانت هذهـ الجهود غير مثمرة وقادت روبرتسون إلى التساؤل ، في نوفمبر 1950م ، عما إذا كان يجب عليهم التخلي عن هذهـ الفكرة والتركيز على دفع الأشخاص الذين كانوا يتعاونون حتى لو كان الأمر يتعلق بتعزيز طموحات السيد عبدالرحمن. (18) ولم يكن هذا الخيار هو الخيار الأمثل ، لاسيما أن حزب الأمة قدّم في ديسمبر 1950م اقتراحًا للجمعية التشريعية بالحكم الذاتي كان مخالفًا لسياسة الحكومة في تأخير الحكم الذاتي وتقرير المصير. وصوت زعماء القبائل والأعضاء الجنوبيون ضد هذا الاقتراح وتم تشكيل الحزب الجمهوري الاشتراكي لاحقاً بعد عام ، على الرغم من أن اقتراح تشكيله تم التعبير عنه فورًا بعد الاقتراح . ففي مقابلة لاحقة مع روبرتسون أجريت في أكتوبر 1969م ، سأل مجري المقابلة روبرتسون إلى أي مدى كانت الحكومة السودانية مسؤولة عن تشكيل الحزب الجمهوري الاشتراكي ، وما إذا كان هناك دليل على أنه تم رعايته من قبل كبار المسؤولين البريطانيين في حكومة السودان . أجاب روبرتسون أنه بعد اقتراح حزب الأمة للحكم الذاتي ، انزعجت مجموعة من أعضاء الجمعية التشريعية وطالبوا بتشكيل حزب بعيداً عن تأثير السيد عبدالرحمن ، وفي نفس الوقت ليس معاديًا للحكومة مثل حزب الأشقاء . (19)
يمكن تفسير هذهـ الفجوة التي بلغت مدتها عام قبل قيام الحزب الجمهوري الاشتراكي بأنها جاءت نتيجة للجهود التي بذلتها حكومة السودان لحشد دعم الختمية للجمعية التشريعية . فقد جاء في موجز الاستخبارات السياسية للسودان فيما يلي اقتراح حزب الأمة حول الحكم الذاتي أن الحزب فشل في إدراك أن زعماء القبائل الذين يمثلون آراء غالبية السكان خارج المدن يعارضون بشدة أي خطوات من شأنها أن تعجل بالحكم الذاتي ؛ وأن طائفة الختمية يحق أن يكون لها رأي في الدستور المستقبلي وإدارة البلاد . (20)
اشترطت بعض الأحزاب الاتحادية التابعة للختمية تعديل قانون الجمعية التشريعية . (21) وانتقدت بعض أحكام قانون الجمعية التشريعية ، لاسيما قانون الانتخابات الذي نص على إجراء انتخابات مباشرة وغير مباشرة . واستجاب الحاكم العام بالإعلان في مارس 1951م عن تشكيل لجنة تعديل الدستور (22) على أمل أن يقبل الختمية بسياسة التدرج في الحكم الذاتي وتقرير المصير . ومثل زعماء القبائل وجنوبي أيضاً في هذهـ اللجنة . ورفض حزب الأشقاء المشاركة فيها .
كان واضحاً منذ البداية أن لجنة تعديل الدستور ستتجاوز اختصاصاتها وتناقش مستقبل السودان نفسه . في الواقع ، وبينما كانت محاولات تشكيل اللجنة جارية ، انتقد أعضاء حزب الجبهة الوطنية المنتمين لطائفة الختمية اختصاصاتها . واعترضوا بشكل خاص على عبارة “في إطار الاتفاق الدستوري الحالي” ، أي اتفاقية الحكم الثنائي ، لأن هذا من شأنه أن يمنع اللجنة من تقديم مقترحات لحكم ذاتي كامل . (23) ونصت المقترحات التي قدمتها هذهـ اللجنة على تقاسم إدارة البلاد بين الحاكم العام والبرلمان ، وكان ذلك في نظر الإدارة البريطانية في السودان انتقاصاً خطيرًا لسلطات الحاكم العام كما هو منصوص عليه في المادة 4 من اتفاقية الحكم الثنائي وتقليصًا لحق النقض الذي يتمتع به . (24) مع إلغاء مصر أحادي الجانب ، في أكتوبر 1951م ، لمعاهدة عام 1936م الانجليزية المصرية واتفاقية الحكم الثنائي لعام 1899م ، حدث انقسام خطير في لجنة تعديل الدستور . وقد جعل إلغاء اتفاقية الحكم الثنائي أعضاءها السودانيين يجادلون بأنه لم يعد هناك أي أساس دستوري للإدارة الحالية . (25) وباستثناء العضو الجنوبي في اللجنة بوث ديو ، أرسل أعضاء اللجنة برقية للأمم المتحدة بهذا المعنى . (26) ومن الجدير بالذكر هنا أن إبراهيم بدري ، الأمين العام للحزب الجمهوري الاشتراكي المرتقب وعضو لجنة تعديل الدستور، وقع على البرقية . ووقع على البرقية أيضاً محمد أحمد أبو سن ، أحد الأعضاء المؤسسين للحزب الجمهوري الاشتراكي ومن الموقعين على تصريح زعماء القبائل . كان البديل عن الحكم الثنائي ، من وجهة نظر اللجنة ، هو تعيين لجنة دولية تابعة للأمم المتحدة للإشراف على تنفيذ الحكم الذاتي الكامل . (27)
فشل البيان الذي أدلى به وزير الخارجية البريطاني في مجلس العموم بعد إلغاء مصر لاتفاقية الحكم الثنائي في تحديد موعد محدد لتقرير المصير، على الرغم من أنه حدد موعدًا للحكم الذاتي على أمل أن يشجع ذلك اللجنة على المضي قدمًا في عملها . (28) وقد اعترف البيان ضمنيًا باستمرار الحكم الثنائي ، وكان غامضًا فيما يتعلق بتقرير المصير . وأدى ذلك إلى أن يقدم خمسة من أعضاء اللجنة استقالتهم . (29)
جعل تفكك لجنة تعديل الدستور حكومة السودان تمضي قدماً في تشجيع تشكيل “حزب الوسط” فقد احتاجت إلى معارضة قرار لجنة تعديل الدستور بأن تأتي لجنة تابعة للأمم المتحدة إلى السودان للإشراف على تقدم البلاد نحو تقرير المصير. ومن ثم شجعت المؤتمر الصحفي الذي عقدهـ زعماء القبائل وأعضاء الجنوب في الجمعية التشريعية على بيان سياستهم التي تتفق تماما مع سياسة حكومة السودان الرامية إلى تأخير الحكم الذاتي وتقرير المصير . في الواقع ، وفي مذكرة كتبها السكرتير الإداري في نوفمبر 1949م دون أنه من واجب الحكومة تأخير الحكم الذاتي لأطول فترة ممكنة على افتراض أنه سابق لأوانه لأن السودانيين ما زالوا منقسمين فيما بينهم (30) وتأجيله لمدة عشر سنوات أخرى على الأقل ، وبعد ذلك قد يتم تشكيل لجنة دولية لتقرير ما إذا كان السودانيون مستعدين آنذاك للحكم الذاتي وتقرير المصير أم لا . (31)
أعد ديزموند هوكسويرث مساعد السكرتير الإداري بيان زعماء القبائل وأُعلن عنه في مؤتمر صحفي عُقد في 15 نوفمبر 1951م حضرهـ مراسلون صحفيون أجانب كانوا في زيارة للسودان . في هذا الإعلان ، لم يعلن شيوخ القبائل عن تشكيل حزب سياسي ، وقالوا : ‘‘نحن لسنا حزبًا سياسيًا . نحن مجرد مجموعة من أعضاء البلاد الذين لا ينتمون إلى أي من الأحزاب السياسية القائمة . نعتقد أننا نتحدث باسم الأغلبية الساحقة من عامة الناس في السودان ، بما في ذلك جميع سكان جنوب السودان .”(32)

1- تعود جذور الطائفية إلى صوفية القرن التاسع عشر في السودان حيث كانت هناك طرق صوفية مختلفة مثل الختمية ، السمانية ، الإسماعيلية ، المجذوبية ، الإدريسية . اندفعت هذهـ الطرق الصوفية ، باستثناء الختمية ، إلى رآيات المهدي بسبب الاستياء المتزايد من هيمنة الإسلام السني خلال الحكم التركي المصري ، من أجل استعادة مكانتهم السابقة ، لكنهم في الواقع غرقوا في الدولة المهدية . ناشد المهدي الصوفية لمساندته بسبب إدراكه لهذا الاستياء ؛ لكنه وخليفته ، عندما تولوا السلطة ، وقفوا ضد الصوفية . وللمزيد عن الطرق الصوفية أنظر: G. Warburg, Islam, Sectarianism and Politics in Sudan since the Mahdiyya (London: C. Hurst & Co, 2003); and G. Warburg, ‘From Ansar to Umma: Sectarian Politics in the Sudan. 1914-1945’. Asian and African Studies, Vol.9, No.2 (1973), pp. 101-53.
2- يمكن إرجاع جذور هذا التنافس إلى القرن التاسع عشر حيث كانت الختمية طريقة صوفية تعاونت مع الحكم التركي المصري 1821م – 1885م ووقفت ضد الثورة والدولة المهدية . وبعد الإطاحة بالدولة المهدية من قبل القوات الإنجليزية – المصرية ، تمتعت طائفة الختمية بتأييد واضح من السلطات .
3- M. Abd Al-Rahim, Imperialism and Nationalism in the Sudan: A Study of Constitutional Development 1899-1956 (Oxford: Clarendon Press, 1969), pp.94
4- Lord Cromer to Her Majesty The Queen, 29 Dec. 1900, Public Record Office, Foreign Office 371/633/ 8 (hereinafter PRO FO
5- . Wingate to Cromer, 24 Feb. 1915, Sudan Archives Durham (hereinafter SAD) 194/2/157-9. Also Sudan Agent, Cairo, to Robertson, 28 June 1952, SAD No. 524/7
6- . For details about the rise of SAR see: P. Woodward, ‘In the Footsteps of Gordon: The Sudan Government and the Rise of Sayyid Sir Abdel Rahman ElMahdi’, African Affairs, Vol.84 (1985), pp.39—51.
7- . Civil Secretary to Foreign Office, 19 May 1952, PRO FO 371/96939
8- M.W. Daly, British Administration and the Northern Sudan, 1917-1924, The Governor Generalship of Sir Lee Stack in the Sudan (Nederlands Historisch – Archaeologisch Instituut, 1980
9- . Robertson to Mayall, 5 May 1945, SAD 521/1
10- T. Niblock, Class and Power in the Sudan: The Dynamic of Sudanese Politics 1898-1985 (Albany: State University of New York Press, 1987), p.172
11- . Memorandum on Mahdism, 28 April 1935, PRO FO 371/19096
12- . Record of an interview of Sayed Abdel Rahman ElMahdi with the Prime Minister. 28 Nov. 1946, PRO FO 371/53262
13- 3. Sudan Political Intelligence Summary of April-May 1949, PRO FO 371/73460
14- . Governor-General, Khartoum, to Foreign Office, 5 Oct. 1950, PRO FO 371/80388
15- . Governor-General, Khartoum, to Foreign Office, 4 Jan.1949, PRO FO 371/73472
16- . Robertson, Civil Secretary to G.E. Fouracres, Sudan Agency, Cairo. 19 April 1945
17- . Governor-General to Foreign Office, 4 Jan. 1949, PRO FO 371/73472
18- . Robertson to Mayall, 24 Nov. 1950, SAD 522/13/38-40.
19- Robertson to Mamoun Sinada, enclosing his replies to Mamoun Sinada Questionnaire, 15 Dec. 1969, SAD 532/10/4
20- . Sudan Political Intelligence Summary, Dec. 1949-2 Jan. 1950, PRO FO 371/8034
21- الأحزاب السياسية ذات الولاء للختمية حزب الجبهة الوطنية وبعض الاتحاديين وتكونت الجبهة الوطنية عام 1950م من أعضاء بارزين في طائفة الختمية .
22- Sudan Political Intelligence Summary, March-April, 1951, PRO FO 371/90108
23- Sudan Political Intelligence Summary, Jan.-Feb. 1951, PRO FO 371/90108
24- Report on work of the Constitutional Amendment Commission, 23 June 1951, PRO FO 371/90111. Article 4 of the Condominium Agreement stated that Laws as also Orders and Regulations with the full force of Law, be made, altered, or abrogated by proclamation of the Governor-General. All such Proclamations shall be forthwith notified to Fler Britannic Majesty’s Agent and Consul-General in Cairo, and to the President of the Council of Ministers of His Highness as the Khedive
25- . J. Robertson, Transition in Africa from Direct Rule to Independence (London: Hurst & Co 1974), p.147
26- Governor-General, Khartoum, to Foreign Office, 28 Oct. 1951, PRO FO 371/90112
27- نفس المصدر.
28- . Foreign Office Minute, 14 Nov. 1951, PRO FO 371
29- . Governor-General Khartoum, to Foreign Office, 22 Nov. 1951, PRO FO
30- Abd Al-Rahim, Imperialism and Nationalism, pp181-86
31- نفس المصدر
32- . Declaration by Nazirs and Tribal Chiefs, no date, SAD 534/11/3, Also Al-Sudan A Jadid, 17 Nov. 1951, Vol.51. من الذين وقعوا على البيان عن زعماء القبائل محمد أحمد أبوسن ، إبراهيم مادبو، منعم منصور، بابو نمر، عبد الحميد أبكر، رحمة الله محمود ، عبد الرحمن بحر الدين ، الشريف إبراهيم الشريف يوسف الهندي ، وعن الجنوبيين : بنجامين لوكي ، شير ريحان ، استانسلاوس بياساما ، إدوارد أدوك ، بوث ديو ، عبد الله آدم وأندريا قور .

نواصل ..

E.Mail



elmhasi 01-08-2021 05:12 AM

اقتباس:


الحزب الجمهوري الاشتراكي 1951م – 1954م “حزب وسط دون مقومات”(2)

بقلم : بروفسور/ فدوى عبد الرحمن علي طه/جامعة الخرطوم
رئيس التحرير: طارق الجزولي
رُفع بواسطة رئيس التحرير: طارق الجزولي27 يوليو, 2021م

E.Mail

تم إدراج الجنوب باعتبار أن الأعضاء الجنوبيين في الجمعية التشريعية تبنوا تأخير تحقيق الحكم الذاتي وتقرير المصير حتى يصل الجنوب إلى نفس درجة التطور مثل الشمال ، لهذا السبب رفض بوث ديو ، العضو الجنوبي في لجنة تعديل الدستور وعضو الجمعية التشريعية ، التوقيع على برقية الأمم المتحدة . أعلن زعماء القبائل بوضوح عدم موافقتهم على قرار لجنة تعديل الدستور: “نحن نختلف تمامًا مع الاقتراح القاضي بتعيين لجنة دولية من قبل منظمة الأمم المتحدة لتولي مسئولية حكم البلاد . نعتقد أن هذهـ الخطوة ستكون كارثية فقد عانت بلدان أخرى من الخلافات في مثل هذهـ اللجان ، ولا يمكننا الموافقة على تعثر تقدم السودان بسبب الخلافات بين أعضاء اللجنة”.33
عموماً دعم زعماء القبائل حكومة السودان وصرحوا بأنه وحتى يحين الوقت الذي يمكن للسودان أن يقرر مستقبله ، ويتم اختيار رئيس الدولة من قبل الشعب السوداني ويكون مسؤولاً أمامه ينبغي على الحاكم العام أن يستمر ، كما في الماضي ، في ممارسة مسئوليته ، كرئيس للدولة . السودان ، كانوا مقتنعين بأن هذا يوفر الأمل الوحيد للتقدم المنظم والمطرد في المجالين الاقتصادي والاجتماعي وكذلك التقدم الدستوري .34
يظهر ما ذكر أعلاهـ أن بيان زعماء القبائل كان موجهاً بشكل واضح ضد قرار لجنة تعديل الدستور . وقال روبرتسون لمحافظ ولاية أعالي النيل فرحاً : “ما إذا كانت لجنة التعديل ستنجو من هذهـ الضربة أم لا ، يبقى أن نرى . أفهم أن أربعة على الأقل من أعضائها سيستقيلون . ويرجع ذلك إلى ازدواجية الحكومة المزعومة في تشجيع زعماء القبائل على قول ما كان يدور في أذهانهم .” (35) وعن هذا التشجيع يقول روبرتسون إن هذا صحيح إلى حد ما ، فقد شجعنا الشيوخ أن يعبروا عن موقفهم ، وأنه ليس من الجيد المجيء إليهم وإخبارهم أنهم لا يوافقون .(36)
اعتقد المثقفون والسياسيون في المدن أن حكومة السودان وراء تصريح زعماء القبائل . وقد ساعد ذلك على تعميق الصدع بينهم وبين حكومة السودان الذي تأسس منذ رفض مذكرة مؤتمر الخريجين في أبريل 1942م (37) والذي أدى إلى استقطاب المثقفين أنفسهم في الأحزاب السياسية . وبحسب آربر أحد موظفي الحكومة السودانية ، فإن قرار رفض هذهـ المذكرة متأصل إلى حد ما في روح الخدمة السياسية . فقد رمى أعضاؤها في فترة ما قبل الحرب بأنفسهم وبإخلاص في حضن الإدارة الأهلية وأصبح عاطفياً منسجمين مع القبائل التي يخدمونها . ولم يحظ تطور قوة الطبقة المتعلمة باهتمامهم ولم يكن لديهم سوى القليل من التعاطف معها . (38) هذا التحيز للريف والرغبة في تحجيم دور الطبقة المثقفة عاد مرة أخرى بتشجيع الحكومة لبيان زعماء القبائل وتشجيعها اللاحق لقيام الحزب الجمهوري الاشتراكي . إن حقيقة أن الحزب يضم قلة قليلة من المتعلمين لم تنف عنه صفة أنه حزب لزعماء القبائل .
كان التقليل من القوة المتنامية للطبقة المتعلمة في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي عاملاً رئيساً في فشل الحزب الجديد في جذب أي دعم . بالنسبة لروبرتسون ، كان السياسيون في المدن حفنة تفتقر إلى الخبرة وتلهث وراء مصالحها . (39) واعتبر حزب الأشقاء الذي سيطر على المؤتمر العام للخريجين منذ عام 1944م الحزب الجمهوري الاشتراكي مؤامرة بريطانية لزيادة التأثير البريطاني (40) على الرغم من وصف روبرتسون للسياسيين في المدن بأنهم من ذوي الأفق الضيق ، إلا أنه كان مدركًا تمامًا لتأثيرهم ، أي تأثير حزب الأشقاء والمؤتمر . وأشار إلى أن الخطر المحتمل للمؤتمر يكمن في حقيقة أنه كان منظمًا بشكل معقول . وأبقاهـ برنامجه التعليمي في الصورة في المديريات ، وقد ركز مؤخرا على توسيع قاعدة عضويته فيها .(41)
على الرغم من أن زعماء القبائل في إعلانهم الصادر في 15 نوفمبر 1951م ذكروا أنهم ليسوا “حزباً سياسياً وأنهم مجرد مجموعة من أبناء القطر الذين لا ينتمون إلى أي من الأحزاب السياسية القائمة” ، إلا أنه أعلن وبعد ثلاثة أسابيع فقط من بيانهم عن تشكيل الحزب الجمهوري الاشتراكي . وتبين المراسلات بين روبرتسون ووكيل حكومة السودان في لندن ، التشجيع الواضح من حكومة السودان لقيام الحزب . فقد أخبر وكيل حكومة السودان في لندن أن كل محاولة في السنوات الأخيرة لإحداث قدر من المصالحة قد فشلت ، ومن غير المحتمل أن يحدث ذلك والسيد عبد الرحمن والسيد علي على قيد الحياة .(42)ومضى يقول إن هناك كتلة كبيرة من الرأي العام سئمت من الخلاف بين السيدين ومناورات السياسيين والتي تبدي بوادر التطور إلى حزب وسط ، حزب يهدف إلى 1) حكم ذاتي كامل العام المقبل ؛ تقرير المصير عندما يحين الوقت المناسب ؛ 3) نظام جمهوري ديمقراطي ؛4 عضوية السودان في الكمنولث .(43) هذا وتوقع روبرتسون بعد بيان زعماء القبائل والجنوبيين أن هناك فرصًا لانقسام خطير في القوى المتعاونة في الجمعية التشريعية ، لكن على الرغم من ذلك فأنه يرى مزايا كثيرة في تشكيل حزب وسط . (44)
بارك ديفيز ، وكيل حكومة السودان في لندن ، قيام حزب “الوسط” على أمل أن يوفر ثقلًا للسياسيين الأكثر تقلبًا ، وشيء من شأنه أن يمثل وجهات نظر مثل هذا العدد الهائل من مواطني السودان .(45)
وكان موظفوا وزارة الخارجية أكثر ذكاءً عندما دونوا ‘‘يبدو لنا كثيرًا كما لو أن الحزب الجديد يتلقى تشجيعاً رسميا خفياً إن لم يكن تشجيعًا فاعلًا ”.(46) ولم ينف روبرتسون هذا التشجيع ، حيث أوضح لاحقًا أنهم شجعوا إلى حد ما تأسيسه كحزب يهدف إلى الاستقلال ، من غير انتماء لآل المهدي ، بأمل أن تنضم إليه أعداد كبيرة من الختمية وآخرين ، ممن لم يرغبوا في الوحدة مع مصر ، لكنهم كانوا خائفين من استقلال يتزعمه السيد عبد الرحمن المهدي. (47) وكتب سراً أن ديزموند هوكسورث ، مساعد السكرتير الإداري ، كان “مشغولاً وراء الكواليس ”، وأن البيان الصحفي لزعماء القبائل في 15 نوفمبر قد تم وضعه من قبل الحكومة . وفي الواقع ، وبحلول يناير 1952م ، كان الحزب الجمهوري الاشتراكي معروفاً لدى السودانيين باسم ”حزب مستر هوكسورث ‘‘.(48 )
نسي روبرتسون بتشجيعه قيام الحزب الجمهوري الاشتراكي تحذيرهـ في عام 1945م إلى زعماء القبائل بأنه لا ينبغي لهم الانتماء إلى أي حزب سياسي . ففي يونيو 1945م ، وفي نشرة لحكام المديريات ، أمرهم بعدم السماح لزعماء القبائل بالعمل في السياسة والمشاركة في الأحزاب السياسية .(49) وبسبب هذهـ التحذيرات المبكرة ، كان بعض زعماء وأعضاء القبائل غير متأكدين مما إذا كانوا سينضمون إلى الحزب الجمهوري الاشتراكي أم لا . وقال أبو القاسم علي دينار ، أحد الزعماء القبليين في دارفور إن غراهام لامبين أخبرهم في عام 1948م بعدم الانضمام إلى أي حزب سياسي ، وطلب المشورة فيما يتعلق بـانضمامهم للحزب الجمهوري الاشتراكي .(50) وطلب بعض الشيوخ من أبي رنات ، القاضي السوداني في دارفور ، النصح بشأن انضمامهم للحزب الجمهوري الاشتراكي من عدمه . وكان القاضي أبورنات الذي عرف بتأييدهـ القوي للحزب الجمهوري الاشتراكي حريصًا على التأكيد على أنه بصفته قاضيًا لم يكن عضوًا في الحزب .(51) ومع ذلك ، قيل له إنه يمكن أن يشرح للشيوخ أنه في المجلس الجديد ، كما في السابق ، سيُطلب من الحزب السياسي الذي يحصل على الأغلبية في الانتخابات تشكيل حكومة ، وإذا رغب الأعضاء في الريف في المشاركة في وضع السياسات فإن عليهم تنظيم أنفسهم في حزب والسعي للحصول على الأغلبية . ومهما كان عدد الأعضاء غير الحزبيين في المجلس الجديد ، فلن تتاح لهم الفرصة لتشكيل حكومة لحكم البلاد ما لم ينظموا أنفسهم في حزب، يجب أن يكون به بعض الأفندية (أشخاص متعلمون) ، وأن الحزب الجمهوري الاشتراكي هو المناسب.(52)
أعلن عن ميلاد الحزب الجمهوري الاشتراكي في 7 ديسمبر 1951م 53 بعد ثلاثة أسابيع من المؤتمر الصحفي المشار إليه سابقاً . وجاء في مانفيستو الحزب الذي أعدهـ أمينه العام(53) إبراهيم بدري (54) أن الحركة الاستقلالية فشلت في جلب دعم كثير من المؤيدين للاستقلال ، بل على العكس من ذلك ، فقد دفعت هذهـ الحركة العديد من الأشخاص إلى المعسكر المناوئ ، نظرًا للون الطائفي الذي ارتبط بقضية الاستقلال ، وفي ضوء أن الحركة المؤيدة للاستقلال تهدف إلى إقامة ملوكية محلية ، وقد فشل النفي المتكرر لهذا الزعم.(55)
أوضح بدري أن الشكل الجمهوري للحكم بالإضافة إلى أنه سيضمن استقلال البلاد سيبدد المخاوف من النظام الملكي سواء كان محلياً أو خارجياً . ”نحن نرى أن الغالبية العظمى من الشعب السوداني يعارضون الملكية في السودان لأن مثل هذا الحكم لن يناسب الدول التي عاشت الحكم الديمقراطي لفترة طويلة. ” (56)
ومضى ليقول إن كلمة اشتراكية تم تضمينها لأن استقلال الدول المجاورة أظهر أن الحرية أصبحت أداة في أيدي الرأسماليين تستخدم لتلبية مصالحهم الشخصية ، وتقدم الاشتراكية حصة عادلة وعدالة اجتماعية للجميع بغض النظر عن اللون والعرق واللغة ، ولا يعني ذلك تأميم جميع المرافق العامة ولكنه يعطي بالفعل مجالًا واسعًا للمؤسسات الخاصة . وقال أبو سن ، وهو عضو مؤسس في الحزب الجمهوري الاشتراكي ، لبيلي أحد موظفي حكومة السودان إن الاشتراكية التي أرادوها ليست تحركًا كاملًا على الإطلاق ، ولكنها تمنحهم تطبيق أي مبادئ يرونها مناسبة لهم . (57) وقال أبورنات لشيوخ دارفور إن أهداف الحزب لم تذهب أبعد من سياسة الحكومة الحالية ، وأن هدف الحزب تطوير السودان وهو بلد زراعي ، على أسس تعاونية ومنع الأرض من الوقوع في أيدي الباشوات كما في مصر. (58)
وبما أن المهمة الرئيسة للحزب هي مواجهة أي حكم ملكي في البلاد ، فقد تم استخدام كلمة “جمهوري” للإشارة إلى دعم الحزب لحكومة جمهورية ، ولولا وجود الحزب الجمهوري منذ عام 1945م لما كان من الضروري إدراج اشتراكية في اسم الحزب فهو مصطلح لا يتناسب مع حزب مكون من زعماء القبائل الذين كانوا حلفاء لحكومة السودان . وقد دعا الحزب الجمهوري في عام 1945م إلى الاستقلال التام عن بريطانيا ومصر وقيام حكم جمهوري .(59) هذا وقد حاول الحزب الجمهوري الاشتراكي التنسيق مع الحزب الجمهوري وعقد اجتماع لهذا الغرض في 3 مارس 1952م بين الطرفين . ولم يكن الاجتماع مثمراً فقد كان هناك اختلافاً أساسياً في طبيعة الحزبين . فبينما رمى الحزب الجمهوري الاشتراكي إلى التعاون مع حكومة السودان كان الحزب الجمهوري ضد أي تعاون معها . ووصف الحزب الجمهوري أهداف الحزب الجمهوري الاشتراكي بأنها غامضة وغير واضحة وأن التعاون مع حكومة السودان لن يحقق الحرية من الاستعمار .(60) ويرى الحزب أن للاشتراكية معنى واحد وهو امتلاك الحكومة للأرض وتوزيعها على أساس الإيجار وليس الملكية الخاصة . (61) رداً على ذلك ، ذكر الحزب الجمهوري الاشتراكي للحزب الجمهوري أن التعاون مع حكومة السودان نابع من حقيقة أنها تبنت القنوات الدستورية كوسيلة لتحقيق الرغبات الوطنية السودانية . (62)
على الرغم من أن منفيستو الحزب الجمهوري الاشتراكي لم يذكر الانضمام إلى الكومنولث البريطاني كهدف ، فقد انتشرت شائعات بأن تلك كانت نية الحزب . وأفاد موجز الاستخبارات السياسية للسودان أن الحزب دعا إلى انضمام السودان إلى الكومنولث البريطاني (63) كما تم ذكر ذلك بشكل خاص لمسؤولي الحكومة السودانية . أخبر روبرتسون وكيل حكومة السودان في لندن بأنه اخبر بأن حزب الأمة أيضاً مثل الحزب الجديد ، يهدف في النهاية إلى المطالبة بالانضمام إلى الكومنولث البريطاني ،(64) وعلى الرغم من أنهم لا يستطيعون قول ذلك في الوقت الحالي ، لكنهم سيعملون لذلك عندما يحصلون على استقلال بلادهم .(65) ومع ذلك فقد أدرك الأمين العام للحزب الجمهوري الاشتراكي خطورة الإشاعة القائلة بأن الحزب يسعى لارتباط مع الكومنولث . وقد نفى ذلك ، مضيفًا أن مبادئ الحزب هي التي تضمنها منفيستو الحزب. (66)
كان قيام الحزب الجمهوري الاشتراكي عاملاً مهمًا في تدهور العلاقات بين الحكومة وحزب الأمة . ورأى حزب الأمة أن حكومة السودان تعمدت تشكيل هذا الحزب وشجعته لمواجهة نفوذ الأمة . وكما هو مبين أعلاهـ فقد كانت حكومة السودان قلقة للغاية من مطالبة حزب الأمة المستمرة بالحكم الذاتي وتقرير المصير وطموحات السيد عبدالرحمن الملوكية ، وبالتالي اعتمدت وبشكل رئيس على الرأي القبلي لمقاومتها وإضعاف نفوذ حزب الأمة في المناطق الريفية . وفي مناسبات مختلفة ، ألقى السيد عبد الرحمن باللوم على الحكومة لتشكيل الحزب الجمهوري الاشتراكي واعتقد أن لها علاقة كبيرة بقيامه . وعلق روبرتسون بأن ذلك صحيح إلى حد ما فقد طلبوا من زعماء القبائل أن يتحدوا ويعبروا عن رأيهم . (67) وأعرب السيد عبدالرحمن عن أسفه بأن يسمح روبرتسون بقيام الحزب الجمهوري الاشتراكي لأن في ذلك كسر لوحدة الاستقلاليين وتسبب في خسارة حزب الأمة . وجاء رد روبرتسون بأن العديد من المستقلين لا يستطيعون الانضمام إلى حزب الأمة بسبب ارتباطه ببيت المهدي . وقال السيد عبدالرحمن إن مفتشي المراكز والنظار يشجعون المواطنين الذين دعموا الأمة في السابق للانضمام إلى الحزب الجمهوري الاشتراكي .. أجاب روبرتسون أنه بقدر ما يتعلق الأمر بالنظارفقد شجعوهم على التعبير عن آرائهم ، أما بالنسبة لمفتشي المراكز فقد التزموا الحياد.(68)
ارتكز قلق السيد عبدالرحمن بصفة خاصة على نشاط الحزب الجمهوري الاشتراكي وما يقوم به من دعاية خبيثة بأنه يسعى لتتويج نفسه ملكاً على السودان ، وقد نفى ذلك بشكل قاطع في مناسبات عديدة . ومع ذلك استمرت الشائعات وقد خلص إلى أنها من تدبير الحكومة . (69) هذا وقد آمن الأمين العام للحزب الجمهوري الاشتراكي بطموحات السيد عبدالرحمن الملكية ، وأعرب عن عدم ثقته في السيد عبدالرحمن الذي يحاط بعصابة من السياسيين الانتهازيين الذين يأملون في نظام ملكي يحقق لهم مكاسب شخصية . (70)
انزعج السيد عبدالرحمن بصفة خاصة من الحملة في كردفان ودارفور لجمع توقيعات مؤيدة لحكومة السودان ، وأثار بيان صدر مؤخرًا عن زعماء النوبة بأنهم لا يريدون أي تغيير قلقه . وقد كتب روبرتسون إلى مديري المديريات بأن أي دعم يقدم للحزب الجمهوري الاشتراكي لا ينبغي أن يؤخذ على أنه هجوم مباشر على حزب الأمة ”.(71) وأصبحت حكومة السودان قلقة لأن الحزب الجمهوري الاشتراكي أصبح مناهضًا للمهدية وإذا ما ركز على ذلك ، فقد يؤدي ذلك إلى انقسام الأحزاب الاستقلالية مما ينتج عنه ردة فعل قوية لدى السيد عبد الرحمن.(72) ووفقًا لهندرسون ، فقد كان السيد عبد الرحمن غاضبًا من قيام الحزب الجمهوري الاشتراكي ويعتقد أن ديزموند هوكسورث هو الذي اخترع قيامه. (73)
يعرف عن حزب الأمة مقاومته لأي نوع من أنواع السيادة المصرية على السودان ، لكن ردة الفعل القوية للحزب على قيام الحزب الجمهوري الاشتراكي دفعته لتبني سياسة مناورات مع الحكومة المصرية . بدأت المناورة الأولى عندما استجاب لدعوة وجهتها الحكومة المصرية في مايو 1952م إلى السيد عبدالرحمن لزيارة القاهرة لإجراء محادثات حول قضية السودان . شكل السيد عبدالرحمن وفداً من حزب الأمة سافر إلى القاهرة ولكن لم تكن هناك نتائج إيجابية من المحادثات التي تلت ذلك . وكان الإصرار المصري على الاعتراف بلقب الملك فاروق على السودان السبب الرئيس لإفشال هذهـ المحادثات . مرة أخرى ، أخطأت حكومة السودان التقدير عندما علقت بأن ذهاب وفد من حزب الأمة إلى القاهرة منح الفرصة للحزب الجمهوري الاشتراكي بأن يظهر بأنه بطل الاستقلال الحقيقي الوحيد . (74)

33- Declaration by Nazirs and Tribal Chiefs, no date, SAD 534/11/3, Also Al-Sudan A Jadid, 17 Nov. 1951, Vol.51..
34- نفس المصدر.
35- . Robertson to J. Long, Malakal, 18 Nov. 1951, SAD
36- نفس المصدر.
37- تشكل مؤتمر الخريجين في فبراير 1983م واحتوت مذكرة مؤتمر الخريجين على أثني عشر بنداً وطالب البند الأول بمنح السودان الحكم الذاتي وتقرير المصير عند نهاية الحرب العالمية مباشرة.
38- . Note by H.B. Arber, Sudan Political Service 1928-54, no date, SAD
39- . Formation of the Socialist Republican Party: letter from C.G. Davies to R. Allen. Enclosure: Extract from a letter from Sir J Robertson (17 Nov.). Minute by R.C. Mackworth-Young, 3 Dec. 1951, PRO F0371/90114
40- 0. Sudan Political Intelligence Summary, Dec. 1951-Jan. 1952, PRO F0371
41- . Formation of the Socialist Republican Party: letter from C.G. Davies to R. Allen. Enclosure: Extract from a letter from Sir J Robertson (17 Nov.). Minute by R C Mackworth-Young, 3 Dec. 1951, PRO F037I/90114
42- نفس المصدر.
43- نفس المصدر.
44- نفس المصدر.
45- نفس المصدر.
46- نفس المصدر.
47- . Note by Robertson on S.A.R.’s Memorandum to Mr. Eden, 7 Oct. 1952, SAD
48- . M.W. Daly, Imperial Sudan The Anglo – Egyptian Condominium 1934 – 1956, (Cambridge: Cambridge University Press 1991) p. 288
49- . Robertson to Mayall. 2 June 1945, SAD, 521/2/6
50- District Commissioner, Kutum to Henderson, 23 Jan. 1952, SAD 534/1/9
51- نفس المصدر
52- نفس المصدر
53- صحيفة السودان الجديد ، 31 يناير 1952م .
54- من العوامل المحركة لاختيار إبراهيم بدري رئيساً للحزب معلوماته ومعرفته الثرة بالجنوب ، وكان من المشاركين في مؤتمر جوبا 1947م ، وعمل مأموراً برمبيك في جنوب السودان .
55- . The Socialist Republican Party, by Ibrahim Bedri, Secretary General, Socialist Republican Party, Sudan Archive Durham, 543/11/7. no date,
56- نفس المصدر.
57- . Letter from M.A. Abu Sin to R.E.H. Baily, 20 Dec. 1951, SAD
58- . District Commissioner, Darfur, to Governor, Darfur, 23 Jan. 1952,
59- فدوى عبد الرحمن علي طه ، كيف نال السودان استقلاله ، دراسة تاريخية لاتفاقية الحكم الذاتي وتقرير المصير للسودان 12 فبراير 1953م بين الحكومتين المصرية والبريطانية ، طبعة ثانية ، مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي ، أم درمان . مؤسس الحزب المهندس محمود محمد طه الذي اغتاله نظام النميري لمعارضته لما سمي بقوانين الشريعة الإسلامية.
60- صحيفة السودان الجديد، 18 مارس 1952م.
61- نفس المصدر.
62- نفس المصدر.
63- . Sudan Political Intelligence Summary, Dec 1951- Jan 1952. PRO F0371/96846
64- . Robertson, Civil Secretary to Davies, Sudan Agent, London, 2 Jan. 1952, SAD/523/1/1
65- . District Commissioner, Darfur, to Governor, Darfur, 23 Jan. 1952, The Henderson’s Papers, SAD 534/11/9.
66- صحيفة السودان الجديد، 14 يناير 1952.
67- Robertson, Civil Secretary to Davies, Sudan Agent, London, 15 Feb. 1952, SAD 523/1/53
68- Record of conversation between his Excellency the Governor-General and Sayed Abdel Rahman el Mahdi, 19 Feb. 1952, SAD 696/2/1
69- Note on conversation: Mr. G.W. Bell and Ibrahim Bedri, 15 June 1952, SAD 696/2/7
70- Robertson, Civil Secretary to Davies, Sudan Agent, London, 2 Jan. 1952, SAD 523/1/1.
71- Robertson, Civil Secretary to Davies, Sudan Agent, London, 11 Oct. 1952, SAD 523/1/10.
72- G. Warburg, Historical Discord in the Nile Valley (London: C. Hurst & Co, 1992), p.84. Warburg had an interview with K.D.D. Henderson, who served in Khartoum for many years.
73- Sudan Political Intelligence Summary, May-June 1952, PRO F0371/96847.
74- Robertson, Civil Secretary to Davies, Sudan Agent, London, 19 Nov. 1952, SAD 523/4/69.
نواصل…………




elmhasi 26-08-2021 09:52 PM

اقتباس:


الحزب الجمهوري الاشتراكي 1951م – 1954م “حزب وسط دون مقومات” (3)
..
بقلم : بروفسور/ فدوى عبد الرحمن علي طه/ جامعة الخرطوم
رئيس التحرير: طارق الجزولي رُفع بواسطة رئيس التحرير: طارق الجزولي
29 يوليو, 2021م

وفرت الثورة المصرية في 23 يوليو 1952م فرصة لحزب الأمة والسيد عبدالرحمن لتنفيذ انقلاب كامل على حكومة السودان . فمع اعتراف القادة الجدد بحق الشعب السوداني في الحكم الذاتي وتقرير المصير ، أبدى حزب الأمة استعدادهـ للتفاوض وإبرام اتفاق مع الحكومة المصرية في 29 أكتوبر 1952م. وقد أزعج هذا الاتفاق حكومة السودان حيث انحاز حزب الأمة إلى الجانب المصري ضدها . ومشيراً إلى هذهـ الاتفاقية قال محمد الخليفة شريف ، عضو حزب الأمة ، لروبرتسون لم يكن هذا ليحدث لولا تشجيع البريطانيين لقيام الحزب الجمهوري الاشتراكي ، وأن هوكسورث كونه أيرلندياً قد أقام الحزب الجمهوري الاشتراكي من أجل إلحاق الضرر بالبريطانيين . (75)
عزا روبرتسون موقف حزب الأمة والإبرام اللاحق لاتفاقية 12 فبراير 1953م حول الحكم الذاتي وتقرير المصير لإقصائهم لحزب الأمة وذلك بتشجيع قيام الحزب الجمهوري الاشتراكي . وأخبر وكيل حكومة السودان في لندن بعد يوم من توقيع الاتفاقية ” “لكنني بطريقة ما أشعر أنه كان يجب أن أكون قادرًا على منع حدوث ذلك وربما كنت أفضل قبل ثمانية عشر شهرًا لو لم أشجع قيام الحزب الجمهوري الاشتراكي ومقاومة الطموح المهدوي .”(76)
وصف المؤرخ مارتن دالي الوضع بالكامل في كلمات قليلة إذ قال” في أعلى المؤسسة البريطانية ، بالكاد كانت هناك فرحة خفية حول هذا الانقلاب (تشكيل حزب الجمهوري الاشتراكي) ، ولكن ما تم إحرازهـ بالفعل كان العداء الدائم لـلسيد عبد الرحمن”.(77) ويعتقد المؤرخ قبريال واربورغ أن كبار أعضاء الخدمة السياسية السودانية لم يدركوا عواقب هذه المغامرة ، وكان يتوجب عليهم بعد كل هذه السنين فهم أن الطائفة السياسية راسخة ولا تجدي محاولة تقويضها . (78)
نكبت حكومة السودان أيضاً بعدم مباركة السيد علي الميرغني أو تقديمه أي دعم للحزب الجمهوري الاشتراكي ، وظل الأمر مجرد أمنيات . فقد فقد السيد علي الثقة بشكل دائم في حكومة السودان منذ حادثة السيف المذكورة سابقًا في هذا البحث . وبقي اعتقادهـ راسخاً بأن حكومة السودان تعمل على تعزيز مصالح السيد عبدالرحمن المهدي . وكان أول مؤشر لذلك عندما دعم حزب الأشقاء في انتخابات مؤتمر الخريجين لعام 1944م .
وعندما أجريت الانتخابات البرلمانية الأولى في أواخر عام 1953م ، كان أقل دعم حصل عليه الحزب الجمهوري الاشتراكي في دارفور ، معقل السيد عبدالرحمن. ولم ترد أنباء عن حملة للحزب في المديريات ذات الأغلبية الختمية مثل كسلا والشمالية والخرطوم . ولم تكن التقارير المنسوبة لأبي رنات دقيقة وهي بأن السيد علي منح الحزب مباركته بقوله أن لا مانع لديه من أن ينضم أتباعه إلى الحزب الجمهوري الاشتراكي وذكرهـ ذلك لمحرر “صوت السودان” جريدة الختمية . وإذا ما سلمنا بصحة ما ذكرهـ أبو رنات فيجب أن يؤخذ في سياق سياسة السيد علي المعروفة بإعلان أنه ليس لديه أي اعتراض على انضمام أتباعه إلى أي حزب يريدون . ومع ذلك ، كان أبو رنات على علم بحقيقة أن السيد علي الميرغني لم يدعم برنامج الحزب الجمهوري الاشتراكي بالكامل ، حيث قال : “كان هذا كل ما نريدهـ من السيد علي ، لأنه إذا قدم لهم أي دعم أقوى ، فقد يخيف أعضاء حزب الأمة الذين نأمل أن نجتذب منهم أعدادًا كبيرة أيضًا“. (79)
ذكر أبو رنات أيضاً الدافع الخفي لحكومة السودان لتشجيع قيام الحزب الجمهوري الاشتراكي وقال إنه وبغض النظر عن إنكار حزب الأمة لمسألة طموحات السيد عبدالرحمن الملوكية فلا أحد يصدقهم حقًا ، وأن هدف المروجين لقيام للحزب هو جذب العناصر المعتدلة من جميع الطرق الصوفية في حزب وسط قوي واحد ، واعتقدوا أنه سيحظى بدعم غالبية السودانيين .(80) كان حزب الأشقاء الداعم للاتحاد مع مصر هو حزب الوسط وهو الحزب الذي رفض جميع دعوات حكومة السودان للمشاركة في مؤسسات الحكم الذاتي . وكتب خضر حمد ، عضو حزب الاتحاديين في مذكراته أن حكومة السودان شكلت الحزب الجمهوري الاشتراكي كبديل لحزب الأشقاء الذي وقف ضد الجمعية التشريعية . (81)
لم يؤيد السيد علي الميرغني الحزب الجمهوري الاشتراكي وتكشف الوثائق البريطانية هذهـ الحقيقة . وفي اشارة الى دعوة الحكومة المصرية لحزب الأمة في مايو 1952م والتي سبقت الإشارة إليها فقد جاء في موجز الاستخبارات السياسية للسودان أن السيد علي الميرغني هدد بأن أي اتفاق بين المهدي ومصر سيتبعه دعمه الفوري والعلني لبرنامج الحزب الجمهوري الاشتراكي .(82) وأكد الحاكم العام ذلك في مراسلات إلى وزارة الخارجية. (83) وما يهم هنا ولغرض هذا البحث أن تصريحات السيد علي الميرغني تؤكد أنه وحتى يونيو 1952م لم يكن هناك دعم من قبل الختمية للحزب الجمهوري الاشتراكي. كما فقدت حكومة السودان السيطرة على الأوضاع بعد تغير الحكم في مصر في 23 يوليو 1952م . هذا رغم حثها لوزارة الخارجية وبعد أسبوع من وقوع الانقلاب لإجراء الانتخابات في السودان لعزم الختمية على خوضها . (84) كما أقنعت وزارة الخارجية بالموافقة العلنية على قانون الحكم الذاتي قبل زيارة السيد عبدالرحمن المرتقبة إلى بريطانيا . (85) ففي حالة الإدلاء بمثل هذا التصريح بعد هذهـ الزيارة ، فسيشعر السيد علي الميرغني بأن شكوكه في المؤامرات الملكية كانت مبررة، وسيقاطع الختمية الانتخابات. كان هذا تفاؤلاً غير مبرر من قبل حكومة السودان إذ لم تخامر الختمية فكرة خوض تلك الانتخابات .
أطاح انقلاب عسكري في 23 يوليو 1952م بالحكومة المصرية التي وضعت حدًا للنظام الملكي . وقبل استئناف المفاوضات مع بريطانيا بشأن السودان ، تواصل قادة الثورة المصرية مع كل من الجبهة الاستقلالية والأحزاب الاتحادية . كما تم توجيه دعوة من الحكومة المصرية إلى الحزب الجمهوري الاشتراكي في 30 سبتمبر 1952م . وكان من الصعب على الحزب الجمهوري الاشتراكي رفض دعوة القاهرة ، في الوقت الذي رحب بها الفصيلان المهمان في الحركة الوطنية ، الأحزاب الاستقلالية والأحزاب الاتحادية . وربما شعر هذا الحزب المشكل حديثًا أن قبوله لهذهـ الدعوة سيزيد من شعبيته ويحررهـ من الاتهام بأنه صنيعة بريطانية . ومع ذلك ، فإن مزيدًا من العزلة على الحزب نتجت عن تمسكه برأي حكومة السودان بشأن المفاوضات التي أجريت مع الحكومة المصرية ، وتحديداً المسؤوليات الخاصة للحاكم العام تجاه الجنوب ، والانتخابات المباشرة ، ومسألة السودنة . (87)
عارض أعضاء الحزب الجمهوري الاشتراكي الذين تفاوضوا في القاهرة حذف المسؤوليات الخاصة للحاكم العام تجاهـ الجنوب من قانون الحكم الذاتي . وجادلوا بأن أعضاء الحزب في الجمعية التشريعية اقتنعوا بعد مناقشات مطولة في المجلس بضرورة الحفاظ على هذهـ المسؤوليات دون المساس بوحدة السودان . وزعم مندوبو الحزب الجمهوري الاشتراكي أن حزبهم ملزم بالإصرار على ضمانات للجنوب ، لأنه الحزب الوحيد الذي يمثل فيه جنوب السودان . وأكدوا استحالة إجراء انتخابات مباشرة في جميع أنحاء شمال السودان . (88) أما بالنسبة للسودنة ، فإن الاختلاف بين الجانبين لم يكن من حيث المبدأ نفسه ، ولكن في توقيتها ، فقد شعر الحزب الجمهوري الاشتراكي أن التسرع في السودنة ، خاصة في الوظائف الفنية ، من شأنه أن يشل الإدارة . (89)
اختلفت اتفاقية 3 نوفمبر 1952م الموقعة مع الحزب الجمهوري الاشتراكي والحكومة المصرية عن تلك المبرمة مع الجبهة الاستقلالية بزعامة حزب الأمة في ثلاث نقاط ؛ فبينما وافقت الجبهة الاستقلالية على حذف الجزء الأساسي الذي يتناول مسؤوليات الحاكم العام تجاهـ الجنوب من دستور الحكم الذاتي ، وأصر الحزب الجمهوري الاشتراكي على الإبقاء عليها ، (90) ووافق على إنشاء لجنة للسودنة لكن رفض تحديد وقت لإنجازها ، واكتفى بأن يكون في أسرع وقت ممكن . واختلف الحزب الجمهوري الاشتراكي مع الجبهة الاستقلالية في مسألة الانتخابات المباشرة في شمال السودان ، فقد أصرت الجبهة الاستقلالية عليها إصراراً يبدو أن دافعه هو تخوف حزب الأمة من أن يستفيد الحزب الجمهوري الاشتراكي من تأثير زعماء القبائل والبريطانيين بتحقيق نتائج أفضل في انتخابات غير مباشرة . (91) وكما كان الحال مع الجبهة الاستقلالية ، فقد فوض الحزب الجمهوري الاشتراكي الحكومة المصرية بأن تدرج في تعديلاتها المقترحة على دستور الحكم الذاتي النقاط التي تم التوصل إلى اتفاق بشأنها . وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحكومة المصرية تجاهلت وجهة نظر الحزب الجمهوري الاشتراكي فيما يتعلق بالجنوب والسودنة والانتخابات المباشرة . وكانت المذكرة المصرية المرسلة إلى الحكومة البريطانية في 2 نوفمبر 1952م مشابهة لاتفاقهم مع الجبهة الاستقلالية . وقد استغلت حكومة السودان هذا لاحقًا لتعقيد المفاوضات الإنجليزية – المصرية حول السودان ، خاصة وأن التحفظات الثلاثة للحزب الجمهوري الاشتراكي كانت هي القضايا الشائكة . وقد أجبر ذلك الحكومة المصرية على توقيع اتفاقية أخرى مع الأحزاب السياسية السودانية من أجل حرمان الحكومة السودانية من الذريعة التي استخدمتها لعرقلة المفاوضات ، وهي الاختلافات في الوثائق الموقعة في القاهرة مع هذهـ الأطراف . وقد وقع اثنان من الأعضاء المؤسسين للحزب الجمهوري الاشتراكي على الاتفاق المبرم في 10 يناير 1953م بين الحكومة المصرية والأحزاب السياسية السودانية . وأيد الحزب الجمهوري الاشتراكي موقف العضوين .
ولعل أهم جانب في اتفاقية 10 يناير 1953م تعهد الأحزاب السياسية بمقاطعة أي انتخابات تجري بموجب دستور لا يتضمن ما اتفق عليه . كان هذا بالفعل بمثابة خيبة أمل أخرى لحكومة السودان ، التي استمرت في التأكيد على أنه يمكن إقناع حزب الأمة والحزب الجمهوري الاشتراكي بالمشاركة في الانتخابات التي تجرى بشروطها . فقد أكد قادة حزب الأمة وحزب الجمهوري الاشتراكي أن همهم الأساس هو الاستفادة الفورية والكاملة من التنازلات التي قدمتها الحكومة المصرية ، أي الاعتراف بحق الحكم الذاتي وتقرير المصير . وفي لحظة من اليأس ، أخبر روبرتسون وكيل حكومة السودان في لندن ، “قبل عشر سنوات ، إذا خرجنا جميعًا ودعمنا السيد عبدالرحمن ، وجعلناهـ ملكًا ، فربما نكون قد أفلحنا وتركنا نوعًا من الملكية في السودان الذي يحكم نفسه بنفسه ، لكنني ما زلت لا أعتقد أن هذا كان سيكون المسارالصحيح“. (92)
أجريت أول انتخابات برلمانية في نوفمبر 1953م . على الرغم من أنه كان من الواضح أن الحزب الجمهوري الاشتراكي سيحصد عددًا قليلاً من المقاعد ، إلا أنه خاض الانتخابات . وبصرف النظر عن الظروف المحيطة بتشكيله التي ناقشناها أعلاهـ ، لم يكن للحزب دعم طائفي . على الرغم من أنه يمكن القول ، بحسابات بسيطة ، أن الشيوخ يمثلون غالبية كبيرة من السودانيين ، إلا أنه لم يكن لديهم جهاز حزبي ولا برنامج حقيقي . بالإضافة إلى ذلك ، لم يكونوا بعد شخصيات مؤثرة في مناطق يسيطر عليها الأنصار كما في دارفور والختمية كما في شمال وشرق السودان ، والتي سيختار الناخب فيها المرشح المدعوم من أحد الطائفتين .(93) وزعم إبراهيم بدري الأمين العام للحزب الجمهوري الاشتراكي أن الحزب يمثل 100% من سكان دارفور بالإضافة إلى %100 في جنوب السودان و 83 % من سكان كردفان .(94) وأثبتت نتائج الانتخابات أن الأمر لم يكن كذلك ؛ فقد قام قادة حزب الأمة والحزب الوطني الاتحادي بجولة في دارفور ، واجتذبوا حشود كبيرة . وفاز الحزب الجمهوري الاشتراكي بمقعد واحد فقط في دارفور ولم يفز بمقعد في كردفان .
بالرغم من من ادعاء الحزب الجمهوري الاشتراكي أنه يتحدث نيابة عن الجنوب لكنه لم يفز بمقعد واحد هناك . فقد تسبب الحزب في نفور الجنوبيين مرتين . أولاً لم يدرجوا جنوبياً واحداً في وفدهم إلى القاهرة . ثانياً عندما وقع الأعضاء المؤسسون للحزب اتفاق 10 يناير للأحزاب السياسية مع الصاغ صلاح سالم ، وافقوا على إلغاء مسؤوليات الحاكم العام الخاصة تجاهـ الجنوب من الدستور. وشكل الجنوبيون حزبا خاصا بهم ، حزب الجنوب ، الذي فاز بسبعة مقاعد في البرلمان ، وفاز الجنوبيون المستقلون بـ18 دائرة انتخابية في الجنوب .
توقعت حكومة السودان أداءً ضعيفاً للحزب الجمهوري الاشتراكي ، ففي أوائل عام 1952م ، لم يعتقد روبرتسون أن الحزب الجمهوري الاشتراكي سيحرز تقدماً نظراً لعدم وجود قادة حقيقيين ، ويمكن للسيد عبدالرحمن التأثير على قبيلة البقارة والغرب من خلال تأثيرهـ الديني . ولم يكن لإبراهيم بدري وإبراهيم موسى والبقية مثل هذا التأثير . (95) ومع ذلك ، استخدم روبرتسون الازدواجية في مراسلاته مع لندن . وبينما كان صريحًا مع وكيل حكومة السودان في لندن في نقل الموقف الحقيقي للحزب الجمهوري الاشتراكي ، نجدهـ في مكاتباته إلى وزارة الخارجية ، يفيد بأن حزب الوسط الجديد يكتسب قوة ، وقيل إنه أصدر بالفعل 300000 بطاقة عضوية ، ويأمل أن تصل المليون قريبًا ، وأن بعض الشيوخ كانوا يأخذون الأمر على محمل الجد ويدعون أفراد القبيلة للتسجيل للحزب . (96)
أملت حكومة السودان في أن يتعاون الحزب الجمهوري الاشتراكي مع الختمية في الانتخابات البرلمانية . وكما هو متوقع ، فقد دعمت طائفة الختمية الحزب الوطني الاتحادي . لا ينبغي أن يكون هذا مفاجأة لحكومة السودان فقد فعلها السيد علي الميرغني قبل ذلك عندما دعم الأحزاب الاتحادية في انتخابات مؤتمر الخريجين لعام 1944م . بالإضافة إلى ذلك فقد عرف عن حزب الجبهة الوطنية انتماءاته الختمية وقد اندمج مع الأحزاب الاتحادية الأخرى لتشكيل الحزب الوطني الاتحادي في 2 نوفمبر 1952م لخوض الانتخابات كمعسكر واحد. وكان الحزب الوطني الاتحادي أكثر خبرة سياسيًا من حزب الأمة والحزب الجمهوري الاشتراكي. وكانت حملة حزب الأشقاء ضد البريطانيين ، لا سيما خلال الفترة 1948م - 1952م ، عاملاً مهمًا في شعبيته بين الجماهير خاصة في المدن والمراكز الحضرية . ومع ذلك ، عزا البريطانيون هزيمة حزب الأمة إلى فشلهم في تشكيل كتلة استقلالية مع حزب الجمهوري الاشتراكي .(97) وكان هذا عاملاً ضئيلاً لأن هذا الحزب لم يكن يحظى بشعبية وقد فاز في واقع الأمر بثلاثة مقاعد فقط في البرلمان ، مع 51 مقعدًا للحزب الوطني الاتحادي و22 مقعدا لحزب الأمة للأمة . فاز الحزب الجمهوري الاشتراكي بثلاث دوائر هي : عبد الحميد موسى مادبو ، دائرة البقارة ، دارفور ، محمد أحمد أبو سن ، دائرة رفاعة ، النيل الأزرق ، يوسف العجب ، دائرة الفونج ، النيل الأزرق . وكافأ الحاكم العام ابراهيم بدري الأمين العام للحزب بتعيينه عضواً في مجلس الشيوخ . ولا عجب أن اختفى الحزب الجمهوري الاشتراكي من الخريطة السياسية للسودان . وانضم اثنان من الثلاثة أعضاء ، مادبو والعجب ، إلى حزب الأمة . وانضم أبوسن الى حزب الشعب الديمقراطي عند تشكيله في منتصف عام 1956م .
نختم بالقول إن حكومة السودان شجعت قيام الحزب الجمهوري الاشتراكي لخدمة أغراض هي جذب الختمية إلى مؤسسات الحكم الذاتي ، عزل حزب الأشقاء ، سلب موقع حزب الأمة القوي في الجمعية التشريعية ، وتشكيل معارضة ضد تحديد وقت للحكم الذاتي وتقرير المصير وضد طموحات السيد عبدالرحمن الملوكية . ولم يستطع الحزب الجمهوري الاشتراكي الذي ولد كعميل لحكومة السودان تحقيق أي من هذهـ الأغراض . كما أن تشكيله جاء في وقت غير مناسب ، حيث أنه بحلول عام 1951م ، كان هيكل الأحزاب السياسية قد رسم وتكون ولا يمكن تغييرهـ ، وكانت حكومة السودان تكرر في نفس أخطاء عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي بالاعتماد على زعماء القبائل لتشكيل هذا الحزب . كما كانت موجة الأحداث على الصعيدين الوطني والدولي ضد الحكومة ، وقد فات الأوان لتشكيل “حزب وسط” كما أملت الحكومة . وانقسم ولاء القبائل بين طائفتي الختمية والانصار . وافتقر الحزب الجمهوري الاشتراكي إلى مقومات البقاء : الدعم الطائفي والجهاز الحزبي والدعم المالي . وما تم تحقيقه فعلا بقيام هذا الحزب هو استحكام العداء مع السيد عبدالرحمن المهدي الحليف لحكومة السودان دون كسب ثقة السيد علي الميرغني .
75- Robertson, Civil Secretary to Davies, Sudan Agent, London, 13 Feb. 1953, SAD523/7/1
76- Robertson, Civil Secretary to Davies, Sudan Agent, London, 13 Feb. 1953, SAD523/7/1
77- M.W. Daly, Darfur’s Sorrow A History of Destruction and Genocide (Cambridge: Cambridge University Press 2007), p. 17
78- Warburg, Historical Discord in the Nile Valley, p.84
79- District Commissioner, Kutum, to Governor, Darfur, 23 Jan. 1952, SAD 534/11
80- District Commissioner, Kutum, to Governor, Darfur referring to a letter from Judge Abu Rannat, 23 Jan. 1952, SAD 534/11/9
81- خضر حمد، مذكرات خضر حمد، الحركة الوطنية السودانية الاستقلال وما بعده (مكتبة الشرق والغرب، الشارقة 1980) ص 168.
82- Sudan Political Intelligence Summary, May-June 1952, PRO F0371/9684
83- Governor-General to the Foreign Office, 9 June 1952, PRO FO 371/96906
84- Governor-General to Foreign Office, 31 July 1952 July, PRO FO 371/96908
85- استخدمت مداولات لجنة تعديل الدستور في وضع مسودة دستور الحكم الذاتي التي أجازتها الجمعية التشريعية في أبريل 1952م ورفعها الحاكم العام إلى دولتي الحكم الثنائي في مايو 1952م.
86- Governor-General, Khartoum, to Foreign Office, 21 Sept. 1952. PRO FO 371
87- For details about the negotiations between the SRP and the Egyptian government see: F. Taha, ‘The Sudanese Factor in the 1952-53 Anglo-Egyptian Negotiations’, Middle Eastern Studies, Vol.44, No.4 (July 2008), pp.603-31
88- Sudan Political Intelligence Summary, Oct.-Nov. 1952, PRO FO 371/96948. Also Agreement between the Socialist Republican Party and the Egyptian Government, 3 Nov. 1952, PRO FO 371/ 96912
89- Sudan Political Intelligence Summary, Oct.-Nov. 1952, PRO FO 371/96912
90- Agreement between the Socialist Republican Party and the Egyptian Government, 3 Nov. 1952, PRO FO 371/96912.
91- Report of a meeting between the Secretary of State and S.A.R. al-Mahdi, 10 Oct. 1952, PRO FO 371/ 9691020 Feb. 1953,
92- Davies, Sudan Agent, London, to Robertson, Civil Secretary, Sudan Government, 20 Feb. 1953, SAD 523/7/19
93- Daly, Imperial Sudan, p.288.
94- Ibrahim Bedri, ‘The Socialist Republican Party’, n.d., SAD 534/11.
95- Robertson, Civil Secretary to Davies, Sudan Agent, London, 16 March 1952, SAD 523/2/15
96- Robertson, Civil Secretary, Sudan Government, to Allen, Foreign Office, 10 Oct. 1952, SAD
97- The Sudan: Conversation with SAR, 2 Dec. 1953, PRO FO 371/102760.

drfadwa@hotmail.com





الساعة الآن 07:33 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.