| 
				  
 وكحال الكثير من المجتمعات ، عرف السودان الرق ، منذ الممالك النوبية القديمة ، و كانت تجارة الرقيق ، إحدى مصادر الدخل ، لهذه الممالك( ). ولكن شح المراجع ، في هذا الموضوع ، لا يتيح لنا معرفة ما إذا كانت الجواري في تاريخ السودان القديم قد مُيزن بلباس خاص أم لا ؟ 
 الشاهد أن النساء في العديد من مناطق السودان لم يعرفن الملابس ، ويرتدين فقط ما يعرف بالرحط( ) ( صورة رقم36) ، وقد كان هو الزي السائد إلى فترات تاريخية حديثة نسبياً ( حتى الثلث الأول القرن الماضي ). ولكن وفي فترات لاحقة عندما عرفت نساء السودان اللباس وتغطية الرأس ، ظهرت الأعراف التي تنظم لباس النساء المسترقات.
 
 انقسمت أوضاع المسترقات في المجتمع السوداني إلى خمس درجات هي :
 1- الجارية ( الخادم ):
 
 جاء في قاموس اللهجة العامية في السودان أن " الخادم (س ) والجارية (ف) الذي يخدم للأنثى . منه المثل ( لا يجر ولا يخلي الخادم تجر ) (...) ونقول خادم الفكي مجبورة على الصلاة  . و فلان قاعد زي خادم التكل . " ( ) ، ولا يطلق لفظ " خادم" للرجل في السودان ، وإنما يقال له " عب " أو " عبد" . والخادم تكون للخدمة المنزلية فقط ، بينما يعمل العبيد في الخدمة خارج المنزل في الحقول وغيرها.
 
 ولم تكن الأعراف تسمح للخدم بتغطية رؤوسهن ، ولا زالت الأمهات في السودان ينهين بناتهن عن السير دون وضع غطـاء الرأس بقولهن ( ارفعي مقنعك ما تمشي زي الخدم ) أو ( ما تمشي متل الفاتية ). واستخدام مفردة (فاتية) بدلاً عن مفردة ( خادم ) في مواعظ الأمهات السودانية ، يشير إلى أن استغلال الخدم في تجارة الجسد كان سائداً ، إذ أن مفردة فاتية تعني عاهرة ( ) .
 
 2- الخليلة :
 هي الخليلة المعروفة في اللغة العربية ، وهي جارية المتعة ، وتسري عليها نفس الأوضاع بشأن اللباس ، فلا يسمح لها بتغطية رأسها .
 
 3- السرية :
 والتسري معروف عند العرب وفي ثقافتهم ، وجاء في قاموس اللهجة العامية أن "السرية الأمة التي يتزوجها سيدها وولدها حر" ( ) . وترتدي السرية ما ترديه الحرائر ، فتضع غطاء على رأسها .
 
 4-أم الولد :
 أم الولد هي الجارية ، التي تنجب ولداً ذكراً ، فيقوم سيدها (بتقنيعها) وتحريرها وعتقها . وجاء في لسان العرب أن " المِقْنَعُ والمِقْنَعةُ؛: ما تُغَطِّي به المرأَةُ، رأْسَها ، وفي الصحاح: ما تُقَنِّعُ به المرأَةُ رأْسَها، (...) وقَنَّعْتُها: أَلبستها القِناعَ فتَقنَّعَتْ به؛ والقِناعُ والمِقْنَعةُ: ما تتَقَنَّعُ به المرأَةُ من ثوب تُغَطِّي رأْسَها ومحاسِنَها." ( ) . وجاء في قاموس مختار الصحاح أن " المِقْنَعُ و المِقْنَعَةُ بكسر أولهما ما تقنع به المرأة رأسها و القِنَاعُ أوسع من المِقنعة" ( ) . وجاء في قاموس اللهجة العامية " القناع (ف) المٌقنع (س) ما تغطي به المرأة رأسها" ( ).
 
 و ( التقنيع) في المجتمعات السودانية التي عرفت الرق ، يشبه ما كان يحدث عند الآشوريين ، عندما يرغب احدهم في عتق محظيته ، فهو يتم بشهود ، وعندما تسبل الجارية مقنعها ، تصبح حرة ، ويعتبر أولادها ، أبناء شرعيين ، حتى أولئك الذين أنجبتهم قبل تقنيعها.
 
 5- المعتقة :
 هي الجارية أو الخادم، التي يتم عتقها لأي سبب من أسباب العتق . فتصبح حرة، وتسري عليها الأحكام العرفية والفقهية، التي تسري على الحرة. وتلبس ما تلبسه الحرائر .
 
 وقد يفسر التلازم بين غطاء الرأس ، والوضع الاجتماعي للحرائر والإماء ، المدح الذي يقال للرجال في شمال ووسط السودان ، بوصفهم بـ (مقنع الكاشفات) . وقد ورد في قاموس اللهجة العامية أن "مقنع الكاشفات : يا من تغطي الكاشفات " ( ) .
 
 وهي قد أتت هذه التسمية من بالحروب القبلية التي عرفها المجتمع السوداني ، فعندما تكشف المرأة رأسها ، فإن ذلك يعني طلبها للحماية ، وأنها قبلت بالأخذ كسبية . وتوجب على فرسان القبيلة ، حماية نسائها من كشف رؤوسهن ، والاستبسال والموت دون ذلك ، ولذلك نجد أن نساء القبائل العربية في الشمال والوسط يمجدن ( مقنع الكاشفات ) في أشعارهن الشعبية ( ).
 
 وفي حالة السلم يعني كشف رأس المرأة ، أمام الرجل الغريب، عند طلبها لحاجة ما ، إلحاحها في تنفيذ هذه الحاجة ، وأنها دون ذلك سوف تصبح ذليلة ، فدور مقنع الكاشفات ، يتطلب من الرجل فعل المستحيل ، لتجنيب نساء قبيلته كشف رؤوسهن ، الذي يعني وضاعة وضعهن الاجتماعي ، وتشابه حالهن بحال المسترقات ، و إلا لحق به وبقبيلته العار .
 
 ولا زالت النساء السودانيات في الشمال والوسط ، يكشفن رؤوسهن عند التوسل في أضرحة الأولياء والصالحين . وعند الدعاء على من يظلمهن . فتقول أحداهن " كشفت راسي ودعيت " وهي متيقنة من أن الله سوف يستجيب لدعائها كونها ذليلة.
 
 وبينما يكون كشف رأس الحرائر ، إشارة ذل كما أوضحنا بعالية ، يكون كشف الرأس في ممارسات شعبية أخرى ، إشارة عز وأصل وجاه . ففي ما يعرف بالسيَّرة ، وهي خروج زفة العريس السوداني إلى بيت الزوجية ، كان التقليد عند الكثير من القبائل العربية في شمال ووسط السودان ، أن يركب العريس على جواد أصيل ، وان تمسك بنات عمومته برسن الجواد ، ويقدنه كاشفات عن رؤوسهن حتى منزل الزوجية ، وتتغنى المغنيات الشعبيات بذلك في ما يعرف بأغاني البنينة والعديلة والسيرة .
 
 وفي الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية في شمال ووسط السودان، حيث تســود رقصة (الحمامة) أو رقصة ( الرقبة ) ، يكون في تغطية شعر المرأة عند الرقص، أو عندما يأتي احد الحاضرين في الحفل لأخذ الشبال إهانة كبيرة له ، وإعلان من الراقصة عن رفضها منح الشبال لهذا الشخص ( ).
 
 
 
 |