عرض مشاركة واحدة
قديم 28-01-2006, 02:19 PM   #[27]
admin
Administrator
الصورة الرمزية admin
 
افتراضي

كتب خالد الحاج :

هل كانت مايو صنيعة شيوعية.
سبق إنقلاب مايو مجموعة من الأزمات والأحداث كان الحزب الشيوعي إما مؤثرآ فيها أو متأثرآ بها بالإضافة للأزمة الدستورية حيث شهدت البلاد خمسة حكومات خلال خمسة أعوام أي بمعدل حكومة كل عام. وكان هذا من ضمن ما رسخ الفكرة في الأذهان أن مايو ما هي إلا صنيعة شيوعية من ضمن تلك الأحداث حادثة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان . قضية الدستور الإسلامي ووقوف الحزب الشيوعي ضده.


اقتباس:
إن هناك طالبآ سفيهآ يقال إنه أساء للرسول الكريم والدين الإسلامي فقامت مظاهرات أمها المسلمون تطالب بحل الحزب الشيوعي. والنفترض أن أحد أعضاء الحزب الوطني الإتحادي تفوه بمثل ما تفوه به الطالب السفيه فماذا يكون موقف الوطني الإتحادي؟ ثم خاطب النواب قائلآ : رجائي أن تتركوا الحماس جانبآ وتحموا الديموقراطية التي عادت إلينا بعد تضحيات لم نبذل مثلها في معركة الإستقلال ، فتأكدوا أنها ستنزع برمتها منكم كما أنتزعت في الماضي... ولا أريد أن أسجل حربآ علي الديموقراطية. فخيرآ لأبنائي أن يدفنوني شهيدآ من شهداء الديمقراطية بدلآ من أن أعيش حيآ في عهد وأد الديموقراطية".
"حسن بابكر الحاج"
الحزب الوطني الإتحادي


(تعرضت البلاد لمجموعة من التحالفات والإنقسامات فانقسم حزب الأمة إلي جناح الإمام وجناح الصادق. واندمج الشعب الديمقراطي مع الوطني الإتحادي وكونا الإتحادي الديمقراطي. وكان لذلك الإضطراب في الخريطة السياسية أثاره السلبية مما دفع بعض الفئات للتفكير في قيام حكم عسكري يضع حد للعبث اللبرالي . وفات علي تلك الفئات أن
تلك التغيرات رغم سلبيتها كانت تتم بأسلوب سلمي داخل الأحزاب أو بالتصويت من داخل البرلمان بينما الأنظمة العسكرية لا تذهب إلا بالعنف وبتضحيات الشهداء.

ثم كانت الأزمة الدستورية وحل الحزب الشيوعي ومحنة القضاء. ولعل أخطر ما فيها إنها كشفت أن الأحزاب الحاكمة تتعامل مع الدستور بما يتفق مع مصالحها السياسية وأنها يمكن أن تعبث به متي ما تضارب ذلك مع تلك المصالح. فأفقدته مكانته السامية. وانفتح الطريق لكل عابث ليمزقه كما مزقته الأحزاب. فالمعركة التي إستهدفت الحزب الشيوعي طالت الأحزاب السياسية التي فجرتها بل أدخلت البلاد بأسرها في نفق الحكم الدكتاتوري المظلم.


تعرض الحزب الشيوعي للتجربة الديمقراطية في مؤتمره الرابع فقال : إن ضيق قوي اليمين بالنظام البرلماني قضية تستحق الإعتبار من قبل الشيوعيين وكل الحركة الثورية. لقد كشفت التكتيكات المرنة التي اتخذها حزبنا منذ الإنتصار الأول لقوي الثورة المضادة في الإنتخابات العامة والرجوع إلي البرلمانية الغربية وخلال الإعتداء علي حزبنا الخ، كشفت ضيق قوي اليمين بالنظام البرلماني وعدم قدرتها علي حكم البلاد بواسطته ومصادرة النشاط المتزايد للجماهير الثورية.


* الدستور الإسلامي :
كانت الجمعية التأسيسية قد فرغت في يناير من وضع مسودة للدستور عكست نفوذ القوي الداعية لدستور إسلامي وجمهورية رئاسية. ولكن الأزمة السياسية أدت إلي حل الجمعية التأسيسية في فبراير. وانتخبت الجمعية التأسيسية الجديدة لتتصدي لمواصلة وضع الدستور الإسلامي وأعلن محمد أحمد محجوب رئيس الوزراء أن وضع وإجازة الدستور الدائم للبلاد لا يخص الحكومة دون المعارضة وانما هو واجب قومي ووطني أوكلته جماهير الشعب للجمعية بمختلف وجهات نظرها السياسية والحزبية (مداولات الجمعية التأسيسية 10/6/1968

بيان جبهة الجنوب :
أبدت دوائر كثيرة داخل الوطني الإتحادي وخارجه رفضها لكثير من بنود الدستور . وأصدرت جبهة الجنوب بيانآ انتقدت فيه احتكار الحزبين الكبيرين للدستور الذي يهم كل قطاعات الشعب وليس مسؤلية حزب لمجرد أنه في الحكم. كما اعترضت مبدئيآ علي الدستور الإسلامي.

موقف الهيئات واتحادات الخريجين والمهنيين من الستور الإسلامي :
قامت برفع مذكرة موحدة تشمل رأيهم في الدستور المقبل ووقع عليها الإقتصاديون والجلوجيون والمحامون والمهندسون والمستشارون والقانونيون والمعلمون والأطباء والإداريون ومفتشوا وزارة المالية والتجارة وأساتذة الجامعة ومعهد المعلمين العالي والمعهد الفني.

أدت تلك الصراعات إلي إستقطاب حاد في الحياة السياسية السودانية حتي قبل أن يجاز الدستور الإسلامي ويطبق. وانفرزت قوتان ، واحدة ترفع راية الدولة الدينية وتتمتع بنفوذ سياسي واقتصادي منيع وسط القوي التقليدية وتسيطر علي الجمعية التأسيسية ويقودها الإمام الهادي والصادق المهدي وجبهة الميثاق الإسلامي. والقوي الثانية تدافع عن نفسها من خطر الدولة الدينية وما تحمله من مخاطر تهدد حريتها بل تهدد وجودها السياسي ، وتتمتع بنفوذ وسط القوي السياسية الحديثة في مواقع الإنتاج وتتصدرها الأحزاب الجنوبية والحزب الشيوعي والنقابات العمالية والمهنية.
(معالم في تأريخ الحزب الشيوعي السوداني 203 -208 )



حل الحزب الشيوعي وحادثة معهد المعلمين :

مساء الإثنين 9/11/1965 نظمت جبهة الميثاق الإسلامي (الإخوان المسلمين) ندوة في معهد المعلمين العالي في إمدرمان. ودار نقاش حول موضوع البغاء. فنهض طالب أعلن أنه ماركسي، وقال إن الزنا كان يمارس في بيت الرسول وخاض في حديث الإفك. وفجر الحديث مشاعر غاضبة وسط جمهور الطلبة،وأصدرت تنظيماتهم بيانات تدين الطالب وتطالب بمعاقبته. كما أصدرت رابطة الطلبة الشيوعيين بيانآ وضحت فيه أن الطالب ليس عضوآ في الحزب الشيوعي بل هو يصدر صحيفة حائطية يهاجم فيها الحزب. أما الإخوان المسلمين فقد حولوا المعركة نحو الحزب الشيوعي مصرّين علي أن الطالب عضو فيه، واتهموا الحزب بالكفر والإلحاد.
وتصاعد الموقف يوم الجمعة عندما خرجت عدة مظاهرات نظمها الإخوان في أمدرمان بعد الصلاة. واتجه المتظاهرون إلي منزل إسماعيل الأزهري رئيس مجلس السيادة. فخطب فيهم مؤكدآ أن الحكومة والجمعية التأسيسية ستضع حدآ لهذا الفساد، وإن لم تفعل فإنه سينزل معهم إلي الشارع لتطهير البلد . وكان ذلك منعطفآ حاسمآ وخطيرآ في تطور الأزمة. فدخول أزهري بثقله السياسي وبشعبيته حمل المعركة خارج قدرت الإخوان المسلمين المحدودة. كما أن أزهري قرر ما ستتخذه الجمعية التأسيسية بالنسبة للقضية قبل طرح الأمر عليها. ودخل أيضآ الإمام الهادي إلي المعركة واستدعي مجموعات من الأنصار إلي العاصمة.
ويبدو أن الأحزاب السياسية قررت إستغلال الحادث لتصفية حساباتها مع الحزب الشيوعي فدفعت بأعداد من مؤيديها لمهاجمة دور الحزب بالأسلحة وبأسلوب همجي أطلق عليه عبد الخالق "عنف البادية" وازداد تصاعد الموقف عندما قامت بعض جماهير الأحزاب بمحاصرة البرلمان مطالبة بحل الحزب الشيوعي. وتراجع موضوع الطالب الصفيق.
إجتمعت الجمعية التأسيسية في 15 نوفمبر 1965 وبدأت سلسلة الإجراءات العجولة، حيث علقت اللوائح وخرق الدستور واستخف بالأعراف والتقاليد السياسية والبرلمانية وأهينت الثقافة وامتهن الفكر.
فما الذي حدث؟ تقدم محمد أحمد محجوب زعيم الجمعية ورئيس الوزراء يطلب إلي رئيس الجمعية برفع المادة 25 ( من اللائحة الداخلية لمناقشة أمر عاجل. ثم قرأ الرئيس اقتراحآ تقدم به ستة أعضاء يقول " أنه من رأي الجمعية التأسيسية بالنسبة للأحداث التي جرت أخيرآ في العاصمة والأقاليم وبالنسبة لتجربة الحكم الديموقراطي في البلاد وفقدانه الحماية اللازمة لنموه وتطوره أنه من رأي الجمعية التأسيسية أن تكلف الحكومة للتقدم بمشروع قانون يحل بموجبه الحزب الشيوعي السوداني ويحرم بموجبه قيام أحزاب شيوعية أو أحزاب أو منظمات أخري تنطوي مبادئها علي الإلحاد أو الإستهتار بمعتقدات الناس أو ممارسة الأساليب الدكتاتورية".

وأعقب ذلك مناقشات مطولة هذه بعضها:

نائب الدائرة 187 :-
إن الشيوعية لا تؤمن بالديموقراطية ولا بوجود الله وتنظر إلي الدين مجرد مخدر للشعوب ودستورهم إلا ذر للرماد في العيون وأضاف بأن الشيوعية أفسدت الشباب وجعلتهم يدمنون شرب الخمر وتعاطي المخدرات.

نائب الدائرة 40 (محمد الكاروري)..
إن النظرية الشيوعية لا تؤمن بوجود الله وتري الحياة مادة والقرآن أساطير والسيرة خرافة والأنبياء أفاكيين.

وزير العدل (محمد إبراهيم خليل) :

بسم الله الرحمن الرحيم وكان لا بد أن أبدأ باسم الله لأرد علي الحزب الشيوعي الذي يستهل حديثه بإسم الإلحاد. ثم يستطرد أن الجمعية التأسيسية لن تحل الحزب الشيوعي بإسم الإلحاد بل بإسم الله والدين والوطن والتقاليد والأخلاق السمحة. وأكد أنه ليس من المهم إن كان الطالب شيوعي أو غير شيوعي لآننا نعرف أنه يسير بوحي العقيدة الشيوعية.

حسن الترابي :
ذهب الدكتور حسن الترابي العميد السابق لكلية الحقوق إلي أن حديث الطالب الغر ليس هو السبب الذي به يطالبون حل الحزب الشيوعي وضرب مثلآ بالرصاصة التي صرعت القرشي في 21 أكتوبر والتي أدت إلي ثورة ضد الحكم العسكري. فالثورة التي إندلعت لم تكن من أجل الإنتقام للقتيل (ولم يقل الشهيد). ولذلك فإن حديث طالب المعهد كان الشرارة التي أخرجت الناس للمطالبة بحل الحزب الشيوعي. ووجه للحزب الشيوعي خمس تهم هي : الإيمان ، الأخلاق، الديمقراطية، الوحدة الوطنية ، والإخلاص للوطن.

حسن بابكر الحاج نائب الدائرة 3 عن الوطني الإتحادي :

قال : إن هناك طالبآ سفيهآ يقال إنه أساء للرسول الكريم والدين الإسلامي فقامت مظاهرات أمها المسلمون تطالب بحل الحزب الشيوعي. والنفترض أن أحد أعضاء الحزب الوطني الإتحادي تفوه بمثل ما تفوه به الطالب السفيه فماذا يكون موقف الوطني الإتحادي؟ ثم خاطب النواب قائلآ : رجائي أن تتركوا الحماس جانبآ وتحموا الديموقراطية التي عادت إلينا بعد تضحيات لم نبذل مثلها في معركة الإستقلال ، فتأكدوا أنها ستنزع برمتها منكم كما أنتزعت في الماضي... ولا أريد أن أسجل حربآ علي الديموقراطية. فخيرآ لأبنائي أن يدفنوني شهيدآ من شهداء الديمقراطية بدلآ من أن أعيش حيآ في عهد وأد الديموقراطية".


محمد إبراهيم نقد (دوائر الخريجين) .

تناول من ضمن ما تناول حديث الترابي فقال إن الحديث عن الأخلاق يكثر في هذا المجلس وذلك كلما واجه المجلس أزمة حقيقية تجاه حل القضايا الكبري. وقد يكون الحديث عن الأخلاق ذا قيمة وينبقي المحافظة عليه. ولكن التحدث عن الأخلاق عند بروز الأزمات يوضح أين تكمن الأخلاق الجريحة. ثم قال إن تصريحات الدكتور الترابي متضاربة، ومن المهم أن يواجه الإنسان خصمآ سياسيآ له رأي واضح أما التذبذب والتلون في المبادئي والأخلاق فلا أجد نفسي في حاجة للرد عليه. وأشار إلي أن النظريات الإجتماعية لا توضع للمناقشة هكذا في البرلمانات فهي لها مجال آخر. ولذلك فإن مناقشة النظرية الماركسية بهذا الأسلوب تطاول ما بعده تطاول.
وأكد أن الحزب الشيوعي بريئ من تهمة الإلحاد التي يحاولون إلصاقها به. وموقف الحزب من الدين واضح في دستوره وفي تأريخه الطويل وتأريخ أعضائه. ثم قال "نحن لا نقول هذا الحديث عن خوف، وإننا لا نخاف، فلم نتعود الخوف في الماضي ولن نتعوده اليوم" .

وأجيز الإقتراح بأغلبية 151 ومعارضة 12 وإمتناع 9 . وعندما قدم المشروع في مرحلة القراءة الأولي في جلسة اليوم التالي 16 نوفمبر لإتضح أن المواد 3،4،5، من المشروع تتعارض مع نص المادة الخامسة من الدستور التي تحرم المساس بالحريات العامة. فطلب زعيم الجمعية تأجيل النظر للقراءة إلي اليوم التالي . وفي جلسة 17 نوفمبر تقدمت الحكومة بمشروع قانون لتعديل المادة الخامسة من الدستور في مرحلة القراءة الأولي
في جلسة 18 نوفمبر. ثم عرض المشروع للقراءة الثانية ومرحلة اللجنة في جلسة 22 نوفمبر وأجيز بأغلبية 145 ومعارضة 25 وامتنع عضوان.

ثم ظهرت مشكلة جديدة . فتعديل الدستور يتم بثلثي أعضاء الجمعية مكتملة وعددهم 156 ولك التعديل أجيز بأغلبية 145 وهم ثلثي أعضاء المجلس الذي لم تكتمل عضويته لعدم قيام الإنتخابات في الجنوب وكان قد عدل الدستور من قبل بنفس الطريقة الخطأ. وكان ذلك التعديل خاصآ بمجلس السيادة الذي يتكون من خمسة أعضاء وتكون الرئاسة دورية بينهم. فعدل الدستور ليصبح للمجلس رئيس دائم هو إسماعيل الأزهري وذلك من أجل التوازنات السياسية. فأخذ رئيس المجلس بتلك السابقة وأجاز التعديل بدون نصاب قانوني.

ثم ظهرت مشكلة ثالثة وهي أن التعديل يحرم قيام أحزاب شيوعية ولكنه لا يمنع وجود النواب الشيوعيون في الابرلمان الذين ثارت كل الضجة من أجل إخراجهم منه. فتقدمت الحكومة بمشروع قانون لتعديل الدستور للمرة الثانية لسحب العضوية من النواب الشيوعيين. وأجيز المشروع في مرحلة اتلقراءة الأولي في جلسة 7 ديسمبر. وفي مرحلة القراءة الثانية واللجنة والقراءة الثالثة أيضآ في جلسة اليوم التالي 8 ديسمبر. وفي جلسة 16 ديسمبر تقدم حسن الترابي بمسألة مستعجلة تقول : إنه من رأي هذه الجمعية أن تقرر أنه بحكم الدستور والقانون قد سقطت العضوية من الأعضاء الشيوعيين الثمانية (إستثني القرار الأعضاء الثلاثة الذين أيدهم الحزب الشيوعي) وأن تكلف رئيسها بحفظ النظام بإبعاد هؤلاء الأفراد. " واعترض عز الدين علي عامر (دوائر الخريجيين) علي الإقتراح المقدم للأسباب التالية: :
(1) للأنه يتنافي مع المادة 33 (8 ) من لائحة الجمعية التأسيسية التي تنص علي عدم جواز عرض أي موضوع قيد النظر أمام المحكمة. وهناك قضية دستورية رفعها الحزب الشيوعي أمام المحكمة العليا.
(2) إن إسقاط العضوية ليس من حق المجلس ويتعارض مع المادة (49) من الدستور.

(2) حسب الإجراءات العتيقة يجب إخطار العضو الغائب ليحضر للدفاع عن نفسه.


(3) هذه الجمعية لها حق التشريع وليس لها حق التنفيذ وفي هذا خرق لمبدأ إستقلال القضاء.

المصدر معالم في تأريخ الحزب الشيوعي السوداني.
دكتور القدال
الناشر دار الفارابي بيروت
الصفحات 147 إلي 158



التوقيع: [align=center][/align]
admin غير متصل   رد مع اقتباس