عرض مشاركة واحدة
قديم 21-05-2007, 07:23 PM   #[1]
walid taha
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي (( نـــــــوال))..!

نوبية عشرينية من أقاصى الشمال رأيتها تنساب كالنسمة بين صفوف النخيل وظلال جريده وهى تلاحق سعفات " العويش" التى ما تلبث ان تعلق بذرات الرمل حتى يرسلها الهواء الى اتجاه آخر ملاحقة بخطواتها وهى تُسرِع الخطى بجسدها الرشيق ، لم تكن ترانى وانا انظر إليها حتى انها لم تكن تكترث ل (الطرحة) وهى تغادر خصلات شعرها المتطاير منفكأ من تلك " البينسات" بعد ان باءت كل محاولاتها بالفشل فى إبقاءه قيدها.
بقيت لبعض ايام اراقبها وهى على حالها اليومى فى مطاردة " العويش" وهى تسرع الخطى على صوات " خالتها" التى تلح فى الإسراع بجمع "العويش" حتى تعد بعض طرقات (الكنـــــدِّي) فقد كانت خالتها تحبه رغم ان ليس من عادة الناس هناك اكل "الكنّـــــدى" وهو طعام مصنوع من الذرة ولا يكثر من اكله اهل الشمال عموماً إذ انهم كانو عادة ما يصنعون خبزهم وطعامهم من القمح.
يا نوال ..نــــوال نادتها أحد الفتيات . إذن أسمها "نوال"
. سمعت انها جاءت من منطقة ليست بعيدة عن قريتنا غير انى لم الحظ ذلك بداية الأمر إذ ان زياراتى لقريتى لم تكن كثيرة وكنت احسبها من فتيات القرية لكن سمعت انها جاءت مع خالتها واختها لحضور مناسبة زواج .

كانت "نوال " تقيم فى نفس بيت المناسبة إذ انها كانت من أقرباء اهل العرس ، كانت تعمل بنشاط تستيقظ مبكرة لتعد "شاى الصباح" وتبدا عملها اليومى من ترتيب ونظافة . حملت إلينا فى ذات صباح "براد" من الشاي وضعته فى صمت وهىتبتسم فى شئ من الغنج ، كانت تلبس ملابس عادية تتناسب مع اعمال البيت ومشاقه فضفاضاً يستر ما خلفه ، كانت رشيقة للحد البعيد بشرتها سمراء بعض الشئ ربما بفعل الشمس التى تبقى تحتها لفترات وهى تؤدى عملها ، كانت جدلات شعرها مرتبة بشكل متناسب ونعومته والذى بان إثر وضعها ل"براد" الشاى على طاولة قريبة وسرعان ما غطته بحرص وهى تهم بالمغادرة .

قلت : شُكراً
فردت فى تردد : العفو

ثم اسرعت بالمغادرة على صوت نداء اختها التى كانت تقوم بغسل الملابس فى ظل "النيمة" .
لم تفارق عينى فى ذلك اليوم ، رأيتها وهى تقلب صفحات مجلة مهملة وباهتة بفعل الشمس كانت نظراتها مهتمة بقراءة صفحة استوقفتها لبعض الوقت ثم ما لبثت ان وضعتها جانباً وانصرفت لعملها .
الفتيات هناك يحرصن على العمل مهما كانت مشقته لا يعرف الكسل
إليهن سبيل تعودن على ذلك برضاء وهمة دون خمول او تمرد.
كانت " سميرة" -اخت "نوال" - وهى الكبرى- تغسل كومة من الملابس فى صبيحة ذلك اليوم مررت بجانبها وانا فى طريقى والقيت السلام : السلام عليكم " دون مصافحة بالطبع"فردت السلام بلطافة : وعليكم السلاااااام
كانت " نوال " تجلس بالجوار دونما كلام كانت تتوراى هكذا حسيتها .
ثم بصورة فاجأتنى إبتدرت "سميرة" الكلام قائلة لى : انت أُمبارح ليه ما سلمت علينا ؟.رددت : كيف الكلام ده ؟! ان قلت السلام عليكم.قالت : ما سلمتو علينا فى يدنا يعنى .
تمتمت : والله بس شوفناكم مشغولين وكده.
لمحت بصدفة "نوال" وهى تبتسم خلال هذه العبارات دون مشاركة
قالت "سميرة "– مداعبة- : مفروض تجو نسلمو علينا مش نحن ضيوف.
ثم اردفت قائلة : تعال كدى عندنا حسابات فى الكراس ده أحسبها لينا مُش بتعرف تحسب ؟. وكانت وسط جمع من النساء
قلت : ااكيد
أمسكت بالكراسة كانت مليئة بالارقام وكانت على ما يبدو بعض المبالغ التى دفعت لأم العريس كعادة الناس هناك فى حال هذه المناسبات ، قمت بجمعها وترتيبها على نسق مرضى اعجبن به.
وانا افعل كل ذلك لم تفارق صورة :" نوال" وهى تبتسم مخيلتى ، كانت تجلس بالجوار فى صمت حتى انى كنت اهفو لسماع صوتها الذى سمعته فقط ولمرة واحدة حين ردت السلام وبالطبع لم اتبينه.
حينما هممت بالمغادرة واتتنى شجاعة فى ان انظر فى وجه تلك الفتاة " نوال" ، كانت تقاسيم وجهها كأى فتاة فى ذلك العمر غير ان عينيها بها شئ جعلنى اجزم انها غير عابرة.
نعم عيني تلك "النوال" تستحق الوقوف عندها بالتأكيد هكذا كان يحدثنى كل شئ بالجوار، كل الليل وجل النهار وكل شقشقة الطيورالتى كانت تتتخذ من شجرة "اللبخ" مسكن لها .
مساء ذلك اليوم جلسنا انا وابن عمى "العريس" و "سميرة" فى حضرة "نوال".
كانت "سميرة" كثيرة الكلام غير انها كانت تتكلكم فى حميمية زائدة ولطافة كانت تحكى لنا انها مخطوبة لاحد الشبان وهو بعمل بالخرطوم وكيف انهم يعدون الترتيبات للزواج حالما تتحسن الماديات.
"نوال" على النقيض كانت لا تتكلم إلا نادراً لكن من خلال كلماتها القلائل سمعت قيثارة او ربما كماناً يحف صوتها كان جميل الى حد بعيد متأثراً بنوبيتها الواضحة.
لبرهة انشغلت " سميرة" بالحديث مع ابن عمى .
قلت وانا اجتر الحديث فى محاولة لجعلها تتكلم : إسمك "نوال" مُش؟
قالت : آآى
قلت : انتو جيتو للعرس مش كده ؟ .
استرسلت قائلاً
- نحن برضو جينا من الخرطوم عشان العرس ، وانا طبعا حبوبتى وخيلانى هنا يعنى بيت جدى.
- انحنا جينا من " البرقيق" بتعرف "البرقيق"؟
-واحسست ان بعض الحواجر قد كسرت .
- ايوه طبعاً بعرفها فيها مشروع كبير
- انحن طبعا بين المحس والدناقلة .
- قلت ملاطفاً - يعنى بتتكلمو لغتين
؟
ردت فى إبتسام : يعنى
كانت "نوال " على قدر كبير من اللطافة والادب ، كانت لا تتحدث إلا قليلاً . حكت لى فى كلمات قلائل عن منطقتهم وكيف انها منطقة عامرة وانها لا تبعد كثيراً عن "كرمة" المدينة ،الحضارة ، الإرث النوبى العريق .
كانت "نوال " على قدر من المعرفة خلاف لما كنت اتصور.
على الجانب الآخر ذهبت " سميرة " الى الداخل " الحوش التانى "
وبقينا انا وابن عمى و"نوال" ..واخنا نتجاذب اطراف الحديث وسكت بن عمى فجأة وراح ربما فى غفوة.
بقينا انا و "نوال" صامتين ومع ضوء القمر رأيتها متألقة كملكة نوبية ترفل فى بِلاطها ،مبتسمة فى خجل واضح، وضاءة الجبين ، ذات أسنان بيضاء متراصة فى تناسق . اعتدلت قليلاً فى جلستها وعدلت من وضع جلبابها فى حشمة واضحة وجذبته فى محاولة لستر ساقها الذى بان دون قصد واشحت بوجهى عنه حتى لا تحس ، كان قوامها متناسق طويلة بعض الشئ ،ضامرة الخصر جيدها يحيط به "سلسلال" من ذهب يختفى اغلبه للداخل .
لم أشاء ان اجلس قريباً منها . بادلتها إبتسامة وقلت : "سميرة" نامت ولا شنو؟
قالت : يمكن عندها شغلة بتسوى فيها.
قلت : "سميرة" دى جنها شغل باين!
قالت مبتسمة :آآى صاح.. لكن ما نحنا اصلو جينا هنا عشان نخدم ونشتغل ده الواجب.
قلت فى إعجاب بكلامها : ما بتقصرو يديكم العافية .
لم تطل جلستنا طويلاً قطعتها صيحة من "الخالة" قائلة فى حدة : "نوال" .."نوال" تعالى هنا ثم تبعتها بهمهمة لم اتبينها جيداً لكن احسب انها بعض عبارات المعاتبة على جلوسها لهذا الوقت المتأخر معنا فقد كان الوقت قد تأخر بعض الشئ وليس من اللائق الجلوس وحدنا.
استعدت "نوال" للمغادرة قائلة: طيب تصبح على خير انا ماشة خالتى بتنادينى
قلت لها : خلاص اشوفك بكرة ؟
قالت مبتسمة بخجل – دون النظر الى - وهى تهم بالمغادرة : خلاص كويس
.
مع ضوء القمر رأيتها تسرع الخطى بذات الرشاقة .
آويت الى الفراش وعلى مسمعى شخير ابن عمى الذى كان فى نومته خيرٌ كثير.
كان بعض الإعجاب بتلك الفتاة قد بدأ يتسرب الى قلبى ...


يتبع،،



التعديل الأخير تم بواسطة walid taha ; 18-11-2021 الساعة 02:31 PM.
walid taha غير متصل   رد مع اقتباس