عرض مشاركة واحدة
قديم 10-07-2010, 10:04 PM   #[64]
طارق الحسن محمد
Banned
الصورة الرمزية طارق الحسن محمد
 
افتراضي



أحمد خير المولد والنشأة والكفاح
في فداسي الحليماب ولد الأستاذ/ أحمد خير رحمه الله.
تقول المستندات الرسمية (شهادة التسنين) أن الاستاذ أحمد خير من مواليد عام 1904م ولكنة شخصياً يرجح عام 1902م تاريخاً لميلاده.
نشأ الاستاذ/ احمد خير وترعرع في كنف والده الذي كان يدين بالولاء للطريقة الهندية وشيخها أنذاك الشريف يوسف الهندي الذي صاهر والد أحمد خير بزواجه من ابنته (شقيقة احمد خير) هذه المصاهرة هي التي أثمرت الراحلين الشريف حسين الهندي والشريف زين العابدين الهندي اللذين سيكون لهما دور كبير في الحياة السياسية فيما بعد.

حرص والد أحمد خير أن يلحق أبنه أحمد بركب التعليم الذي كان نظاماً لا يزال جديداً على المجتمع، وقد وجد الراحل احمد خير نفسه في الدراسة وأنكب على التحصيل إلى ان دخل كلية غردون التذكارية قسم المحاسبين وكانت كلية غوردون التذكارية آنئذِ مدرسة ثانوية لإعداد صغار الموظفين لسد حاجة الدولة من الموظفين والتي أسس لها المستعمر نظام خدمة مدنية غاية في الدقة والإنضباطً، وهي الكلية التي أصبحت فيما بعد نواةًً لجامعة الخرطوم، والخرطوم التي وفد إليها احمد خير في ذلك الزمان ليست هي خرطوم اليوم كما يقول احمد خير، فهي بالنسبة لأحمد خير لم تتعدى مجتمع كلية غوردون ودائرة الطريقة الهندية في بري، فلم تكن الحياة الإجتماعة بهذا الإتساع الذي نشهده اليوم.
تخرج أحمد خير محاسباً من كلية غوردون عام 1925م، وهو العام الذي أعقب ثورة 1924م.
يصف الاستاذ/ أحمد خير رحمه الله العام الذي تخرج فيه بأنه من أسوأ المواسم التي مرت عليه في تاريخ حياته فقد أعقب إنكسار ثورة 1924م التي قادتها جمعية اللواء الابيض وهي المنظمة الوطنية التي أسسها مجموعة من شباب السودان المشبع بالوطنية على رأسهم البطل على عبداللطيف وعبيد حاج الامين وعبد الفضيل ألماظ وحسن شريف وصالح عبد القادر وصحبهم، هذه المنظمة التي سرعان ما سرت مبادئها واهدافها بين الشباب وملأتهم بالتفاؤل والحماس وكان لها اثر كبير في شحذ هممهم للعمل الوطني ومقاومة المستعمر الاجنبي الذي جثم على صدر البلاد.

وكان لتسارع الاحداث إعتباراً من مقتل سردار عام السودان السير لي ستاك بالقاهرة وتدهور العلاقة بين السلطات الإنجليزية وحكام مصر وما تبعها من إصدار الاوامر بطرد القوات المصرية من السودان وهو ما عده السودانيون تنفيذا لخطط بريطانيا للإنفراد بحكم السودان، الامر الذي أثار حفيظة الثوار الذين كانوا يؤمنون بوحدة وادي النيل وعجل بأحداث ثورة عام 1924م.

وكان لإحجام القوات المصرية عن القيام بدور متفق عليه مع الثوار أثر كبير في نهاية حركة اللواء الابيض بالطريقة المأساوية التي إنتهت بها مما ترك أسوا الأثر في نفوس جيل الأستاذ/ أحمد خير وكانت أحداثها قاسية على الشعب السوداني، حيث تم التنكيل بقادة جمعية اللواء الابيض، فاستشهد أثناء الاحداث البطل عبدالفضيل ألماظ وتم إعدام ثلاثة ضباط هم حسن فضل المولى و ثابت عبدالرحيم و سليمان محمد وسجن الثائران على عبداللطيف وعبيد حاج الامين بسجن واو حيث مات الاخير فيه.

وقد ادت دموية هذه الاحداث ونهاية جمعية اللواء الأبيض إلى إنكسار الحركة الوطنية وأصابها ركود ووهن عظيمين أضف إلى ذلك إستغلال سلطة المستعمر لهذه الاحداث لمنع التجمعات وفرض قيود على حياة المواطنين السياسية والتضييق عليهم بما في ذلك منعهم من السفر إلى مصر لتلقي التعليم فيها.

ولم تفق البلاد من أثار هذه الاحداث إلا على إثر أحداث الكساد الإقتصادي الذي ضرب العالم عام 1929م وما بعدها حيث بدأت تتجمع قوى الوطنيين من أبناء السودان، فأحتجوا على تخفيض رواتبهم وعدم مساواتهم بأقرانهم من الموظفين الأجانب وشيئاً فشيئاً بدات تدب روح المقاومة في شرايين العمل السياسي المناهض للمستعمر.

وكان الأستاذ/ أحمد خير قد إلتحق إثر تخرجه بالخدمة المدنية محاسباً في داووين الحكومة فعمل اول ماعمل بالخرطوم ثم نقل إلى ود مدني ثاني مدن السودان وهناك بدأت مرحلة جديدة من العمل الوطني قوامها خريجي كلية غردون التذكارية من الموظفين، حيث بزغ نجم احمد خير السياسي.

كانت أندية الخريجين في ذلك الزمان من ثلاثينيات القرن الماضي قد إنتشرت في ربوع الوطن وأخذت أعداد الخريجين تتزايد وأخذ المد الوطني في إتساع.

وكان الأستاذ/ أحمد خير رحمه الله قد تزوج وانجب أبناءه سعد الذي سيصبح عقيداً في القوات البحرية قبل ان تبعده سلطة مايو من القوات المسلحة في بداية السبيعات من القرن الماضي ثم إبنه صلاح الذي سينال شهادة الدكتوراة في الإقتصاد ويعمل بالمصرف العربي للتنمية الإقتصادية في أفريقيا قبل ان يتقاعد إختيارياً ثم ينتقل باكراً إلى رحمة الله وشقيقتهم التي ستتزوج من القاضي ورئيس القضاء فيما بعد مولانا/ خلف الله الرشيد محمد أحمد.

وكانت مدينة ود مدني مسرحاً مهماً للعمل السياسي في ذلك الزمان حيث الليالي السياسية الملتهبة والخطب الحماسية التي تحرك وجدان الوطنيين والليالي الأدبية التي كانت تغذي عقولهم وتحفزهم للمزيد من الإطلاع ، وكان الأستاذ/ احمد خير نجماً من نجوم كل هذا الإبداع الوطني الكبير واحد قادته الذين كان لهم دور رائد في إذكاء جذوته وتحريك فعالياته.

لم يكن احمد خير يفرط في عمله او يترك ثغرة لرؤسائه من البريطانيين ليأخذوا عليه مأخذاً أو يحقروه وهو الذي ظل يرفع لواء الكبرياء الوطني عالياً بكل عنف وثبات، لا يتراجع عن مبادئه و لا يتزحزح عن مواقفه. ولم تثن أحمد خير الإلتزامات الأسرية والمسئوليات الإجتماعية الكبيرة الملقاة على عاتقه ولا الحرص على الوظيفة التي كان لها بريق ووهج كبيرين في ذلك الزمان، عن مناكفة المستعمر أو التخاذل عن واجبه الوطني وهو الذي عرف بعناده وحدته في مواقفه وعدم القبول بأنصاف الحلول.

كان التنافس بين الخريجين حاداً على تولي لجان اندية الخريجين وكانت إجتماعاتها السنوية مناسبة يتنادى لها الخريجون دون تقاعس وموسم يلتقون فيه يتدارسون اوضاعهم وتطلعاتهم، وكان الهم الوطني يأخذ القسط الاكبر من إهتماماتهم .
وفي هذا الجو المفعم بالوطنية والمترع بالآمال والتطلعات جاءت دعوة الاستاذ/ احمد خير واسماعيل العتباني من ود مدني لقيام مؤتمر عام للخريجين يعقد في العام القادم في أبو أندية الخريجين بأم درمان يكون هدفه تنظيم المستنيرين من أبناء السودان لانفسهم في رابطة او مؤتمر يضعون له برنامجاً قومياً ويحددون واجباتهم السياسية بعيداً عن الطائفة والقبيلة، وهو المؤتمر الذي عقد بنجاح في فبراير من عام 1938م وكان أستاذنا احمد خير أحد اعمدته ونجومه البارزين.

وفي ظل هذه الأجواء الملتهبة بالمواقف الرافضة للمستعمر والمتدفقة بالوطنية، وفي ظل تنامي العمل السياسي المكشوف في معاداة الحاكم الاجنبي الذي يملك ادوات البطش والتنكيل، ظل جيل أحمد خير يزداد سفوراً في مواقفه العدائية تجاه الحكومة معتداًَ بكبريائه معبراً بذلك عن شموخ وعزة السودان وأهل السودان.

في عام 1939م وهو العام التالي لإنعقاد مؤتمر الخريجين العام والذي كان احمد خير ألمع نجومه، وبينما البلاد لا تزال تموج بهذه الأجواء السياسية الساخنة، المنتشية بقيام المؤتمر العام للخريجين وما علق عليه من آمال، اعلنت مدرسة الحقوق عن حاجتها لدفعه جديدة من الراغبين في دراسة القانون، وكانت مدرسة الحقوق في ذلك الزمان تقبل على فترت متباعدة عدد قليل من الدارسين لسد أحتياجات البلاد من القانونيين.

ولما كان احمد خير ممن تنطبق عليهم شروط القبول لهذه الدفعة فقد حرص ان يتخذ من الرفض المتوقع لقبوله - لأسباب سياسة - مناسبة للهجوم على الحكومة وعلى الإستعمار بإعتباره يعاقب معارضيه بحرمانهم من الفرص التعليمية والوظيفية، ولكن سرعان ما أسقط في يده إذ أعلن اسمه من بين المقبولين للدراسة وهو امر لم يكن في آخر حساباته وعندها (لعب الفأر في عبه) كما يقول، وجاء إلى روعه أن قبوله تم بذكاء خبيث من المستعمر ليحقق منه هدفين الاول ان يفوت عليه وعلى زملائه فرصة إستغلال عدم قبوله مناسبة للتشهير به كمستعمر، والثاني هو استدراج أحمد خير لإغتيال شخصيته السياسية وذلك من خلال طرده راسباً في دراسته من ثم التشهير به فاشلاً مفصولاً من الكلية لأسباب اكاديمية لا سياسية وخاصة وأن الفشل الاكاديمي في ذلك الزمان كاف لقتل رجل في مثل كبرياء أحمد خير.

وفي ظل هذا التوجس دخل احمد خير مدرسة الحقوق ضمن أكبر دفعة تدخل مدرسة الحقوق في تاريخها، هذا الحدث الهام الذي سيحول مجرى وسيرة وحياة الرجل فيما بعد.

وبينما أحمد خير وزملاؤة على اعتاب الدراسة إندلعت الحرب العالمية الثانية سبتمبر 1939م ، وقد ابلى فيها الجيش السوداني بلاء حسناً لصالح دول التحالف في ظل الوعد الإنجليزي بمكافئة المستعمرات التي تقف إلى جانب الحلف في حربه على دول المحور وذلك بمنحها إستقلالها .

وكان مؤتمر الخريجين قد إزداد نشاطه السياسي وتوالت مؤتمراته السنوية وظل يقدم المذكرة تلو الاخري للحاكم العام يطالب فيها بمكاسب سياسية للسودانيين ولكن احمد خير ظل بعيدا في هذه الأثناء عن المواقع التنفيذية للمؤتمر فقد كان عنها في شغل بدراسته وهمومه التي وجد نفسه فيها وان كان يتابع أخباره عن كثب.

إذن دخل احمد خير مدرسة الحقوق في ظل حالة من الخوف من الفشل والتوجس من الإستهداف ، ولكن هذا الخوف لم يزد احمد خير إلا إصراراً على النحاج، وأقبل على الدراسة في مدرسة الحقوق بكل جد وإجتهاد الامر الذي جعله يحافظ على ترتيبه بين زملائه في الدراسة وكان مركزه الرابع بعد زميله بابكر عوض الله الذي حافظ على المركز الاول طيلة سني الدراسة ثم مبارك زروق ثم الريح الامين ثم احمد خير فعثمان الطيب في المركز الخامس، ويذكر أحمد خير ان زميله بابكر عوض الله (امد الله في أيامه) هو الوحيد من بينهم الذي حفظ عن ظهر قلب إلفية إبن مالك كاملة حيث كان مقرراً عليهم حفظ مائتين وخمسين بيتاً كل سنة من سني الدراسة الأربعة وحفظ أحمد خير وزميله مبارك زروق سبعمائة وخمسين بيتاً من هذه الألفية وحافظ على المركز الثالث طيلة سني دراستهم زميله القاضي فيما بعد الريح الامين ويقول احمد خير عن زميله الريح الامين (رئيس القضاء 1967-1969م) بانه كان من الذين قدموا إلى مدرسة الحقوق من المدارس مباشرة – ولعله الوحيد من بينهم- حيث ان البقية أتوها موظفين من المصالح الحكومية المختلفة، وقال أن (الريح الامين) الوحيد الذي ظل يحافظ على كتبه نظيفة ليس عليها آثار مذاكرة خالية من التهميشات التي كانت تسود كتب البقية، فقد كان يعتمد على ذاكرة فتوغرافية في التحصيل مباشرة من المحاضرات ويحكي أحمد خير أن أحد اساتذتهم وقد كان شاباً أسكتلانديا معتداً بنفسه وبمقدرته القانونية بسبب ظهور اسمه في سابقة قضائية نشرت في مجلة الاحكام القضائية البريطانية وهو سبب كاف للإعتداد بالنفس (ولعله عمل سكرتيراً قضائياً لحكومة السودان) سألهم هذا الأستاذ الشاب عن معلومه قانونية وردت في محاضرة في بداية العام لم يستطيع ان يجيب عليها إلا الريح الامين الذي عمل قاضياً بالهيئة القضائية (1944م تدرج بها إلى ان صبح رئيساً للقضاء1967م وأقالته سلطة مايو أول 1969م لتعين زميله عثمان الطيب رئيساً للقضاء حتى عام 1972م ليخلفه في رئاسة القضاء صهر احمد خير خلف الله الرشيد محمد احمد. ولم يتراجع احمد خير عن ترتيبه الرابع من بين زملائه إلا مرة واحدة عندما منع في السنة الثالثة من الدراسة لأسباب سياسية هو واحد زملائه ولعله زيادة أرباب وفصلا من داخلية الكلية ايضاً- وهو مبنى وحيد لا يزال قائماً أسفل كوبرى الخرطوم بحري مباشرة.
إضطر أحمد خير وزميله لقضاء فترة الفصل من الدراسة والداخلية - وهي الفترة المتبقية من العام الدراسي الثالث- في مكاتب صحيفة صوت السودان في ضيافة صديقهم اسماعيل العتباني الذي كان يتولى آنئذ رئاسة تحريرها، ويصف احمد خير مقر الصحيفة بأنه عبارة عن مكتبين في احدى البنايات في السوق العربي. ظل أحمد خير ورفيقه خلال هذه الفترة يعملان في تحرير الصحيفة ليوفرا مصروفهما نهاراً ويذاكران ليلاً وينومان في مكاتبها ويصف احمد خير قسوة تلك الأيام وشدتها بأنها كانت تجربة مفيدة، وكان تراجعه عن مركزه الرابع لصالح زميله عثمان الطيب الذي حافظ على المركز الخامس قبل ان يتجاوز احمد خير هذه المرة ثم يعود كل منهما إلى موقعه، ولاحقا سيلتحق عثمان الطيب بالقضاء وسيقلب عليه احمد خير المحامي طاولة المحكمة في مدينة كسلا إثر مشادة قانونية حادة، مع ذلك ظل حبل الود والأخاء بينهما متصلاً، وعثمان الطيب هذا سيصبح رئيساً للقضاء بعد إنقلاب مايو 1969م ليخلف الريح الأمين في رئاسة القضاء، ويذكر أحمد خير ان عثمان الطيب تجاوب مع موقف بابكر عوض وعرض عليه إستقالته عندما قرر بابكر عوض الله الإستقالة عن رئاسة القضاء عام 1967م إحتجاجاً على عدم إحترام السلطة التنفيذية لحكم المحكمة العليا ببطلان تعديل المادة الخامسة من الدستور، وهو التعديل الذي أدخلته الجمعية التأسيسية بغرض إسقاط عضوية الحزب الشيوعي في البرلمان تمهيداً لحل الحزب ومصادرة ممتلكاته، وقد تضمنت استقالة بابكر عوض الله الموجهة لمجلس السيادة ما يلي (إنني لا شك مقدر كل التقدير انكم الهيئة التي نص الدستور على أن القضاء مسؤول أمامها وحدها في أداء مهامه ولكنه يؤسفني انكم بمعالجتكم للمشاكل التي أثيرت حول هذه القضية لم تقيموا مسؤوليتكم التقييم الصحيح ولم تدركوا حدود هذه المسؤولية).
ومن الذين تردد على لسان احمد خير من زملاء الدراسة ود المبارك والذي عمل قاضياً قبل ان يتوفى باكراً ولم اجد له مرجعاً. ومن دفعة احمد خير أيضاً القاضي الشهيرعبد المجيد إمام قاضي المحكمة العليا الذي لمع نجمه أبان احداث ثورة اكتوبر التي اطاحت بنظام الفريق إبراهيم عبود (1958-1964م) والذي كان احمد خير وزير خارجيته، وقد أبعدته سلطة مايو عند مجيئها في عام 1969م .

أكملت دفعة احمد خير دراستها في مدرسة الحقوق في عام 1943م، والتحق عدد من وزملائه في القضاء هم بابكر عوض الله والريح الامين وعثمان الطيب وقد تنابوا فيما بعد على رئاسة القضاء بنفس هذا الترتيب ثم عبد المجيد أمام و المبارك ولكن أحمد خير فضل ان يعمل بالمحاماه ليتحرر من قيود الوظيفة العامة خاصة وكان الجو العام يزداد التهاباً وهو يرجو ان يكون له دور فيه وقد إختار المحاماه أيضاً زميله مبارك زروق ولنفس الاسباب.
واصل أحمد خير كفاحه الوطني بعد تخرجه من مدرسة الحقوق ضمن التيار الإتحادي الذي كان يمثل قبيلة الوسط والمستنيرين من أبناء من السودان .

ولكن أحمد خير جمد نشاطه السياسي في الحزب الوطني الإتحادي لإعتراضه على إدارة الحزب ، وإحتجاجاً على سياسة عفا الله عما سلف التي إنتهجها رئيس الحزب أنذاك الرئيس إسماعيل الأزهري عقب الإستقلال لصالح من كانوا أعواناً للمستعمر من الموظفين الذين لم يتخذوا مواقف وطنية أسوة بزملائهم الموظفين من الخريجين وحسب، بل عادوا مؤتمر الخريجين في سبيل إرضاء المستعمر، واعترض على هذه السياسة مع احمد خير آخرون منهم الأستاذ/ عفان أحمد عمر الذي نشط في تنفيذ سياسة مؤتمر الخريجين القاضية بالتوسع في التعليم الاهلي وقد ترك العمل السياسي وتحول من التعليم الأهلي إلى الخدمة المدنية وقام بسودنة قسم كبير من مشروع الجزيرة .

وفي نوفمبر 1958م فاجأ احمد خير الوسط السياسي بمشاركته ضمن طاقم حكومة الفريق إبراهيم عبود كوزير للخارجية. وظل احمد خير في موقعه هذا طيلة فترة حكم الفريق إبراهيم عبود رحمه الله. وعلى الرغم من مشاركة أحمد خير في حكومة الفريق عبود العسكرية إلا انه كان خصماً شرساً للحكومة العسكرية التي أتت إلى السلطة برئاسة الرئيس السابق جعفر نميري في 1969م.

لم يتحدث أحمد خير عن فترة حكم الفريق إبراهيم عبود ولم أشأ أن أسأله عن أسباب مشاركته فيها وان حاولت إستدراجه بطريق غير مباشر للحديث عن هذه الحقبة، فقلت له على الرغم من أني لم أكن شاهد على عهد حكم الفريق عبود ولكن من متابعتي أحس بان الحاكم الفعلي لتلك الفترة كان هو اللواء حسن بشير نصر، فأجابني على الفور من حيث الشكل وتعابير الوجه فقط، وأضاف أن حسن بشير نصر كان يتمتع بشخصية وقوية وقدرة عسكرية وقيادية فذة ولكن الفريق عبود هو الذي كان يمسك بزمام الأمور وكان يتمتع بإمكانيات قيادية كبيرة وقدرة عالية على المتابعة وإدارة شئون الدولة والحرص على الإنجاز.

قلت له من الواضح ان أحداث عبدالرحيم شنان ومحي الدين أحمد عبدالله كانت مرتبة للتخلص من اللواء أحمد عبدالوهاب، قال لي هذه الامور والصراعات لم تكن تخصني ولم اكن لأدخل نفسي فيها فهي شأن عسكري خالص.

قلت له من كان يدك اليمنى في الوزارة ومن كنت تكلفة بإعداد مسودات ما تود كتابته.
قال أثنين هما مهدي مصطفى الهادى وآخر ضاع اسمه مني بدلاً أحد الدبلوماسين ممن كلفوا بهذه المهمة من قبل الوزارة، ولكنه كان يميل إلى الفلسفة لدرجة يتوه فيها المتلقي في إتون اللغة التي يستخدمها. قلت له بغض النظر عن الأثر والتقييم السياسي لحكومة نوفمبر إلا أن فترة حكم الفريق إبراهيم عبود عرفت بأنها كانت فترة خصبة إقتصادياً وفي مجال الفن والرياضة، قال لي العالم نفسة لم يكن كما تراه اليوم (كان الإتحاد السوفياتي وقت حديثه لا يزال قائماًً) وفي السودان كان توجد خدمة مدنية عالية الكفاءة والإنضباط ولم يكن هناك إهتمام بالمصالح الخاصة، فالمصلحة العامة فوق كل إعتبار لدى الكبير والصغير من موظفي الدولة .
قلت له يصفك الكثيرون بانك من انجح الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الخارجية ... ما هي في تقديركم أسباب هذا النجاح؟ قال لي هذا الذي تقول هو مجرد إنطباعات، هناك من يرى العكس ونحن هنا ما عندنا معايير موضوعية لقياس الفشل والنجاح وذكر ان النجاح في مثل هذه المؤسسات لا يصنعه فرد وقال ان الخدمة المدنية كانت تقوم على درجة عالية من الإنضباط في ذلك العهد وأن وزارة الخارجية كانت جزء من هذا الإنضباط، ومن حسن حظ وزارة الخارجية أن أول من تولاها مبارك زروق وهو في تقدير أحمد خير دبلوماسي بطبعه ويتمتع بمقدرات عالية كقانوني وكسياسي ولم يكن متعالياً كما يعتقد كثير ممن لا يعرفونه ولكنه كان يحب التميز.
قلت له أريد أن اكون في المستقبل وزير خارجية، بماذا تنصحني، جاء رده (التجرد وعدم المجاملة في الحق لأن الذي يعمل بتجرد وإخلاص يقدر، والذي لا يجامل في الحق يهاب) وقال كانت وصيتي للدبلوماسسيين أن يعملوا على ان تكون سفارات السودان مظلة وبيت للسوداني في الخارج قبل ان تقوم بأي عمل دبلوماسي وأن تساعدوهم وتحلوا مشاكلهم لأن المواطن السوداني في الخارج هو الدبلوماسي الأول ولأن الدبلوماسي لأسباب وتعقيدات أمنية وسياسية كثيرة لا يمكنه الإختلاط او التعامل بحرية مع عامة الناس في الدولة المضيفة ولذلك فإن المواطن العادي هوالذي يعكس صورة وسمعة البلد ومن خلال سلوكه وتصرفاته يكوِن الآخرون أنطباعاً عن بلده وعن مجتمعه.

في أوائل شهر يناير 1982م طلب الشريف الحسين الهندي من أحمد خير مقابلته بشكل عاجل في أثينا باليونان وكأن الرجل كان يحس بدنو أجله وبالفعل غادر احمد خير الخرطوم متوجهاً إلى أثينا حيث مكان اللقاء الذي لم يتم ، فقد وصل احمد خير في التاسع من يناير مطار أثينا وهناك علم بوفاة أبن اخته الشريف الحسين الهندي (رحمه الله) وعاد في نقس الطائرة التي كانت تقل جثمانه ليوارى الثرى في مقابر أسرته في بري. وعند سلم الطائرة بمطار الخرطوم استقبله رجال امن الرئيس الراحل جعفر نميري (رحمه الله) وأقتادوه إلى مبانيهم وأفرج عنه بعد عصر نفس اليوم عقب إنتهاء مراسم دفن الشريف حسين وأعادوه مباشرة إلى دارة بالخرطوم (2).
وكان اداء واجب العزاء في الشريف حسين ومساعدة أبنه د/ صلاح في خدمة المعزين في دار احمد خير بالخرطوم (2) بداية علاقتي المباشرة مع أحمد خير رغم علاقة الجيرة التي ربطنا به قبلها بفترة ليست قصيرة فقد كنا نتحاشاه لما يبدو على قسمات وجهه من صرامة وشدة يحسبها الذي لا يعرفه قسوة، ثم جاءت الامطار التي ضربت الخرطوم بشدة في شهر اغسطس من عام 1988م وأصابت منزل احمد خير بتصدعات كبيرة (وهو منزل عادي من الطوب الاحمر واللبن) ولتقادمه لم يحتمل المبنى تلك الامطار وأذكر اني ذهبت والدكتور الشاعر محمد بادي لتفقده في داره بعد فجر ذلك اليوم وجدنا المنزل قد تاثر بشكل كبير واتلفت الامطار نسبة كبيرة من الفرش واحتقن الحوش بالماء ولم نستطع إفراغه من الماء إلا بعد عناء وجهد كبيرين.
وفي عام 1990م اصبح المنزل غير صالح للسكن، وقتها فقط عرفت أن احمد خير لا يملك المنزل وإنما يستاجره من أسرة مرزا المشهرة في عالم التجارة، واضطر احمد خير الرحيل عنه إلى مدينة الرياض حيث أستاجر أبنه الدكتور صلاح منزل أكبر للأسرة.
وفي يناير عام 1995م رحل احمد خير رحيله الأبدي عن هذه الفانية تاركاً وراءه سجلاً حافلاً بالمواقف الوطنية وتاريخ مجيد تتناقله الاجيال بفخر وإعتزاز وحفر اسمه بقوة في سجل الخالدين بين عظماء أمته



طارق الحسن محمد غير متصل   رد مع اقتباس