عرض مشاركة واحدة
قديم 22-11-2007, 10:18 AM   #[22]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

[align=center]
الراحل صلاح أحمد إبراهيم
في رتاء الراحل الدكتور على المك



على المك ومدينته



مدينته الآدمية مجبولة من تراب
يتنطس أسرارها
واثب العين منتبه الأذنين
يحدث أخبارها
هل يرى عاشق مدنف في الحبيب
أي عيب؟

مدينته البدوية مجبولة من تراب
ولا تبلغ المدن العسجدية مقدارها
تتباهى على ناطحات السحاب
بحي سما أصله لركاب
فاح شذى من "على"

حين غاب
جرت وهي حافية، في المصاب
تهيل الرماد على رأسها باليدين
تنادي على الناس: وآحسرتا ويب ويب
فقدنا الأديب،
فقدنا النجيب،
فقدنا اللبيب،
فقدنا "على"

فقدنا الذي كان زين المجالس، زين الصحاب
فقدنا شهامته، وفقدنا شجاعته، وفقدنا
شهادته، وفقدنا
كتابته، ودعابته،
والحديث الطلي
حسرتا، ويب لي، ويب لي، ويب لي


حين قيل لها بانتحاب،
استرد الوديعة صاحبها، استحملي
ذهلت في المصاب
تتمتم: يا رحمة الله لم تبخلي
لمن دونة أعطيات، فكيف وهذا "على"
حنانيك كوني دريئته في الحساب
ومغفرة وثواب
وبشي مرحبة بالملائك عند الأرائك
بثي الزرابي للمقبل
وقولي له: أدخل
يبر بك الله في الكوثر المستطاب
قسم الأشعث الأغبر المستجاب
بكى رافعا كفه: يا كريم الجناب
بحق جلالك .. أكرم "على"


على
يا أخي، يا شقيقي
على، شريك النضال، على رفيقي
ويا خندقي في الحصار، يا فرجي وقت ضيقي
ويا صرة الزاد تمسكني في اغتماض الطريق
ويا ركوتي كعكعت في لهاتي وقد جف ريقي
على .. زراعي اليمين، على خريفي
ونيلي، وجرفي، وبهجة ريفي
"على" تتمة كيفي، وسترى في أقرباي وضيفي
"على" إنطراحة وجهي في الاكتئاب
وشوواري إن عدم الراي، يا عوضي في الخراب
ألا اين أنت أجبني، اتسمعني يا "على"
اتسمع احبابك الأقربين تركتهم للمكان العلى؟
ألا اين ليلاتك المائسات، وأين زياراتك الآنسات
وأين ائتلاف الثريا، وأين انطلاق المحيا
وأين اندفاق قوارير عطرك في المحفل؟
تشاغل "مخ" وعلاء، وعبدالعزيز،
وبعد صلاة العشاء "أبا سمبل"
وتحكى نوادر من "سينة"، وتحكي أقاصيص عن "صندل"
وأنت تغني، وأنت تقلد هذا وذاك، وتنعشنا بالحديث الأنيق
تدير على المجلس للندامى، بحلو لسانك كأس رحيق
وما كنت إلا السماء تمشت عل الأرض هونا،
يمازحها ويناديك في ألفة وبلا كلفة:
يا على
يا على
كادح في الفريق
" على"
يا خدين الصبا، يا شهي الجواب
ويا توأم الروح، والامنيات رطاب
اتذكرنا مفلسين نفتش عن "منص" يسعف،
والشهر في الأول؟
تقوم سيمسكنا بحديث طويل، ولكن سيكشف ثانية للحساب
و"منصور" ذو نجدة وسخاء، اذا ما قصدناه لم يخذل
فهيا بنا ودع الأمر لى


"على"
يا "على"
أتسمعني يا "على"؟
أتذكر: أين فطورك؟ "أنت وتوفيق تتهماني"
بأن ليس ذلك للمأكل
ولكن محاولة لاقتراب
أقول: ألا خبتما خبتما، فهذا كذاب
ونضحك رقرق بللورنا - ليس بين الصحاب
خبيث طوايا، ولؤم ارتياب
وما استوجب الشك بعض ملام، ولا الاتهام العتاب
ولكن معابثة قربتنا، كم نظم الخيط در الحلى.
"على" أجبني: أهل بعد موت
التقيت بتوفيق في الملكوت؟
وقلت لتوفيق زين الشباب
فقدناك توفيق، لكننا ما نسينا نداوة تلك السجايا العذاب
ولا خفة الدم، لا الخلق الشهم، لا الأريحية،
لا المزحة الأخوية، لا صدحة البلبل
ألا يا ابن عمي شهيد الوفاء، ويا جمل الشيل.
جم الأيادي، وكنت ببر خفي صموت
رمتك المنية في مقتل
وقد كمنت في طريق "أبى قوتة" و"قلي"
فوا حر قلباه.. وا حر قلباه..من نازف في الطريق
وللموت قهقهة سمعتها "القطينة".. غير مصدقة
في دجى ليلها الأليل
فأضمرت توفيق في الجوف جمرا تلظى حقيقي
وكنت أبن عمي، وكنت صديقي


و"عثمان" ظل الوفي الحفي
يؤازرني وأنا في احتراب
ويدنو يسلسل ضحكته، فإذا عتماتي بطلعته تنجلى
يعزز من عدتي وعتادي، يسدد من لكماتي القوية
ويمضي كما جاء في لمحة كالشهاب
يردد في كل آونة: "ظلموك صلاح"
وأنت المبرأ من ظلمهم - أن هذا جلي
وكان يودك "عثمان" هذا الحميم،
يبرك باللفتة الالمعيه


وكنت تراني الشجاع الذي وحده بشجاعته شكل الأغلبية
وكنت تراني تحديت حتى كأن مقالي زحف سريه
وقد كنت أنت - على- كذلك..
ما بعتنني قط رغم توالي العروض الخفيه
معي! ومعي! ومعي! ما تلفت أبحث عنك
أقول اختفي صاحبي في المضيق
معي! ومعي! ومعي! ما تساءلت في لحظة:
أين زاغ رفيقي
وكنت أعدك ذخري، إلى أن سمعت أخي من وراء المحيط
أخي "الكابلي"
يصيح، ولم أتعرف على صوته من بكاء:
صلاح فقدنا أخاك، فقدنا أخانا، فقدنا "على"
فنبهت نفسي: أرى طائر الموت حوم فوقي
وحان الذهاب
فما طعم عيشي بعد صديقي؟
لقد كان عهدا وضيئا هنيئا جريئا، على رغم طارقه المبتلي
وها اندلعت فيه نار الحريق
فيا ويب لى، ويب لي! ويب لي
وهل يعذرن الشجي خلي؟


وحين احتفينا بعشرينك الزاهيات أهبت:
أيا شاعر القوم اطلق لهاتك..
تطلق قوى العزم والحزم والأمل
همست: بلى، لي مجاجة شهد مخبأة لك بين الهدايا،
وإن لم تذكر، ولم تسأل،
فهاك "على":
"عقدان كعقدين على جيد صباك
فامدد للنجم، النجم النائي - يمناك
وافتح أزرارك قميصك مقتحما
دفعات الريح عوت تتحداك"
بذاك انتشينا، فيا لاعتداد الشباب
نؤمل ننقع عطشتنا بورود السراب
وهيهات
نغفل، والموت ثعبانه منطو يتربصنا وهو لم يغفل
تناوم، ملمسه الناعم دافئ يسبل الجفن في كسل
بينما اهتاج بالسم ناب
وغالك - يقصدني بالأذية، لا أنت،
فالدور - أن صح إمساكه للحساب - كان لي.


مدينته الآدمية مجبولة من تراب
مدينة كل الأحبهم: البسطاء وصفوتها المبدعين
تمنى له قدلة - حافيا حالقا - كالخيل
يطوف ها بين خور ونيل
يقطع أنفاسه زفرات، ليغمض عينيه بعد قليل
بعيدا عن الأهل، في وحشة واغتراب:
آه أنا، آه آه، أنا آه آه، أنا أنا آه
"عزه" في هواك
وما عاد إلا ليرقد في حفرة جمعت عاشقين:
"عليا" شهيد صبابته - وتراب الوطن
يمد لمن عاش في شغف حبه - قلبه باليدين
صدقنا لك الوعد فعل الصدوق الأمين
ولم نتقاض عليه ثمن
فكن حافظا للجميل
فكن حافظا للجميل غدا،
يا وطن


حبيبته البدوية ذات الإهاب الحسن
سلبت منه نومه
يرى في الظلام غدائرها التمعت، وهو يرعى نجومه
يطوف بها في الهزيع الاخير .. ويطلق حنجرة من "كرومه"
يا ليل.. ابقى لى شاهد .. على نار حبي وجنوني .. يا ليل
طريت "الناس" "ووناسه"
طريت "ام در" حليل ناسها
كيف أسلاها واتناسى
ومفتون بظبي كناسها
يا عزه" الفراق بى طال
وسال سيل الدمع هطال
يا عزه"


حبيبته من تراب
مبجلة عنده: بشرا، وضفافا، وبوابة قباب
من "فتيح" إلى "الجبل"
وها آب نعشا بغير حراك، تشيعه وتهيل التراب
تعض بنانا عليه خضاب
وترقص بالسيف، حازمة وسطها:
ويب لي! ويب لي! ويب لي
وهذا شريك ضناي "على"
يدلى لحفرته من عل
ويهال عليه التراب
ويب لي! ويب لي! ويب لي
فجزي قرونك، لا تستحمي
ولا تفركي الطيب في أذنيك،
ولا تدلكي ساعديك،
ولا توقدي "الشاف" في حفرة ولا تحبلي


على
يا على
يا على
أناديك - هيهات- في صرخة والتياع
أناديك في كل ناحية، أناديك في كل ساع
نداء التي ولغت في دماء جناها الضباع
الوداع الوداع على
أمت بعيدا هناك، وفاء "ربيعة" في التل مرتكزا باليراع
أم "فرشت" إباء "الخليفة" إذ لم يعد في عجاج الصراع
سوى ميتة البطل؟
وانتهيت يجلل منك الجبين الفخار
وقد ضفر الشعب لاسمك بين الجوانح إكليل غار
الوداع! الوداع! الوداع!
فقدت الصواب "على"
غفر الله لي


مضيت وخلفت لي ترحة
كأن للمنية عندي ثار
وغورت في مهجتي قرحة
إذا ما ذكرتك ذات اعتصار
وهذي المرارات في شفتي
كهذي الدموع الغزار الحرار
وطيفك يخطر مقلتي
يحنظل حلواي ليل نهار
الوداع، الوداع اخا مقتي
فما لي وقار وما لي اصطبار
ويا موت خذ، يحزن القلب أو تدمع العين لكن لنا ثقة في البديل
وشرف بلا حرج، من تخطفت يا موت صار
بسيرته، وسريرته، وعطيته: قدوة للصغار
منارة جيل، وجيل، وجيل


ألا ولكل امرئ أجل ثابت وكتاب
فأما حياة مهذبة تستحق، سمت وامتلت كالسحاب
وأما طماعية ومدافعة جلفة كلهاث الدواب
فما أسهل الاختيار
وما أصعب الاختيار
فنم هانئا يا أخا ثقتي، فزت في الاختبار
والسلام عليك أخا رحلتي، السلام عليك وراء الحجاب
وشهيتني في المنية، سيفي يهفو إلى ضجعة في القراب
السلام عليك انتظرني، فما لي غير عصا وعليها جراب
السلام عليك، السلام عليك، على!
السلام عليك صديق الجميع
السلام عليك حبيب الجميع
السلام عليك أثير الجميع
السلام عليك إلى أبد الآبدين "على"
[/align]



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس