عرض مشاركة واحدة
قديم 30-06-2008, 08:22 AM   #[11]
منال
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية منال
 
افتراضي

نحو تأطير مفاهيمى لمساواة النوع الاجتماعى فى الدستور السودانى
غادة عوض محمد شوقى

تقديم
نص دستور السودان الوطنى الانتقالى للعام2005 على اتخاذ تدابير التمييز الايجابى لضمان حقوق المرأة,بينما ركزت دساتير السودان المتعاقبة السابقة على اقرار المساواة القانونية او ما يعرف بالمساواة امام القانون.جوهر الخلاف بين هذين النصين هو مستوى الحق المكفول بموجب كل منهما وهما يشكلان لب الخلاف بين تيارين متمايزين. فبينما يسعى التيار الاول لاقرار المعاملة المتساوية كهدف لذاتها, يسعى التيار الثانى لازالة التمييز بكل الاشكال بما فى ذلك اقرار المعاملة المختلفة او التفضيلية.
هذه الورقة محاولة لقراءة مفهوم مساواة النوع على ضوء تفاعل هذين التيارين وتاثيرهما على النظم القانونية ذات الصلة.وتهدف هذة الورقة من ذلك لمقاربة المبادىء الاساسية لادماج النوع فى الدساتير من خلال تقديم المساواة الموضوعية كمدخل يستوعب ويناسب تعميق مفهموم المساواة فى النص الدستورى وصولا لتعاطى واقعى اكثر فاعلية وامكان.
مفهوم المساواة:التطور التاريخى

اول الوثائق العالمية التى اقرت الحق فى المساواة بين البشر غض النظر عن العرق, المنحدر الاجتماعى او الوضع الاقتصادى, الجنس, المولد, الرأى السياسى او الديانة هو الاعلان العالمى لحقوق الانسان 1948 .بيد ان المحاولات البشرية لاقرار حق المساواة لم تبدا بهذا الاعلان فقد اسست له مدارس فلسفية عديدة. فقد اقرت الفلسفة الارسطية المساواة فى المعاملة ولكنها قصرت الحق فى المعاملة المتساوية على المتماثلين وفقا للمقولة الارسطية Likes should be treated alike" ولذلك فان المساواة الارسطية لم تستطع الانعتاق من اشراط عصرها العبودى فلم تعتبر النساء والعبيد من المجموعات الجديرة بالمساواة اذ نفت عنهما تمام العقل والرشاد مما يجعلهم فى مرتبة اقل من الرجال وبالتالى لا يستحقون المعاملة المتساوية.اما الاسلام فقد اقر المعاملة المتساوية لجميع البشر فى كثير من الآيات القرانية والاحاديث الشريفة "كلكم لادم وادم من تراب"."لا فضل لاعجمى على عربى الابالتقوى". غير ان الاحكام الفعلية الخاصة بالنساء والعبيد لم تختلف كثيرا عن الرؤية الارسطية فظلت احكام القوامة والوصاية على النساء تجد مكانها فى التشريعات المأخوذة عن الشريعة حتى فى العصر الحديث كما ظلت مرتبة العبيد اقل من الاحرار فى كتب الفقه وتخريجاته حتى بعد قرون من الغاء العبودية( انظر المساواة فى الاسلام,بحث تكميلى غير منشور, جامعة الخرطوم).

اما الثورة الفرنسية فقد جاءت بشعارات المساواة الحرية وتقدمت خطوات فى اقرار النظام الجمهورى الذى لا يعتد بالتمايز على اساس المولد فى اقرار الحقوق السياسية كما سعت لتحرير النساء من ربقة الاستعباد الاقطاعى الذى يجعل المرأة مملوكة بكامل جسدها وروحها للرجل ابا كان او زوج, ولذلك فليس لها اهلية لتتملك ولا لتقرر فى زواجها ولا اطفالها.غير ان رياح التغيير الليبرالى الهمت المضطهدين نساء ورجالا العزم والحلم ليسيروا بمراكب تحررهم ابعد مما اراد منظرو الحرية و المساواة اليبراليون فبرزت تيارات نسوية تحلم بمساواة كاملة ارحب بكثير مما اقرته الجمهورية الفرنسية لمواطنيها.رغم ذلك يمكن القول ان الثورة البرجوازية هى المحضن والمنبت الاول لمبدأ المساواة فى صورته الحديثة.فقد شهد العصر الحديث اقرار المساواة كحق لكل البشر فى مواثيق حقوق الانسان العالمية وفى دساتير الدول كما شهد بروز التشريعات التى تقنن لحق المساواة وتجعله حقا قابلا للنفاذ امام المحاكم وتجعل المتضررين من سلبه قادرون على اللجؤ للمحاكم للمطالبة بالتعويض وجبر الضرر.
ويهمنا فى هذا المقام ان نشير الى ان مبدأ المساواة ومنع التمييز قد وجد الارضية اللازمة من خلال اقرار الديمقراطيات الحديثة لمبادىء دستورية اساسية وهى حياد الدولة وسيادة حكم القانون .
حياد الدولة وسيادة حكم القانون
ان هذين المبدأين التوأمين حياد الدولة وسيادة حكم القانون قد شكلاعظم ظهر البناء الدستورى التقليدى القائم على المساواة فى صورتها الرسمية.لذلك فليس مستغربا ان دساتير السودان المتعاقبة بعد الاستقلال قد تضمنت نصوص تضمن الحق فى مساواة المواطنين جميعا امام القانون.

حياد الدولة الذى يقتضيه مبدأ المساواة امام القانون يتضمن ان تقف الدولة على الحياد بين الانتماءات المتباينة لجموع مواطنيها وبالتالى لاتتبنى الدولة المحددة دينا رسميا لها ولا تنحاز عرقيا ولا نوعيا ولا حتى لشريحة طبقية او جماعة محظوظة.ودون الخوض فى الانتقادات الاكاديمية الموجهة لفكرة حياد الدولة وانتقاد المدارس الفلسفية والسياسية المتعددة لها, يجدر بنا ان نشير الى ان فكرة حياد الدولة قد انتجت بناءا دستوريا يحظر فيه التمييز بكافة اشكاله.

على ذات النسق تطور مفهوم سيادة حكم القانون الذى يخضع جميع المواطنين فى الدولة المعنية لقانون عام واحد تنتفى معه حصانات الافراد او الجماعات كما تننفى معه اخضاع مجموعات بعينها لنظام قانونى مختلف او قوانين مخصصة لها. وطبيعى ان يتناقض مبدأ سيادة حكم القانون مع اى قوانين مبنية على الانتماء العرقى او الانتماء لجنس دون غيره كما تمنع ايضا منح الحصانات للنخب الحاكمة فى مواجهة مواطنيها,وبالتالى فهى تتناقض مع فكرة الارستقراطيات السياسية او الزعامات القبلية او السيطرة الذكورية وتسعى لخلق حماية قانونية ومسئولية قانونية تؤسس على المواطنة ولا شىء غيرها.ولذلك فقد كانت المساواة القانونية وليد شرعيا للمزواجة بين حياد الدولة وسيادة حكم القانون((I Loveland.

وقد شكل هذا اختراقا هاما واضافة مقدرة للمحاولات الانسانية النبيلة التى هدفت لانهاء التمييز وتحقيق ضربا من العدالة فى الحقوق بين جميع المواطنين. الاختراق الايجابى الاخر الذى احدثه مبدأ المساواة القانونية على منظومة الحقوق هو منع التشريعات من اباحة اى شكل من اشكال التمييز وبالتالى منعت اعتبار النوع او العرق اساسا لمنح الحقوق او الحرمان منها. كما منع القوانين من تكريس سيادة او علو عرق او نوع اجتماعى على اخر وبفضله اختفت التشريعات التى تكرس لدونية النساء او لدونية اى عرق من تشريعات الدول الحديثة. عليه حصلت النساء على حقوق متساوية فى الزواج والعمل واهمها الاجر المتساوى للعمل المتساوى. كما وفرت الارضية القانونية والاخلاقية لتحرير العبيد.ثم شكلت فيما بعد اساس نظرى واخلاقى للكفاح ضد انظمة الفصل العنصرى ودفعت حركة حقوق الانسان للاصفاف مع غيرها من انصار العدالة فى كافة انحاء العالم لانهاء نظام الفصل العنصرى فى جنوب افريقيا والذى شكل انموذجا فجا للتمييز على اساس العرق واللون فى العصر الحديث.
المساواة الرسميةFormal Equality
رغم ذلك فان التشريعات التى قننت الحق فى المساواة لم تنعتق من الرؤية الارسطية تماما بل ظلت تشترط التماثل لاقرار المعاملة المتساوية. ولكى تستقيم رؤيتها هذه افترضت ان النساء نسخة بشرية مستنسخة من الرجال ولذلك اغمضت عينيها عن اختلاف الادوار والاحتياجات وسعت لخلق قالب بشرى واحد تفصل الحقوق والامتيازات على مقاسه , كما غضت الطرف عن الفوارق العرقية والثقافية للمجموعات البشرية المختلفة.
ابرز هذه التشريعات هى التشريعات الانجليزية والتى شرعت فى سبيعنيات القرن الماضى(Race Relations Act 1976 &Sex Discrimination Act 1975 ).فقد وضعت المحاكم الانجليزية اختبارا موضوعيا لتحدد فيما اذا كان المدعى قد تعرض للتمييز ضده. هذا الاختبار يقتضى ان يثبت المدعى انه قد تلقى معاملة اقل من مماثله .comparator هذا المماثل يكون فى بعض الحالات شخصا حقيقيا مثل الاشخاص الآاخرين الذين يمتهنون نفس المهنة او يعيشون فى نفس المنطقة او من نفس الفئة العمرية . وقد يكون المماثل شخصا افتراضيا يمثل انموذجا مثاليا للتمتع بكافة الحقوق.
هذا الاختبار القائم على المقارنة يثير صعوبات عملية عديدة رصدتها سجلات المحاكم الانجليزية .غير ان الاهم من ذلك هو اثارته لمسائل نظرية اعمق من وجهة نظر نسوية, فهو يجعل الرجل هو النموذج الاعلى الذى يجب المقارنة به وبالتالى لا يابه للفوارق الجوهرية بين اوضاع الرجال والنساء ولا يعتنى بالاحتياجات والتجارب المختلفة للجنسين وفوق ذلك كله فانه يغض الطرف عن امر تجارب النساء والتى ارتبطت بالتمييز والاقصاء التاريخين( انظر .(Fredman S, Discrimination Law هذا المدخل المبنى على المماثلة والمقارنة يعرف بمدخل المساواة الرسمية وهو يعنى بتحقيق المعاملة المتساوية كهدف لذاتها دون ان يعنى بالنتائج التى تنهى واقع الاضطهاد والتهميش ولذلك فانه يعتبر الافضلية فى المعاملة والتى تستهدف تحسين اوضاع الفئات المحرومة من قبل التمييز الممنوع ايضا وبالتالى لا يبيح اى تدابير تفضلية لمصلحة النساء او اى مجموعات اخرى (James V. Eastleigh Borough Council)

رغم ذلك قد شكل هذا المدخل تاريخيا نقلة دستورية هامة اذ انه منع التمييز المباشروالمسنود بالقوانين والذى كان يتم ضد النساء والارقاء باعتبارهم لا يماثلون الاحرار والرجال بل هم اقل منهم مرتبة فى الصفات البيولوجية والاوضاع الاجتماعية وبالتالى وفقا للمقولة الارسطية السابقة لا يستحقون المعاملة المتساوية.وقد اسهم مفهوم المساواة الرسمية فى الغاء كافة اشكال التمييز التى يقرها القانون وعمد الى جعل القانون اداة محايدة لحماية حقوق كل المواطنين على قدم المساواة و بدون تمييز وبذلك تطور مفهوم المساواة امام القانون ليشكل ركنا هاما فى البناء الدستورى فى عصرنا هذا.كما وفر الارضية النظرية للمطالبة بحقوق الاجر المتساوى والحقوق الانتخابية والحقوق االمتعلقة بالمشاركة السياسية بوجه عام.وقد نالنا فى دستور السودان للعام 1973بعض من هذا الفيض بتقنين الحقوق المتساوية فى مجال الوظيفة والترشيح والانتخاب والتى صارعت الحركة النسوية السودانية لسنوات من اجلها .

اهم الانتقادات النسوية الموجهة لمبدأ المساواة الرسمية
رغم التقدم التاريخى والحقو ق الهامة التى وفرها مبدأ المساواةالرسمية للنساء, الا ان مثالب عديدة كشفت من خلال تطبيقاته القضائية فى الدول التى تضمنته تشريعاتها. ففى المحاكم الانجليزية مثلا والتى تضمنت تشريعاتها منع التمييز على اساس العرق واللون او النوع الاجتماعى منذ سبيعنات القرن الماضى اتضحت اوجه قصور المبدأ فى التالى:
• انه لايعنى بالتنوع ولا يلتفت الى الفروق البينة بين مجموعات المواطنين بل يكرس لاقرار الحقوق على اساس التماثل وفقا لارسطو و بالتالى يكرس لاعلاء نموذج معيارى موحد يصلح لمقايسة حقوق كل المجموعات والافراد. فهو من ناحية العرق يكرس لموديل الرجل الابيض وبالتالى يعتنى بخبراته وتجاربه ويتقاضى عن غيرها كما يولى كل الاعتبار لتجارب الرجال ويتجاهل تجارب النساء ولا يعنى بالفروق بين تجارب وتاريخ واحتياجات النساء والرجال. ففى قضايا حقوق المرأة الحامل فى الحصول على اجازة مدفوعة من عملها اعتبرت المحاكم الانجليزية النموذج المعيارى او المماثل(comparator ) للمرأة الحامل هو الرجل المريض مما صعق المدافعين والمدافعات عن حقوق النساء بهذا العمى النوعى الذى يتجاهل دور النساء فى استدامة الحياة واستمراريتها وتقديمه كدور سالب يمنع النساء من العمل والانتاج فاعتبره مساو لوضعية المرض عند الرجال(انظر القضية الانجليزية الشهيرة ويب ضد ايمو اير كارقو).

• هذا المبدأ لايعنى يايجاد هدف ومحتوى موضوعى للمساواة بل مجمل اهتمامه ينصب على تحقيق المعاملة المتشابهة للجميع وان اختلفت الظروف والاحتياجات uniformity of treatment. فباشتراطه لمساواة المتماثلين فقط لايعنى بتحسين اوضاع المجموعات المختلفة ولا يسعى لترفيع الاوضاع الحقوقية والحياتية باى شكل كما لايسعى لازالة المظالم التاريخية او وضعها فى الاعتبار عند اقرار الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية , ولذلك فتستوى عنده المساواة فى الاحوال الافضل مع الحرمان من الحقوق او تقليل الفؤائد والمزايا الاجتماعية للمواطنين جميعا. تحضرنى هنا القضية الاميركية الشهيرة بالمر ضد تمبسون. فقد اقتضت القوانين الهادفة لانهاء التمييز ضد السود فى امريكا السماح للسود باستخدام المسابح العامة اسوة بالبيض,فقامت البلدية المدعى عليها باغلاق كل المسابح فى وجه البيض والسود عل حد سواء فتساوت جميع الاعراق فى الحرمان من السباحة والحق فى الاستمتاع بها !!

• تركزقوانين المساواة الرسمية على الحقوق السياسية والمدنية ولا تعنى بالحقوق الاقتصاديةو الاجتماعية والثقافية والتى يتجلى فى حرمان النساء منها او حصولهن على مستويات اقل فيها نوعا من القصور المميت الذى لازم اتفاقيات حقو ق الانسان الدولية وآليات عملها التى تفصل بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبين الحقو ق المدنية والسياسية( راجع العهدين الدوليين 1966 ). فبينما يتم اقرار الحق فى المشاركة السياسية للنساء لا يتم الربط الفعال بين القيم التى تحصر النساء فى الفضاء الخاص وبين القوانين التى لا تشجع النساء على تجاوز شرطهن التقليدى.وايضا لا يتم النظر الى ضعف القدرة الاقتصادية لدى مجموع النساء كحائل بينهن وبين استقلالية القرار والقدرة على اتخاذه فى الممارسة السياسية.

مساواة النوع : المساواة الفعلية اوالموضوعية Substantive Equality

الانتقادات السابقة لمبدا المساواة فى صيغته الرسمية اوضحت انه لا يقود الى النتائج المرجوة فى تجسير الفجوة النوعية بين النساء والرجال ولا يعنى بازالة الغبن والعوائق التاريخية التى تمنع النساء من التمتع بالحقوق المتساوية اذ ان جل اهتمامه اى المبدأ هو اقرار المعاملة المتساوية غض النظر عن نتائجها وبالتالى يحق لنا ان نقول ان هذا المبدأ "Gender blind".هذا العمى النوعى لا يؤهل هذا المدخل ليكون طريقا سالكا لاقرار المساواة النوعية فى اهدافها النهائية.عليه فقد برز المدخل المعاصر وsubstantive equality.(لا يوجد لفظ اصطلاحى متفق عليه بين الحقوقيين فى اللغة العربية مرادف للفظ substantive equality لذلك فاننى افضل استخدام لفظى المساواة الموضوعية او الفعلية بالتبادل.

ان دراسة واقع النساء اليوم فى بلادنا وفى كل البلدان على تفاوت تطورها لا يجعلنا ندعى ان النساء قد انعتقن من كل ما يكبل حيواتهن وهن فى وضع مماثل لرصفائهن الرجال .وعليه فاننى اجد نفسى فى اتفاق كامل مع الاطروحة النسوية الاساسية التى تقول ان واقع النساء فى كل البلدان على اختلاف تطورها وفى بلادنا بكل تاكيد (انظر المراة السودانية عشرة اعوام بعد بكين).اوضاع التمييز القائم ضد النساء تبعدنا من تبنى اى موقف حقوقى يدعى الحياد فى مواجهة ميل موازين القوة ضد مصلحة النساء على مدى التاريخ. اذن ما نتوق اليه هو قوانين مساواة كاملة الحساسية تجاه النوع ولديها اهداف مدروسة تسعى لتمكين النساء ووضعهن فى موضع القوة والتاثير من جانب كما تستصحب معها تجارب النساء واحتياجاتهن المختلفة المرتبطة بتجديد النوع البشرى هذا من جانب اخر.

ونحن بذلك نكون قد انضضمنا للتيار النسوى العريض والذى اخذ على عاتقه ترسيخ مبدأ المساواة الكاملة الحساسية او الفعلية اذا شئت.وحرى بنا هنا ان نستلهم حصاد تجارب اصبحت نماذجا لتطبيقات المساواة الفعلية فى عالم اليوم لتطوير النص الدستورى(مادة32 فقرة2)الذى يجوز اعتماد التمييز الايجابى لمصلحة النساء فى وثيقة الحقوق والذى يمكن ان يؤسس لمدخل متكامل نظريا وعمليا لاقرار المساواة الفعلية فى الواقع السودانى.



مداخل المساواة: تدابير لتحقيق اهداف

ان تحقيق المساواة الفعلية de facto يقتضى اقرار المعاملة المختلفة وفقا للظروف الموضوعية للمجموعات المستهدفة. ما تتميز به مبادىء المساواة الموضوعية هو تحديدها لهدف معين تسعى لتحقيقه وفى سبيل تحقيق الهدف المعنى يجوز اقرار المعاملة المتساوية بشكل عام الا ان ذلك لا يمنع بل يشجع اقرار المعاملة المختلفة حيث يقتضيها تحقيق الهدف, عليه فقد بدات تتشكل مداخل المساواة الموضوعية والتى تعنى بتحقيق نتائج محددة فى مجالات محددة يتجسد فيها واقع التهميش والاقصاء التاريخين.

مساواة الفرص او الفرص المتساوية Equality of opportunities
يعمل هذا المدخل على ازالة العوائق الناجمة عن الاقصاء التاريخى باتاحة فرص عادلة لوضع من عانوا من التمييز التاريخى على قدم المساواة مع من تمتعوا بالتفضيل تاريخيا. تدابير المساواة فى الفرص تركز كثيرا على انهاء المظالم او انعدام العدالة فى تولى الوظيفة ولذلك تمنح افضلية للمستهدفين بالتمييز الايجابى فى مجالات العمل, التعليم والتدريب.ومعروف ان التطورات التاريخية الايجابية والتى ادت الى اقرار معيار الاجادة والكفاءة merit لتولى الوظيفة قد ابعدت اى اعتبارات تمييزية لا تمت للقدرة على اداء العمل المعنى بصلة مثل التوظيف على اساس القرابة nepotism او على اساس الولاء السياسى political favourism .ولذلك فالتمسك بمبدا الكفاءة ضرورى ولا يجوز التنازل عنه تحت دعوى اقرار المساواة والا كان ذلك خصما على تقدم البلد المعنى وازدهاره الاقتصادى مما يجعل مبدأ المساواة ليس الا مساواة فى اقتسام الفتات.

اذن لا يمكن التخلى عن معيار الاجادة والكفاءة merit فى الاختيار لتولى الوظيفة. فما هى الفرص الذى يوفرها هذا المدخل لمن عانوا من الاقصاء التاريخى عن تولى وظائف بعينها؟ رغم تعدد الاتجاهات فى هذا المجال الا اننا نكتفى بايضاح جوهر الفكرة والذى يقر منح الفرد من المجموعة المعنية تفضيلا على سواه من المتقدمين للوظيفة والذين استوفوا شرط الكفاءة لتوليها ,كما تطبق نفس المعيار للقبول فى الجامعات اوالاختيار لفرص التدريب.

اهم الانتقادات التى توجه الى هذا المدخل انه لا يتدخل فى الهياكل الاجتماعية والتى تخلق اشراطا غير عادلة تحول بين المجموعات المضطهدة والحصول على التاهيل اللازم لتولى الوظيفة والتى ترتبط اساسا بالفقر والتمييز الهيكلى بل تسعى لتوظيف صفوة المجموعات المضطهدة ممن تجاوزوا شرطهم المرتبط بالعرق او الجنس لحظ استثنائى خاص بهم الا انه لا يغير من واقع التمييز والاقصاء شئيا وبالتالى فهذا التيار يسعى لاقرار اجراءات اكثر عمقا وابلغ اثرا لانهاء واقع الاقصاء والتهميش.

اما التيار الاخر من الانتقادات ,على العكس من التيار السابق, فياتى من مناصرى المساواة الرسمية والذين يرون المعاملة المتماثلة هدفا فى ذاتها ويتمسكون بشرط الكفاءة merit بصورة مطلقة لا يجوز الانتقاص منها. ولذلك فان هذا التيار يتوسل ضد هذا المبدأ باثارة مسالة اخلاقية عميقة :هل يجوز اتخاذ تدابير المساواة فى الفرص على حساب افراد اخرين لم يغترفوا بانفسهم جريرة الاقصاء او التمييز ؟

هذا الجدل شهدته اروقة المحكمة العليا الامريكية كصدى للجدل الدائر بين الليبراليين الجدد وغيرهم من المدارس الليبرالية فى عدد من القضايا من اشهرها Bakke Case , والتى لجأ فيها المدعى للمحكمة معترضا على القوانين الفدرالية والتى تمنح افضلية للسود فى القبول للجامعات فى اطار الافعال الايجابية Positive Actions لمعالجة التمييز التاريخى ضد السود فى امريكا كعبيد سابقين. وقد ترتب على ذلك حرمانه من فرصته فى القبول فى احدى الجامعات الامريكية. وقد استند فى دعواه الى مبدأ الاجادة الاكاديمية كشرط اعلى للقبول فى الجامعات ودفع بانه من الظلم ان يحرم من فرصة القبول لمنع التمييز ضد آخرين لم يقم هو فى حياته بممارسة التمييز ضدهم. وقد تزامن مع هذه القضية جدل واسع لم يحسم بعد حول مشروعية التمييز الايجابى لمصلحة الامريكيين السود.

مساواة النتائج Equality of results او المردودoutcome Equality of

المدخل الثانى والذى سار خطوة ابعد فى اتجاه المساواة الموضوعية او الفعلية وهو يسعى لتحقيق هدف محدد لمصلحة مجموعة معينة, وعليه فان تدابير المساواة تتنوع وتتباين باقرار المعاملة المختلفة او المتماثلة طبقا لاحتياجات تحقيق الهدف المعنى وهى results sensitive measures تقاس بالنجاح فى تحقيق نتيجة محددة وممكنة التحقق. .هدف مساواة النتائج غالبا ما يعالج حصيلة الاقصاء او التمييز فى مجالات المشاركة فى الحياة العامة مثل مؤسسات اتخاذ القرار كالهيئات التشريعية او التنفيذية او الهيئات الحزبية او النقابية او المدنية القائدة.ولذلك فدائما ما تعنى مساواة النتائج بتحديد الهدف بشكل دقيق ومحكم وذلك بتحليل ظاهرة الاقصاء والتهميش المرتبطة بالنوع او العنصر وربطها بنتائجها المتمثلة فى الابعاد او الاحجام عن المشاركة العامة.

من ابرزالاهداف التى تحكم هذا المدخل تحقيق المشاركة participation ,وهى تدابير تصلح لرفع مشاركة المرأة فى مؤسسات الحكم واتخاذ القرار. القبول والاحترامRespect and Recognition ,وهذا الهدف يقتضى نوع من التدابير لمعالجة الثقافة الشفاهية والمكتوبة المعادية للنساء فى الاوساط الاجتماعية او المؤسسات التعليمية او فى اجهزة الاعلام .هدف اعادة التوزيع .redistribution ينطلق هذا الهدف من تحليل واقعى يكشف ان التوزيع النمطى للادوار يفضى لمراكمة الثروة لدى جنس الرجال بشكل عام وحرمان جنس النساء من الثروة وطرق الحصول عليها مما انتج ما يعرف بظاهرة الفقر المؤنث. عليه فان محاربة ظاهرة تفشى الفقر وسط النساء تحتاج لتدابير تسعى لاتاحة الحصول على الثروة عن طريق ازالة العوائق التى تحول بين النساء والاستثمار والعمل والتملك والتقاليد والممارسات التى تمنع النساء من السيطرة على الموارد والتصرف فيها بعدالة. هذه الاهداف الثلاث قد تعمل فى مجالات متعددة كمية ونوعية تشمل فيما تشمل اعادة توزيع الموارد بشكل عادل , تحديد نسب محددة لتمثيل المجموعات المبعدة او النساء فى مراكز اتخاذ القرار,اتاحة البراح الاجتماعى والثقافى ليسع الثقافات واللغات المهمشة او الهويات المبعدة من التاثير فى الفضاء الوطنى العام بفعل التمييز او رفع تمثيل المجموعات المهمشة فى مراكز اتخاذ القرار بنسبة مفرزةَ Quota system
( N Crowley, Mainstreaming of Equality Foundations in the Irish Context)

وقد ذهبت اتفاقية القضاء على كل اشكال التمييز ضد المراة لاعتماد الاجراءات الخاصة المؤقتة لانهاء التمييز ضد النساء وهى تدابير تسعى لتحقيق هدف محدد من اهداف المساواة وفق اطار زمنى.من المهم جدا ان نذكر ان تأقيت هذه التدابير لا يشير لقصر الفترة الزمنية بقدرما يشير الى ضرورة ايقاف العمل بها حالما تحقق الهدف المنشود منها.(انظر المادة 4 من الاتفاقيةوراجع توصية لجنة سيداو رقم 25)

عليه يتبين ان احداث نتائج تخترق واقع التمييز يدفع قوانين المساواة للغوص بعيدا داخل بنى المجتمعات وهياكلها الاقتصادية, الاجتماعية,السياسية و الثقافية لتلامس جوهرالتمييز وتضع التدابيراللازمة لاختراقه.ولذلك فان مدرسة المساواة الموضوعية او الفعلية وثيقة الصلة بالمدارس الفكرية( على سبيل المثال وليس الحصر مدراس النسوية الاشتراكية) التى تنادى بالعدالة الاجتماعية وتموضع المساواة فى قلب السياسات الكلية الهادفة للوصول لمجتمعات مبنية على المساواة الكاملة egalitarian societies .وهى تتفوق بذلك على المدارس الليبرالية التى لا ترى فى قوانين منع التمييز الا اجراءات شكلية لا تتجاوز ابواب المحاكم وقاعاتها ولذلك فان المساواة فى الفرص والنتائج هى بداية الطريق الى المساواة الفعلية وليس نهايته.بمعنى ان تحليل اسباب ومظاهر الظلم والاقصاء الواقع على النساء فى المجتمع المعنى قد يقودنا الى مداخل اخرى عديدة توسع وتعمق من اهداف المساواة وبالتالى تضيف باضطراد لتدابيرها.

ما بعد مساواة الفرص والنتائج :أدماج النوع( الجندر) فى السياسات Mainstreaming
تقدمت الاتفاقيات الدولية المتخصصة فى انهاء التمييز ضد النساء خطوات باعتمادها رؤيه نسوية شاملة لواقع التمييز ضد النساء اذ شخصته بانه مغروس عميقا فى الهياكل الاجتماعية والاقتصادية المبنية على الهيمنة الذكورية وبالتالى لا يمكن انهاء التمييز على اساس النوع الا بغرس الترياق المضاد فى عظم السياسات الكلية التى تهدف لتغيير هذا الواقع.ولذلك فبدلا من اعتماد وصفة مفردة لتحقيق هدف محدد معروف يقتضى هذا المدخل المتقدم اعتماد حزم من التدابير تطال كل السياسات الماسة بحياة النساء وتعمل على مستويات عديدة لتحقيق اهداف متنوعة تكون محصلتها النهائية السير قدما فى تجسير الفجوة النوعية وصولا لتحقيق المساواة الفعلية الكاملة.(انظر التوصية رقم 25 للجنة سيداو).رافق هذا التطور تطور هام اخر على مستوى مفاهيم حقوق الانسان الدولية.فقد برز بوضوح الاتجاه الذى يعتمد الالتزمات الايجابية positive obligations للدول فى مجالات حقوق الانسان.فلم يعد واجب الدولة الامتناع عن المساس بالحقوق بل هى ملزمة بالتدخل الفعال لوضع كل الخطوات العملية الضرورية لتمكين مواطنيها من الحصول على هذه الحقوق والتمتع بها.

تجارب ملهمة :
i. تجربة كندا:ادخال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
حقق الميثاق الكندى الخاص بالحقوق الحريات 1982 اختراقا مميزا فيما يتعلق بمساواة النوع فقد اقر الميثاق فى مادته 15 الفقرة 2 المساواة الموضوعية. فقد اعتبرت هذه الفقرة التدابير التى تهدف لانهاء حالات التمييز لاتتعارض مع الامر العام بمنع التمييز حتى لو تضمنت اجراءات للتمييز الايجابى والمعاملة التفضيلية.بيد انه يجب التنويه للعمل الهام الذى قامت به المحكمة العليا الكندية والاستخدام الفعال لهذا النص بواسطة النسويات الكنديات اعطى هذا النص بعدا اعمق واشمل. اهم الجوانب التى قاتلت من اجلها حركة المرأة الكندية ان تقر تدابير التمييز الايجابى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية جنبا الى جنب الحقو ق المدنية والسياسية. وذلك لمواجهة تراجع حكومات الليبراليون الجدد عن الحقوق التى حصلت عليها النساء فى مجالات الضمان الاجتماعى والدعم فى حالة رعاية الاطفال او البطالة.
وقد قامت المحكمة العليا الكندية بدور بارز فى فى وضع هذا النص المتقدم موضع التنفيذ واستخدامه بكفاءة لحفظ مكتسبات النساء والسير بها الى الامام . وقد تميزت احكام القاضيات ذوات الوعى النسوى المتقدم باستيعاب احتياجات النساء ومطالبهن بشكل يدعو للاعجاب خاصة احكام القاضية المعروفة بمناصرتها ودفاعها عن الحق فى المساواة لى هنريك ديوب.( L'Heureux-Dube, C. "Realizing equality in the twentieth century: the role of the Supreme Court of Canada in comparative perspective")

ii. تجربة جنوب افريقيا: دور المحكمة الدستورية فى توسيع النص الدستورى
اما تجربة جنوب افريقيا فقد اعتمدت بالاساس على نص القسم التاسع من الدستور لسنة 1996والذى ربط بين المساواة امام القانون والحماية القانونية المتساوية لجميع المواطنين.ولذلك فقد قامت المحكمة الدستورية لجنوب افريقيا بدور مفصلى للتفريق بين نوعين من التمييز اعتبرت احدهما تمييزا ضارا وبالتالى منعته فى كل الاحوال ونظرت الى الثانى باعتباره تمييزا مرغوبا فيه ولذلك شجعته باعتبار ان الدستور لم يهدف الى تحريمه.النوع الاول هو التمييز الذى يكرس لاستبعاد او تقييد او حرمان اى مجموعات بعينها من حقوقها.اما الثانى وهو التمييز الايجابى فهو الذى تهدف تدابيره لانهاء حالات التمييز التاريخى والتعجيل بمساواة من رزحوا تحت نيره لسنوات.ايضا من الدروس المستفادة من تجربة الجنوب الافريقى تكامل دور المحكمة الدستورية مع مفوضية مساواة النوع باعتبار انها مؤسسة غير قضائية تقوم بدور البحث والمناصرة والدعاية بل المقاضاة امام المحكمة لانهاء واقع التمييز على اسا س الجنس جنبا الى جنب مع تدابير انهاء التمييز على اسا س العرق الهادفة لتصفية تركة الابارتيد(T. Loenen: Equality Clause in The South African Constitution: Some Remarks from a Comparative Perspective)

iii. تجربة ايرلندا الشمالية:ادماج المساواة فى السياسيات العامة
هدفت تجربة ايرلندا الشمالية لارساء قيم المساواة والعلاقات الطيبة بين المجموعات المختلفة بعد اتفاق السلام Good Friday Peace Agreement 1998 الذى انهى سنوات من الصراع. لتحقيق ذلك اعتمدت على ادخال المساواة فى نسيج السياسات العامة وقد نص على ذلك فى المادة 75 من قانون ايرلندا الشمالية Northern Ireland Act . تميزت قوانين المساواة فى ايرلندا ان آلية تنفيذها ليست المحاكم بل ان مفوضية المساواة هى رأس الرمح فى اقرار المساواة وهى تضطلع بهذا الدور عبر مايسمى بمشروعات المساواة Equality scheme. مشروع المساواة بمثابة action plan للمؤسسات الحكومية وفيه توضح كل التدابير والاجراءات التى ستقوم بها فى مجال تنفيذ واجبها القانونى لاقرار المساواة statutory duty .وبذلك اصبحت تدابير المساواة جزءا لا يتجزء من كل السياسات الحكومية فى الاجهزة المعنية.هذا الطريق التى رسمته قوانين المساواة فى ايرلندا ش اقتضى اشراك المعنين بالمساواة من خلال تنظيماتهم المدنية فى مراحل التخطيط لمشروعات المساواةُ Equality Schemes وايضا من خلال مراقبة تنفيذ تلك السياسات واثرها على المجموعات المختلفة equality Impact analysis وقد ادى هذا بدوره لبروز تنظيمات مدنية قوية فرضت شراكة حقيقية بين الاجهزة الرسمية والمجتمع المدنى,مثال CAJ.

هذا التواجد المكثف للتنظيمات المدنية والتواصل المستمر من اجل المطالبة بالحق فى المساواة خلق اشكال من التنسيق والتعاون الوطيد بين مجموعات المساواة على اختلاف اوضاعها وتباين احتياجاتها.لذلك يمكن القول ان تجربة وآليات اقرار المساواة فى ايرلندا ش اسهمت فى بناء حركة حقيقية من اجل المساواة Movement for equality .
الدرس المستفاد الثانى من هذه التجربة ان تحديد مجالات التمييز التى يجب ان يعالجها القانون اقتضت اجراء ابحاث مكثفة شملت كل المناطق واوضاع كل المجموعات التسع المعنية بالمساواة.وبذلك توفرت مادة احصائية وتحليلة شاملة جعلت تحديد الاولويات
ونوعية التدابير المطلوبة فى متناول ايدى من يخططون ومن يراقبون مشاريع المساواة McCrudden, Mainstreaming Equality in Northern Ireland

خلاصة وتوصيات: خطوط عامة لتعميق مفهوم مساواة النوع فى الدستور
خلاصة:
نخلص من العرض السابق الاان المساواة امام القانون او المساواة الرسمية تقصر نظريا وعمليا عن تحقيق المساواة الفعلية.ذلك لتاسيسها نظريا على رؤية ارسطو التمييزية.وعلى المستوى العملى فقد شهدت تطبيقاتها اخفاقات لا تخفى تحت القانون الانجليزى. عليه فان مساواة النوع لا يمكن الاان تعتمد مفهموم المساواة الفعلية او الموضوعية.ذلك انه المدخل الذى يمكن ان يؤطر التدابير المبنية على التحليل النوعى.ايضا نخلص الا ان تدابير المساواة تحتاج فى البدء لرؤية تنطلق منها وتنبنى عليها فان انتقاء بعض التدابير لمعالجة بعض مظاهر التمييز تظل محاولة مبتورة وذات مردود محدود.والبديل حزم كاملة من التدابير المتسقة التى تعمل على تحقيق اهداف منظورة ومخططة فى اطر زمنية وان طالت امادها.
هذا الفهم الذى قد يكون مرشحا لاكساب مساواة النوع فى الدستور السودانى اتساعا مفاهيما ومسارا عمليا لابد ان ينظرفى التالى :


 اعادة تعريف التمييز على اساس النوع الاجتماعى:
حتى يتبلور وسط النساء السودانيات الناشطات والمهنيات وغيرهن وضوح نظرى كامل حول قصور اقرار المساواة امام القانون عن بلوغ غايات المساواة بين الجنسين علينا العمل على صياغة تعريف للتمييز يجمع بين اطرافه الفعالية النظرية والعملية للتعاطى مع التمييز على اساس الجنس او النوع الاجتماعى كما يحول دون تبسيط واختزال تدابير التمييز الايجابى لمجرد حماية الدور الانجابى فقط.ولذلك اجدنى مثل غيرى من تيار الحقوقيات الباحثات عن المساواة الفعلية اتبنى تعريف سيداو للتمييز الوارد فى المادة1 مع دمجها مع المادة 4.
المادة 1 تقرأ"مصطلح التمييز ضد المرأة يعنى اى تفرقة او استبعاد او تقييد يتم على اسا س الجنس ويكون من اثاره او اغراضه النيل من الاعتراف للمرأة على اساس تساوى حقوق الرجل والمراة بحقوق الانسان والحريات الاساسية فى الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية او فى اى ميدان اخر ....الخ"
مادة (1)4 تقرا"لا يعتبر اتخاذ الدول الاطراف تدابير خاصة م}قتة تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة تمييزا كما تحدده هذه الاتفاقية ,ولكنه لا يستتبع باى حال كنيجة له الابقاء على معايير غير متكافئة او منفصلة,كما يجب وقف العمل بهذه التدابير عندما تكون اهداف التكافؤ فى الفرص والمعاملة قد تحققت.
(2)"لا يعتبر اتخاذ الدول الاطراف تدابير خاصة تستهدف حماية الامومة بما فى ذلك تلك التدابير الورادة فى هذه الاتفاقية اجراءا تمييزا"

 تطوير مناهج بحث خاصة بموضوعات المساواة
الاستفادة من المؤشرات المعتمدة على المستوى الدولى لقياس التمييز على اساس النوع (تقرير التنمية البشرية للعام 1995) لاعداد مناهج وطرق بحثية بغرض تطوير مؤشرات لقياس حالة التمييز على اساس الجنس فى السياسات والاجراءات الرسمية والتقاليد الاجتماعية على مستوى العائلة والقبيلة والمجموعة الاثنية والقطاعين العام الخاص.وبذلك تضع اللبنة الاولى لتوفير مادة احصائية دقيقة يتم على اساسها تحديد اولويات التدخل ونوع التدابير والاهداف التى يجب تطويرها لمواجهة حالة التمييز على اساس الجنس او النوع الاجتماعى فى الوضع السودانى.

 بناء تحالفات من اجل المساواة
تطوير اشكال من التعاون والتشبيك مع المجموعات الاخرى التى تنشد المساواة الفعلية تشمل بغير حصر المجموعات العرقية والدينية والاقليمية المختلفة .ذلك لتطوير مشتركات العمل من اجل المساواة وبالتالى تحديد الاستراتيجيات الضرورية للمناداة بها وصولا لاقرار تدابيرها و انفاذها والاستمرار بعد ذلك للعمل من اجل مراقبتها وتطويرها.


 مراجعة وتطوير آليات التنفيذ القائمة وابتداع آليات جديدة
احد اهم اليات انفاذ الحقوق والتى اوكل لها الدستور الانتقالى مهمة انفاذ الحقوق هى النظام القضائى وعلى رأسه المحكمة الدستورية(المادة 48).حيز هذه الورقة لا يسمح بالخوض تفصيلا فى كفاءة المحكمة الدستورية وفعاليتها الراهنة للاضصلاع بهذا الدور المفصلى كما رأينا فى التجارب المعروضة بعاليه.غير اننا نكتفى هنا بالتنويه الى مراجعة ورصد هذا الدور لمعرفة امكانياته الحالية واوجه قصوره والسعى لتطويره مستقبلا.

وجود آلية قضائية لا يمنع بل يتطلب انشاء آليات اخرى غير قضائية تنهض بالدور البحثى والرقابى وحتى التنسيقى لاقرار المساواة والسعى لاصدار القوانين وتبنى السياسيات الضرورية.قد يكون من المناسب اقتراح انشاء مفوضية متخصصة لمساواة النوع وقد يمكن بالنظر للتعثر الراهن فى انشاء مفوضية حقوق الانسان ان نقترح تضمين مسالة المساواة كجزء من مهام المفوضية على ان يستمر العمل لانشاء مفوضية خاصة فى المستقبل(مثلا الاتفاق عليها كجزء من برنامج حد ادنى تطرحه المرأة السودانية لدعم برامج الاحزاب فى الانتخابات المقبلة).


غادة شوقى
الخرطوم
يونيو 2008

Bibliography:
Laws

South Africa Constitution.

Art 4 of Sudan Constitution 1956, and the Transitional Constitution of 1964, Art 34 of the Permanent Constitution 1973, Art 21 of 1998 Constitution, Art 31 of the National Interim Constitution 2005.

ICSCER 1966

ICCPR 1966.

CEDAW Committee, General Recommendation No.25, on article 4 para1

Cases
James V. Eastleigh Borough Council [1990] 2 AC 751 (HL)
Palmer v. Thompson (1971)403 US 217

Books
S Fredman, Discrimination Law (Oxford, Oxford University Press 2002)

I Loveland, Constitutional Law, Administrative Law and Human Rights, Oxford, University Press 56-67.



Articles:
L'Heureux-Dube, C. "Realizing equality in the twentieth century: the role of the Supreme Court of Canada in comparative perspective" (2003) 1 (1) International Journal of Constitutional Law 35

C McCrudden, Mainstreaming Equality in Northern Ireland 1998-2004: A review of Issues Concerning the Operation of the Equality Duty in Section 75 of Northern Ireland Act 1998

N Crowley, Mainstreaming of Equality Foundations in the Irish Context, a conference paper of Mainstreaming Equality: Models for a Statutory Duty 27-02-2003.

T. Loenen: Equality Clause in The South African Constitution :Some Remarks from a Comparative Perspective 13(South African Journal of Human Rights)401-1997 at401-02 ,Hein on Line.

Queen's University of Belfast, Equality and Social Inclusion Conference O'Connell, Nailing Down Shadows: Dignity and Substantive Equality in Comparative Perspective, Belfast 2006

Reports
UN Human Development Report 1995.

Thesis:
G Shawgi, Equality Law and Conflict in Sudan, Discrimination Based on Ethnic Origin, Human Rights Centre, Queen's University of Belfast, Belfast Septembers 2007.

مراجع عربية:
اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة (النص العربى)
المساواة فىالاسلام ,بحث تكميلى غير منشور , جامعة الخرطوم ,2001.
قانون الاحوال الشخصية 1991.
المرأة السودانية عشرة اعوام بعد بكين,مركز الجندر للبحوث والتدريب,الخرطوم 2006.



التوقيع: [mark=#050000]
يا خالدا تحت الثرى
[/mark]
منال غير متصل   رد مع اقتباس