المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خالد الصائغ
أحْمَقانِ .... مُعِيرَ كتابٍ و مُرِدَّه.
ثُمَّ ....
يا مُستعيرَ الكتبِ دعني *** فإنَّ إعارتي للكتبِ عارْ
محبوبي في الدنيا كتابٌ *** فهل رأيت محبوباً يُعارْ
هذان النَظْمان البديعان, ما لَمْ تُمارس ذاكرتي خِيانتها المتواترة, هُما, للمرحوم الشاعر عمر الحاج موسي, و المرحوم الشاعر الأستاذ محمد الأمين دياب, علي التوالي.
هذان الِسياقان المُعبِّران من النَظْم ِالرصين, كانا يُزينان, و يُزيّنان, بخطٍّ فارهٍ و مُبين, صَدْرَ مكتبة الوالد عليه رحمة الله و غفرانه, حتي إذا لَمِح لمعاناً في بريق إنسان عَيْن أحَدِهم, أو لَمِسَ مِنْهُ أعراضَ إحْتدام الدفء تحت حِجابِه الحاجز, تَوْطِئةً لطلبِ ِإستعارة كتاب ٍ راوَدَته نَفْسُه عن مَتْنه أو عَتَبَةُ عنوانه, باغَتَه الوالدُ إبتداءاً و أشارَ إلي البيتين من الشِعْر, فيُبْهَتُ الذي سألَ, ثم لا يَلْبَثُ الوالدُ و بعدَ أنْ يُوقِنُ تماماً بأنَّ حَمولةَ السِياقَيْنِ قَدْ سَرَي مفعولها في دم ِ السؤال, و كَسَرَتْ حِدَّةَ عُنْفوانِ شَهْوتِه, يُبادرُ السائلَ بقوله و إبتسامتُه الأثيرةُ تُزينُ, و تزيِّنُ وجهه:
أكيد ما بيرضيك إنو عمك يكون أول الأحْمَقَيْن, لكن إتفضل شيل الكتاب و ما تطول بيهو.
عن نفسي, كنتُ, في هذا الصَدَدِ, و ما زلْتُ, أُحاذِرُ دائماً أنْ أشتَملَ علي ذيْنك الأحْمَقَيْن, واحِدهُما أو كِلاهُما, بأيّ حال ٍ من الأحوال, فلا أبْتدرُ سِياقَ الحُمْق ِ, و لَسْتُ بمُتِّم ٍ له, و لا أُؤثِر علي نفسي في كتاب ٍ, و إنْ لمْ تَكُن بي خصاصةٌ, فالإيثارُ علي النَفْس ِ ضَرْبٌ من كريم ِ الإخلاق ِ و نُبْل ِ الطويِّة, بَيْدَ أنه ليْسَ بمَنْدوب ٍ بصَدَدِ كتاب.
كُنْتُ, و ما زلْتُ, دأباً أتأبطُ أنَويِّتي, أشْحَذُها و أُمارسُها, رِفْقَةَ كلّ كتاب, من كِلا الجهتين, من جِهَةِ الأثَرَة بكلِّ كتابٍ, و البُخلَ به علي رفاق ِ المُطالَعَة, و من جِهَةِ المَطْلِ و المماحكةِ في رَدِّه إلي صاحِبه حال طَلَبِه, بَلْ و مُدافَعَتُه في ذلك بالحق ِ و بالباطل, حَبْذا لو كانَ الكتابُ إستثنائياً أو مُفارِقاً في ذُبْدَتهِ و نَسَق ِ فِكْرَتهِ, فلَسْتُ من المُؤمِنين المُصدِّقين بفِكْرَةِ الإنتهاءِ من قراءة أيّ كتاب.
القراءةُ دوماً فِعْلٌ مُتَجَدِد, و الكتابُ كما أعْرِفُه و أتَمَثَّلهُ, كائنٌ حيٌّ, لا يَموتْ, و يَظَلُّ أبداً, يَغْتذي بطَعام ِ قِرائَتِنا, و يمشي في أسواق ِ سَيْرورة وَعْيِنا.
|