عرض مشاركة واحدة
قديم 11-10-2006, 02:28 PM   #[26]
عبد العزيز بركة ساكن
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية عبد العزيز بركة ساكن
 
افتراضي



أبرهيت، أبرهيت، الصافية، مختار علي، لام دينق زوج أداليا دانيال، الفكي علي، وأنا: حملنا دراسة الجدوي مكتوبة علي ورق فلسكاب نظيف _ إستبدلناه أكثر من ثلاث مرات _ ومضينا إلي البنك، البنك، مبني فخيم جميل ، طلي بالدهان الأخضر، وهو المبني الوحيد المكون من طابقين، في البلدة كلها وقد أخذ الناس يتجادلون زمناً طويلاً في كيفية الصعود إلي الطابق الأعلي، إلي أن حسم التكهنات ود أمونة، الذي عمل مراسلة في البنك ، وصف للناس السلالم الملساء التي يمشي فيها حذراً خوف أن يتزحلق ويسقط علي الأرض ..
كان كل شئ في البنك نظيفاً جداً، ما عدا الجنقو الذين يدبون علي بلاطة المزايكو في هذه اللحظات، ولأن غريزة موظف البنك تعمل بنشاط عندما يحوم خطر علي المال حوله، إنتهرنا الكاشير .
_ هي .. في شنو .. عندكم هنا شنو ؟!
قلت له،
_ عايزين مدير البنك ..
_ عايزنو في شنو ؟!
_ عندنا موضوع معاهو ..
_ موضوع شنو ... ممكن نعرفو أولاً..
قلت له بصورة حاسمة،
_ لأ .. نحن عايزنو شخصياً ..
قال،
_ المدير عندو إجتماع إنتظروه بره في البرندة، أو تحت الشجرة، لمان ينتهي حيجيكم بنفسه .. ونظر إلينا محملقاً في وجوهنا منتظراً رد فعل ما، وعندما خرجنا، أحسست أنه تنفس الصعداء، لكن لم تمض سوي دقائق قليلة، حتي جاء إلينا ود أمونة، بقي لدقائق ثم عاد قائلاً،
_ موضوعكم لو مكتوب في ورق، المدير قال حيقراه ويرد ليكم ..
قال له الفكي علي بثقة مفرطة،
_ إذا عايز يقابلنا أهلاً وسهلاً، وإذا ما عايز يقابلنا أهلاً وسهلاً، برضو ... نحن ما عايزين نأكله .. عايزنو في شغل ..
ثم قرأ في سره بعض التعاويذ، مما أكد لنا جميعاً أن المدير سوف يطلبنا حالاً، وفعلاً، جاء ود أمونة ، في فمه إبتسامة لولبية قال،
_ إتفضلوا .
عندما دخلنا، رأينا بعض رجال الشرطة، الذين لم نرهم في المرة السابقة، نعرفهم جميعاً نعرف أمهاتهم وآباءهم ، بل ربما أين ولدوا وأسماء القابلات، هل تعثرت ولادتهم أم لا ..
تبادلنا التحايا، بينما هم يندهشون، صعدنا السلالم إلي مكتب فسيح، تفوح منه رائحة الثراء، يتقدمنا ود أمونة مزهواً .
رحب بنا في حذر وصمت: في شكل سؤال كبير، قدمت له المجموعة فرداً فرداً بتمهل وقفت بعض الشئ عند الفكي علي.
_ مشهود للفكي علي عمايل خير كثيرة ...
وألمحت تلميحاً: إنه يستطيع أن يضر ضرراً بالغاً بمن شاء، إذا شاء .
تحدثت عن دور البنك كما يفهمه العامة في المنطقة، نحن منهم .ثم شرحت له الهدف من الزيارة _ أشرت إلي دراسة الجدوة التي أعددتها، إبتسم قائلاً، وهويسترق النظر إلي الصافية، في ثوبها الجديد " وصتني وصيتا"، ربما تمتلئ الآن رئتيه من عطرها الرخيص، بت السودان ...
_ أعطوني دراسة الجدوي أقرأها وأعرضها لمدير الاستثمار، بعد داك أرد ليكم ... ثم أضاف بتكلف مسيخ بارد ، بكلمات تخرج من بين أسنانه : أنا شاكر جداً لزيارتكم للبنك وأتمني أنكم تصبحوا عملاء معنا هنا .. البنك دا بنك الجميع قال ذلك بطريقة تعني: والآن إتفضلوا بره !!
قالت له الصافية التي يبدو أنها لم تفهم شيئاً مما قال، أو أنها الوحيدة التي فهمت .
_ يعني حتدونا سلفية وتراكترات ولا لأ؟!
قال مبتسماً،
_ الموضوع يحتاج لدراسة وتحليل مخاطر .
شرح لها الفكي علي قائلاً،
_ نمشي ونجيهم مرة تانية عشان يدونا رأيهم .
قال أبرهيت، بعد أن نظف حنجرته بحمحمة قصيرة، مقاطعاً جملة بدأها لام دنق .
_ من الأحسن نمشي .. والفي القسمة نلقاها .
لم يقل المدير شيئاً، فقط إبتسم وهو يستلم مني دراسة الجدوي، يقلبها قليلاً، ثم يضعها علي صينية الأوراق .
ونحن نخرج همس الفكي علي في أذني قائلاً،
_ أنا لو عرفت إسم أمهُ... أعمل فيه عمايل!!!
ود الحايل يَتْفَنْسْ زي الفتاة .
كل مجهودات المجموعة في إصطياد الشائعات ،صنع الأخبار وتقصي الحقائق: فشلت في الحصول علي معلومات مفيدة عن مدير البنك لولا فكرة أبرهيت، ليأسوا
_ ألم .. ألم قشي !!
_ نعم ألم قشي ...
_ أيوا ... ألم قشي!!!
الموظفون الأغراب يتقوقعون في مجموعة واحدة، يتحصنون باسلوب حياة روتيني مكرور، يشبههم لدرجة كبيرة، يكونون جيوب مجتمعية معزولة عن المواطنين، هذا حصن لا بأس به ضد الشائعات والقوالات، لكنه أيضاً : هش، لأنه بإمكان أية فتاة جميلة أمية إختراقه ... المغربون أضعف البشر،
أمام النساء الجريئات اللائي يعطين ويأخذن بسخاء، لكن بخصوصية، بقدر من الادعاء يحفظ كرامتهن، يقدمهن كأشراف، بل كمشروعات لنساء ربات بيوت مؤجلة، يجدن إختلاق قصص الغرام، ألم قشي تعرف هؤلاء الصبيات، تعرف نقاط ضعفهن الوحيدة وهي : الفكي علي. لأسباب معقدة لم تقترح ودأمونة ...
حسناً، تمطي الفكي علي، حسناً، أصبحت الكرة الآن في ملعبه هو بالذات ..
إسمه بلال حسين تركاوي ،
أمه نفيسة بت عبد الله،
أولاً جَمَّعَ الأرقام المقابلة لكل حرف من أحرف الابن والأم، الأسماء الأولي فقط، حدد برج المدير، فتح كتاب شمس المعارف الكبري، ليحدد نقاط ضعف البرج ثمّ يقرر الأمور الأكثر ضرراً ومواقعها الفلكية، ثم جاوز بين الحرف والشجر "العروق" وهو مايسمي "بالسحر الأخضر " ثم جاوز مابين الحرف والشجر والخُدامن يسيه "السحر الاسود" ثم كتب، لم يبدأ باسم الله ولكن بدأ هكذا :
"براءة من الله ورسوله"
كتبها سبعة وسبعين مرة، لفها حول عرق يسمي عرق الهدهد، ثم أدخلهما في قطاع من ساق الخروع، المنظف جيداً، وجاوز الجميع بظفر طائر السمبر الهرم قال،
أعطوه لامرأة نجسة: لتحرقه وتدي رماده للهواء .. يوم الجمعة قبل آذان الصبح..
وقولوا ليها ماترجع بيتها إلا عند طلوع الشمس،







دا خاتم الأمان للمرأة، تتبخر بيهُ يوم نظافتها،( يوجد رسم)
***
عندما مرَّ أسبوعان علي ميعاد الطمث الشهري لألم قشي، تأكد لنا أنها حبلت، سررنا لذلك أخذنا نعد للطفل الأسماء، إذا كان ذكراً فهو: أحمد إذا كانت أنثي فهي " القنيش" ، علي إسم والدة ألم قشي، إذا كان توأم بنات فهما: سابا وسابينا ، أما إذا كان توأم ذكور فإنهما أحمد ومحمود ... وكنا نفضل المولود بنتاً، وهي رغبة ألم قشي ذات الرغبة التي تزوجنا من أجلها وهي ذاتها التي تجعل لتواصلنا الجسدي ، متعة كبيرة وكنت لا أستطيع مقاومة قولها
_ عليك الله حمّلني ... عايزة أحمل !
أكتشفت أن الجنس عندي مرتبط بالانجاب، وليس غيره ، هذه نقطة الخلاف بيني وبينه، وهو ضروري لكي يكون هنالك إنساناً كاملاً، وهو في حالة "الصافية" مسالة نفسية بحتة، بل مسألة إثبات ذات في المقام الأول .
كنت أقول له دائماً..
_ إذا ما كانت هنالك فكرة خلق... فالمسألة تصبح نوع من الميكنة...
يقول لي ساخراً ،
_ إذاً أنت من أنصار "قصة حب وراء كل ممارسة جنسية"؟!
أقول له،
_ طفل ... طفل أيضاً...
قال ضاحكاً كما في الأفلام المصرية،
_ دا إنت رومانسي أوي !!!
فعلاً نشأت بيني وبين ألم قشي علاقة حب قوية، عرفت ذلك من القوالات والشائعات والندولت أو شبه الندوات، التي تعقد في يوم المريسة، في بيت من البيوت وأظن ألم قشي هي الأخري، تلمست ذلك: وقد قيل علانية في بيت خدوم، يوم الاثنين الماضي،
_ الزولة دي تحبك ... وإنت عارف حب الحبش تموت وتحيا معاك .. مبروك ليك ..
وهي الأخري أيضاً قالوا لها .. وكلمتني،
_ قالوا لي سويتي للزول دا شنو؟!
بذلك أكون قد أحببت لأول مرة في حياتي، إذا صدق الناس فيما يتقولون. أما إذا لم يصدقوا فتظل العلاقة بيني وبينها تحتاج لتعريف، ولو أنها تمتلك آلية إستمرارها بأي مسملك كان، فهنالك في الأفق تلّوح البنت بأناملها الصغيرة الرقيقة ، جهها الصغير ... فقد تنبأ لنا الفكي علي، بحياة زوجية طويلة، وأطفال كثر، الفكي علي رجل صالح، من أحفاد رجل من رجال الله اسمه سليمان الزغراد، كثيرون لم يسمعوا به وعرفته، أنا من خلال كتاب طبقات ود ضيف الله، أما الفكي علي، فكان يؤكد علي أن سليمان الزغراد الذي في طبقات ودضيف الله سليمان زغراد مشوه، لأن جده ما كان يعمل "بابكولاً للمراسة" كما كتب عنه كتاب الطبقات، لكنه كان أحد أحفاد الشيخ محمد الهميم نفسه، كان "يرّوب الموية" أما إذا زغرد فما منغلق إلا إنفتح، ولا مشبوك إلا إنحل، ولا غائب إلا عاد، ولا بعيد إلا قرب، ولا صعب إلا سهل، ولا عصية إلا طاعت، ولا كربة إلا فرجت: يقال أن الزغراد لولا أنه خاف الله لزغرد للظلام ذات ليلة لتشرق الشمس في غير ميقاتها.
في هذه البلاد الناس تؤمنون بالله ، برسله ، ملائكته : الفكي علي الزغراد، لذا كنا نأخذ ما تنبأ حقيقة واقعة، ربما هذا ما أعطي لحياتنا نوعاً من الاستقرار، خاصة من جانب ألم قشي، لأن إيمانها بالفكي علي، غير مشروط، أنا كنت أؤمن بأن للفكي علي مهارات، لا تخفي في الاقناع، يعمل في منطقة عصّية من الوعي، له القدرة علي التأثير في الآخرين، كنت أرجع كل ذلك لإمكانيات مادية بحتة، هنا تكمن عظمة هذا الرجل النظيف النحيف الذكي، وكان يفهم رأيّ فيه ويحترمه، ولو أنه يري في نفسه أنه يمتلك قوة روحية، وله خدام من الجن ومعرفة بأسرار النبات، علم الحرف والكف والوجه وأنه من بيت النبوة.
***



عبد العزيز بركة ساكن غير متصل   رد مع اقتباس