عرض مشاركة واحدة
قديم 17-01-2007, 01:38 PM   #[4]
محمد حسن العمدة
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية محمد حسن العمدة
 
افتراضي

الجبهة الإسلامية القومية هي ثالث حزب سوداني من حيث الحجم البرلماني والعددي ولكنها أكبر حزب من حيث الإمكانات المادية والإعلامية.هذه الجبهة لم تكن منسجمة مع النظام الديمقراطي وبدأ أنها تتعامل مع الديمقراطية أن لزم وتبحث عن غيرها اذا لم تجد في الديمقراطية حاجتها.
لقد ساق اجتهاد الجبهة الى موقف تناقض بين الاسلام والسلام وساقها إعلامها الى تطرف لفظي هدم الإعتدال السوداني المعهود وخلق مراشقات بصيحات الحرب.
وعندما تجمع السودانيون في برنامج القصر في مارس 1989م إختارت الجبهة أن تتناقض مع هذا فعزلت نفسها وفي نفس الوقت يئست من الديمقراطية ورفعت شعارات"الجهاد" وثورة"المصاحف" وثورة "المساجد" وقرر نوابها الإنسحاب من الجمعية التأسيسية فإنسحبوا وكان واضحا انهم يفكرون في بديل للنظام الديمقراطي.
إن انقلاب الثلاثين من حزيران هو وليد لقاح بين ما آل اليه الحال في القوات المسلحة فاستغله الانقلابيون وبين ما صار اليه موقف الجبهة الإسلامية.ومهما كانت درجة التخطيط المشترك بينهما فقد أعلن الإنقلاب أنه غير مرتبط بحزب أو جماعة وأن توجهه قومي،ولكن القرائن الآتية أقنعت الرأي العام السوداني داخليا والرأي العام العربي والأفريقي والدولي .......بالجبهة الاسلامية القومية:-
"كل القوى السياسية والفئوية في السودان إرتضت البرنامج الموقع عليه في القصر في مارس 1989م.هذا البرنامج إشتمل على خطة محددة للسلام إنطلقت حكومة الجبهة الوطنية المتحدة لتحقيقها،الجبهة الإسلامية وحدها عارضت ذلك البرنامج وتلك الخطة للسلام.قادة النظام الجدد كذلك عارضوها مستعملين نفس الفاظ الجبهة الإسلامية.
*كلا القوى السياسية السودانية الوطنية إتفقت على إرجاء أمر الشريعة الإسلامية الى مابعد انعقاد المؤتمر الدستوري إلا الجبهة الإسلامية.وجاء موقف النظام مطابقا لهذا الرأي.
*كل القوى السياسية والفئوية أما عارضت النظام الجديد أو سكتت تترقب إلا بعض الإتحادات الطلابية والجمعيات هذه الاتحادات والجمعايات تنتمي الى الجبهة الاسلامية.
*عينت الحكومة الجديدة أشخاصا في وظائف مختلفة،وزراء،وكلاء،نواب حكام للأقاليم،كان كثيرا من هؤلاء من كوادر الجبهة الإسلامية المعروفين.
*زعماء الجبهة الإسلامية الذين بالخارج أمثال على الحاج وعثمان خالد أعلنوا ترحيبهم بالإنقلاب.كذلك إحتفل بالإنقلاب عدد من قواعد الجبهة المغتربين في لندن وجده وغيرها.
لقد صنف الرأي العام السوداني الانقلاب بإنحيازه للجبهة الإسلامية القومية وإتخذ منه موقفا، كذلك فعل الرأي العام الأفريقي والعربي والدولي.
وقع الإنقلاب في وقت نضجت فيه كثير من البرامج القومية المدروسة وحان قطافها:-
*برنامج الصلح في دارفور.
*برنامج شريان الحياة للإغاثة.
*برنامج السلام.
*برنامج التنمية الرباعي.
*برنامج الميثاق الاجتماعي.
..وهكذا مما سوف نشرح بالتفصيل لاحقا.إن وقوع الانقلاب سوف يؤثر على هذه البرامج سلبا.
كما وقع الإنقلاب في ذروة موسم التحضير للموسم الزراعي مما عرقل برامج التحضير ولم يتح فرصة للقادمين لوضع برانامج بديل. لذلك سيكون الموسم الزراعي 89/90 أول ضحايا الإنقلاب.
هذا فضلا عن أن الانقلاب جاء سباحة ضد التيار في السودان المتمسك بالحرية والديمقراطية وضد التيار العالمي الذي هلل للديمقراطية وفتح بشعاراتها حصون أمريكا الجنوبية،وحصون عربية وأفريقية وإنفتحت أمامه بوابات بولندا والمجر والإتحاد السوفياتي وألمانيا الشرقية.
ومع ذلك فإن لماحدث منافع هي:-
أولا:لايمكن للديمقراطية ان تستقر ما دام هناك استعداد دائم داخل القوات المسلحة للتفكير والتخطيط الانقلابي.ان كثير من صغار الضباط يبدأون حياتهم المهنية بالتفكير والتخطيط الإنقلابي حتى ان الذين خططوا الإنقلاب في 1969م بدأوا له في عام 1961م.والذين خططوا لانقلاب 1989م بدأوا التحضير له في عام 1971م.هذا معناه أن عددا من صغار الضباط لم يعيروا القسم الذي أدوه أي إهتمام،ولم يعيروا عملهم المهني الإهتمام اللازم وكان همهم مصبوبا على التحضير لدور سياسي لم يؤهلوا له.هذه الظاهرة وكل العوامل المساعدة لها في تكوين وتركيب وموقع القوات المسلحة ينبغي ان تعالج علاجا جذريا لإنقاذ هؤلاء الانقلابيين من أنفسهم ولإنقاذ البلاد من آثارهم.
كذلك لا يمكن للديمقراطية ان تتطور بالصورة المطلوبه ما لم تبرأ الأحزاب من العنف والعنصرية والفتنه الدينية والجهوية وتلتزم بممارسات ديمقراطية ووطنية.ولن يسترد السودان جدواه الاقتصادية ما لم يركز على الاستثمار والإنتاج والتنمية ويضبط النشاط النقابي بموازنة عادلة بين الحقوق والواجبات.ولن تستقر الحرية في معزل عن الفوضي ما لم تكن حرية الصحافة ممارسة في توازن مع الجدية والمسئولية.
إن هذه الاصلاحات التكوينية كان يمكن أن تتم في الفترة الانتقالية.ولكن الفترة الإنتقالية إختارت أن تدير شئون البلاد وكفى،ولم يكن بالإمكان ضرب باب هذه الإصلاحات التكوينيه في عهد الحكم الديمقراطي الليبرالي بسهولة لأسباب معلومة.لذلك إنفتح ملف هذه الإصلاحات وينبغي أن تتم.
ثانيا:الإنقلاب الأخير بنهجه حتى الآن قد خلق مناخا لدعم وتوسيع إتحاد الكلمة بين القوى السياسية والفئوية في السودان.
كذلك خلق الإنقلاب مناخا يساعد على إذابة الجليد بين الحركة السياسية السودانية والحركة الشعبية مما سيكون له أثر إيجابي في حركة السلام في السودان.
كذلك كشف الإنقلاب العناصر التي تشكل خطرا على الديمقراطية لإيجاد وسائل فاعلة لإحتوائها وإصلاحها أوحصرها.
ثالثا:-لقد كان كثير من الناس يتطلعون للديمقراطية للتصدي بحسم وسرعة لمشاكل البلاد وتعالجها،وعندما لمسوا بطئها في الآداء أصيبوا بخيبة أمل، وكنا نقول لهؤلاء مهلا ونقول أن النظام الديمقراطي مهما كان سيئا فكل النظم البديلة أسوأ منه.
هؤلاء جميعا عاشوا الصعوبة في ظل الديمقراطية وهاهم يعيشون العجز في ظل الأوتوقراطية.إن اداء النظام الأوتوقراطي هو أحسن دعاية للخيار الديمقراطي. وبضدها تتبين الأشياء.
لقد أقامت الحكومة الديمقراطية في السودان حكما طور الممارسة السياسية والفكر السياسي السوداني.لقد بذل رئيس الوزراء الجهد كله،لم يعرف طعما للراحة أو العطلة،كان أول مسئول يصل الى مكتبه وأخر مسئول يغادر المكاتب يعمل بحماس وتفان وحياء كالمعتذر عن نعم حباه الله بها في بلد جل أهله من المحرومين.
وكان من أصول يخشى بعض السودانيين بأسها،جاء في فترة أعقبت الإذلال المايوي الذي كان قد كوى احشاء الناس بالعذاب والإهانة لذلك ساس الناس بالرحمة والرأفة والتسامح محتملا الأذى والإساءة دون انتقام أو انفعال.لقد عاتبه كثيرون على هذا فمنهم من قال هذه رحمانية لا تليق بالساسة والسياسة فعالم الرحمانية هو عالم الولاية والصلاح لا النهي والأمر والقيادة.
لقد واصل السيد الصادق المهدي خطه لم يصرفه عنه ثناء مادح ولا لوم قادح.عامل الجميع بالحسنى والتكريم والإحترام،فالسياسيون والنقابيون والمهنيون وأفراد القوات المسلحة والشرطة،والقوات النظاميه الأخرى، وأفراد الخدمة المدنية،والقطاع الخاص رجالا ونساء وأهل الدين وأهل القبائل والناس العاديون في كل مكان وجدوا معاملة الحفاوة والكرامة.لقد إهتم بكل شرائح المجتمع،أكرم أهل العلم،وأهل الفكر،والأدباءوأهل الفن والرياضةومنظمات الشباب والنساء وأرباب المعاشات،والمعوقين والأطفال وأكرم نزلاء السودان من الأجانب وفتح أبواب السودان لكل الأنشطة الخيرة العربية والإسلامية والأفريقيه والمسيحية والدولية.
وعالج الغبن الإقليمي بحيث أحس أبناء وبنات أقاليم السودان المختلفه لأول مرة في تاريخ السودان الحديث،أن اهل الغرب والشرق والوسط والجنوب شاركوا أهل الخرطوم والشمال مشاركة حقيقية في ولاية الأمر،لقد أصبحت المجالس الوزارية نموذجا مصغرا للسودان بما ضمت من تنوعه البشري الواسع ومع أن الحكم كان إئتلافيا لا أغلبية لحزب فيه فقد حافظ على نهج تجنب الخصومات وإلتزم دروبا قومية حافظت على كرامة الجميع.
ولم يحاول رئيس الوزراء استخدام العصا او التقريع ضد أحد وكان يحرص أن تكون قرارات مجلس الوزراء دائما بإجماع الرأي وقد كان،فلم يصوت في موضوع طوال الثلاثة أعوام إلا مرتين.
ومما يحز في النفس أن النظام الجديد جعل شغله الشاغل إساءة وتجريح السيد الصادق المهدي،وعندما فحص أعماله لم يجد فيها إلا ما يدل على الإنضباط والجدية ورعاية حرمة المال العام.كلف من كلف بتلفيق التهم لتلطيخ السمعة حملات نتحملها راضين من أجل السودان كما استحملنا عشرات الاساءات والتلفيقات فأثابنا الله بما صبرنا خيرا كثيرا ولا زلنا نرجو أن تكون هذه الظلامات كفارة لنا عند الله وأواصر عطف ومحبة لنا في نفوس أهلنا في السودان الذين عرفونا صغارا وشبابا ورجالا،عرفوا سلوكنا في السراء والضراء.



محمد حسن العمدة غير متصل   رد مع اقتباس