عرض مشاركة واحدة
قديم 21-12-2006, 05:28 PM   #[99]
عجب الفيا
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

(2)

وإذا كان صيغة الغابة والصحراء قد ارتبطت في البداية بمجموعة بعينها من شعراء الستينات هم محمد عبد الحي ومحمد المكي إبراهيم والنور عثمان أبكر وصلاح أحمد إبراهيم ، فإن هذا التوصيف للثقافة السودانية قد وجد قبولا ورواجا بين أغلب المثقفين والكتاب في تلك الفترة وتردد في أشعار الكثيرين منهم . وربما يرجع نجاح مفهوم ( الأفروعربية ) المطروح من خلال رمزية ( الغابة والصحراء ) آنذاك إلى الوعي القومي السوداني الذي أفرزته الظروف والتحولات السياسية والاجتماعية التي قادت إلى ثورة أكتوبر 1964م .

والحقيقة أن جذور الوعي بالتوصيف ( الأفروعربي ) للهوية السودانية ترجع إلى عشرينات القرن الماضي حيث تكوين جمعية اللواء الأبيض التي قادت ثورة 1924م ضد الإنجليز وإلى دعوة رائد التجديد حمزة الملك طمبل في كتابه ( الأدب السوداني وما يجب أن يكون عليه ) الذي صدر سنة 1928م حيث ناشد شعراء مدرسة الأحياء الشعري السوداني من أمثال محمد سعيد العباسي عدم الاكتفاء بتقليد الشعراء العرب القدامى والالتفات إلى البيئة السودانية المحلية وتصويرها في أشعارهم . وتأسيا بأفكار حمزة الملك واصلت جماعة مجلة ( الفجر ) في الثلاثينات ومن أبرزهم معاوية نور وعرفات محمد عبد الله ومحمد أحمد المحجوب رئيس الوزراء الأسبق الدعوى إلى أدب قومي سوداني يعبر عن الذات السودانية ببعديها العربي والأفريقي .
في هذا السـياق كتـب المحجـوب بمجلـة الفجـر الصـادرة فـي 16/6/1935م يقـول " نحن إن نادينا بقيام الأدب القومي للطبيعة المحلية فإنما ندعو إلى خلق شعب بكيانه يعبر عن مرئياته من سماء زرقاء أو ملبدة بالغيوم ومن غابات وصحراوات قاحلة ومروج خضراء ومن إيمان بالكجور والسحر إلى إيمان بالله وحده لا شريك له " .

وفي الخمسينات أعاد الشاعر الفحل محمد المهدي المجذوب إحياء أفكار حمزة الملك وعمل على عكس مظاهر الحياة السودانية في أشعاره وأدخل إنسان الجنوب لأول مرة إلى معادلة الثقافة السودانية في قصائده التي عرفت بالجنوبيات . وقد عبر المجذوب في هذه القصائد عن إنسان جنوب السودان وأعلن صراحة عن العرق الزنجي الذي فيه وهو الذي ينتمي إلى أرومة شمالية تعد نفسها أكثر عرب السودان عروبة حيث يقول في إحدى هذه القصائد .

وعندي من الزنج أعراق معاندة
وأن تشدق في أشعاري العرب


ومن شعراء القصيدة الحديثة الذين سبقوا شعراء ( الغابة والصحراء ) إلى الالتفات إلى الجانب الأفريقي في وجدانهم الفيتوري ومحي الدين فارس وتاج السر الحسن وجيلي عبد الرحمن ومحمد عثمان كجراي . فقد كرس الفيتوري دواوينه الشعرية الأولى للتغني بأفريقيا وأمجادها فكتب ( عاشق مـن أفريقيـا ) و ( أغنيـات أفريقيـا ) و ( اذكرينـي يا أفريقيا ) .

لم يكن الشعراء هم الوحيدون السابقون إلى ا قرار النظرة الأفروعربية للثقافة السودانية . فكان هنالك العديد من الكتاب والأدباء والمؤرخون الذين انطلقوا في كتاباتهم من هذه النظرة ومن أبرزهم جمال محمد أحمد ومحمد عمر بشير ويوسف فضل ومحمد إبراهيم سليم وحامد حريز ويوسف عيدابي وغيرهم كثر .

وكان المفكر والأديب الفذ جمال محمد أحمد يعمل في صمت العلماء بعيدا عن أية نزعات شوفينية في التعريف بالأدب والثقافة الأفريقية وفي كشف العلاقات التاريخية والأثنية بين العرب والأفارقة منذ القدم . فكتب ( وجدان أفريقيا ) وهو كتاب عن الأديان في أفريقيا وكيفية تعايش الإسلام والمسيحية مع الديانات والمعتقدات الأفريقية المحلية و ( سالي فو حمو ) وهو في الأدب الشعبي والحكايات والأحاجي الأفريقية . وكتب ( عرب وأفارقة ) و ( في المسرحية الأفريقية ) و ( مطالعات في الشئون الأفريقية ) الذي صدر عن دار الهلال بمصر سنة 1969م وترجم عن بازل ديفيدسون ( أفريقيا تحت أضواء جديدة ) وغيرها من المؤلفات والترجمات .
وكان لموقف جمال محمد أحمد المتوازن من الأصول العربية والأفريقية للثقافة السودانية التأثير في جيل كامل هو جيل الستينات الذي ينظر إلى جمال نظرة الأستاذ المعلم . فعضوية جمال في مجمع اللغة العربية بالقاهرة لم تمنعه من رد الاعتبار للثقافة الأفريقية والتعريف بها . وبتأثير من جمال ألف صديقه الأديب والقـاص علـى المـك ( نمـاذج مـن الأدب الزنجـي الأمريكـي ) وترجـم مـع صـلاح أحمـد إبراهيـم كتـاب ( الأرض الآثمة ) لباتريك فان رنزبيرج . كما أصدر محمد عبد الحي كتاب ( أقنعة القبيلة ) في الشعر الأفريقي الحديث .

يتبع ..،



عجب الفيا غير متصل   رد مع اقتباس