عرض مشاركة واحدة
قديم 29-12-2007, 09:59 PM   #[6]
جمال محمدإبراهيم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية جمال محمدإبراهيم
 
افتراضي


الأخ الجيلي ..
لقد كان إ.سعيد مفكرا شاملا بكامل المعنى ...
لقد استوقفتني بعض صفحات من كتاب خارج المكان ، فيها إشارات إلى أصداء لوجود لبناني في السودان في سنوات الإستعمار الأولى ، طفحت ذكريات عن لبنانيين في هذه الصفحات...



من ص 219 : خارج المكان ، مذكرات ، ترجمة فواز طرابيشي ، دار ادآب ، بيروت ، 2006
((رأيت إلى معظم آل نصار بعين البروتستانتية المحدقة . على أنهم أشبه بشبكة واسعة من أبناء عشيرة نابضة بالحياة ولكنها تدعو إلى الشبهة بعض الشيء لما فيها من مطلقين و اخوة غير أشقاء . وكان فايز نصار منهم رجلا قصير القامة مائلا الى البدانة ، له شارب مقصوص بعناية على شكل فرشاة يتحرك و يتكلم بوقار وبطء مؤثرين . عرفناه أصلا الدكتور فايز ولكن ما ان اصبح هو وأبي شريكين منتظمين في البريدج حتى تبين لنا أنه كان كولونيلا في الجيش المصري في السودان ، فصار أبي يناديه "الكولونيل"من قبيل المزاح ( ... ) وكثيرا ما كان الكولونيل يسعد لتأجيل لعبة بريدج مسائية في بيتنا ليقص علي حكايات عن صيد الحيوانات الضارية بإنكليزية مفخمة تتخللها مفردات و عبارات كولونيالية من مثل حديثه عن " حاملي محفتي من السكان المحليين "أو " فيلي المحبب " وهي مفردات و عبارات تثير الذكريات عن افريقيا الأسطورية التي لمحت مشاهد منها في كتب وأفلام طرزان التي شغفت بها على الدوام . وعندما كبرت اكتشفت أنه ابتكر بعض قصصه عن القطط الكبيرة مثلا لتسليتي أكثر من صدورها عن تجارب محددة خاضها هو نفسه ، على أن هذا لم يغير من مهابته في شيء ، ولا تغيرت فترات صمته الطويلة و الجليلة . وخلال سنواتي المبكرة ساورني الإنطباع بأنه يروي تلك القصص التي يتخللها ذلك العدد الكبير من فترات الصمت و الكثير من التروي لكي يستحضر التوتر الذي يسود مطاردة حقيقية في الأدغال ولكن ما أن تقدم بنا العمر كلينا حتى أدركت بحزن أن ذاكرته وذهنه بدأا يخذلانه تدريجيا . لاحقا أبلغني أحد أقربائه ، وربما بقصد خبيث لا غير ، أنه امتلك امرأة سودانية سوداء ، وكان أيضا مشهورا بأنه ضابط صارم . ولا شك أن الصرامة كانت من خصائص طبعه ، غير أني اعتبرت ذلك جزءا من لغزه الجليل ، وأنه أمر نادر جدا في مجتمع مهذار مثل مجتمعنا . وكانت صداقتي للكولونيل بمنزلة الترياق من الجو المسموم الذي أشاعته أمي ، وقد وهبتني النظام و المعرفة و التسلية . و لكن مع مر السنين، صار بيتنا أكثر حركة وازدحاما ، ويعود ذلك جزئيا ، على ما أعتقد ، إلى قدوم عدد كبير من أقرباء أمي لاستئجار بيوت في الضهور لقضاء عطلة الصيف كلها . وإذ تقدم العمر بالكولونيل ، صرت تلقاه يسير متثاقلا على أرصفة الضهور الضيقة وغير المرصوفة ، وهو لم يتخل عن طربوشه الأحمر ، الذي بات شاذا تماما ولا هو تخلى عن زر الورد يزين به عروة سترته ))


من ص 214 :
(( ومهما يكن من أمر فقد طغى جو من الالفة المحببة على علاقاتنا بأقرباء أمي اللبنانيين ، على امتداد الأربعينيات و مطلع الخمسينيات . فالخال حبيب ، شقيق تيتا منيرة وآنطي ميليا ، جنتلمان معتدل المزاج ، ذو سخرية ملطفة ، أمضى سنزات عديدة مع زوجته وأولاده يعمل موظفا في الإدارة المدنية البريطانية في السودان وزوجته هناء امرأة فائقة البراعة ، سريعة الخاطر ، تحظى ، كما زوجها ، باعجاب ومحبة كبيرين . فؤاد ابن خال أمي هو النسيب المفضل من عائلتنا جميعا . كان يكبرني بسنوات أكثر من أن أستطيع أن أعتبره صديقا لي ، ومع ذلك نشأت بيننا علاقة وثيقة . في الخمسينيات كنا نلعب الزوجي في التنس معا ، وقد أعجبت على الدوام بجسارته و بفروسيته مع النساء ، وبوده وفكاهته الساخرة التي تصل حد السخرية من النفس . أما سائر أبناء بدر المجايلين لأمي ، فكنا نلتقيهم بين الحين والآخر عندما يصطافون في الضهور : ليلى وزوجها البرت وهو ابن خال أمي أيضا – وايلين ، الصغرى وزوجها فؤاد صبرا ، شقيق وداد وصديقنا منذ أيام مستشفى كولومبيا البرسبيتيري ، وأخيرا ايفا الكبرى وزوجها الفيلسوف الدبلوماسي شارل مالك الذي سوف يلعب دورا هاما في حياتي وتطوري الفكري في ضهور الشوير . ما لبثت الصداقة المريحة و الودية التي تمتعنا بها مع آل بدر في لبنان أن برتها الأمراض و السفرات و الخلافات وفترات الانقطاع الطويلة . و لكنها خلال الأربعينيات و الخمسينيات ، خففت من صرامة الحياة اليومية في الضهور ومن محلها . فزيارة عرضية الى خال أمي المسن "حبيب" كانت توازي لوح شوكولاتة وكأس ليموناضة اضافة الى رواية مثيرة عن الحياة في الخرطوم بعيد الحرب العالمية الأولى . وعندما كان يزورنا للغداء او العشاء تعمر المائدة بطعام لذيذ للكبار ويسود جو من الوفرة الاحتفالية ومن الشعور بزوال الحواجز... ))



التوقيع: http://sudanyat.org/maktabat/gamal1.htm
مكتبة السفير جمال محمد إبراهيم
جمال محمدإبراهيم غير متصل   رد مع اقتباس