عرض مشاركة واحدة
قديم 08-04-2022, 04:16 PM   #[13]
elmhasi
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

اقتباس:

المكان وتعزيز الانتماء عبر الأغنية السودانية (6) ..


بقلم : محمد التجاني عمر قش
رئيس التحرير: طارق الجزولي رُفع بواسطة رئيس التحرير : طارق الجزولي 19 سبتمبر, 2021م
الحديث عن المكان في الشعر العربيّ عموماً ، والشعر الغنائي السوداني خصوصاً ، يبيّن لنا الدفق العاطفي والوطني الذي يحدثه المكان في مخيلة الشعراء والمبدعين ، ونتيجة لذلك اكتسب المكان دلالة رمزية ، بعد شحنه بمعان ذاتيّة تعبّر عن أحاسيس الحبّ والوفاء والولاء والانتماء للمكان بوصف المكان جزءاً من هوية الفرد أو الجماعة أو الأمة . ويسعدني أن يشارك بهذهـ الحلقة البروفسور صلاح الدين محمد علي حميدة ، الطبيب الماهر والمثقف واسع الاطلاع . وتزيد سعادتي أن أبدأ الحلقة بجزء من قصيدة العودة إلى سنار للدكتور محمد عبدالحي ، لما بها من رمزية عالية تمثلها سنار المدينة والسلطنة .
سأعودُ اليوم ، يا سنّارُ، حيث الرمزُ خيطٌ
من بريقٍ أسود ، بين الذرى والسّفح
والغابةِ والصحراء ، والثمر النّاضج والجذر القديمْ
لغتي أنتِ وينبوعي الذي يؤوي نجومي
وعرق الذَّهب المبرق في صخرتيَ الزرقاء
والنّار التي فيها تجاسرت على الحبِّ العظيمْ
فافتحوا ، حرَّاسَ سنّارَ، افتحوا للعائد الليلة أبواب المدينة
افتحوا للعائد الليلة أبوابَ المدينة

في هذهـ القصيدة كان عبدالحي يبحث عن هُويّة موجودة بقوة وغير خافية ، وكان يرى في الماضي معنًى ما للمستقبل . وهو لذلك يتوسل بالشعر كمجاز متصل بالهوية والانتماء . وحين بدأ محمد عبدالحي كتابة قصيدة “العودة إلى سنار” ، كان الوصول إلى الهُويّة شعريًّا أقرب إلى الكشف العرفاني . وقد جاد قلم البروفسور صلاح بما يلي: -
طلب منى الأخ الأستاذ محمد التجاني قش المشاركة في سلسلة مقالات المكان وتعزيز الانتماء عبر الأغنية السودانية ، فطرأ على ذهني الشاعر المغنى الملحن خليل فرح . وبعد أن نظرت في سيرته واشعارهـ واغنياته وجدت انه يجسد هذا المعنى بصورة كبيرة . ولد خليل فرح عام 1892م وعاصر انكسار الحلم السوداني بعد ستة أعوام من مجيئه للحياة ، بهزيمة الدولة المهدية في كرري عام 1898م وتمدد الحكم الغازي على ربوع البلاد . وقد ظلت هذهـ الصورة حاضرة في أشعارهـ ، واستغلها مفردة في التبشير بوطن جديد ، ومنطلقاً لبلد شامخ يحلم به ، دون أن يخوض في تفاصيل أداء المهدية من ناحية سياسية ومكامن الاختلاف والاتفاق معها . وتجلت وطنية خليل وإعلائه للنظرة القومية عندما وقف وحيا الإمام المهدي وهو الذي ينتمي سياسيا للتيار المرتبط بمصر في جمعيتي الاتحاد ثم اللواء الابيض بقوله : -
في يمين النيل حيث سابق
كنا فوق أعراف السوابق
الضريح الفاح طيبه عابق
السلام يا المهدي الامام

ويذكر في نفس القصيدة معظم أحياء أم درمان : -
ويح قلبي الما انفك خافق
فارق أم درمان باكي شافق
مجلسك مفهوم شوفه رايق
عقده ناقص زول ولا تام
من فتيح للخور للمغالق
من علايل أبروف للمزالق
قدله يا مولاي خافي حالق
بالطريق الشاقيه الترام

وخليل فرح يقول في قصيدته الرمزية “عزة”:-
عزة في هواك عزة نحن الجبال
وللبخوض صفاك عزة نحن النبال
عزة ما بنوم الليل محال
وبحسب النجوم فوق الرحال
وقلبي لي سواك ما شفتو مال
خلقة الزاد كمل وأنا حالي حال
متين أعود وأشوف ظبياتنا الكحال
عزة في حذا الخرطوم قبال
وعزة من جنان شمبات حبال
وعزة لي ربوع أم در جبال

وحسب عنوان القصيدة ومحتواها يتضح أن الخليل يرمز إلى السودان وقد استخدمه خليل فرح للتمويه على الرقابة الاستعمارية البريطانية للحكم الثنائي حتى لا تشك في مغزى القصيدة وطبيعتها السياسية فتقوم بحظر نشرها في وسائل الإعلام المحدودة آنذاك . فقد كان يشير للوطن كقوله : -
دمعى في هواك حلو كالزلال
تزيدي كل يوم عظمة أزداد جلال

وتمثل تعزيز الانتماء في القصيدة التي كتبها ولحنها بمنتدي فوز قبيل سفرهـ لمصر مستشفيا ، وكأن يشعر بدنو الأجل :
وفى إحدى زيارته لمصر برفقته شخص من مدينة “ود مدني” فاجأته الأغنية الوطنية المرتبطة بالمكان : -
مالو أعياهـ النضال بدنى
روحي ليه مشتهية وَد مدني
ليت حظي يسمح ويسعدني
طوفه فد يوم في ربوع مدني
كنت أزور أبويا ود مدني
واشكى ليه الحضري والمدني

وقد تغنى الفنان محمد الأمين بهذهـ القصيدة الرائعة . ويذكر خليل فرح البطانة في قصيدته الموسومة فلق الصباح حيث يقول : -
الجمالْ في كمال وصفك
أدبِــك وجمال خِلْقك
الضمير كالعـودْ
والعيون السُّود
في البطانة كُتار

كان الخليل وصحبه يرتادون بري وغابة الخرطوم والمقرن فأكثر من ذكر النيل تعزيزاً للانتماء كما في قوله : -
يا مقرن النيلين سلام
باشرنا قبال الملام
ما بشيقنا من غيرك كلام
قول لينا وين بحرك دلام
حيينا حياك الغمام
الليلة نور بدرك تمام
اسمعنا من هدل الحمام
خلينا نتمايل ثمام

ومن أروع ما نسب إلى هذا الشاعر المبدع قوله : -
في الضواحي وطـرف المداين
يلّه ننظر شفق الصباح
قوموا خلّوا الضيق في الجناين
شوفوا عز الصيد في العساين
يلّه نقنص نطرد نعاين
النهار إن حـرْ الكماين

خلاصة القول إن الشاعر خليل فرح ، ذلكم العملاق الفذ ، القادم من دبروسة ، في منطقة حلفا ، يعد من أكثر شعراء الأغنية الذين جسدوا تعزيز الانتماء بذكر المكان في الأغنية السودانية .

إيميل
///////////////////////





التوقيع:
اقتباس:
متعتي في الحياة أن أقول الحقيقة
جورج برنارد شو
elmhasi غير متصل   رد مع اقتباس