عرض مشاركة واحدة
قديم 13-02-2008, 11:25 AM   #[14]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
بــــري الشـريف والشـريف [/align]


جريدة الخرطوم - الأحد : 8/1/1995

مطلع الأغنية الشبابية : دمك خفيف ... "أيوا" ؛ شكلك ظريف ... "أيوا" ؛ الرحلة وين - وفي رواية أخرى - الحفلة وين ... يا مسافر بري الشريف ... "أيوا" . و"أيوا" هذه .. يرددها الكورس أو المجموعة التي خلف "المغني" .

ومناسبة هذه الكلمات التي وردت في الأغنية ، تحكي عن كرم آل بري .. وبري الشريف بالذات ؛ فيقال أنه كانت هنالك "حفلة" ؛ أي حفلة زواج في بري الشريف ، أو بري "اللاماب" المعروفة بعدم تخطيطها .. لذا سميت اللاماب أي اللا خريطة - إذا صحت الترجمة - ومعروفة بقرابة كل سكانها ومعرفتهم لبعضهم البعض ؛ كمعرفة أهل القرى والحلالات ؛ وهي حقيقة ، تشبهها - أي القرى والحلالات - لقرب النيل منها ؛ وأيضاً ضــريح الشــريف الهــندي المقام وسط " المدينة " ، أعطاها هذا الجانب . وهذا الضريح يأتي إليه كل منقطع السبيل . ذكرني بهذا .. ما سأورده في القصة التالية :

حين كنا نعمل في مــدينة جـدة ؛ وأتى إلينا (ونحن مجموعة من الســودانيين نعمل بجوار بعض) ؛ أتى أحد الإخوة وقال إنه من الشكرية ؛ وبعد أن تناولنا الغداء ، قال عنده مشكلة كبيرة جداً مع صاحب العمل ؛ ربما يكون فيها توقف عن العمل - أو ما يشبه ذلك .. لذا كان مشــغولا للغاية ؛ وأخذني على جانب ، لقربي من صـــاحب عمله ؛ وطلب مني التوســط بينهم ؛ ووعدته خيرا .

وحصلت المعرفة كأنما هوآت إليَّ أنا ؛ فسألني من أين يا ابن العم ؟ قلت ليه من بري .. قال بري الشريف ؟ يا سلام !! والله دي عندنا معاها قصة طريفة خلاص ؛ ودون سابق طلب ، راح يسردها .

ذَكَر : أنه كان قادما من السعودية في عام 83 ... " ومعاي واحد صديقا لي ؛ وبعد الطيارة ما وصلتنا مطار الخرطوم ، ما كنا عارفين لوين نتَّجه ؛ وكنا كمان سامعين بالسرقة والنهب المسلح والحاجات دي ؛ بعدين لقينا لينا بوكس كتبنا رقمه وأديناه العسكري ؛ واتفقنا معاه وإتوكلنا ركبنا . قلنالو : " ودينا بري الشـريف .. بس ما تســالنا أمشي لي وين ! ولاَّأجي من وين ! نحن ما بنعرف أي حاجة ! ولابنعرف أي زول هناك ... طيب ماشين لي منو ؟ ماشين لناس الهندي .. وأنا ذاتي ما بعرف وين ناس الشريف الهندي " .

وفي الطريق .. قال : " لاقينا واحد بيعرف بري الشريف " ؛ وحلف صاحبي القاعد قدام ، وشــايل المطوة في جيبه : " ما يركب معانا .. لأنه احتمال السـواق يكون متفق معاه " ؛ وأنا قلت ليه : " أنا بتكفل بو .. خلي يركب معاي أنا وراء جمب الشنط ! " وفعلا ركب وراء . وصــاحبنا الراكب قدام مع السـواق - عندما همَّ السواق بإدخال يده في جيبه لاســتخراج سيجارة - أدخل يده في جيبه وجهز " المطواة " ؛ وأنا بعاين ليهم بالقزاز.

وعندما وصلنا .. رحبوا بينا في دار الشريف الهندي ؛ كأننا من أفراد العائلة .. وتدخلت أنا هنا وقلت ليه : " إنت طالما ما بتعرف ناس الهندي ، كيف ذهبت لهناك ؟ قاطعني .. وفِهم ما أرمي إليه ؛ وقال ليْ : " ديل مامعروفين ... أشراف ؛ لابد يكون عندهم ضريح ، وصالون ضيافة .. "

وواصـل صــاحبنا : " أكــرمـونا كرم ماعادي ، وحملوا شــنطنا لحدي باصات الحلة ؛ وسـافرنا .." أما السائق فقد رفض يأخذ حسابه - الذي استلفناه من أحد الموجودين بالصالون تلك الأيام - وقال إنه سيأتي الصباح ويأخذ الحساب ؛ لأنه عايز يتعرف علينا . وفعلا تم له ذلك . وحلفنا .. إلاّ يشيل الثلاثين جنيه ؛ رغم أننا اتفقنا معاه بخمسة وعشرين جنيه فقط .

وأنا بحكم سني لم أر أحدا من آل الهندي ، إلاّ المرحوم /الشريف الحسين يوسف الهندي ؛ وكنت حينها صغيرا جداً ؛ وكان يجتمع في جلسات مع المرحوم/ عمي - سعد أحمد الشيخ .. رحمه الله - وأتذكر الأستاذ/ محمد إبراهيم نقد ؛ رغم اختلاف الآراء بينهم ؛ إلاّ أني أتذكر أنّي كنت طالبا في المرحلة الإبتدائية ؛ وكان عمي يذاكر معي ؛ وحينها يأتي إليه أصحابه ويساعدوني في أشــياء .. ويضـحكون علي كثيرا . كانوا لايأتون إلى المنزل ، إلاّ ويحملون لي أشياء أحتفظ ببعضها .. والآخر راح أيام السيول .

واختفى فجأة الأثنان ؛ واغترب عمي ؛ وتفرقوا .. وبعد سنين ، وجدت قدماي تقوداني إلى بري اللاماب ، مع الراجـلين والوفــود الآتية : شي بالســيارات وشي بالباصــات وشي بالأرجل - نساء ورجال - كان موكبا رهيبا .. حينما أُتِيَ بجثمان المرحوم/ الشريف حسين الهندي . وكنت حتى تلك اللحظات ، لاأعرف أن هذا الموكب ، هو موكب ذاك الرجل - صديق عمي - العزيز ؛ الذي وعدني بهدايا قيمة ولم أستلمها .

ولأني كنت متحمسا للغاية ، دخلت في الصفوف الأمامية ، ولم أشعر بنفسي إلاّ في مباني أمن السودان حينها .. وبعد (س) و (ج) إستمرت لساعات طويلة ، أرهبونا خلالها بمشاهدة المناظر المأساوية ، من تعذيب بعض أخواننا الكبار . وفجأة فقت .. عندما رأيت صورته في يد أحد رجال الأمن - صورة الشـريف حسـين - كان قد أخذها من أحد المحجوزين على ما أظن . وربطت الموقف .. وتأكدت من أن هذا هو جثمان الشريف حسين الهندي نفسه . بكيت كثيراً وشديداً لفرقة صـديقنا الوفي ؛ وظن معتقلونا أني أبكي خوفا ورهبة من الموقف ؛ فأُطلِق سراحنا حوالي الثانية ليلا ، بعد توصيلنا إلى منزلنا - الذي وجدته أشبه بموكب الشريف - من أهل بيتنا .

فلم أحظ بالتمتع برؤية مناضلنا الجسور ؛ إلاّ لحظات ، لم أتبين فيها الخيط الأبيض من الأسود من السياسة . وظللت أتابع كل ما يقال ويكتب عنه ، لتكوين صورة عنه ؛ ووقعت في يدي صحيفة قديمة ؛ بها حوار مع المرحوم/ الشريف حسين ؛ ذكر في أحد ردوده .. " أن بلدا يعمل فيها سعد الشيخ (إشارة للمرحوم عمي) ... الذي كان قد ترك العمل بعد تأميم المؤسسات والشركات ؛ وكانت لديه وكالة الخرطوم للأنباء - نواة وكالة الســودان للأنباء - الآن" ، قال : " إن بلدا يعمل فيها سعد الشيخ بقالا ، ده طرفنا منها " ... وكان المرحوم سعد الشيخ قد فتح له كنتيناً في بري المحس ؛ وعلم بذلك المرحوم حسين الهندي في منفاه بلندن . وكان هذا رده للصحيفة ....

رحم الله الأستاذ المناضل/ الشريف حسين الهندي رحمة واسعة ، ورحم الله سعد الشيخ ذاك الرجل الصامت ؛ الذي مات صامدا يكابد المرض ، ويحمل السودان في كل دواخله ؛ ومتع الله الأستاذ محمد إبراهم نقد ، وكل رجالنا الوطنيين بالصحة والعافية . ومزيداً من النضال ...


الصادق مصطفى الشيخ
جـــــدة
03/05/2005




التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس