عرض مشاركة واحدة
قديم 18-01-2007, 04:00 PM   #[6]
محمد حسن العمدة
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية محمد حسن العمدة
 
افتراضي

الفصل الأول
الوجه السياسي
الحزب السياسي هو أداة العمل والمشاركة في المجتمع الحديث والسؤال الوحيد الوارد هو أيكون الحزب واحداً يمنع الاتجاهات السياسية الاخرى من التنظيم الحر الى جانبه ويكون اداة المشاركة الوحيدة،أم تتعدد الأحزاب فتتيح المشاركة عن طريقها ولا تنافس فيما بينها؟لقد رفعت شعارات تشجب الحزبية من حيث هي- مثلما جاء في نظرية الإتحاد الاشتراكي التي إقتبستها مايو "بتحالف قوى الشعب العام" بيد أنه بعد قيام مثل هذا التحالف المكون من اتحادات نقابية أين يكون مصدر المبادرة السياسية في هذا المجتمع؟
النظرية في الأصل مشتقه من التجربة اليوغسلافية حيث تصدر المبادرة السياسية من الرابطة الشيوعية المنضوية مع الاتحادات في تكوين واحد ولذلك عندما اتضح في مصر ان التحالفات النقابية وحدها لا تكفي اقيم التنظيم الطليعي ليكون مصدر المبادرات والأفكار السياسية وهذا معناه ان يتحول الاتحاد الاشتراكي من مجرد تحالف نقابات-عبر التنظيم الطليعي-الى حزب.
وربما وجد قطر لم تقم فيه أصلا أحزاب ولا نقابات ذات جذور وقامت فيه قيادة سياسية متقدمة صارت بفكرها وإجتهادها ومبادراتها مصدر التفكير السياسي ثم جمعت حولها الشعب هذا هو خلاصة التجربة الليبية حيث تقوم القيادة التاريخية نفسها بالدور الذي يقوم به الحزب.
اذا أمعنا النظر في البلاد المختلفه فسنجد صورا مختلفه للتجربة الحزبية –ففي مصر مثلا- لم يوجد قبل 23يوليو1952م إلا حزب واحد حقيقي هو حزب الوفد،أما بقية الأحزاب في مصر فقد كانت غالبا أدوات القصر.عدا تنظيم الأخوان المسلمين الذي نشأ فشارك الوفد الشعبية والأصالة.أما الحزب الشيوعي المصري فقد كان تنظيما صفويا لم يتمدد شعبيا.أما بعد يوليو 1952م فإن سيرة الحزبية في مصر غالبا تمخضت عن تنظيمات فوقية تحاول أن تتمدد شعبيا فأفلح بعضها ولم يفلح أغلبها في ذلك.
وفي بلاد الهلال الخصيب لم تكن الأحزاب التقليدية في كل من العراق وسوريا والأردن ذات جذور شعبية،فجاء حزب البعث ليقيم الأمر على نمط الحزب الواحد في سوريا والعراق.وفي الجزائر لم تعهد في الماضي القريب حزبية ذات جذور الا لجبهة التحرير الجزائرية،ولكن خروج بعض القيادات من هذه الجبهة إضافة الى التجربة المعاصرة أدت للتطلع لتعددية جديدة في الجزائر.
وفي نيجريا نجد أن التعددية الحزبية تمتاز بأصول تاريخية على نحو يناقض الواقع التنزاني حيث تنعدم الأصول المماثلة وهلم جرا.
لقد أفرزت التجربة السودانية تعددية حزبية لها جذورها الراسخة ولم تستطع(22عاما) من القهر العسكري أن تقتلعها.انها أحزاب حقيقية بمعنى أن لها جذور شعبية راسخة ينطبق هذا على الحزبين الكبيرين كما يصدق على الحزب الشيوعي والجبهة الاسلامية وكذلك الآن على الحركة الشعبية في جنوب السودان.
أما هذه الاحزاب مع اصالتها تشتمل على معالم تخلف يختلط فيها الولاء الديني والقبلي والجهوي والفكري والسياسي فهذا أمر لا مفر منه. ان السودان متخلف إجتماعيا فكل أدوات العمل العام فيه تعكس هذا التخلف.
لعبت عوامل الولاء الديني والقبلي والجهوي والشخصية الذاتية التي يموج بها الواقع الاجتماعي السوداني،وسوف تلعب دورا في كل الأنشطة الاجتماعية السودانية ولا سبيل للقفز فوق هذا الواقع وكل محاولة للقفز سوف تأتي بنتائج عكسية.
ان الاحزاب السياسية السودانية مع مافيها من ملامح الواقع الاجتماعي السوداني هياكل مفتوحة فحزبي الأمة والإتحادي الديمقراطي فيهما الأنصاري وغير الأنصاري والختمي وغير الختمي بل المسلم وغير المسلم.
وهي احزاب متطورة ففي المرحلة الأولى كان وراء الحزب السيد الراعي ويقود الحزب أفندية،هذا الشكل كان ملائما لمرحلة أولى. ولكن تطور الممارسة الديقراطية سلم الجميع بضرورة انتخاب القيادة ومساءلتها وأن يكون للحزب الحق في إتخاذ أي قرار داخل أجهزته فأصحاب التأييد الديني ان ارادوا المشاركة في القرار فإنما يشاركون من موقع حزبي.
والحزبان العقائيديان في السودان تطورا ايضا تطورا ملحوظا(الحزب الشيوعي والجبهة الإسلامية).
أما الجبهة الإسلامية فقد خرجت من صفوية تنظيم الأخوان المسلمين السوداني الى سند شعبي شبه عريض وللإستشهاد على تطور الأحزاب السودانية سنتحدث عن تجربة الأمة في حركته الاصلاحية الداخلية بعد مؤتمر الحزيرة أبا في مارس 1963م،اذ شهد الحزب عبر السنين حوارا داخليا حادا اعقبه انشقاق فالتئام ثم تصدي لمنازلة الدكتاتورية المايوية (1969-1985م) بوسائل الكفاح المسلح والهجرة فالمصالحة ثم التعبئة الشعبية.
عبر تلك المراحل استطاع الحزب أن يحقق الآتي:-
1-إزالة الثنائية بين القيادة السياسية والقيادة الدينية ووضع أساس انتخابي لقيادة الحزب العليا وجميع اجهزته القيادية.
ب-وضع أساس ديمقراطي لممارسات الحزب بحيث يمكن القول أن جميع قرارات الحزب في حقبته الاخيرة(1985م-1989)كانت قرارات ديمقراطية نوقشت ثم أجيزت بعد تداول الراي حولها.وسوف تنشر قريبا وقائع هذه الاجتماعات وقراراتها في سلسلة الأبحاث والدراسات إن شاء الله.
ج-شهد الحزب في ماضيه تناقضا بين المركزية والوعي الإقليمي في جميع انحاء السودان مما أدى الى لشكوى ضد ظاهرة "تصدير النواب"وحرمان الصوت الإقليمي من الدور القيادي لقد أزيل هذا التناقض الى درجة كبيرة واستطاع الحزب أن يتيح التمثيل العادل لكل قواعده بصورة نموذجية.
د-لم يكن للحزب وجود في القطاعات الحديثه كالطلبة-والخريجين والقطاع النسوي والمهني بيد ان الحزب في مرحلة التطور تصدى لتنظيم قواعده في هذه المجالات بصورة فاعلة.
هـ-كانت الوثائق الأساسية لفكر الأنصار هي وثائق المهدية ووثائق حزب الأمة الاساسية هي وثائق الحركة الاستقلالية.فكان هذا هو المعين الفكري المتاح ولكن في عهد تطور الحزب فقد تمثل اجتهادا جديدا أبان الفكر المهدوي ومساهمته في البعث الإسلامي.كما تطرق الى الفكر السياسي والإجتماعي للدولة الحديثه اضافة الى الاقتصاد الدولي.هذا الاجتهاد في صيغته المستجده في إطار معادلة الأصل والعصر اعطى الحزب أغنى مدرسة فكرية في السودان فصار طلاب الأمة ينافسون المنابر الفكرية الأخرى بعطاء مميز وممتاز وذلك في دور الجامعات والمعاهد وفي معارضهم الدورية.
و-استطاع الحزب أن يقيم لنفسه قواعد في كل أنحاء السودان بما في ذلك الإقليم الجنوبي فأشبع بذلك تطلعه لتمثيل الوطن كله.
ز-اتخذ الحزب نهجا قوميا مكنه من مد الجسور لكل القوى السياسية والفئوية الفاعلة في الحياة السودانية ومكنه من التعامل معها بالثقة المتبادلة والاحترام المتبادل.
لقد كانت القوى السياسية السودانية الاخرى تتبارى في الابتعاد من حزب الأمة –اعمالا لدعايات الصقت به في الماضي-ولكن في الوقت الحاضر صارت القوى السياسية السودانية تسعى جميعها في الإقتراب من حزب الأمة.
ح-خرج حزب الامة من الإنكفاء السوداني الى عقد تحالفات مع كثير من القوى السياسية في العالم العربي والأفريقي والإسلامي.
ط-قبيل الإنتخابات العامة في عام 1986م طرح الحزب عبر مؤتمر عام شامل عقد في فبراير 1986م برنامج نهج الصحوة وخلاصته:-
1-إلغاء اسلام الطوارئ المايوي وإقامة مجتمع اسلامي عصري يؤمن بأن الاسلام هو الحضارة البديلة المصححة لنقصان الحضارات الإنسانية والمنقذه لها من طغيان المادية ومفاسد الاستبداد وذلك باستصحاب الصحوة الإسلامية.
2-إتخاذ النهج القومي في علاج إشكالية البلاد.
3-تحرير السياسية الخارجية للسودان من التبعية والمحورية وتأكيد حرية القرار الوطني.
4-دعم القوات المسلحة وأجهزة الدفاع والأمن.
5-الحل السلمي للحرب الأهلية في جنوب السودان.
6-دعم الحكم الاقليمي على أسس ديمقراطية وإعادة توزيع الثروة لصالح الريف وتحقيق المشاركة العادلة لابنائه.
7-إقامة نظام اقتصادي مبرأ من الظلم والاستغلال والتبعية بمشاركة القطاعين العام والخاص وذلك بدخر الأنشطة الطفيلية والفاسدة.
هذا الوصف لتطور حزب الأمة لا يعنى أن ثمة أمور قد لحقها القصور.فرغم اتساع عضوية الحزب إلا أنه لم يوفق في تنظيم ماليته بطريقه فاعلة فاعتمد كثيرا على المصادر الموسمية والتبرعات.ولم يستطع تنظيم ماليته بطريقة مؤسسية.
وفي الاطار الاعلامي اخفق الحزب لصدور صحيفته الناطقة باسمه على نحو متقطع.
ومع أن تنظيمات الحزب القاعدية نظريا جيدة إلا أن تطبيقها على الواقع كان متعثرا.وواجه الحزب بعض الخلافات التي طفحت على صفحات الجرائد حيث خرجت من أجهزة الحزب الداخلية.
أولى تلك المشاكل هي مشكلة استقالة السيد بكري احمد عديل كوزير للصناعة في أغسطس 1988م وقبول السيد رئيس الوزراء لها،وما ترتب على ذلك من انتقادات صدرت على صفحات الجرائد.
وكان حزب الأمة قرر عن طريق مكتبه السياسي إعادة النظر في نظام الأمانة العامة الخماسية وذلك بإختيار أمين واحد مكلف.اتخذ المكتب السياسي هذه القرارات لعدم اقتناعه بفاعلية نظام الامانة الخماسية.ولتأخر انعقاد المؤتمر العام للحزب عن موعده في فبراير 1988م ولكن د.آدم مادبو لم يرض عن هذه القرارات فأعرب عن ذلك الموقف خارج الأجهزة الحزبية.
ثم لدى تكوين حكومة الوحدة الوطنية في مارس 1989م لم يرض السيد نصر الدين الهادي المهدي عن بعض التعيينات الوزارية إضافة الى مسائل أخرى متعلقة بدوره،فاستقال من منصبه كنائب لرئيس الحزب.
هذه الخلافات لم تدفع أي واحد من هؤلاء للإستقالة من حزب الأمة ولا للتصويت ضده داخل الجمعية التأسيسية ولاحتى الامتناع عن التصويت.
وتم بحث الخلافات المشار اليها بحثا موضوعيا وسويت تسوية ارتضتها كل الأطراف التي بادرت الى إعلان ذلك.
لقدحصل حزب الأمة على أكبر كتلة نيابية في الانتخابات العامة عام 1986م واحتفظ بها متماسكة حتى آخر يوم من عمر الجمعية وقبل وأد الديمقراطية استطاع حزب الأمة ازالة جميع الخلافات التي طرأت بين قادته.
الحزب الثاني:هو الإتحادي الديمقراطي



محمد حسن العمدة غير متصل   رد مع اقتباس