خاتمة
===
إن قوى الهوس الديني من سلفيين و اخوان مسلميين و حركات اسلامية و سلفية جهادية و قاعدة الخ أدخلوا كمية من التشوهات و العقد الى الاسلام و ذلك من أجل تقييد حرية المرأة وتكريس فكرة تابعيتها للرجل ، وأصبحوا يدعون إلى تعدد النساء ، ويحببونه ويزينون للإغنياء منهم إمتلاك مثنى وثلاث ورباع ! أين هى قيمة المرأة كإنسان !؟ و هي التي كرمها الله عز و جل واحترمها في القرءان و حث النبي الكريم عليه افضل الصلاة و التسليم على طاعتها ثلاثاُ في الحديث الشهير "قال أمك قال ثم من قال امك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك" .
يظل الفكر الجمهوري الذي نادى الأستاذ محمود محمد طه بإتباعه في امر المرأة من اكثر الأفكار الإسلامية إحتراماً لحقوق المرأة و مساواة لها بالرجل في الحقوق كما في الواجبات أيضاُ ، وقد نبهت الأستاذه / أسماء محمود محمد طه إلى أن "المرأة التى تطالب بحقوقها عليها أن تعى واجباتها مثل وعيها بالحقوق التى تطالب بها كى لايوصمها أحد بالتقصير و تصبح تصرفاتها مطية لانتقادها من قبل قوى الهوس الديني" . وقد التزمت بهذا نساء الحزب الجمهورى بلباسهن الأبيض المميز - الثوب السوداني المستمد من موروثات الأمة السودانية - و هو دليل حشمة و عفاف و نقاء داخلي أعمق و أشمل من القشور المستوردة التي تطالب بتطبيقها قوى الهوس الديني دون إدراك لمدى مشروعيتها أو خصوصية نصوصها أو حتى صلاحيتها لبيئة و مناخ السودان.
و قد قالت الأستاذه / أسماء على لسان الأستاذ / محمود انه قال: اننا نعيش جاهلية – نستهلك كل مايقدم لنا بقصور فى المشاركة !... الدين ليس سبح ولاذقون إنما مكارم الأخلاق ... الدين قيمة وليس مظهر... قبل الإسلام كانت الأنثى يتم وأدها لصيانة العرض والإسلام نهى عن وأد الأنثى.
يقول الدكتور صلاح الزين : الفكر الجمهورى هو نقد النقد . محمود ذهب إلى النص من الواقع ، بينما الفكر السلفى يحاول أن يُدخل الواقع فى النص ! شعار الإسلام هو الحل ، أرادوا به تحويل الواقع لخدمة ذلك الشعار ، وبذا إنهار الآساس ! فالسلفى عندما يأتى للفكر الجمهورى ، يأتى مرتبكا بسلفيته فينزلقت فى متاهات كلما حاول الخروج منها توسعت دائرة متاهاته فإنزلق إلى القاع ! محمود فى رأيي توصل إلى قراءة القراءة فتوصل إلى الحقيقة التى ظلت غائبة عن الآخرين .
و بهذا الفكر المتقدم يكون الاستاذ محمود محمد طه قد زلزل حصون الجهل و التخلف ، و سجون القهر و الاستبداد التي بناها المتعصبون و المتشددون زوراٌ و بهتاناً حول المرأة المسلمة بإسم الاسلام، الأمر الذي جعلهم يرتجفون و يدبرون المكائد له حتى تحالفوا مع الطاغية المستبد النميري عاشق القتل و الدماء فأمر بإعدامه لمعارضته له في قوانين سبتمبر المعيبة التي انتقصت من حقوق الرجال و النساء في السودان.
يقول الأستاذ عادل عبد العاطي : إن شهادة محمود في المحكمة، تشكل علي قصرها قمة أدب السهل الممتنع، والاختصار المحكم، وشهادة وإفادة للتاريخ والأجيال.. كما إنها تعبر عن درجة عالية من النضج السياسي والفكري، وبها وحدها أدان محمود قوانين سبتمبر إلي ابد الدهر، أدان السلطة وقضاتها المأجورين ووضع علي جبينهم وصمة العار الأبدية.. لقد اصبح محمود اذن هو القاضي الحقيقي، وشاهد العصر وضمير الشعب، وتحولوا هم إلي مدانين.. فلنتأمل في هذا النص المعجز:
(.. أنا أعلنت رأيي مرارا في قوانين ايلول (سبتمبر) 83 من أنها مخالفة للشريعة والإسلام، اكثر من ذلك، فإنها شوهت الشريعة وشوهت الإسلام.. ونفرت عنه. يضاف إلي ذلك انها وضعت واستغلت لإرهاب الشعب، وسوقه إلي الاستكانة عن طريق إذلاله.. ثم أنها هددت وحدة البلاد، هذا من ناحية التنظير..
أما من ناحية التطبيق، فان القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها، غير مؤهلين فنيا، وضعفوا أخلاقيا، عن ألا يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية، تستعملهم لإضاعة الحقوق، وإذلال الشعب، وتشويه الإسلام، وإهانة الفكر والمفكرين، وإذلال المعارضين السياسيين..
ومن اجل ذلك فأنا غير مستعد للتعاون مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل، ورضيت ان تكون من أدوات إذلال الشعب وإهانة الفكر الحر والتنكيل بالمعارضين السياسيين)
و فى يوم الثلاثاء 8 يناير 1985م أصدرت المحكمة المهزلة حكمها المعد سلفا بالاعدام على الاستاذ محمود وتلاميذه الأربعة ، لتغطى سماء البلاد موجة من الحزن والذهول.
و فى يوم 15 يناير 1985م أصدرت محكمة الاستئناف المزعومة برئاسة المكاشفى طه الكبّاشى حكمها المتوقع بتأييد حكم المحكمة المهزلة ، بعد أن قامت بتحويل الحكم من معارضة للسلطة واثارة للكراهية ضدها ، الى اتهام بالردة ، لتتضح ملامح المؤامرة أكثر.
و يحكي الأستاذ عادل عبد العاطي أنه في تلك الأيام الحرجة بين حكم المحكمة والتنفيذ، قامت مجموعة من بيروقراطيي الاتحاد الاشتراكي (في صراعها داخل ذلك التنظيم ضد الهيمنة المتزايدة للإخوان المسلمين)، قامت بالتدخل لدي نميري لاسترحامه حول قضية محمود،. فرد السفاح بما فيه من عنجهية وطغيان وبطر، بأنه مستعد للعفو عن محمود، شرط أن يعتذر له علنا. ووصلت المساعي والإخبار إلي محمود، فكان رده بعد التأكد من أن رده سيصل السفاح: قولوا لنميري أنا ما بنكسر ليك، وأنا بموت وبقابل ربي نضيفا، لكن أنت حتموت بي سوء الخاتمة!! .
وفى يوم الخميس 17 يناير 1985م صادق الرئيس جعفر نميرى على حكم الاعدام ، بعد أن أوسع الفكرة الجمهورية تشويهاً ، ونصب نفسه قاضيا على أفكارها ، فاتجهت الانظار الى سجن كوبر بالخرطوم بحرى فى انتظار تنفيذ الحكم.
|