عرض مشاركة واحدة
قديم 05-07-2011, 02:58 PM   #[178]
محسن خالد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية محسن خالد
 
افتراضي


The day after peace

21 سبتمبر يوماً للسلام





هذا الفيلم في البدء هو جهدٌ عظيم، استهلك عشر سنوات كاملة من صاحبه Jeremy Gilley في رحلة مستمرة ومضنية، دعا فيها العالم لتبنِّي واعتماد يوم 21 سبتمبر بمثابة يومٍ عالمي للسلام. يتم فيه وقف إطلاق النار والعنف على نحوٍ يُخصَّص ويعتمد رسمياً لهذه المناسبة. لتُختتم هذه الرحلة الطويلة بإصدار فيلم هو بالتأكيد مقصِّرٌ في طرحه لكافَّة القضايا الإنسانية التي تستحق الوقوف عندها، ولكنه في النهاية، ومهما خيَّب التأملات العربية فيه من ناحية تصوُّراتهم الذاتية لقضاياهم، فهو مُنْجِز بخصوص أمم أخرى كثيرة، كما نرى ما حَقَّقه مشروع يوم السلام في أفغانستان مثلاً، فبموافقة الأفغان عليه وبدعم منظمات الأمم المتحدة أُنجز جهدٌ مهم للغاية بلغ ملايين الحالات في تحصين الأطفال، وكذلك بإفريقيا. وفكرة أن يكون هنالك يومٌ للسلام العالمي في حدّ ذاتها، هي إحدى أفكار الأمم المتحدة التي ظهرت في العام 1981م. أمَّا دور الفيلم فجاء كدعوة إلى تطبيق هذه الفكرة عملياً، من خلال زيارة معظم أو جُلّ المناطق الملتهبة في العالم.

يبدأ الفيلم من أهرام الجيزة، لينتقل إلى شَقَّة صاحب الفيلم ذاته، ومنها إلى مبنى عُصبة الأمم العربية، فيظهر عمرو موسى وجيرمي جيلي صاحب الفيلم لجانبه بوسط لفيفٍ من أعضاء العصبة العربية. الذين تحدّثوا إلى معد الفيلم على نحوٍ واضح بكون الفيلم ينحاز إلى "العدو الإسرائلي" كما يصف الشخص، الذي استنكر أيضاً ظهور شيمون بيريز في الفيلم بينما لم يظهر أيُّ طفلٍ فلسطيني ممن يُقْتَلون لدى الحواجز على حد تعبيره.

من أهم النقاط التي تظهر في الفيلم هو انقطاع التمويل لهذا الفيلم، الثغرة التي رتقتها كوكاكولا، فهل يا تُرى قامت هذه الشركة المعروفة الجذور والميول بتمرير أية أجندة خافية عبر هذا العمل!؟ الإجابة على هذا السؤال تحتاج عملاً نقدياً متكاملاً يتناول هذا الفيلم بمستوى الوحدة الواحدة من المشهد الواحد. ويمكن لمثل هذه الريب المبنية على الاحتمالات أن تُفقد إنسانَ الشارع فقط صوابه، ولكن كان يجب أن لا تُؤثِّر على الأشخاص المنتخبين لتمثيل هذا الشارع إلا بالقدر الذي يجعلهم يُصلحون الأمور ولا يزيدون طينها ماء. فمما كان يُستوجب له أن يكون لافتاً لعصبة العرب، لم ينتبه إليه أحد، فهي لا تضع حرب الإبداع والسينما والإعلام والكتابة كأولوية، وربما لوقصدهم صاحب الفيلم في تمويل فيلمه ذلكم لصدوه بسخرية بدلاً عن اغتنام الفرصة. ولكم يبدو وضعهم ضعيفاً وهم في موقف اللائم فقط، من يُريد أن تُخْدَم قضيتُهُ دون أدنى تعب من جانبه، بالفعل يبدو وضعاً ضعيفاً للغاية ولا يدعو للتعاون الوجداني معه. ولكم يبدو السياسي الإسرائيلي محترفاً، ومقَدِّراً للإبداع ولأهله لبُعد أفقه وسعته، فالإعلام لعبتهم القديمة والرئيسة، ولننظر في مستوى الخطابين والنقاش بالنسبة للسياسي العربي والإسرائيلي بداخل الفيلم، ليتجسّد في أعيننا الفارق الحضاري والخبراتي وفوارق الوعي السياسي البيّنة بين العربي المتحفّز والمُبتعِد بنفسه عن العالم، وبين الإسرائيلي الهادئ والذي يغازل العالم بكونه يحترم الحوار ويريده.

فالعرب قد عَرَضوا أنفسهم كشخصية متوترة ومنكفئة على ذاتها ولا تمتلك استعداداً للتحاور مع العالم. والمثال الأشد وضوحاً هو الشخص الذي تحدَّث في مجلس العصبة العربية، وكان يقول لصاحب الفيلم نحن لا ننتظر شخصاً يأتينا من الخارج ليضع لنا خطة. فما علاقة هذا الكلام بما كان يطرحه صاحب الفيلم!؟ وهل نجد العرب الآن في معمعة حربٍ ضارية وقاصفات وراجمات صواريخ ليكون من حق ذلك الرجل قول ما قاله بتلك الهشاشة ليظهر كما يتمنَّى له أعداؤه من صورة لشخصية غير راغبة في السلام! كما يضيف عبارة أخرى أشد سذاجة وكارثية من الأولى، وهي أننا نكرمك بحسبان أنَّ الثقافة العربية لها تقاليد ضيافة فحسب. هذا الكلام شديد الخطورة، فهو كأنَّه يقول له نحن نرحب بك على مضض ومُرغمين بتقاليدنا، بالرغم من جملته السابقة التي تؤكد ترحيبه بالضيف. والضيف في فكر الإنسانية اليوم هو الضيف، يُرَحَّب به في كل مكان، دون أن يكون ضيفٌ ما هو استثناء، ودون أن نمنَّ عليه بذلك. كما يُحَدِّثه عن الضيافة العربية وكأنها الضيافة الوحيدة التي تُوجد على سطح الأرض، مثل ما كانت تحدثنا كتب التاريخ الساذجة عن هذا الشيء الإنساني في الإجمال بوصفه تفرُّداً عربياً. أي كأنما الأمم الأخرى لا تعرف الضيافة ولا تعرف الآخر، وهذا كُلُّه فعله العرب في الفيلم ولم يفعله بهم صاحب الفيلم. وما أسوأ تقديرهم وتصورهم لما كان قد أعده الرجل، إذ عَرَضَ عليهم مادة خاماً للفيلم، ولفكرة يومٍ واحدٍ من السلام، وكان بوسعهم أن يؤثّروا على شكل تلك المادة والفكرة لو أنَّهم اختاروا استمالة فكرته، واختراقها، ليجعلوه هو يقبل بما لديهم، أو يرفض على نحو صريح فيأتي وزر الرفض منه هو لا منهم. أو لكي يمايز جيرمي صَفَّه بنفسه في الجهة التي من ورائه كما يدُّعون، أي كمنحاز للإسرائليين على نحوٍ بيِّن يتفضَّل به سلوكه هو لا حردهم هم. ولكنهم صدوا الباب في وجهه بحنق طفولي صغير وقفلوا أنفسهم بالخارج بأيديهم، ليلوحوا للمشاهد البعيد، كراغبين في اللاسلام، ما يجعلهم بالضرورة مسؤولين أيضاً عن هذا اللاسلام. فصاحب الفيلم قد جاءك يعرض عليك مشروعه في يومٍ واحدٍ للسلام، كان عليك أن تُرحِّب بذلك بدءاً وبكل بشاشة تمتلكها، وأن تتبنَّى هذا المشروع فوراً، ثم تزج بالتفاصيل التي تريدها لاحقاً، لتعرف صدق الرجل من كذبه، لا أن تتعامل معه بتلك الطريقة غير الراشدة وطفولية الحَرَد.

وكملاحظات عامة حول الفيلم، يمكن القول:

* إنَّ توفير جيرمي للتمويل من خلال شركة كوكاكولا، بعد تَعَثُّر موارده الخاصة، يضع جهد جيرمي قيد التمحيص والمساءلة، مع التأكيد على أنّ هذه الجهات الداعمة ليست بريئة، ومن العسير تقبّل فكرة دعمها للمشروع شهامةً منها فحسب. وهذا يضع مزيداً من اللوم على ذلك الاستقبال العربي للرجل، الذي جاءهم لعرض فكرته والتشاور معهم. فأين دورهم الذي لعبوه معه؟ الحرد الطفولي؟ أم تصوير ذواتهم كمنكفئين لا يودون التفاوض مع "الأغراب" الذين يأتونهم بـ{خُطَّة} كما قال المتحدّث العربي في الفيلم، بحيث لا يبقى موضعٌ بعدها للنقاش ولا للتفاوض حول مقترح الرجل!

* جيرمي كان يقول لعمرو موسى ومن معه إنَّ دور الفيلم هو الدعوة إلى يومٍ واحدٍ من السلام فقط، وإنَّه ليس معنياً بأن يقول من هو المخطئ ومن هو المحق، وهذا هو الدور كُلَّه الذي بوسعه تقديمه إلى الناس على نحو متساوٍ دون أي تدخُّل من قبله في الشؤون السياسية، أو محاولة لعب دور القاضي. لماذا لم يغرقوه بالتبني لهذا المشروع كما فعل اليهود في العلن، و-ربما- في الخفاء أيضاً. ولماذا لم يقدموا مقترحاتهم بصدد يومٍ حقيقي للسلام، هذا الطفل الفلسطيني الذي يموت على الحواجز بدلاً عنهم، ألا يستحقه!؟ بل لماذا لم يساهموا مع ذلك الرجل في مشروعه كما فعل من تصرَّف بذكاء أكثر منهم، أم يا تُرى يُريدون شحن أفكارهم في فيلم الرجل كي تبلغ العالم مجاناً، وبتلك اللغة الفجّة التي قابلوه بها وجعلته يستغرب فيم يتكلّم أولئك الناس!؟ المؤسف أنهم سياسيون، ولا يدرون إلى أي مدى هو المشاهد الغربي وغير الغربي مغيّبٌ عن ساحة الفهم الحقيقي لما يدور في ساحة السياسة العالمية، وأنّ الطريق الوحيد إلى هؤلاء المغيّبين هو الإعلام والسينما والمسرح والفنون والإبداع، لا طردها وطرد أصحابها.

الأسى الإسلامي والعربي لن يزيد أسىً أكثر مما هو عليه في الحقيقة لمجرّد أن تطوِّل بالك وتتحدث مع هذا الرجل لتقنعه بفكرة الأطفال أولئك الذين يموتون على الحواجز. أين الدربة الإعلامية المضادة، لماذا لم تخرج هذه العصبة أرشيف أفلامها وتعرضه على ذلك الرجل ليستفيد من مادته، أو ليغيّر فكرته بأقل تقدير، اعرض عليه حججك، وكن دبلوماسياً وواعياً كما كان الأسرائيليون من قبلك في ذات هذا الفيلم. هل يعتقدون أن المتفرج المغيّب في هذا الغرب البعيد والشاسع، يُحصي معهم عدد قتلاهم مع كل نشرة أخبار، أو يدري أي شيء مهما صَغُر عن عالمهم وآلامهم؟ لكم هو الإنسان الغربي غير المنشغل بالسياسة بعيدٌ عن عالمهم ذلك، لو كانوا يعلمون، وتلك كانت فرصة أكثر من مواتية. فلن يتوفّر فيلم يجتهد فيه صاحبه لمدة عشر سنوات في كل يوم، وإن توفّر ذلك فسنرى ذات التصرُّف العربي المنكفئ والمنعزل يكُرَّر مرة ثانية.

فالشخصيات العربية، التي من المفترض فيها الاحتراف والكفاءة، نسيت أن تُؤمِّن بدءاً على مسألة اليوم العالمي للسلام وموافقتهم عليه دون شروط، ومن ثم تُبدي آراءها في الأشياء الأخرى. هذه هي الفكرة الرئيسة التي أودُّ قولها في هذه الناحية. بل انظر للعبارة القوية التي يقولها بيريز في الفيلم، عبارة كأنَّما أعدها له شاعر ملهم، ما ترجمتها إلى العربية {إن كنتم تريدون 365 يوماً فلا بُدَّ أن نبدأ باليوم الأوَّل}.

* يستعين غيلي بشكل أساس بالوجوه المعروفة عالمياً أمثال أنجلينا جولي وجودي لوو وآني لينوكس وجوني لي ميلر، ما يجعلنا نتساءل لماذا لا تستغل الوجوه الإسلامية والعربية المعروفة في دعم قضايا الشرق بشكل عام وقضايا بيئات المسلمين والعرب بشكل خاص!؟ لماذا لا نرى تلك الوجوه إلا في الدعايات والإعلانات، وما يعود بالفوائد عليهم كشخوص لا كتوجهات حضارية!؟

* المساحات الواسعة بداخل الفيلم التي يمنحها غيلي للإسرائليين وعلى النحو الذي يستضيف فيه شيمون بيريز شخصياً، بينما لا يظهر ياسر عرفات إلا في صورة واحدة فقط نلمحها على الجدار، والحوار الذي هو أقرب للمشادَّة التي تتم بينه وبين أحد السياسيين الفلسطينيين الذي يوضح له تماماً، بأنه على استعداد بترتيب لقاء له مع الزعيم الراحل ياسر عرفات. ولكن ذلك لا يتم للأسف أعن عَمْدٍ أم لكون عرفات سيرحل عن الحياة!؟

* إظهار الكثير من السياسيين الغربيين الذين يلوحون في منتهى الحكمة وإلقاء مسؤولية الأمور وتعقدها كافة على الشرق باعتباره صانعاً أولاً وأخيراً للمشاكل، فدينس البريطاني، يقول لغيلي، لا نمانع في أي دعم، ولكن لا تعتقد بأنَّ ذلك سيتم بمجرد فرقعة إصبع! بماذا يتم إذاً؟ وما هي الشبهات التي يمكن إثارتها بعد أن عمل غيلي على الترويج لشركة كوكاكولا ومنتجاتها بداخل فيلمه وقبله.

* كل مفتشي الأمم المتحدة الذين يظهرون في الفيلم يعملون في مناطق بعيدة عن الشرق الأوسط، ولا يلوح أيُّ موظفي أمم متحدة ممن يعملون في هذه الجغرافيات، لماذا!؟

* اللقطة الوحيدة للأطفال الفلسطينيين تظهرهم في قمة الفرح والسرور، متراكضين في الشارع، كأنما ليسوا هم الذين يموتون يومياً على الحواجز وبقلب المدارس وتحت أسقف المنازل التي تُهَدُّ على رؤوسهم.

* الشخصية التي تظهر في الفيلم، وتقول بأنها أرادت القصاص لثلاثة زعماء فلسطينيين، من خلال زرع قنبلة انفجرت فيه هو نفسه، أي زارعها. أعتقد أنَّ هذا المشهد احتوى أكبر قسوة من هذا الفيلم تجاه القضية الفلسطينية، فنلاحظ أنَّ هذه الشخصية في البدء تتحدَّث بالعبرية وليس العربية، ليُلقى في خاطر المتدين المتطرف من اليهود بأنَّ الجزاء من جنس العمل، فكأنَّما هم على حق وغيرهم على باطل. وهو المشهد الوحيد الذي يتخطَّى ضوابط الفيلم ذاته، الذي يزعم صاحبه بأنَّه يقف على الحياد وما هو بقاضٍ، فكيف تكون الشخصية المجرمة الوحيدة التي يقدمها الفيلم تنتمي للفلسطينيين!؟ وهي رسالة أيضاً إلى الفلسطينيين بأنَّ من يستخدم المتفجّرات في إسرائيل سيكون جزاؤه من جنس عمله وسنجعله يندم. أعتقد أنَّ هذا المشهد لم يكن بريئاً وكان الأسوأ على الإطلاق بداخل ذلك الفيلم.



http://www.peaceoneday.org/en/film/the-day-after-peace



-------------

هذه القطعة كُتبت بعد صدور الفيلم مُباشرة، وقبل توزيعه تجارياً على النَّاس.



محسن خالد غير متصل   رد مع اقتباس