هارلم متشحة بزرقة الحزن ..أحاج من الألوان الفاقعة فى تقاطعات بصيرة ( رومير بيردن) الثاقبة , بين مسكنى و مسرح أبولو تعتدل قامة الشارع السابع الذى يقطعه فى مربع رمادى مجهد الشارع (125) ..أتقلب فى الضوء المعتكر و دفء رطوبة الليل النزقة..أستبين من ضوء النوافذ المشرعة صهد المساء ..دينامية الموت و الحياة .ينغرس الأرق يبذله ثقل الهواء..يتنسم الأرق الترانيم و الجاز المنبعث من الأقبية المختمرة المتناثرة المستترة بنشاز الأرجحة الزنديقة المتزلفة..(125) يرقص الرمادى فوق مربع تحاصره الزرقة الداكنة المنبعثة من بوق (تشارلى باركر) ..نغم سهل التعقيد مضطرب , ملتصق بهمس (بيلى هوليداى) الجزيل فى شحه, القوى فى بهتانه.
كانت هارلم تعشش فى عقلى دهرا..(لانغستون هيوز) –(ريتشارد رايت)- (آدم كليتون باول), هادئة فى أستغراقها ,تزدهى بحمية الثورة و بهرج العنفوان عند (ستوكلى كارمايكل) متسربل (بالداشيكى) ,سائرا بعزم نبى الى خاتمته الأورفيوسية الفاجعة, حدث ذلك كل ذلك فى أتون موسم الحج الى جزر بعيد (مروى) يئز فيها طبل(ود الماحى) بالوجد اللهيف,أوفى مواسم قطاف تأجج لهب الخلق الذى وهب (عركى) و (الكاشف) و (الأمين) ديدن الغواية.
كنت أتملق طرق (تشارلس منغوس) على (الباص) الواقف , أتمرغ فى هسيس الصدى عند (مايلز ديفيس),و قرع الأعقاب فى ساحة ( نادى القطن) و أحذية (التاب) و فزع (المنسترلسى) الهازل. يا لروعة سحب الترانيم ورتابة رطوبة الهواءالخانق و الدخان المتحلق, نشاز الأرجحة لا تقطعه غير صافرات الأسعاف,صوت (راى تشارلس) يعلق مثل الندم اللزج على جدران سطح الذاكرة, يسيح بأنحدار مستقيم على مفاتيح (بيانو) (آرت تاتوم) و هو يتسحب عليها بلا مبالاة حاذقة, ينوء الشارع (125) بحمل عذابات الحلاج و أحمد أبن ماجد, سيزيف و (مايا أنجلو), لتخرج هارلم شاحبة فى ضوء نهار السبت تغتسل بعسل الماء و الكاكاو, مثخنة بالأسى و الفرح الطافح فوق قذارة الطريق, وعصف الوجد فى أزقة الشجى., يهم بها العنف المتفسخ فى نبوءة الملح و تهم به, أوان تبلج الموت فى ضوء صباح الحمض, صباح السبت يفتح مشارعا من الهذيان و الوخزوالخذلان.
يتقمص (كارمايكل) الوجوه, و تستعير وجوه وجه صديقه ( هيوى نيوتن),فى جدارية يتدلى من أركانها ( سبايك لى)-(ريتشارد بريور)-هارى بلافونتى), بحبال من بصيرة عمياء و شوق الى رغبة فى الضحك,و على قارعة الطريق يتمدد (جاك) خارج أطار اللأغنية, و أمرأته تسدل الستائر المهترئة المحترقة بالغيظ و الحنق و الوجع, لا تعد يا ( جاك) , أمض الى حيث تقطن القاذورات, و زجاج الخمر الرخيص, امض الى وحشة السجن و صكة المزلاج, تهيأ و اغتسل بحمأ الأنفاس و لتنطو على ذاتك ففى ذاتك متسع لضوء الحقيقة و مرتع للاغنية و صدى للبوق لا يرتد حسيرا.
تسرب النهار من تصدع الجدارالعتيق, من أعراف قرميد الكنائس التى يسكنها (الفودوفيل) و نوح (ماكومبا) القادم من أعماق غامبيا,(سول ماكوسا), ميدان الكونغو و شغف ( لويس آرمسترونغ) بالحداء المنشرخ يدافعه فى ترانيم ( ماهاليا جاكسون) ,( أيلا فتزجيرالد) و ( أنيتا بيكر), أسف متهالك , مثل نقاط الندى على بركة ماء آسن.
و تخرج (مس جارفيس), من اطار لوحة ( انى لى) (ايستر صنداى), معتدلة الساقين على أيقاع (براون), مكتنزة العجيزة فى حفر (تشارلس بيبس), و عند أطراف حديقة ( تونى موريسون) , تينة برية ناضجة, (زورا نيل هيرستون) ترقب عيونها التى ترقب السماء, يدير ( ستيفى ووندر ) حوارا الى الله, فى تجليات أنشادعلى ميزاب مفتاح الحياة.
تسرب النهار من من صدع السماء, من ثقب الأوزون, من روائح الحرب الحمقاء, من بطاقات الغذاء التى تباع لشراء الجعة, و من همهمة (جونى لى هوكر) حتى حدود نسيج الشمس العطنة غلى مشارف (برودواى)!!!! تنكر (جيلى رول مورتون ) للون القهوة, و التصق ب (ايرا غيرشوين) , ( جون كولترين) أصطحب قداسته الى القبر مثل يسوع., تاركا وراءه قبائل من الخدر المسموم, و الصبايا يتحولن الى أمهات فى سن اليفاعة, ( ريكرز آيلاند) يستضيف فرسان ألأشانتى كل صباح الى لا أمد,الصيف يلتقونه صدفة, يتقبأون فيه على جدران الظمأ, عنف ( الروكابيلى) , تداعيات ( كيث جاريت) و يعتنقون الأسلام, وحينما تصرعهم الطرقات , ينوح على رفاتهم (سام كوك) ( ولدت على ضفة .. النهر..داخل خيمة وضيعة, ومن يومها و أنا أنساب مثل ذلك النهر...زمن
طويل مضى ..زمن سيأتى , ثمة تحول عظيم آت )
اعفص هنا للمزيد من اللوحات والكتابات..
الثورة لم تبث على الهواء