إلى الأحباب خالد الحاج
والشقليني
مع الطواف على عم تنقو و صديق الموج في جمال ما أوردوا وأثروا وأمتعوا (سآتي للبقية تباعا)!
من الكلام الجميل الذي يشحذ الذهن ويريح القلب في أمر الفنون عموماً ما كتبه الأستاذ محمود محمد طه في كتيب صغير الحجم عظيم المقدار بعنوان( الإسلام والفنون)، جاء فيه:
(هل تدرون لماذا نجد المتعة في الفنون؟ لأنها تريح فكرنا من الذبذبة بين الماضي و المستقبل، وتتيح فرصة العيش في اللحظة الحاضرة.. هذه خاصية في جميع الفنون، تتفاوت فيها بضروبها المختلفة، مع الأشخاص المختلفين، فأنت إذا سمعت قطعة موسيقية راقية، أو شهدت فيلما سينمائياً جيد الموضوع متقن الأداء، فأنك تظل مشدوداً إلى الشاشة مثلاً، منحصراً في تسلسل صور الممثلين، ومنشغلاً بأدائهم ، بجمعية لا تبقي لك فرصة للتوزع بين الماضي و المستقبل، حتى لكأن الزمن قد توقف قي حقك، في تلك اللحظة التي تعيشها، وهي لحظة تكاد تكون خارج الزمان...
الانتصار على الزمن الذي تحققه لنا الفنون الجميلة هو أس سعادتنا بها، ومن ثم أصل تعلقنا بها....)
وقال عن الفنون والأديان، في موضع آخر من الكتيب، والذي هو أصلاً محاضرة ألقاها على طلبة كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بلغة الكلام(لا الكتابة)، قال:
(لكن يمكن للإنسان أن يقول: أنه ما من فن من الفنون، إلا ونشأ في معابد الدين.. أصلو ما عرف دين ما فيه موسيقى.. يجوز مسألة الرسم والنحت، في بعض الأديان مافي.. لكن الموسيقى، بصورها المختلفة، ما عرف دين ما عندو، حتى لو كان الإيقاع البكون بالطبل، أو بالطار، أو بكون بالنوبة، إلى أن يجي "للأورقن" بتاع الكنيسة، بالصور المختلفة فيه.. لكن ما من شك في أن الصلة كبيرة بين الفنون وبين الأديان.. و السبب في علاقة الفنون بالأديان، هو أن الأديان تعبير، زي ما قلنا قبيل.. الملكة الفينا، عاوزة التعبير، هي الحياة..)
وللشيخ الدكتور حسن الترابي- بهذه المناسبة- رأي متقدم جداً في هذه المسألة (اعتذر لبعد المرجع عن متناول يدي في هذه اللحظة)
السؤال هو من أين جاء هذا التزمت والحرب الشعواء على الفنون، خاصة في جاهلية الإنقاذ الأولى؟ أم تلك من مكايد السياسة!
الدكتور شوقي ضيف، وهو العالم الذي نعرف، له سفرٌ نفيس في هذا الموضوع وهو (الشعر والغناء في المدينة ومكة لعصر بني أمية)، وهو كتاب جدير بالقراءة والدراسة
جاء فيه: (... ولعل في كل ما قدمنا ما يدل دلالة قاطعة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحرم الغناء، ولا كان يدعو إلى نبذه. أما ما شاع بعد ذلك من كراهية الغناء فإنما جاء متأخراً ومتأثرا بآراء شخصية لبعض الصحابة و التابعين من مثل عبد الله بن عمر وابن مسعود. وهكذا أخذ الناس مع الزمن يختلفون في الغناء وإباحته وتحريمه ويقول ابن عبد ربه:"اختلف الناس في الغناء فأجازه عامة أهل الحجاز وكرهه عامة أهل العراق". وأخذ رأي أهل العراق يسود في العصور المتأخرة وخاصة عند المتشددين، وقد عقد الغزالي فصلاً طويلاً في الإحياء دلل فيه من وجوه كثيرة على إباحته، وأنه لا يدعو إلى تحريمه نص ولا قياس)
أيها الصحاب:
لقد كانت مداخلتكم ثرية وغنية، ولعل من المناسب فتح "بوست" منفصل للحديث عن الغناء والرقص، فهو مبحث غني وممتع ومهم، على أنني أعود لموضوعي الذي بدأت عن ليلة "[mark=FF0000]سلام دارفور[/mark]" ، وهو ما أحببت أن أتقاسمه وإياكم حول نفاق الساسة واستغلال الفن والغناء إذا كان يخدم "أجنداتهم"، أومحاربته والتبرؤ منه ([mark=FFFF66]حسب البراجماتية الإنقاذية، ذات الصبغة الانتهازية[/mark]).
على أنني لست بتارككم هكذا حتى تقرءوا معي ما أورده شوقي ضيف في كتابه المذكور، وقد جاء في ص 48منه ما يلي:
( وحدّث حسين بن دحمان الأشقر – إن صحّ حديثه_ قال: "كنت بالمدين، فخلا لي الطريق وسط النهار فجعلتُ أغني:
ما بال أهلك يا رباب.... خُزْراً كأنهم غضابُ
قال: فإذا خَوْخَةٌ قد فُتحت، وإذا وجهٌ قد بدا، تتبعه لحيةٌ حمراء، فقال : يا فاسق أسأت التأدية، ومنعت القائلة، وأذعت الفاحشة، ثم اندفع يغنّيه، فظننت أن طويساً قد نشر بعينه، فقلت له: أصلحك الله من أين لك هذا الغناء؟ فقال: نشأتُ، وأنا غلام حَدَث، أتبع المغنين وآخذ عنهم فقالت لي أمخي: يا بني إن المغنّي إذا كان قبيح الوجه لم يلتفت إلى غنائه، فدع الغناء، واطلب الفقه فإنه لا يضر معه قبح الوجه، فتركت المغنين واتبعت الفقهاء. فقلتُ له: فأعد جعلت فداءك فقال: لا، ولا كرامة، أتريد أن تقول: أخذته عن مالك بن أنس، وإذا هو مالك بن أنس، ولم أعلم")!
|