مساء بعيد - قصة قصيرة

عبد الجليل سليمان · 23-02-2013, 04:27 PM

مساء بعيد
عبد الجليل سليمان

بدا القمر ذاك المساء وكأنه لوحة تتأرجح على حائط مثقوب، ظلت تنتظره في ظلمة يشوبها (حفيف) ضوء، أشباح أنوار خافتة ترسل أشعتها إلى عينيها الشاردتين، فينبض قلبها ضربات متتالية عنيفة، تهزأ بذاك الجزء من الفستان الذي تنحني خطوطه أسفل النهد المتدثر بفستان (بمبي) بورود زرقاء وصفراء صغيرة جداً، تبدو وكأنها منمنمات فارسية قديمة.
وكانت جديلتيها تتربصان كتفيها بكسل ناعم، فتضرب بهما الريح بين الفينة والأخرى على ارتكاز صدرها الخارج للتو من مكان ما مُبهم، كانت تنتظر أول موعد غرامي لها، حيث أنها سمعت قبل أقل من (حول) جدتها تقول لأمها يا (مطموسة) البنت بلغت وإنتِ ما جايبه خبر.
(1)
تحسست شعرها المقصوص بعناية بالغة، ونظرت إلى المرآة ببطء لذيذ، أدخلت أصابع يدها اليمنى عميقاً إلى شعرها من جهة أسفل عنقها بعيد مهوى القرطين، وبدأت تستعيد تلك التفاصيل البعيدة والموغلة فيما يشبه الأحلام، وما يقترب من وشوشه النهار على أطراف الصبح إذ يطرد آخر خيوط الظلمة من متنه، ليركب مكانه ويصعق الرؤوس بشمس تغلق الذاكرة على آخر صورة رأتها ليلة أمس وهي مستلقية على ضوء القمر.
(2)
هه. كنت صبية مدهشة، انتظرته في تلك الليلة وحيدة اختبئ في ظلمة باهته أنتجها حائط الجيران الآيل للسقوط، ارتعشت يداي ما أن سمعت وقع خطواته قادمة كحوافر فرس البدوي تجس صفحة رمل الصحراء فتُحدِث ما يشبه الخشخشة، وانخلع قلبي بينما أنفاسه تقترب ويده تجوس في راحتي.
سوت شعرها المقصوص بعناية، و أخفت ببعض مما داخل حقيبتها من مساحيق بعض التجاعيد المقوسة على جبتها الدقيقة، و(كربت) ثوبها على خصرها، ونهضت.
(3)
في الطريق إلى حيث هو، كان شيئاً ما يرتج في قلبها فتسمع همسه في أذنيها، وهو يقول: لا أظن أنه سيأتي، لكن كانت تتقدم بعزم نحو المكان. دخلت الآن، اختارت طاولة في ركن قصي ومظلم من المطعم الأفرنجي، وانتظرت.
الرجال لا يهتمون كثيراً بمواعيدهم مع من هن في مطلع الأربعين، خاصة اللاتي لا أزواج لهن، وإذا فعلوا فإنهم غالباً ما يفكرون في أمور عميقة، أصاخت باهتمام بالغ لصوت صديقتها الصادر من مكان ما بذاكراتها القوية، وتمتمت: وينك يا (شذي)، أختك وقت وقعة.
نظرت إلى ساعة الهاتف الجوال، وهي تنظر بحسرة إلى شريط خافت من عصير المانجو يصعد ويهبط داخل أنبوب (المص)، فبدا لها المطعم كله مختبر للفحص. لم يأت، سأمنحه بضعة دقائق إضافية؟
ثم وبلطف قلق، سحبت فستانها الذي تحت ثوبها الشفاف بخفة، و فتحت علبة (الكريم)، وبطرف سبابتها اليمنى أخذت نقطة واحدة، وضعتها في منتصف باطن يدها اليسرى، وبدأت تدلكها بكلتي يدبها برفق، قبل أن أن تمسح بهما ساقيها وفخذيها، وهي تجوس بنظرها ماسحة المكان، لئلا طفيلي ما يتربص، أو يأتي هو حاملاً إليها بعض الكلمات الغضة.
(4)
استعادت بسرعة كامل (مكياجها)، وسوّت شعرها بمشط ناعم، ثم أعادت المرآة والأدوات الأخرى إلى الحقيبة، وخرجت.

مهند الخطيب · 23-02-2013, 10:06 PM

ويكتب جليل ،

مُنِيفي قلق لا يريحك ، ولا يبقيك ...

المواعيد ، العالم الذي خضناه بفكر غض وزحف تماسيحي فطري ..

حضر ، الوصف المتربص ، التفصيل ، الخذلان الباهت ...

مهند الخطيب · 23-02-2013, 10:11 PM

http://www.youtube.com/watch?v=oTTPusr4nbY

في الركن البعيد الهادي

بله محمد الفاضل · 24-02-2013, 10:08 AM

وحشنا خطوك بهذا الاتجاه يا جل
نغز إليه الخطى
فإن بلغنا
أو لم
يكفينا شظف المحاولة...

إلى حين إياب خذ إليك
محبتي

لنا جعفر · 24-02-2013, 01:00 PM

جليلي ياغالي....
وحشة مابتعرف تهادن يارفيق....
وبفرح لمن اشوفك في الحول (أراوند).....والقوة
ياعزيز..
نُسخ (غودو) تتناسل بغزارة كلما صعدنا يساراً تجاه (الدافق الدفاق)
وكلما هبطنا بمنعرجات درب التبانة...هوذا القوس الهائل المشرع
المخبوء قال عنك...والمفتضح محايد وراكن....
توليفة مبدعة
-----
ود كثيف ياجليلي ومنتظراك للجبران ولا شكلك اكتفيت؟؟

AMAL · 24-02-2013, 01:25 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الجليل سليمان

مساء بعيد
عبد الجليل سليمان

ياااه دا بعيد بعد

ناصر يوسف · 24-02-2013, 02:30 PM

جاييك يا جاليليو
جاييك بالمهلة أو ،،، بالدَرِب يا زول

ناصر يوسف · 27-02-2013, 12:30 AM

عبد الجليل سليمان
شكراً لهذه الصور المتحركة عبر الحروف
متعة في قراءة النص ذهبت بي بعيداً جداً

بله محمد الفاضل · 28-02-2013, 09:28 AM

"بين زمنين، بين انتظارين" على عِلل تكرارها
أظنها كانت ستغطي تغليبك الأسى
بين جمال الاختيار بغروره
وقبح الانتظار بأحلامه الموءودة...

هكذا خرجتُ بما جاء أعلاه
وقد اختبأت بالروح
جماليات صورك
ومقدرتك الباهرة في توزيعها
....

تحياتي

مي هاشم · 28-02-2013, 11:00 AM

عبد الجليل
تحايا عطرة

قصة معبرة ومؤثرة جداً، تشبه شخصيتها كثيرات أعرفهن، وأخريات أراهن يومياً..

شكراً على متعة اللغة السليمة والسرد السلس.

الرشيد اسماعيل محمود · 03-03-2013, 01:19 PM

سلام يا جليل، ومرحب بعودة الأقلام المتمكنة..
اللغة السلسة ما زالت كما هي، لكن السيناريو فيهو وعورة نوعاً ما، ولّ لياقتي تعبانة براي؟

عموماً:
شكراً ياخي علي الهدية بعد طول غياب

23-02-2013, 04:27 PM	#[1]
عبد الجليل سليمان :: كــاتب نشــط::	مساء بعيد - قصة قصيرة مساء بعيد عبد الجليل سليمان بدا القمر ذاك المساء وكأنه لوحة تتأرجح على حائط مثقوب، ظلت تنتظره في ظلمة يشوبها (حفيف) ضوء، أشباح أنوار خافتة ترسل أشعتها إلى عينيها الشاردتين، فينبض قلبها ضربات متتالية عنيفة، تهزأ بذاك الجزء من الفستان الذي تنحني خطوطه أسفل النهد المتدثر بفستان (بمبي) بورود زرقاء وصفراء صغيرة جداً، تبدو وكأنها منمنمات فارسية قديمة. وكانت جديلتيها تتربصان كتفيها بكسل ناعم، فتضرب بهما الريح بين الفينة والأخرى على ارتكاز صدرها الخارج للتو من مكان ما مُبهم، كانت تنتظر أول موعد غرامي لها، حيث أنها سمعت قبل أقل من (حول) جدتها تقول لأمها يا (مطموسة) البنت بلغت وإنتِ ما جايبه خبر. (1) تحسست شعرها المقصوص بعناية بالغة، ونظرت إلى المرآة ببطء لذيذ، أدخلت أصابع يدها اليمنى عميقاً إلى شعرها من جهة أسفل عنقها بعيد مهوى القرطين، وبدأت تستعيد تلك التفاصيل البعيدة والموغلة فيما يشبه الأحلام، وما يقترب من وشوشه النهار على أطراف الصبح إذ يطرد آخر خيوط الظلمة من متنه، ليركب مكانه ويصعق الرؤوس بشمس تغلق الذاكرة على آخر صورة رأتها ليلة أمس وهي مستلقية على ضوء القمر. (2) هه. كنت صبية مدهشة، انتظرته في تلك الليلة وحيدة اختبئ في ظلمة باهته أنتجها حائط الجيران الآيل للسقوط، ارتعشت يداي ما أن سمعت وقع خطواته قادمة كحوافر فرس البدوي تجس صفحة رمل الصحراء فتُحدِث ما يشبه الخشخشة، وانخلع قلبي بينما أنفاسه تقترب ويده تجوس في راحتي. سوت شعرها المقصوص بعناية، و أخفت ببعض مما داخل حقيبتها من مساحيق بعض التجاعيد المقوسة على جبتها الدقيقة، و(كربت) ثوبها على خصرها، ونهضت. (3) في الطريق إلى حيث هو، كان شيئاً ما يرتج في قلبها فتسمع همسه في أذنيها، وهو يقول: لا أظن أنه سيأتي، لكن كانت تتقدم بعزم نحو المكان. دخلت الآن، اختارت طاولة في ركن قصي ومظلم من المطعم الأفرنجي، وانتظرت. الرجال لا يهتمون كثيراً بمواعيدهم مع من هن في مطلع الأربعين، خاصة اللاتي لا أزواج لهن، وإذا فعلوا فإنهم غالباً ما يفكرون في أمور عميقة، أصاخت باهتمام بالغ لصوت صديقتها الصادر من مكان ما بذاكراتها القوية، وتمتمت: وينك يا (شذي)، أختك وقت وقعة. نظرت إلى ساعة الهاتف الجوال، وهي تنظر بحسرة إلى شريط خافت من عصير المانجو يصعد ويهبط داخل أنبوب (المص)، فبدا لها المطعم كله مختبر للفحص. لم يأت، سأمنحه بضعة دقائق إضافية؟ ثم وبلطف قلق، سحبت فستانها الذي تحت ثوبها الشفاف بخفة، و فتحت علبة (الكريم)، وبطرف سبابتها اليمنى أخذت نقطة واحدة، وضعتها في منتصف باطن يدها اليسرى، وبدأت تدلكها بكلتي يدبها برفق، قبل أن أن تمسح بهما ساقيها وفخذيها، وهي تجوس بنظرها ماسحة المكان، لئلا طفيلي ما يتربص، أو يأتي هو حاملاً إليها بعض الكلمات الغضة. (4) استعادت بسرعة كامل (مكياجها)، وسوّت شعرها بمشط ناعم، ثم أعادت المرآة والأدوات الأخرى إلى الحقيبة، وخرجت. التعديل الأخير تم بواسطة عبد الجليل سليمان ; 23-02-2013 الساعة 04:32 PM.
عبد الجليل سليمان :: كــاتب نشــط::	التوقيع: [frame="3 80"] لا تسير خلفي، فقد لا أكون مرشداً لك. ولا تسير أمامي، فقد لا أتقبل أن أكون تابعاً لك. بل سر بجانبي، كيما أراك، ونكون متساويين أيضاً. ( حكمة الهنود الحمر) [/frame]

23-02-2013, 10:06 PM	#[2]
مهند الخطيب :: كــاتب نشــط::	ويكتب جليل ، مُنِيفي قلق لا يريحك ، ولا يبقيك ... المواعيد ، العالم الذي خضناه بفكر غض وزحف تماسيحي فطري .. حضر ، الوصف المتربص ، التفصيل ، الخذلان الباهت ...
مهند الخطيب :: كــاتب نشــط::	التوقيع: "أتعرفين ماهو الوطن؟ الوطن هو ألّا يحدث ذلك كلّه...!" غسّان كنفاني

23-02-2013, 10:11 PM	#[3]
مهند الخطيب :: كــاتب نشــط::	http://www.youtube.com/watch?v=oTTPusr4nbY في الركن البعيد الهادي
مهند الخطيب :: كــاتب نشــط::	التوقيع: "أتعرفين ماهو الوطن؟ الوطن هو ألّا يحدث ذلك كلّه...!" غسّان كنفاني

24-02-2013, 10:08 AM	#[4]
بله محمد الفاضل :: كــاتب نشــط::	وحشنا خطوك بهذا الاتجاه يا جل نغز إليه الخطى فإن بلغنا أو لم يكفينا شظف المحاولة... إلى حين إياب خذ إليك محبتي
بله محمد الفاضل :: كــاتب نشــط::	التوقيع: [align=center]الراجِلُ في غمامةٍ هارِبةْ[/align]

24-02-2013, 01:00 PM	#[5]
لنا جعفر :: كــاتب نشــط::	جليلي ياغالي.... وحشة مابتعرف تهادن يارفيق.... وبفرح لمن اشوفك في الحول (أراوند).....والقوة ياعزيز.. نُسخ (غودو) تتناسل بغزارة كلما صعدنا يساراً تجاه (الدافق الدفاق) وكلما هبطنا بمنعرجات درب التبانة...هوذا القوس الهائل المشرع المخبوء قال عنك...والمفتضح محايد وراكن.... توليفة مبدعة ----- ود كثيف ياجليلي ومنتظراك للجبران ولا شكلك اكتفيت؟؟
لنا جعفر :: كــاتب نشــط::	التوقيع: نَحْنُ ننتظرُ الضياء ..لكننا نرى الظلام . (أشعياء 9:59)

24-02-2013, 02:30 PM	#[7]
ناصر يوسف :: كــاتب نشــط::	جاييك يا جاليليو جاييك بالمهلة أو ،،، بالدَرِب يا زول
ناصر يوسف :: كــاتب نشــط::	التوقيع: ما بال أمتنا العبوس قد ضل راعيها الجَلَوس .. الجُلوس زي الأم ما ظلت تعوس يدها تفتش عن ملاليم الفلوس والمال يمشيها الهويني بين جلباب المجوس من التيوس النجوس

27-02-2013, 12:30 AM	#[8]
ناصر يوسف :: كــاتب نشــط::	عبد الجليل سليمان شكراً لهذه الصور المتحركة عبر الحروف متعة في قراءة النص ذهبت بي بعيداً جداً
ناصر يوسف :: كــاتب نشــط::	التوقيع: ما بال أمتنا العبوس قد ضل راعيها الجَلَوس .. الجُلوس زي الأم ما ظلت تعوس يدها تفتش عن ملاليم الفلوس والمال يمشيها الهويني بين جلباب المجوس من التيوس النجوس

28-02-2013, 09:28 AM	#[9]
بله محمد الفاضل :: كــاتب نشــط::	"بين زمنين، بين انتظارين" على عِلل تكرارها أظنها كانت ستغطي تغليبك الأسى بين جمال الاختيار بغروره وقبح الانتظار بأحلامه الموءودة... هكذا خرجتُ بما جاء أعلاه وقد اختبأت بالروح جماليات صورك ومقدرتك الباهرة في توزيعها .... تحياتي
بله محمد الفاضل :: كــاتب نشــط::	التوقيع: [align=center]الراجِلُ في غمامةٍ هارِبةْ[/align]

28-02-2013, 11:00 AM	#[10]
مي هاشم :: كــاتب نشــط::	عبد الجليل تحايا عطرة قصة معبرة ومؤثرة جداً، تشبه شخصيتها كثيرات أعرفهن، وأخريات أراهن يومياً.. شكراً على متعة اللغة السليمة والسرد السلس.
مي هاشم :: كــاتب نشــط::	التوقيع: [align=center] الحب والجمال منشآ الكون[/align]

03-03-2013, 01:19 PM	#[11]
الرشيد اسماعيل محمود :: كــاتب نشــط::	سلام يا جليل، ومرحب بعودة الأقلام المتمكنة.. اللغة السلسة ما زالت كما هي، لكن السيناريو فيهو وعورة نوعاً ما، ولّ لياقتي تعبانة براي؟ عموماً: شكراً ياخي علي الهدية بعد طول غياب
الرشيد اسماعيل محمود :: كــاتب نشــط::