بعد التحيّة، إنتي زولة كتّابة يا نفيسة!
ممتلكة للموهبة، سردك جميل وآسر، لغتك شاعرية لحد بعيد، وفاهمة بتعملي في شنو، ودا نموذج للمبدع الجيّد في رأيي.
بنقصك قليل من الاجتهاد في تنسيق النصوص، لأنو نص زي دا، مفروض يُقابل بتنسيق أنيق، وإلتزام وجدِّية للتفريق بين الاصوات النصيّة فيما بينها، عشان نفرز صوت الرّاوي من أصوات الشخوص، بالذات في المقاطع الفيها مونولوج داخلي وتداعي حُر.
لاحظت برضو يا نفيسة، تدخلك ككاتبة في بعض الأماكن بالنص بشكل عاطفي اعتماداً علي ذائقتك الخاصة في:
اقتباس:
ولكن تغنيهم بأغاني الراحل المقيم مصطفى سيد أحمد وحده من الف بين أصواتهم فكانت نسيج من الروعه يبرز مدى عبقرية هذا المصطفى رحمه الله
|
هنا نلاحظ بشكل واضح الاسقاط العاطفي بالنسبة للكاتبة وحبها لمصطفي سيد احمد الفنان، في حين إنو القارئ في اللحظة دي ما مهتم بـ هل مصطفي عبقري ولّ لأ، بل بالحدث فقط. إضافة للتبرير (برضو العاطفي) في افتراض أنّ عبقرية مصطفي الفنان بشكل من الأشكال، تنبع من مقدرة أغانيه حينما تُغنّي علي التأليف بين الأصوات حتي النشاز منها، ودي رؤية خاصّة بالكاتبة.
لغة الحوار دارجة بسيطة ومحبّبة، سهلة الهضم وفيها رشاقة وواقعية جدّاً، نقلتني للطقس الحواري مباشرة وقدرت أتخيّل المشاهد بكل سهولة.
تفصيل النص لفصل أوّل وثاني وثالث بتخيّل لي ما كان ضرورة، بكل سهولة كان ممكن يا نفيسة تنقلينا من بورسودان للخرطوم وبالعكس، إعتماداً علي مقدرتك الظاهرة في تطويع الأحداث لصالح خدمة الفكرة الأساسية للنص.
اقتباس:
إلتقيتها إذن .. وكأنما القدر قد حاك لنا من خيوط اللقيا أخبث مؤامراته !!
كنت قد هيأت قلبي مسبقا" لنسيانها ، و إعتقدتني أضعت ملامحها و لم أبقي أثرا" ..
من أين جاءت ؟ و لم الأقدار تعاندنا هكذا
|
دا صوت الراوي عمر، النص شهد وجود راويين، الرّاوي الأوّل هو عمر، لكن من الفقرة الأولي تنازل عن دوره للرّاوي المتابع من بعيد وأوكلت الكاتبة للصوت البعيد مهمة الحكي، ولم يظهر عمر كراوي حتي النهاية، وهنا أعتقد كان حيكون شغل جميل لو تمّ تبادل الأدوار في الحكي.
المسألة صعبة طبعاً، لكن حاسِّي إنِّك كان ممكن تعمليها
، طبعاً رواية موسم الهجرة فيها رواة إتنين، ودا واحد من أسباب جمالها من ناحية نقدية.
أجمل مشهد بالنسبة لي، مشهد الختام، شغل جميل جدّاً أهنيك عليه، اختزل كتير من المعاني في رمزية بسيطة، دا مشهد كبير ودرامي:
اقتباس:
بدت له غامضه و مبهمه، فألقى بها الطفل في البحر ، و ركض مرة أخرى!
|
كأنّ الراوي يقول لنا، لا أحد يعلم ما يحسُّه عمر من حسرة وخيبة وألم فوق طاقة الاحتمال، يعني الطفل هنا بمثابة رمزية للجميع، لكل من هو خارج الدائرة، كل من هو آخر، عدا عمر، لا يري سوي الغموض والابهام، واللا مبالاة، لا أحد يبالي سوي عمر، وهذا كل شئ.
عموماً:
استمتعت جدّاً بالنص دا يا نفيسة، شغل أتمني أن يكون له ما بعده.
تحيّاتي