الشاعر طلال دفع الله يتحدث عن تجربته مع
مصطفى سيد تـجـربـتـي مـع و ما غـنّـى لـي
مـصـطـفـى سـيـد أحـمـد
طلال دفع الله
***************
سألتني جمعية أصدقاء اﻷستاذ مصطفى سيد أحمد ـ الدوحة؛ اﻷستاذ بدرالدين اﻷمير ـ سيرتي الذاتية و نبذة عن تجربتي الشعرية مع مصطفى سيد أحمد، و ذلك في فبراير 1996م.
بدءً أود أن أقرر أن كل شئ في عصر
مصطفى سيد أحمد الخاص صار قابﻼً
لﻺنقسام؛ أو لِـنَـقُـل ﻹعادة التأريخ.
طﻼل دفع الله عبدالعزيز
الميﻼد الفزيائي (الوجودي) تم في القرن العشرين، تحديداً حين سار نصفه الثاني أولى خطواته نحو نهاية رحلته، و قد كان بـ حي العرب ـ أم درمان؛ حيث درست المرحلة اﻷولية و المتوسطة، ثم مخرت بحر الصحراء غرباً ﻷرسو مؤقتاً بثانوية
الفاشر؛ إذ أنني سأعود ﻷمتحن من ثانوية محمد حسين ـ أم درمان،جامعة الخرطوم ثم جامعة كلوج، ﻷتخرج من كلية الطب جامعة كرايوفا ـ رومانيا.
كنت، حيث ﻻ أزال أقف على عتبة الشعر اﻷولى حين زلزلني ميﻼد جديد تمَّ على يدي مصطفى سيد أحمد النوريتين بتاريخ مارس 1994م ـ و ﻻزلت أحتفظ بصورة من شهادة الميﻼد التي بعثها لنا (نحن منتدىالحصاحيصا اﻷدبي) و التي تقول:
""تمَّ تلحين " لما اتﻼمس بيني و بينِك.""
أولى خطوات الميﻼد عادةً ما يتكرر
ميكانيزم ثابت أﻻ و هو مواجهتك كمولود لهواء مغاير، تتبعه الشهقة اﻷولى؛ فتلك الصرخة القابلة لشتى التأويﻼت. أما في هذا الميﻼد بالتحديد فعليك أن تقابل ضوءً يفوق قدرتَك على اﻹحتمال!: ضوء أن يغني لك مصطفى سيد أحمد. و هنا دعني أعترف بأن الشعر طاردني بعد ذلك بعنف .. و بأكثر من ذلك العنف طاردتُ مصطفى ، و أنه كان يروِّض ـ و بسماحة شديدة ـ جموح هذا العنف، و بأساليب بﻼغية ﻻ تُصدَّق ؛ من بينها الصمت مثﻼً، فصمته فعلُ تحريض.
و هكذا يجئ ميﻼد جديد في ديسمبر
1995م،
ولكن دعني أتوقف ﻹقرر و أقر بأنني
استفدتُ كثيراً من التجربة اﻷولى:
أوﻻً، أن الشعر في حراكيته ﻻ يعرف، أو أنه ﻻ يجب أن يعرف، حالةالسكون (اﻹستاتيكية)، أي وصوله لصياغة أخيرة .. إذ أنه قابلٌ ، يظل، للتغيير والتغيُّر حتى بعد أن يُغنَّى.
ثانياً، أن لكل حالة شعورية مفردتُها التي تستطيع التعبير عنها. و عليه فﻼ يمكن، قاموسياً، تصنيف أن هذه المفردة ﻻ تصلح للغناء، أو أنها قد تعيق اللحن مثﻼً. فكل المفردات قابلةٌ للتلحين. لم أغيِّر المفردات نزوﻻً على نصائح كثيرين، من بينهم شعراء. و بعد سماعهم للنصوص ملحنةً تراجعواعن وجهة نظرهم تلك، و تبنّوا الفهم الجديد. و هذا درس.
ثالثاً ، تعلّمتُ أن اﻷفكار التي يحملها
النص تظلُّ قابلةً ﻷن يحتملها اللحن و
بأوسع من وعاء النص في أغلب اﻷحيان. و هذا أمرٌ فتح آفاقاً بِكرةً لترتادها اﻷغنية السودانية فيما بعد ..
و بأقصى ما يسع المَدُّ أو ما يبلغ الفيضان. أعطى النصوصَ سﻼستها في ذهن المتلقَّي؛ و كشف عن خباياها خروجَ المحارات من قواقعها نديةَ الغناء.
أعود ﻷقول إن الميﻼد اﻵخَر جاء عبر
عملين .. و قد حمل لي بشاراتِه اﻷستاذ عصام حسين في أغسطس 1995م. و هنا ﻻ بد من اﻹشارة إلى أنني قد أرسلتهما له ،ضمن أعمالأخرى، قبل وصول البشارات بوقت قصير، و لهذا لم أنتظر أن يكونا:
" رحَّـال " و " يا صباحَـك "، بل بعض
أعمال الهايكو، إذ كنا نزمع الدخول في تجربة الشعر المُختزَل . كما تجدر اﻹشارة، أيضاً، إلى حديث إبن شقيقته الذي كان معه بالدوحة خﻼل تلك الفترة: (لفتت نظري سرعة تلحينه لهذين العملين اللذين طلب مني إعطاءهما له و حِفظ بقية
اﻷعمال، اللذين كانا من ضمنها، ثم بدأ يدندن وكأن اﻷلحان كانت موضوعة سلفاً .. نعم ، أذكر ذلك جيداً، فقد كانا مكتوبين على أوراق زرقاء اللون، ما دعاني إلى أن أسأله صراحةً و بأكثر الطرق ﻻ مباشرة:
كيف تلحِّـن؟!! . فأجابني ـ و الحديث
ﻻ يزال على لسان إبن شقيقته عمر
علي ـ : "إن اللحن يأتيني على شكل
تهويمات في شتى اﻷحوال، ثم ينطبع بذهني جزءً بعد اﻵخَر، إلى أن يتكامل ويكتمل .. و لَدي شعور بأن هذين العملين!!؟؟ "
إذاً، فعبر هذين العملين: (رحَّال) و
(يا صباحَك) و الَّذين ذكر لي اﻷستاذ
عصام حسين المحامي: " ﻻ أدري ما
إسم العملين إﻻ أنه ـ مصطفى ـ يقول
إنهما ﻻمسا فيه نِداءً .. و كأنهما!!؟؟ "
عبرهما ـكنتُ أقولـ يجئ ميﻼدٌجديد. لم أصرخ و لم أحاول أن تخلق عيناي نوعاً من المواءمة مع هذا الدفق الضوئي الغامر ، إﻻ أنني ـو قد أصابني الذهول والحزن .. نعم الحزن!ـ لم أعد أفكِّر إﻻ في أن أنجو
بنفسي. و ليس من طريق لتلك النجاة
ـكما بدا ليـ غير القفز من على مركب الشعر في هذا المحيط الﻼمتناهي!! و التفرغ الكامل للتأمل في كل هذا. إذ أن قراءته الثانية (اللحنية) لنصك الشعري تعطيه أبعاداً و كأنها لم تكن كامنةً فيه .. أبعاد مخادعة كمرايا تهرول في متاهة
كونية ﻻ نهائية التعقيد، بيد أنها كريمة اليقينية في ذات الوقت. و أكثر جوانبها يقينيةً هو إحساسك
المرتعب و المرعب بأن طاقتك تغادرك، و إنك لم تعد تصلح لقول الشعر . فمصطفى
يتخطى في كل لحظة زمانية محددة
حدود المفردة و الفكرة اﻷمر الذي يُوقعك في شبكة خرافية من اﻹرتباك.
فتجد أﻻ مفر من أن تسأل نفسك:
"هل من أنفاس تكفي لكل تلك الهرولة و اللهث خلفه ، في هذا الطريق الذي يبدو بدون نهاية؟؟"!!
و عليه ، و بطوعي واختياري؛ و بكل
ما تبقى لي في قواي العقلية و النفسية من رصيد صهرتُ نفسي فيه، حتى لم أعُد أنا أنا. و أعود بسﻼم مشروخ إلى عتبتي اﻷولى، هذا إن كنت ﻻ أزال أملك القدرة و المقدرة على الوقوف، و إن كنتُـ
بعده ـ ﻻ أزال أنا أنا!!
طﻼل دفع الله عبدالعزيز
مشروع شاعر لم يكتمل
شكَّل مصطفى سيد أحمد ما تيسَّر من
صلصاله:
(صحوه) .. (رحَّال) و (يا صباحَك)
ثم تآبى!
………… …………
صحـوة
ألحان و غناء اﻷستاذ مصطفى سيد
أحمد
شعر : طﻼل دفع الله
تسجيل صوتي "عود":
https://beta.m.box.com/shared_item/h...fef183b1aa4e01
**** **** **** **** **** ****
لـمـا اتـﻼمـس بـيـنـي و بـيـنِـك
شـبـق الـمـطـره و شـوق الـصـحـرا
زلـزلـوا روح الـسَّـد الـواقـف
بـيـن الـرؤيـا
- الـفـجـر اﻷخـضـر -
و بـيـنَّـا
الـلـيـل الـجـرح الـنـازف
شـفـتـك تـغـزلـي مـن احـزانـك
نـار اسـطـورتـك
مـعـبـد مـجـدك
فـرح اكـوانـك،
اتـعـافـيـت مـن خـدر الـغـفـوه
صـحـيـت نـاديـتـك
أنـا إنـسـانـك .. أنـا إنـسـانـك.
مـن جـوَّاك .. شـهـقـتَ هـواك
زفـرتَ .. سـمـوم الـنـخـبـه الـصـفـوه
و جـيـتـك مِـنـِّك
جـيـتـِك
مِـدّي حـبـال مـرسـاك
انـا حـطـمـتَ قـواقـعـي الـرخـوه
وإنـسـلـيـتْ مـن جـرحـي عـشـانـك.
هـاك اسـتـلـمـي كـمـال الـبـيـعـه
ويـﻼّ اسـتـلِّـي ..
سـيـوف إتـخـبَّـت تـحـت اجـفـانـك
حـضـنـي عـلـيـك الـدرع الـواقـي
لـي بـس حـبـك يـا هـو الـبـاقـي
مـن بـركـانـك نـبـض اعـراقـي
وأمـنـي بـفـرهـد بـيـن احـضـانـك
يـﻼ ادِّيـنـا خـريـطـة الـسـكـه
ودمدِمـي لـيـنـا نـشيـد الغـضـبـه
حنبدا معـاك الخـطـوة الصعبه
ونحيا الفرح الجايـي زمانـك
وإنـتي، الفرح الجـايـي زمانك
إنتي الفرح الجايي، زمـانـك .
تسجيل صوتي ""عود + اورغن""
(1994م)
………… …………
رحَّـال
ألحان وغناء: اﻷستاذ مصطفى سيد
أحمد
شعر: طﻼل دفع الله
**** **** **** **** ****
و صاحت جَـذوة الترحال
نضح بالتوق مسام صبرك
فيا رحَّال
فـتح زمن الخرافـه عليك
بُـكا اﻷوتار
و غلب قمرك شقـا اﻷحزان
مـن شـَجْـو الكﻼ م الـمُـر
فـَتـَلـتَ حـبـال شـمِـس غـابَـتْ
و غـنـيـت .. آآآآآآهـ
علي وجـع الـوتـر تـبـريـح
غـُنا اﻷشجـان.
سـألـتَ الريح:
عَـﻼمَ الـضُّـل صِبـِح مغـلـول
يـِصارع صبْـرو فـي اﻷغـصان؟ !
و يـا ضُـل الـفـضا الـمـشلـول
إﻻمَ الـخـوف يـِشـتــِّت !!
كـُـل شـُعـاعـًا بـان؟
فـيـاريـتِـك تــَفِـردي رضـاك
عـلي آفـاق مـعـاك تـحـلم
ظـﻼ مَـهْ يـزول
و تـرْجـِع روعـة اﻷزمـان
عـلـي ولـدًا
بـِريـدِك إنـتـي يا الـطـوفـان
عـلـي بـلـدًا
وراك في الليل صِـبـِح غـرقان ؛
فـيـا شـمْـس الـغـد الـفاتح
ﻷحـضانـك .. حُـضُن اشـواق
تـَرِكْ كـَحَـمـامـه فـي صـدرك
بَـعَـد مـا فـاض هُـﻼ م الـلـيـل
مَـسَـك فـجـرك
سـألـنـا عـلـيـك عـيـون الـمـوج
قـَـبُـل مـا تـروح
حـواجْـب الـدَّهـشـه فـتحتْ قـوس
و كـَـنـَّتْ لـيـنـا غـيـر مـاتـبـوح :
بحْـر الـريد مـﻼ ن أسـرار )
و خـطـواتـَـك كـتـب قـَدَرَك
( عـلـيـهـا الـحـيـره يـاإنـسـان
قـفـلـنـا الـقـوس .
و يـافـارْس الـمَـدَى الـمـجـروح
وراهـا ركـبـتَ مَـتـْـن الـريـح
تـفـتـِّـش في الـهـوا الـضايـع
هـوى الـوجـدان
تـشـوفـو ظـﻼ ل
يـلـوِّح فـي اﻷفـُـق كـفـَّـك
يـِسابـِق فـي أصـابْـع الـلـهـفـه
لـيـهـا حـنـان
وواقـْع الـحـال
يـِنـَهْـنِـه صَـبْـرك الـجُـوَّاك
و تـصـرخ جـذوة الـتـرحـال.