بسم الله الرحمن الرحيم
توطئة
لقد دار لغط كثير حول أداء الديمقراطية الثالثة في السودان، وأثيرت تساؤلات حول ما إذا كانت بعض جوانب القصور والعجز ناتجة عن قصور في أداء الأحزاب أو تراخ في أداء السياسيين، أم أن الأمر ناتج عن عدم ملاءمة النظام الديمقراطي التعددي لحكم السودان.
ومثل هذا اللغط ليس جديدا في السودان، فقد دار مثله في فترتي حكم الفريق إبراهيم عبود وحكم المشير جعفر نميري. أي أنه في العهود العسكرية كانت أنظمة الحكم تسعى إلى إدارة اللغط حول الديمقراطية في محاولة للنيل منها بهدف تبرير نمط الحكم الديكتاتوري سواء كان هذا الحكم عسكريا محضا، مثلما كان في عهد عبود، أم عسكريا متسربلا برداء مدني ومتخفيا وراء قناع الحزب الواحد.
ولكن الشعب السوداني كان في كل مرة يحسم هذا الجدل واللغط بالوقوف مع خيار الديمقراطية. حدث ذلك في عام 1964م عندما خرج السودانيون في أروع إستفتاء شعبي على الخيار الديمقراطي متحدين حكم عبود العسكري ومفجرين ثورة أكتوبر العظيمة. ثم تكرر الأمر ثانية في إنتفاضة رجب التي أطاحت بحكم نميري وأعادت الديمقراطية للبلاد.
هكذا حسمت غالبية أهل السودان الجدل المفتعل واختارت الديمقراطية التعددية نظاما للحكم في السودان مع إجراء الإصلاحات اللازمة عليها إعتبارا بالتجارب الماضية في التطبيق، وأقرت التمسك بالنهج القومي لإرساء قواعد النظام الديمقراطي التعددي، مع اعتماد النهج القومي في حل المشكلة الاقتصادية وإرساء السلام.
ورغم هذا الإختيار الواضح لأهل السودان في مسألة الديمقراطية, فإن نظام العميد عمر البشير أبى إلا أن يكرر خطأ من سبقوه في درب التهجم على الديمقراطية، ناسيا بذلك أنه يتهجم على فطنة أهل السودان وولعهم بالديمقراطية التعددية.
ولجأت الجبهة الإسلامية القومية وعسكرها إلى محاولة التشكيك في صلاحية النظام الديمقراطي التعددي للسودان وفي أداء الديمقراطية ومؤسساتها ورموزها، وسخرت لذلك وسائل إعلامها وأقلامها ومؤتمراتها المفبركة.
ولكن الشعب السوداني بغالبيتة العظمى صم آذانه عن دعاوى الجبهة وعسكرها، وانطلق يعمل لإسقاط هذا النظام القمعي وإعادة الوجه الديمقراطي للبلاد.
لقد رأى مركز الدراسات والمعلومات في حزب الأمة إصدار هذا الكتاب مساهمة منه في إثراء الحديث عن الديمقراطية التعددية في السودان وسط الغالبية المؤمنة بها، وأيضا إخراسا لألسن المشككين من الفئة الضالة المحدودة العدد والتأثير مستعينا في هذا الهدف بالحقائق والمستندات.
وإعتمد مركز الدارسات في إصدار هذا الكتاب على وثائق وأوراق هامة خاصة بالسيد الصادق المهدي رئيس الوزراء ورئيس حزب الأمة، تكشف أسرار المرحلة السابقة، وعلى معلومات ومستندات رسمية ظل يتسلمها دوريا من ممثلي الحزب في الحكومة ومن مختلف مؤسسات الدولة.. كل هذه الوثائق والأوراق قد تم تأمينها خارج السودان بعد انقلاب يونيو لأهميتها لتنشر خلال هذا الكتاب الهام.
إن مركز الدراسات والبحوث والمعلومات الذي أنشأه حزب الأمة في عام 1985م يعتبر من إشراقات الحزب في العمل الديمقراطي لأنه محاولة لتأسيس العمل الحزبي على أساس علمي وموضوعي.
إن القائمين بأمر هذا المركز من شباب الحزب المؤهلين فكريا وعلميا قاموا لا شك بعمل مجيد ومقدر. فالتحية لهؤلاء الجنود المجهولين باسم الحزب وباسم محبي الحرية والديمقراطيةمن ابناء شعبنا الأوفياء فالديمقراطية عائدة وراجحة لا شك في ذلك.
مبارك المهدي
.
|