أحد جلساء الأستاذ محمود محمد طه
بمناسبة الذكرى الواحد والعشرين لاغتيال الأستاذ محمود محمد طه والهوس الدينى الذى تسبب فى هذه الجريمة ، أذكر أن كمال ابراهيم بدرى قد ذكر لى أنهم عندما كانوا فى مدرسة الأحفاد الثانوية فى الأربعينات أن أتى رجل جسيم وقوى الجسم قبض على بابكر بدرى وألقى به على الأرض وقام بخنقه محاولا قتله . ولحسن الحظ تواجد بعض الفراشين الأشداء وخلصوا بابكر بدرى وهو فى الرمق الأخير .
بابكر بدرى كان وقتها قد تعدى الثمانين من عمره وكان نحيلا رقيق العود قد لا يبلغ وزنه وقتها الخمسين كيلوجراما .
الشخص ذكر فى المحكمة أن بابكر بدرى كافر ويحل دمه ، وأن أحد شيوخ الاسلام قد أحل دم بابكر بدرى وهجاه بقصيدة طويلة منها .
يا ابن بدرى تأتى بعد الشيب عجبا
وقفت تقدم القسيس فينا محاضرا
والقصة أن بابكر بدرى قدم أوروبيا مسلما يتكلم العربية فى محاضرة عن الاسلام ، وهذه كانت جريمة بابكر بدرى .
وعندما ذكر بابكر بدرى فى المحكمة أنه لا يحقد على الرجل ومتنازل عن القضية لأن الرجل ضحية وجاهل ، ثار الرجل مرة أخرى وأراد أن يهاجم بابكر بدرى . أنه الهوس الدينى الذى قتل الأستاذ محمود محمد طه .
كمال ابراهيم بدري كان يحكي لنا عن الاستاذ محمود محمد طه ، و كان يكن اعجابا لا حد له للاستاذ و يدافع عنه بشده و يقول ان الاستاذ لم يطالب ابدا بترك الصلاه كما يدعي البعض .
و الان عندما اعيد التفكير افهم لماذا كان الدكتور كمال بدري متأثرا بمحمود محمد طه . فلقد كانت له اخلاق الجمهوريين . كمال كان بسيطا حلو المعشر مات في اندونيسيا في نهايه الثمنينات عندما كان يحاضر في جامعة سومطرا . و درس قبلها في نيجريا و السعوديه .
كمال كان يحب البسطاء و عندما عمل في الجزيره بعد تخرجه من الجامعه كان ينظم المهرجانات و الانشطه الاجتماعيه في تفتيش وادي شعير عندما عمل في العديت و سعد الله و شع الدين . ثم عمل كمدير لمشروع بركة العجب في النيل الابيض . و اضطر للاستقاله لاختلافه مع العم عبدالله ميرغني مدير عام المشروع . لوقوف كمال مع المزارعين ضد الاداره .
و انتقل الي مشروع جوده و وقف مع المزارعين ضد ال ابو العلا و استقال مضحيا بمكافئته . مما جعل عمنا محمد صالح الشنقيطي يغضب لتفريطه في حقه لصالح المزارعين . و صار مديرا لمشروع شاشينا الذي يمتلك الشنقيطي بعض اسهمه . و كان يقف مع المزارعين في مشروع ام هاني الذي نمتلك نحن ربع اسهمه .
عندما كان الدكتور عصام احمد البشير وزير الاوقاف و الارشاد الحالي في عداء مع النظام في منتصف التسعينات ، حورب في رزقه و كان علي وشك مغادرة السودان . فعرض منزله في الخرطوم 2 للبيع . و تصادف ان تطاول مالك البيت الذي تستاجره شقيقتي فاشترينا بيت دكتور عصام و هذا في 1998 فقال لي في التليفون ( انا يسعدني ان ابيع هذا المنزل لكم لانني قد عملت مع البروفيسر مالك بدري لسنين طويله كما عملت مع كمال بدري و هذا رجل لا يكذب ابدا ، و انا متاكد من انكم اهل ثقه مثل كمال . فعندما كنا نحضر في الاجازة من السعوديه كان كمال يصر علي ان يدفع جماركه بطريقه صحيحه و يعطي سعر كل غرض معه بامانه و لا يستمع الي لومنا ) .
و الان انا افكر لماذا كان كمال رحمة الله عليه لصيقا بالاستاذ ، فكل الجمهورين الذين قابلتهم كانوا امينين محبين للاخرين غير متسلطين و لا يشتطون و لا يعادون . الا رحم الله الاستاذ .
الدكتور كمال ابراهيم بدرى كان بسيطاً متواضعاً لا يبطره غنى ولايبخعه حزن ولا تهزه مصيبه . رسالته كانت رساله حب . ولكن لا يساوم فى حق الآخرين . ويدافع عن البسطاء أكثر مما يدافع عن نفسه . هذه القصيده قال عنها الشاعر صلاح احمد ابراهيم طيب الله ثراه . انها روعه , انها روعه . وعندما يتسع المجال سأحدثكم عن كمال ابراهيم بدرى رحمه الله عليه احد جلساء الاستاذ محمود محمد طه ولماذا كان هنالك تقارب بين الرجلين , وان فرقت بينهم المسافه .
.................................................. ........
من أروع شعر الصمود أمام البلاء صلوات ايوب . لان ابتلاءه كان بحد ذاته رائعاً وعظيماً ... والشاعر هنا يغنى اغنيه الفاجعة التى ألمت به . الكارثة الجماعية , اذ فقد شقيقته ( ابتسام ) الطالبة بالسنة النهائية بكلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم , وأكبر ابنائه ( ابراهيم ) واكبر بناته ( سوسن ) وابن شقيقه ( أمين ) فى حادث غرق مشئوم .. وبدلاً من ان يتصدع ويتضعضع الشاعر , جلس على قمة آلامه وأوجاعه ومفاجعه , ينظم نواحه هذه المرثية بصدق وحرارة وروعة .. ونحن نأمل ان يقرأها أحباب الكلمة المتوهجة ليضعوا قلوبهم بجانب قلب الشاعر , رأساً لرأس , شاكرين له هذا العطاء الجزيل ...
.................................................. ..............................................
ولكن طواها العباب
........ شعر000 كمال بدرى .......
فقدت إبتسامى بعـد ( ابتسام )
وكانت لنا البسمه المشرقـــــــة
وآشراقة العمــــر بعـــد المشيب
فخلفت الحسرة المحرقـــــــــــــة
...............
ذكرت وقد ولولوا بالخبـــر
وجاءوا بجثتها......حافية
وما زال بين الشفاه إبتسام
ولكنها بسمة هازيه
وترقد فى نومها السرمدى
يقطر منها رذاذ كثير
فأدنيت رأسى لتوديعها
وقبلتها فى حنان مثير
وأغمضت عينى .. على صورة
ستتبعنى للمقر الأخير
وافرغت فى لهفة حانية
وأرسلت فى زفرة باكيه
دموعى
شعورى
فؤادى الجريح
يشيع معبودتى الغالية
...........................
فقدت ابنتى
فقدت ابنتى
واسمها سوسن
يضئ على وجنتيها الصبا
ومن حسنها يقبس السوسن
ومن مقلتيها تغار الظبا
وأذكر ..
ان لها تسعة
من العمر
لكن كعمر الورود
وأول طفل أتى بيتنا
فأضفى على البيت كل السعود
فقدت ابنتى
وهى مثل ابتسام
تحب الجمال
وتهوى السمر
وتعشق فى النيل سحرا تراه
ويعجبها الشفق المنتثر
على صفحة النيل .. فى حمرة
يعانقه موجه المنكسر
ولكن ...
ولكن طواك العباب
وما نلت بعدك غير العذاب
يقطع منى نياط القلوب
وغير السراب ..
وغير الضباب ..
يغلف نظرتى الضاحكة
ويحجب عنى بصيص الأمل
ويملونى ظلمة حالكة
.......................
ذكرتك ..
لما أتوا بالخبر
يولول من خلفك الباكيات
وأمك فى لوعة تستعر
يعانقها النسوة النائحات
تنوح ,
وتجذب من شعرها
تعفر فى رأسها بالتراب
وتلطم فى الخد من لوعة
ومن حرقة مزقت للثياب
وبات أبوك .. الفتى المؤمن
يجرع فى الصبر كأس العذاب
نظرت ..
لهيكلها الراقد
يقطر منه .. رذاذ كثير
فأدنيت رأسى ..
لتوديعها
وقبلتها فى حنان مثير
وأغمضت عينى على صورة
ستتبعنى للمقر الأخير
........................
وجاءوا بجثتة حافية
.......................
فقدت ابنتى
وكذلك ابتسام
وسار ابن اختى بنفس الطريقة
وجاءوا بجثته حافية ..
فيا لمصيبة اختى الشقيقة
نظرت
الى الجثة الساجية
جوار ابنتى
جوار ابتسام
يقطر منه رذاذ كثير
وتبدو عليه سمات السلام
وفوق الوجوه
وجوم رهيب
وفوق الشفاه
ابتسام كئيب
ولم اجد الدمعة الباكية
لهول المصيبة
يا للشقاء
ولم احد الكلمة الشافية
فيا للسماء
ويا للسماء
فأدنيت رأسى .. لتوديعه
وهيأت نفسى .. لتشييعه
فقبلته فى حنان كبير
وودعته فى حنو كثير
وشيعته .. فى جلال مهيب
وصمت مثير
وصبر مرير
وأغمضت عينى على صورة
ستتبعنى للمقر الأخير
.......................
فتاى الاثير
......................
وعادوا
وقالوا :
عزاء جميلا
فقلت :
قبلت العزاء الجميلا
أجئتم تعزوننى فى ابتسام ؟
بلى , انهاالبرة المشفقة
أجئتم تعزوننى فى أمين ؟
بلى , انه البسمة الشيقة
وفى ( سوسن ) الزهرة المونقة
تعزوننى ؟
لقد غربت شمسى المشرقة
وكم انا من فقدهم أجمعين
شقى حزين
شقى حزين
فقالوا - بهمس : ــ
ألم يسمع ؟ ..
فكيف نسوق اليه الخبر ؟
تشجع منهم فتى خير
وقال :ــ
فتاك ..
طواه النهر
فتاى الوديع ؟!
فتاى الاثير ؟!
أيها الرب
ذلك شئ كثير ! ..
لماذا ؟ ..
وما زال فى السابعة
يذوق الردى , ويلاقى المصير
.......................
وجاءوا بجثتة حافية
يقطر منه رذاذ كثير
فقمت
ولم استطع ان أسير
صرخت
فم استطع ان اصيح
وكيف المسير ؟
وقلبى جريح
فهل أنا فى التضحيات المسيح ؟
وأحسست ,
ان فؤادى تصدع
وان اعتقادى بربى تضعضع
ففيم اختبارى !؟
وفيم اصطبارى !؟
وفيم احتمالى !؟
وفيم ابتلائى !؟
وما انا فى العزم كالانبياء
..........................
نظرت لجثته العاريه
فقبلته قبلة داميه
ووسدته راحتى الحانية
وملت على امه الباكيه
ولم استطع
كبت حزن ثقيل
فعانقتها
فى بكاء طويل
فكفوا نداءكم بالعزاء :
عزاء جميل
( وصبر جميل )
( ألا احسن الله فيك العزاء )
مصاب كبير
وفقد جليل
فهذا .. لعمرى كلام رياء
فأين الجمال ؟ وقلبى خواء ؟
وخطبى خطب يفوق الرثاء ؟
دعونى اخل لنفسى قليلاً
ابك طويلاً
وابك طويلاً
وارجع لله فى محنتى
فقد ملأتنى هماً ثقيلاً
فراحوا
وعدت الى زوجتى
وابعدتها عن سرير الصغير
وادنيت رأسى لتوديعه
وقبلته فى حنان مثير
وأغمضت عينى على صورة
ستتبعنى للمقر الأخير ... .
وسنواصـــل
التحية
شوقــى
|