وداعاً جوليا
خيّم الظلام على قاعة العرض، وأنا أتابع بقلب مثقل "وداعاً جوليا"، الفيلم لم يكن إلا مرآةً تعكس وجعنا المستور. في كل مشهد، كان هناك أنين يتسرب من بين الصور، ينبش في أعماقنا بحثًا عن جراح قديمة متجدّدة. رأينا في الفيلم وجه الحقيقة العارية، وجهًا لوجه، ولا شيء فيها يمكن للعين أن تراه جميلاً.
كل اللقطات تحكي قصصاً من أرض تبكي انفصال جزء منها، كانت العنصرية قد شقّت طريقها بين القلوب قبل الأرض، وبات الجنوب بعيداً، ليس فقط في الخرائط، بل في الروح.
"وداعاً جوليا" لا يتركنا مع ذكريات الأمس فحسب، بل يحمل على أكتافه عبء اليوم وغدٍ قد لا يأتي إلا بمزيد من التشظي. الفيلم، الذي أُنجز قبل الحرب الراهنة، يبدو وكأنه نبوءة قاتمة لما نعيشه الآن من فواجع.
نحن جيل عقود النار، ورثنا جدراناً تحكي قصص الانقسام، وتحت وطأة الوقت، تتسع الهوة وتتعمّق الشروخ، فتركة العقود السابقة تبدو ثقيلة على أكتافنا المنهكة.
ومع كل تابوت وصليب يظهر على الشاشة، كانت تقفذ من الذاكرة صورة قبر صديقنا القِس منقو زنبيري. الصورة التي نشرها (فصلئذٍ) الصديق حذيفة سليمان قبل ثلاثة عشر عاماً.
ومع تلاشي الضوء الأخير من الفيلم، تذكرت الكتابة الحارقة لصديقنا سويكت عن الفنجانين، فتنهّدتُ مُقراً بذنبي في عدم طلب فنجان قهوة ممتلئ بالمرارة التي تلائم الإحساس الذي أورثته لي المشاهد. وفنجان آخر، فارغ، يقبع هناك، شاهداً على الدموع التي وحدها كانت تكفي لملئه.