سياحة في "الكوميديا الإلهية"
بلوزة
معرض "ديڤينا دالي" - تورونتو/كندا
إسكيرت:
دانتي عبر ريشة دالي: رحلة فنية في أروقة الكوميديا الإلهية
في أيام الصبا، مرّت ملحمة "الكوميديا الإلهية" لدانتي بين صفحات كتبي المدرسية، كانت مجرد سطور لم أتمكن من اختراق أسرارها السحيقة. لكن قبل يومين، أتاحت لي الأقدار زيارة معرض "ديڤينا دالي"، حيث تناغمت ريشة سيلفادور دالي الساحرة مع كلمات دانتي العميقة. في هذا المعرض، خضت رحلة استثنائية، تعانقت حواسي مع كل لوحة وكلمة، وتنقلت بين الجحيم والمطهر، وصولاً إلى أبواب الفردوس، في مغامرة مفعمة بالعجائب والدهشة.
في كل مرحلة من هذا العمل (الجحيم، المطهر، والفردوس)، يتلألأ ثلاثة وثلاثون نشيد. وبالمثل، هذه الأناشيد تتردد في ثلاث وثلاثين لوحة أبدعها سلفادور دالي، حيث تعكس كل لوحة جوهر نظيرتها من النص، لتخلق سمفونية بصرية وأدبية تغوص في أعماق الروح البشرية وتعبر عن تقلباتها بين آلام الجحيم، وتطهير المطهر، وسعادة الفردوس.
في مدخل الجحيم بالمعرض، حيث تتوهج الأرض بألوان النار والجمر، تتدلى لافتة تنقل تحذيرًا مهيبًا: "احذر عندما تمر! اذهب، إن استطعت، دون أن تطأ رؤوس إخوتك المتألمين" في هذا المكان، تتمازج الكلمات مع الألوان، في تجلي فني يروي آلام الأرواح الضائعة في دوائر العذاب.
في ركن الجحيم، أبهرتني لوحة "المجدفون"، تلك الأرواح الهائمة في الدائرة السابعة من الجحيم، مستلقية على رمالها المحترقة. هنا، صوّر دالي عمق العقاب الإلهي لمن أظهروا استهزاءً بالله.
أما في مرحلة المطهر، فقد اختار دالي في إحدى لوحاته تصوير الشرفة الثانية، حيث تتطهر أرواح الحسودين، مكسوة بثوب يماهي حجر الشرفة، في رمزية عميقة للتواري والاندماج. هذه اللوحة كانت رحلة مجازية في أعماق الروح البشرية، تكشف عن نزعاتها وآمالها وخوفها.
وعند نهاية صالة الفردوس، حيث النقاء والخلاص، استقبلني ممر محاط بستائر زجاجية، في إيحاء رمزي لحلقات الفردوس التسعة. هنا، تحدث الفن بلغة السمو والارتقاء، داعيًا الروح للتأمل في معنى الوجود وجماله.
ومع كل خطوة خلال الجولة في المعرض، كانت مقتطفات من كتابات دانتي تنير الدرب، وفي كل مرحلة، كانت العناية واضحة في اختيار المنظمين للمؤثرات الصوتية والأرضيات التي تكمل العرض البصري ببراعة. وكانت كل لوحة رحلة غنية في أعماق النفس البشرية، تعكس صراعاتها وشوقها نحو التطهير والخلاص.
أزهري سيف الدين
..