القوة والضعف فى شخصيات الطيب صالح الروائية !!! عايد عبد الحفيظ

هايكو لا للحرب - للشاعر عبدالله جعفر !!! نصار الحاج

مصطلحات عامية سودانية !!! المرحوم فيصل سعد

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > مكتبات > جمال محمد إبراهيم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-08-2007, 09:15 PM   #[1]
جمال محمدإبراهيم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية جمال محمدإبراهيم
 
افتراضي كنيسة و مئذنة :نظرة في شعر التجاني يوسف بشير

كنيسة و مئذنة :
نظرة في شعر الشاعر السوداني التجاني يوسف بشير


التجاني يوسف بشير ، هذا الشاعر المرهف . . ! كم فارق نهج أضرابه من شعراء بدايات القرن العشرين في السودان ، و إن اقترب كثيرًا من نهج المحدثين في مصر ، و من أساليب جماعة "أبوللو" : أبي شادي و إبراهيم ناجي و أضرابهما ، وكذلك بعض شعراء المهجر من السوريين و اللبنانيين ، و الشاعر التونسيّ أبي القاسم الشابي بوجه ٍ خاص .
لكن لا أرى من بين شعراء فترة العشرينات و الثلاثينات من القرن العشرين ، في السودان ، من عبّر عن تجاريبه الشخصية فصورّها شعراً شفيفاً ، واستنطق دواخله المهتاجة ، فصاغها مقاطع تعجب ، مثلما فعل التجاني . نعم ، كتب في التصوف ، و تناول الذات الإلهية ووحدة الكون ، كما كتب عمّا جاش في نفسه ، من رحلة عذابه القاسية ، من حرّ الشكّ إلى برد اليقين . و لكن التجانيّ ، لم يهمل فيض قلبه العاشق ، فسرى منه في بعض قصيده ، مسرى لا يكاد يلحظ أثره القاريء المعجل . كنت أنا قد نظرت - بسبب من إهتمام ٍ برصد ما لحيّ "المسالمة " مقام المسيحيين في العاصمة الوطنية أم درمان ، من أثر في الفن و الشعر و الغناء في أم درمان - في شعر التجاني ، فوجدت أن للتجاني سهم بارز ، و إنْ أهمله بعض النقاد .
أدعوك أن تقرأ معي بعض أبيات من قصيدته بعنوان " الله " (1) :

فتفلت ّ من يدي و سبّحت َ بديئاً لأول ِ الأشياء ِ
أين مرقىَ سمائهِ ؟أين ملقى قدسي ّ الصفات ِ و الأسماء ِ
قال: في رقة ِ الصوامع ِ أو لوعة بيضِ ِ المساجد ِ الغرّاءِ
لم ُتشِدْهَا يد ُ الفنون ِ ولا صاغت محاريبها يد ُ البنّاء ِ
كلمات مبثوثة في الفضاءِ الرّحب ِ من ساجد ٍ ومن صلاّءِ
هي َ لله ِ مخلصات و كم تعقب بدعاً منازع الأهواء ِ
ها هنا مسجد مغيظ ٌعلى ذي البيّع ِ الطُهر ِو المسوحِ ِ الوضاءِ
وهنا راهب ٌ من القوم ِ ثوّار لِمَجد ِ الكنيسة ِ الزّهراء ِ
كلّها في الثرى دوافع خيرٍ بنت وهبٍ شقيقة العذراءِ
قلت : ما وهب ٌ في الزمان وما شأن الفتاتين بالجلالِ المضاءِ
ألحواء مدخلٌ في مجاري صُوَر ِ القهر ِ أو مجالي السماء ِ
بنت وهبٍ ماذا بها في مراح ِ الغيب ِ أو مغتدىَ عيون ِ القضاءِ
ما لعذراء ِ بالإله ِ و مَا للقُدسِ مِنْ آدم ٍ و مِن حوّاء ِ
أهو الله في القلوب و في الأ نفاس ِو الرّوحِ والدٌّجىَ و الضياء ِ
أم ْ هو ّ الله في الثرى عند عزرائيل وقفاً على قلوبِ النساءِ ؟
قال كلتاهما من النورِ تفضي بنبي ًّ من رحمة ٍ و إخاء ِ
و النبي ّ العظيم في الأرض ِ إنسان ُ السمواتِ إلهيّ الدماء ِ
صلة الأرض بالسماءِ ِوصوت الحقُّ فيها و مستهلّ الفضاءِ
لقد رأى الشاعرُ الجريءُ مظاهر التوحيد ، تتجلى َ في تنوع الخلق و المخلوقات و جماع الكون ، فرأى بنت وهب تلازم العذراء كالشقيقة ، في رؤية تشمل الكون بنظر ٍ واحد ، و لكنها أيضاً تستصحب رؤية متقدمة للتسامح بين العقائد و تعايش الأديان .
أورد الناقد السوداني د. أحمد عبد الله سامي ، في كتابه عن الشاعرالتجاني(2) ، أن قصائد ديوان "إشراقة " هي ثمان ٍ و ستون قصيدة ، أربعة و عشرون منها تدور حول الشعر الذاتي ، و يشكو زمانه أو يتحسر على ما فات أو يناجي صورا في خياله . سبعة عشر قصيدة أخرى تناولت الحب و الجمال ، ثم تسع قصائد سمّاها الكاتب شعرًا صوفياً ، و ست قصائد هي عن بعض أصدقائه ، و أربع في الطبيعة و أربع أخر في الرثاء و ثلاث أخيرة في موضوعات وطنية . و أعجب كيف أن ّ الكاتب عبد الله سامي ، لم يفطن ، وهو يعرض لقصائد الحب و الجمال ، أن بعضها حوىَ تعبيراً واضحاً وفي أبيات واضحة جلية ، عن ميل الشاعر نحو أمرأة بعينها ، ليست من دينه ، أو قد تكون مسيحية . أغرم بها الشاعر ، و ألمح إلماحاً حذراً لها ، فيما بثّ عنها في قصائده . لم تغب عن يراعه الذي يخط ّ عن خواطره العاشقة ، إشارات للكنيسة أو للرّاهب أو للعذراء أو للصوامع . ترد في قصائد كثيرة ، و لكن أوضحها تلك التي تجرأ الشاعر ووضع عنواناً لها ، ينمّ عن توقه للتسامح يجمع المسجد و الكنيسة . ذلك تراه في قصيدة سمَاها " كنائس و مساجد"(3) . للتجاني نظرات في وحدة الكون كما أبنا ، و لربّما فيها ما ألَّب عليه المعهديون(4) ، فرموه بما رموا ، من تشكيك ٍ في ايمانه ، فرأوا فيه ضعفاً ، بل و أسرف بعضهم بوصفه تجديفاً ، و ساعدهم هو بصياغات مريبة . أنظر معي كيف أورد شعراً رقيقاً ، يقطر تسامحاً و مُسالمة و اتحادا .
إقرأ معي قصيدته "كنائس و مساجد " :
درج َ الحسنُ في مواكب ِ عيسىَ مدرجَ الحبِّ في مساجد أحمد ْ
و نمت مريم الجمال وديعا ً مشرقا ً كالصباح أحوَر أغيدْ
نسلت ْ موجة ٌ إلى الدير ِ في حين مشىَ فرقد ٌ على إثر فرقد ْ
آه لو تعلم المساجدُ كم ذا أجهدَتْ بينها الصبابة ُ أمرد ْ
آه لو تعلم المساجد كم ذا خَفقتْ بينها جوانح ُ أدرَد ْ
و لقد تعلم الكنائس ُ كم أنف ٍ ُمدل ّ بها ، و خدٌّ ُمورّد ْ
و لقد تعلم الكنائس ُ كم جفن ٍ مُنضى َ و كمْ جمال ٍ مُنضد ْ
لا يخفي الشاعر تعلّقه بمن في الكنيسة ، و من غير فتاته وردية الخدود ؟ و لكن القصيدة تطفح بنظرة الشاعر لوحدة الوجود و الكون ، لا يرى من اختلاف ٍ في روح الدين عند المسيحيين و عند المسلمين ، و يريد في ذلك اختلاق الوشيجة التي تمنح حيثيات عشقه الأمان الذي يريح قلبه . .
ثم أقرأ من قصيدة: "و حيّ المحامد"(5) ، هذه الأبيات ، تجد صوراً مستلهمة عند التجاني ، من واقع ماثل حوله ، ويفصح تلميحاً متواتراً عن شواهد مسيحية ، لكأنه يقصد أن يبث فيها رسالته للمرأة المسيحية التي يحبّها :
كمْ ضرعنا إلىَ الذي فرض الحجَّ ليرعاك َ من صروف ِ زمانِه ْ
و ابتهلنا إليه ِ ملء أيادينا و كل ّ دعاء ٍ بمل ء ِ جنانهِ ْ
فكأنما إذا ارتحلت دعاء ٌ مرسل ٌ للمسيح ِ من ُرهبانهِ ْ
أو كأناّ تسبيحة ٌ في فمِ ِ الناسك ِ تجري على َ مُتون ِ لِسانهِ ْ


كان التجاني ينطق عن بيئة يعرفها و تعرفه . نشأ في "حي العرب"المتاخم و المتداخل مع "حيّ المسالمة " ، و ليس بعيداً من السوق الكبير في "أم درمان" ،عاصمة السودان الوطنية ، حيث التجارة يديرجلّها نفرٌ جليل ٌ من الشوام ، لبنانيين(معلوف وكفوري وآخرين. . ) ثم سوريين ، و بعض أقباط من مصر و هنود ممن استقرّوا في البلاد ، شرقيّها و غربيّها ، شمالها و جنوبها . كثيرٌ منهم مسيحيون بطوائفهم و أفرعها العديدة : روم أرثوذكس و أقباط أرثوذكس و كاثوليك ، بكنائسهم و أبرشياتهم . حين تعلم الشاعر التجاني يوسف بشير الكتيابي الالكتابة والقراءة ّ وهو طفل ، تعلمها في "خلوة" أهله " الكتياب " ، أو هي روضة الأطفال يديرها عمّه في "حيّ العرب" المجاور للحي المسيحي "المسالمة" . أما لمّا أعتّلت صحته ، و هو في عشريناته ، فقد هرع به أهلوه ، إلى مستشفى " الإرسالية" في أم درمان ، على مقربة من "حيّ العرب" . ذلك مستشفى ً يديره رهبان الكنيسة ، لا سعياً لإنفاذ أجندات تنصير ٍ خفية ، بل خدمة لأهداف ٍ إنسانية محضة ، توجّس منها من توجّس(6) . ما كانت سنوات الثلاثينات من القرن الماضي في السودان ، خالية من توجّسات شبيهة ، فقد شهدتْ سنوات تلتْ ذلك ، سياسات المناطق المقفولة التي اتبعها الإستعمار البريطاني ، و هي بذور الفتنة تزرع في غفلة ، ثم ترعاها القوة الباطشة حيناً ، و الترغيب الأملس أحايين أخرى . الجنوب صناعة إنجليزية ، و لكن أنظر معي : " المسالمة " تجدها صناعة سودانية بحتة . . قبل سنوات الثورة المهدية و بعدها أيضاً ، لم تهمل حكومة الخليفة عبد الله التعايشي ، منتصف ثمانينات القرن التاسع عشر و حتى نهايته ، أمر " المسالمة" . نما الحيّ و تعايش سكانه مع سكان الأحياء المجاورة في "حي العرب " ، و الخور الفاصل مع "حيّ العمدة" و "حيّ السوق " و"حيّ الركابية" و أطراف من "حي ّود أرو" و "حيّ ود نوباوي " و "حي البوستة" . بين الأسر المسلمة ، ثمة أسر عديدة مسيحية : أقباط أرثوذكس ، وروم أرثوذكس ، و كاثوليك ، من سوريا و لبنان ، وأسر ٍ يهودية و هندية و أرمنية ، ولكنهم ظلوا سودانيين ، على سودانيتهم المكتسبة أباً عن جدّ ، و ما نفّرهم عن البلاد الآن ، إلا جنوح بعض سياسيينا لفرض سياسات التأميم الإقتصادي الخرقاء، ثم سياسات التهميش المريبة من بعد ، فغادر من غادر و بقي الكثير ، لا يبرحون المكان الذي آواهم وأجدادهم السابقين . هنا نشأ التجاني في تلكم السنوات البعيدة . هنا كان يرى بأمّ عينيه التعايش بين ملل ٍ و نحل ٍ ، تكاد تفرّقها السحنات و العقائد أول وهلة ، و لكن يجمع عقدها روح الإخاء الإنساني ، روح التسامح تسري من فوقهم ، مثل غيمة تلقي بظل ٍ يحمي من هجير إختلاف شكلي و تنافر جزافي . لو بلغ النظر مراميه العميقة لاستبان للرائي ، مثلما استبانت للشاعر التجانيّ ، تلك الوحدانية تشمل الكائنات من حوله . ليتك تقرأ معي قصيد التجاني الشهير بعنوان " زهى الحسن "(7):
لا تثأري مِن فؤادِي كفىَ بدمْعِيّ ثارا
حَسْبيَ افتئاتاً تجنّيك ِ نفرة ً و ازورارا
آمنتُ بالحُسن ِ بَرْداً و بالصّبابة ِ نارا
و بالكنيسة ِ عقْداً ُمنضداً مِنْ عَذارىَ
و بالمَسيح ِ و مَنْ طافَ حَوْلهُ و استجَارا
ايمانَ مَنْ يَعبُدَ الحسن َ في عيون ِ النّصَارَىَ
* * *
لقد بلوُتكَ يا حُسنَ كبرة ً أو نفارا
وَقدْ خبرُتكَ يا ثغْرَ بَسْمَة ً و افترارا
و قد عهدّتكَ يا جفنَ مِنصلاً جباّرا
نَشدّتكَ الحُب ّو اللّهوَ و الدّموع َ الحِرَارا
ألاَ اطّّرحْت َ زُهىَ الحُسنِ ِ و ادّكرتَ الجِوارا

و لكن من تكون تلك الأنثى التي تعلق بها الشاعر ، مقيمة في الجوار ؟ لا يقول لنا من أرّخ للشاعر ، بل فات عليهم أن يلتفتوا لهذه الناحية عند التجاني . لم يكن يتوفر للشبان مخالطة مع النساء ، ناهيك إن كنّ من سحنات و عقائد مختلفة ، و أجنبيات غريبات عنه . كان التجاني يدرك أن تطلعاته العاطفية مردودة ، و لن تمضي به و بقلبه ، إلى الغايات التي يحلم بها . في ذلك المجتمع الذي لم تتسع فيه حركة التعليم ، أو ينداح خلاله الإنفتاح المعافى على الآخر المختلف ، لن تتحقق مثل تلك الطموحات العراض، أو تتنزل على الواقع الماثل . برغم دعائم التعايش و شيوع التسامح ، على أفق ٍ من الفهم المحترم للإختلافات الإثنية و التباينات العقائدية ، إلاّ أنّ خطط التجاني ، تبقى خططاً لا تبرح خياله ، و لا تغادر خط يراعه . في قصيدة "طفرةُ ساحر"( 8) يقول :
يا " هذه " عمرك ِ اللهَ َهلْ سَمعت ِ بِقيْس ِ؟
فتىً يُقيم ُ بجنبيَ بينَ سهم ٍ و قوْس ِ
رمته ُ ليلىَ بجنبيك ِ و استعاذت ْ بترس ِ
و أنت يا ابنة َ لبنان تعبثين َ برأسي
كفاك ِ سِحراً و حَسْبي مَا قدْ لقيت ُ و بسّي
إذن فصاحبنا قد علق فتاة لبنانية ، أفصح عنها بأوضح عبارة : إبنة لبنان ! و لعلي أقرأ كلمة "بسي" في آخر عجز البيت أعلاه : "بؤسي" ، فهي أصدق تعبيرًا عن حالة الشاعر العامة ، يحيط بها الإحباط من كل ناحية ، لا هو حقق مراميه في التعليم ، و لا هو امتهن مهنة تعود عليه بالرزق، و لا صحته ساعدته للإقبال على الحياة بحماس . و يورد الناقد المصري د.عبده بدوي ، كيف أن التجاني ُأغرِم بالحسن و الجمال الأجنبي (9) ، و الإشارات كثيرة مبثوثة في قصائده الوجدانية .
و لكن هل هي مسيحية ، في ترائبها صليب ؟ إقرأ معي قصيدة "من هنا و هناك " ، كيف صاغ التجانيّ شعر اً يستعجب فيه من قلبه ، يتعشق الجمال عند الغرباء(10) :
عجيبٌ أنت يا قلبي فكمْ ذا يهيب بك َ الجمال ُ فتستجيب ُ
يظل ّ بك الهوىَ فرحاً و تبكي فتشرب من مدامعك القلوب ُ
ترود بك الصبابة ُ كلّ يوم ٍ مجاهل َ كل ّ آهلهُا غريْب ُ
و جن ّ بك الهوى َ فهُنا غريرٌ علقت به ِ و من هنّا حبيب ُ
و تلك َ و في معاصمها سوار ٌ و ذلك في ترائبه ِ " صليبُ "
يرف ّ عليه من بطر ٍ و نُعمىَ معالمُ كلّها أرج ٌ و طيْب ُ
ثم هو يصف كيف تستقبل محبوبته الملهمة ، فصل الربيع ، و تلك من عادات و تقاليد اللبنانيين و السوريين ، لا يلتفت السودانيون كثير التفات لربيع لم يألفوا علاماته ، في طقس ٍ لا يريهم إلا الحرّ الزؤام ّ! و لكن ذلك لا يحوجنا لإنكار هذا النظم من التجاني ، وعينه على محبوبته الشامية ، تحتفل بمقدم الربيع . ترى هل نعيب على شاعر سوداني مسيحي ، مثل صالح بطرس، وقد عاش في "أم درمان " زمن التجانيّ ، قصيدة ينظمها في الإحتفال بمناسبة رأس السنة الهجرية (11) ؟ قال التجاني ّ لمعشوقة تحتفل بمقدم الربيع :
جئت تستقبل الربيع و تستنشي عبير الحياة من آذارِه
مارّ من حولك الشباب و كل ّ مخلّد للجمال ِ في إكباره
عبدوا وجهك النضير وجاؤوا ينشقون الأريج َ من أزهارِه
دلفوا يقرأون عذب المراسيم ِ و آي الهوىَ علىَ آثارِه
غمروا بالحنانِ روحك و استنز فت قلبيَ إليك من أغوارِه
شباب و أزاهير في شهر الربيع ، و عذب المراسيم و التراتيل في كنيسة ضمت المحبوبة بين أترابها من بنات الشآم ! هذا مما جاء في قصيدة " من أغوار القلب" (12) .
ثم من قصيدة : " نفسي " (13) يقول التجاني ّ :
هيَ نفسيَ إشراقة ٌ مِن سماءِ اللهِ تحبو مع القرون ِ و تبطي
موجة كالسماءِ تقلع من شطٍَ و ترسي من الوجود ِ بِشطَِ
خلصتْ للحياة من كل ِ قيْد ٍ و مشتْ للزمان ِ في غير ِ شرْط ِ
كلما اهتاجها الحنين ُ استظلتْ بحبيبين ِ من يهود ٍ و قِِبْط ِ
لا يقف الشاعر في حبّه إذن ، على فتاة ٍ واحدة ، مسيحية ، بل ألمح إلى استظلاله بفتاة يهودية أيضا . و الغريب أن أسرًا يهودية عريقة ، خالطت أنسابها أسراً سودانية مسلمة ، و منذ سنوات بعيدة ، أكثر مما ُيرصد من تزاوج بين مسلمين و مسيحيين في " أم درمان" ، على ما شهدت ْ المدينة من سموّ في علاقات التسامح بين سكانها المختلفين ، سحنات و عقائد . .
شعر التجاني شهادة لأم درمان ،عاصمة السودان الوطنية ، كيف قويت ْ فيها شوكة التسامح ، و استطالت بنياناً شامخاً ، شموخ برج بلدية أم درمان العريق . لا أزال أذكر في طفولتنا نتسابق عدواً على الدرج الداخلي للبرج ، ونصل إلى السطوح ، نجيل البصر مبهورين بنظرة "عين الطير" ، للمدينة الحبيبة بمبانيها القصيرة ، لا تسمق عالية ً تلاقي أبصارنا الغضة ، إلا مئذنة جامع أم درمان العتيق ، و قبة كنيسة القديسين في "المسالمة" ، نكاد نلمح جرسها الضخم من سطح برج البلدية . لكم كان التجاني صادقاً مع ما رأى بعينه ، و ما رأى بقلبه الشاعر . .
هوامش:
(1) التجاني يوسف بشير :ديوان إشراقة ، دار البلد ، الخرطوم ، 1999.
(2)د. أحمد عبدالله سامي : الشاعر السوداني التجاني يوسف بشير ، دار الثقافة ، بيروت لبنان ،1970 .
(3) التجاني يوسف بشير ، مرجع سبق ذكره، ص 57 .
(4) التجاني يوسف بشير ، مرجع سبق ذكره، ص85 .
(5)معلمو وطلاب معهد أم درمان العلمي (الإسلامي ) في ثلاثينات القرن الماضي والذي تطور فأصبح الآن جامعة أم درمان الإسلامية
(6)د.حسن مكي: المشروع التنصيري في السودان، المركز الإسلامي اففريقي في الخرطوم ، شعبة البحوث و النشر ، إصدارة رقم 11 ،1991 .
(6) التجاني يوسف بشير: مرجع سبق ذكره، ص 58 .
(7) التجاني يوسف بشير ، مرجع سبق ذكره ص33.
(8)د.عبده بدوي:الشعر الحديث في السودان، ص 662 .
(9)د.عبده بدوي : المرجع السابق .
( 10) التجاني يوسف بشير ، مرجع سبق ذكره، ص 55 .
(11) التجاني يوسف بشير: مرجع سبق ذكره، ص 140 .
12 ) التجاني يوسف بشير: مرجع سبق ذكره، ص 153 . )



التوقيع: http://sudanyat.org/maktabat/gamal1.htm
مكتبة السفير جمال محمد إبراهيم
جمال محمدإبراهيم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 25-08-2007, 11:18 AM   #[2]
ريما نوفل
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

سعادة السفير جمال

قرأت الدراسة الجميلة في مجلة "نقد" وأهنئك عليها.. بل أهنئكم بالشاعر التجاني.. هل يكون يوماً أحد المواضيع الأساسية في مجلة "نقد"؟
للاخوة الاعزاء أحب أن أضع في متناولهم هذا الرابط:

http://www.jehat.com/Jehaat/ar/3elaj.../naqed2007.htm

الموقع الأساسي هو "جهة الشعر"، موقع ثري بحق. وهو الناشر الالكتروني لمجلة "نقد" الشعرية، وهي مجلة حديثة تصدر شهرياً في بيروت، وهي أشبه بكتاب. تخصص كل عدد لشاعر معين وتنشر تعليقات حوله وحول الشعر عموماً.
العدد المنشور في هذا الموقع هو الخاص بصلاح عبدالصبور، وسبقه عدد خصص للشاعر اللبناني بول شاوول. العدد الثالث الذي لم ينشر الكترونياً بعد هو عن محمود درويش، عدد موفق ومشغول جيداً ويتضمن مساهمات عالية المستوى من ضمنها الدراسة التي نشرها سعادة السفير..
بالتوفيق دائماً سعادة السفير، وسعيدة أن السياسية لم تبعدك عن الشعر.
ريما



ريما نوفل غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 25-08-2007, 12:49 PM   #[3]
امجد محمد الامين
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

[/size][/size]
لقد رأى الشاعرُ الجريءُ مظاهر التوحيد ، تتجلى َ في تنوع الخلق و المخلوقات و جماع الكون ، فرأى بنت وهب تلازم العذراء كالشقيقة ، في رؤية تشمل الكون بنظر ٍ واحد ، و لكنها أيضاً تستصحب رؤية متقدمة للتسامح بين العقائد و تعايش الأديان .
[/size][/QUOTE]


الاستاذ جمال

لو كنا نعي قيمة الانسان فينا لملانا الارض
ضجيجا وصخبا بالتجاني وشعره وفلسفته وذكراه
لقد كان التجاني متفردا في ذاته
عاش حياته القصيرة متاملا في الوجود ومكنوناته
فيلسوفا متارجحا بين الشك واليقين
مؤمنا عابدا متصوفا متشحا بخلاصة التوحيد.
لا نختلف ان قلنا ان حبه للجمال قاده لذلك ....
او ان روحه المتمردة الباحثة عن الله هي التي قادته لذلك.

ما اشبه التجاني بابن عربي والحلاج وما اقربه الى جبران والاخرين...

لقد تجاوز التجاني بايمانه مرحلة التسامح والتعايش بين الاديان وارتقى بها الى مرتبة وحدة الاديان
ولن تستوي (حياواتنا) الا بهذه الاخيرة

تحياتي



التوقيع: [frame="1 80"]لن تبصرنا بمآق غير مآقينا
لن تعرفنا مالم نخبرك فتعرفنا
أدنى ما فينا قد يعلونا
فكن الادنى تكن الاعلى فينا

الفيتوري
[/frame]
امجد محمد الامين غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 27-08-2007, 06:31 PM   #[4]
omrashid
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

سعادة السفير

بصراحه عندما اجد احدي مواضيعك --اقرا العنوان --واجري للمطبخ لاحضر قهوتي --اجلس علي كرسيي المفضل في ذلك الركن من غرفة المعيشه استبدل الكمبيوتر بي ال لاب توب

واسترخي تماما --

تنقلنا دائما الي عوالم اكثر اشراقا

لك الود



omrashid غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 27-08-2007, 07:33 PM   #[5]
جمال محمدإبراهيم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية جمال محمدإبراهيم
 
افتراضي

للأستاذة ريما والأستاذ أمجد والدكتورة أم راشد ، تقديري العظيم لكلماتهم التي اصطافت على بلاج مقالتي .. فزادتها حلاوة ودفئا ..

ألا ترون أننا نكاد في معمعة الجنوب ودارفور ، أن ننسى أن لنا كبارا مبدعين ، سطروا إسهاما لا ينكر في الأدب العالمي ، بكل المقاييس ، ومنذ سنوات قديمة في القرن العشرين ؟؟
... ترى هل يتذكر أبناؤنا التلاميذ أبياتا من شعر التجاني أو هل تهتم مناهج اللغة العربية بالغوص في شعره البديع ؟ ؟

التجاني يوسف بشير : إسم ينبغي أن يخلد في ذاكرة الشعر العربي .....



التوقيع: http://sudanyat.org/maktabat/gamal1.htm
مكتبة السفير جمال محمد إبراهيم
جمال محمدإبراهيم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 13-12-2011, 02:09 PM   #[6]
مبر محمود
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

اقتباس:
كم فارق نهج أضرابه من شعراء بدايات القرن العشرين في السودان ، و إن اقترب كثيرًا من نهج المحدثين في مصر ، و من أساليب جماعة "أبوللو" : أبي شادي و إبراهيم ناجي و أضرابهما ، وكذلك بعض شعراء المهجر من السوريين و اللبنانيين ، و الشاعر التونسيّ أبي القاسم الشابي بوجه ٍ خاص .
تحيّاتي أستاذ جمال..
لكَ وللتجاني المحبة وكذا الإحترام
والحديث عن التجاني هو حديث عن عبقري لغة ومعنى قلّ أن يجود الزمان بمثله..
أقول هذا وفي بالي حركة النقد الأدبي السوداني وهي في مهدها، إذ درج النقّاد الكلاسيكيين على مقارنة التجاني برصفائه في مصر وبعض البلاد العربية الأخرى، وهم طبعاً يفعلون ذلك من باب التقدير له والإحتفاء به وفقاً لما يملكونه أنذاك من أدوات نقدية وبحثيّة، وهي أداوت في رائي كانت ضعيفة وإنطباعية وقائمة على المقارنات الغير علمية وغير دقيقة. أدوات غارقة في الإفتتان والإنقياد لثقافات عربية أخرى تعتقد فيها الكمال والمثال الذي يجب أن تقرأ الكتابات السودانية وفقاً لها.. فعلوا هذا مع معاوية محمّد نور، ومع الناصر قريب الله، وها هم يفعلوه مع التجاني، وفي ذلك من الحيف شئ عظيم.

إن مقارنة المبذول الأدبي للتجاني مع جماعة أبوللو فيه ظلم كبير للتجاني ولعبقريته، وتشبيه أشعار التجاني بأشعار الشابي فيه ايضاً ظلماً كبير لأشعار التجاني، فالتشابه بينها ينحصر فقط في التضاريس الحياتية التي عاشاها -التجاني والشابي- ولا شئ أخر.



مبر محمود غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 12:31 PM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.