(01)
من أجمل صدف الحياة أن تتقاسم الحجرة مع أحد المهتمين بعلم النفس والاجتماع ، فقد واتتني الفرصة التي فتحت لي نوافذ على الشواطئ الأخرى من التصرفات البشرية وتكهناتها في ميناء راس لانوف الصحراوي و المطل على خليج سرت في ليبيا.
حملتني الصدفة يوم أن توقفت سيارة مرسيدس أمام المحل الذي أديره في مدينة سرت، هذا المحل متخصص في كتابة اللوحات والإعلانات، وبعد أن كسد المحل من جراء قلة الزبائن واستهدافه من مجموعات اللجان الثورية التي كثيرا ما تطلب مستعجلة 100 أو 250 متراً مخطوطة بشعارات اليوم الأسود الذي اختطف فيه الليبيون إلى جزر إيطاليا، أو يوم قيام سلطة الشعب، ثم ترمي لي ورقة مبين عليها استلام تلك الكمية وأن اللجان هي التي تحدد قيمة العمل ومتى إن شاءت تدفع! بعد أن كسد المحل .
إبانئذ كنت في طريق ذهابي وإيابي أمر على محل إعلانات لشخص سوري متخصص في تزيين سيارات الأعراس ، وللحق رغم موسمية الأعراس في العالم كله وليس ليبيا فحسب فإن محله عامر بالسيارات العرسية. ساورتني فكرة تغيير المحل إلى مزين لسيارات الأعراس، وكانت كل لوازم الزينة لا تتجاوز قيمتها 25 ديناراً شاملة الملاصق والشرائط الملونة والمزركشة وقد أدخلت عليها الألوان المائية لسهولة إزالة عبارات التهاني والرفاء بعد انقضاء المناسبة ، ثم واصلت في تزيين السيارات إلى أن حطت تلك السيارة المرسيدس أمام المحل ونزل منها شخص أقرب إلى الأرض ومعه موظف العقود المشهور في أمانة تعليم سرت وهو محمد الأمين.
بادرني القصير بعبارات كسر الحواجز و الإشادة، وبعد تبادل مفردات التهكم بالسودانيين والليبيين على السواء ، أشار لي زميلي محمد الأمين أن هذا هو العجيلي أمين التعليم في منطقة راس لانوف النفطية وهو بدروه في حاجة لأستاذ مثلي، وبعد أن عدد لي أسباب الترف والرفاه في ثكنته الثانوية ،وأن المدرسين يتم ترحيلهم بواسطة سيارات خاصة وسكن خاص ومأكل خاص ومدرسته أقيم فيها المؤتمر المغاربي الثاني وهي أعظم مدرسة جنوب البحر المتوسط، وأنه يعدني بكامل الرفاهية من ميادين الرياضة المتنوعة وحتى المريسة! أعلمته أن سبب تركي هذه الوظيفة لعدم الوفاء بشروط العقد حيث يتوجب تحويل نصف الراتب إلى الخارج بينما العقد المطبق هو عقد معاملة العرب الليبيين الذي لا يسمح لك بحمل راتبك أو إبداله إلى عملة صعبة، وعدني أمين التعليم بعقد مغترب وتواعدنا على تسليم المحل لصاحبه ومرافقته إلى رأس الأنوف ولسان حالي يلوك مقطع المحجوب:
الناس مرقدها النهود
ونحن مرقدنا الأنوف
لو كنت تدري ما الأنوف
طويت الفراسخ بالألوف
هنا كنت على موعد مع القدر و الأستاذ جعفر ضحية، وهو من أبناء امتداد ناصر أستاذ في علم النفس والاجتماع والذي غيرت اسمه إلى جعفر الضحية وذلك لوقوعه ضحية إهمال لمدة عامين لم يصرف فيها رواتبه حتى تغيرت سحنته و نفسيته، حيث تقاسمنا السكن لعام كامل.
التعديل الأخير تم بواسطة آدم صيام ; 02-05-2009 الساعة 06:15 AM.
|