نواصل
كما ذكرت عدت من الاجازة محبط ومفلس...... القريشات سرعان ما انقطع دابرها..... مع نهاية اغسطس توجهت لشؤون الطلاب ربما احصل على بيرسرى وفشلت فى ذلك لان شروط منحة البيرسى لا تنطبق على حيث ان والدى حى ويمتلك عملا ولى اخ موظف....
فى ذلك الحين احتدم الصراع فى جنوب السودان فقررت حكومة عبود طرد جميع الارساليات الاجنبية التى كانت تدير المدارس الكنسية فى الجنوب وجبال النوبة واحلال مناهج سودانية ومدرسين سودانيين محلهم ونشرت الصحف اعلانات عن وجود وظائف مدرسين.....
لم اتردد....ذهبت الى عمادة الطلاب للسيد المسجل لطلب اجازة اكاديمية لمدة عام فوافق السيد المسجل واشار على بالحصول على موافقة عميد كلية العلوم آنذاك بروف عمر محمد عثمان(زاملته فيما بعد فى الجامعات الجزائرية) فتم لى ذلك
توجهت الى وزارة المعارف وتم تعيينى فى الحال بمدرسة كاتشا بجنوب الجبال....حدد لى يوم السفر وصرف لى مرتب شهر مقدم
غادرت الخرطوم فى اكتوبر 1961 فى القطار التقيت بصديقى من الدفعة التى خلفنا فى بورتسودان الثانوية عبدالله عبدالرحيم شايقى من خيار الناس توطدت علاقتنا وتقاسمنا العيش فى بيت واحد طوال فترة وجودى بكاتشا
انطلق بنا القطار نحو الابيض فى مغامرة مجهولة النتائج
توقفنا فى كوستى وتمتعنا بوجبة فاخرة من سمك البياض ثم توجهنا غربا عبر سهول كردفان الخضراء-----كردفان الغرة ام خيرا جوه وبره ...الدنيا آخر خريف وعلى مدى البصر امتدت مزارع المحاصيل والناس تكدح فى الحقول لوحة فنية طبيعية خلابة تسحر الابصار وتبعث السرور فى النفوس.....تندلتى ببحيرتها وام روابة الخضراء حتى وصلنا الابيض حيث استقبلنا موظف من مكتب تعليم المديرية اخذنا الى الاستراحة الحكومية واخبرنا اننا لعدة ايام سنبقى بالابيض حتى يسلك الطريق الى جنوب الجبال بعد الخريف
قضينا ايامنا فى الابيض فى التعرف على المدينة وسكانها وسرعان ما تعرف علينا بعض اهلى من اسرة هبود وابو سنينة رحبوا بنا و اصروا على استضافتنا فى بيوتهم.... ظاهرة الترحاب والكرم هذه تكررت معنا فيما بعد من قبل اهل الشمال فى كادوقلى بل فى اقاصى
الجبال البعيدة ......حقيقة ان الدم يحن ...
وجاء يوم السفر نحو الجنوب ....انطلق بنا اللورى البدفورد التجارى ....حتى الدبيبات كان الطريق سهلا وعند اقترابنا من الدلنج بدأت تظهر فى الافق الجبال ....توقفنا فى الدلنج لفترة قصيرة لنتزود بالماء والطعام ثم انطلقنا وكلما تقدمنا نحو الجنوب ساء الطريق..... فى منتصف الليل توقفنا للراحة وفى الصباح واصلنا والطريق من سئ الى اسوأ الى ان حلت الكارثة عند عبور احد الخيران ...انكسر
الكرانكشافت ولا بد من استبداله وكان علينا ان ننتظر عربة قادمة من كادوقلى لكى يستغلها المساعد للدلنج لجلبه وهكذا امضينا ثلاثة ايام فى خورنا ذلك انقطع فيه كل مخذوننا من المياه النظيفة ولم يبق لنا خيار الا ان نلجأ الى تناول عبارا من المريسة من سكان القطاطى القريبة يطفى عطشنا...لان الماء النظيف معدوم هناك....
|