نحن و النقود
نحن و النقود
تجليات مشاعرية اقتصادية
اكاد اعترف ، بل اكاد ان اجزم ، بأن السودانيين اكرم خلق الله طرا، اكرم الخلق يحتازون أنفة و خيلاء، كبار نفوس حين يتعلق الأمر بالعطاء ، حتى اصبحت كلمة ( جلدة) و هى كنية البخيل ، سبة يفر منها الخلق فرارهم من الأنقاذ و جلاديها ، يقدم الرجل فى سبيل تفادى حبائلها اللزجة على مايشبه الأنتحار الأقتصادى و الخراب الذاتى لا يملك حيال سطوته دفعا سوى التعلق بأستار ملجأ وهمى اسميناه ( يا زول مافى عوجه)!! و التعلل بسلوى الجاتك فى مالك سامحتك. غير ان المحير فى كل هذه الملحمة الأقتصادية ان نفس السودانى الذى يمنحك كل عزيز و غال فى حوزته دون تردد، لا يتردد عن القفز بالشباك و الزانة ان طالبته بدفع دين عليه!!!
و يجوز له ان ( يحرد) و ( يحرن) و يتغاضب و ( يحمبك) و ( يشيل حالك) وحده، ان طالبته مرةناولك شيك ( بجيك يا زول) ، الغير واجب السداد الغير معتمد تماما ، فأن طالبته مرة أخرى اصفرت ابتسامته و ابرز لك من انياب المقت ووصفك ( بالشفقان) و أكد لك مالم تكن تعلمه من علم بأن الدنيا لا و لن تطير حتى و لو اتت مطالبتك له بعد عشر سنين ، ثم و انك تتحول بقدرة قادر من دور الضحية الى لبوس رداء المعتدى ؟؟ ثم اذا بك مشفق على ذاتك و ذوات ذويك من قذيفة ( الجلد) ان تسقط فى عمق تاريخك الناصع البياض فتشينه الى ابد الآبدين بقعة لا سبيل الى جلاءها.
و برجوعنا الى وثائق تاريخ السودان منذ ان اتخذ الأنسان الكتابة وسيلة للتوثيق و التعامل الراقى فما وجدنا ملاحم اندروكليس و الأسد و لا قصة اورلاندو الغاضب و لا ما يشبه نشيد الأنشاد ، و لكن عوضا عن كل ذلك عثرنا على اطنان من الأضابير تسد عين الشمس من عظم ضخامتها و تملا دجلة حتى يفيض ، كتب على اغلفتها جميعا كلمتين..( دفاتر الجرورة) .. فأهتدينا من خلال قراءة لأدب و غناء القرن الماضى الى عظم الكلمة الأجتماعى ، هذه الجرورة التى تفشت فى علاقاتنا و مشاعرنا الجمعية حتى صدح مغنينا ( باقى العمر عليا دين...) مبتدءا بميلودية ( ما بقدر اقول ..و ما قادر اصرح؟؟؟)..فيا صاح نحن قوم ( حكومة و شعبا) نمحضك الحب حتى ( تغلط) و تطالب بحق ، حتى البنك الدولى اذا سأل عن ماله المستحق السداد ، هتفنا فى وجهه الذى لا نراه ...لن يحكمنا البنك الدولى، و من قال انه سيحكمنا؟؟ السنا سنحكم الى ابد الآبدين طالما ظل بيننا جياشة؟؟ طيب شنو؟؟ اليس من المعقول ان نهتف..لن يحكمنا الذين اغتنوا من المال الذى تسلفوه بأسمنا من البنك الدولى...جملة غير هتافية..معليش .
و قد قدر لى ان استيقظ باكرا على بعض حقائق الأشياءالمشاعرية الأقتصادية ، فأسرتى بعيد رحيل والدى ، اتجهت للتكسب الى وجهة ما نعرفه فى السودان بالأعمال الحرة ، تاجر اهلى فى المطاحن و الغلال ، فالتف حولنا خلق كثير اسميناهم الزبائن ، بناء على فروض نظرية العرض و الطلب ، و لكنهم كانوا فى واقع الأمر اهليات و بلديات و جيران و ناس بيت حسب نظرية ( النتويرك ) السودانية ، و التى لا يجوز فيها لسودانى دفع اجر لعمل يقوم به سودانى آخر!! و ان كان لا بد فالشحططة جزء لا يتجزأ من الأجر ، ثم ان كل الفجوات فى منزلنا سدت بدفاتر الجرورة القائمة على فرضية ( أسمك مكتوب ..كأنك دفعت) بعد تلاوة و مباركة تلمود الحساب ولد!! فأذا بنا نستدين من الأدارة المركزية للكهرباء و من تجار الغلال فى القضارف و حتى حجر عسلاية ، و الأدارة تستدين من الحكومة المركزية و التى استدانت الحكم من الحكومة المنتخبة و التى تستدين لحماية نفسها من كل ضابط يود ( سحبة ) فى عربة الرئاسة و المكتب البيضاوى ، و الجميع يستدينون من جهات لا نعرفها و لن نعرفها ، و غرق اهلى فى فيض الدعوات الصالحات و كم من امراة اقسمت بانها شهدت امى فى منامها (لابسة ابيض ) و عليها نور ( اها قلت ليهم الراجل اب دقن بيضا ده منو..) و تفرح امى بمشهد الرسول معها و تستدين للذهاب للحج ، كل ذلك فى سبيل ملوة ( وزن عشرة) ، و غرق السودان فى فيض الحروب و النزاعات و موازنة الميزانية ، و الأختلاف و الأئتلاف، فأستدنا الأفكار و الأطروحات و الأيدولوجيا و خلطنا الديون فى قدور ثقافية سلفية ضخمة اوقدنا نارها بدفاتر الجرورة ، بهار ثورى و قدحة اسلامية و بعث و طهران فى آن معا ، و جميلة بوحيرد و مرسيل خليفة و على المادح ، و قاذفات اللهب و طرمبة شل ، و يا راحلين الى منى ، و النميرى عاد جدليا ، ثم اختلفت البلابل و بشير ، و مواقيت الحج و العيد ( سبت ولا أحد) ، و نحن نستدين و لا نرد الدين ، و نزداد كرما على كرم ( النعيم ود حمد) ، يولد الطفل عندنا و هو مدان امام اجهزة العالم المصرفية ستمائة دولار (حسب احصاء الثمانينات) ، و لكن الحياة تمضى ، تستمر ، استمرارية مشى الحافى على ( الضريسة) .
و حتى تنام اعيننا دون ان نحل ديننا ، توسلنا بأختراع القعدة فنمنا حتى ظهر الغد التالى ، و استدنا ( الباغه) تملأ بالميثانول شرابا هاريا و غنينا القطار المر...ثم اكملنا اركان الأسلام بالحج و الزوغة تماما كما كنا ندخل السينما بالدين من خرم الحائط جهة المحطة ، و دار الرياضة بخلع الطوب و ارتجال سلم للتسلق حال غياب السوارى ، ثم اننا نسافر الى كل الأقاليم على ظهر عربات القطار ، فكأنما ظهر القطار جزء لا يمت الى القاطرة و لا وزارة المواصلات بسبب يحل لها تقاضى اجر ..ثم دخل بعضنا الجامعات العريقة من خروق الأمتحان المكشوف أو منفذ الشهادة العربية!!و ابتعث البعض الى خارج البلادمن خلال ثقوب الولاء الطائفى و اللأسرى و القبلى و بعض امور مشبوهة متعددة.
الا انه و الحق يقال فأننا نقوم بسداد ما علينا من دين اللغة ، فنحن نتونس يا رجل ، نرد لك دينك من من الحكى بدل الصاع صاعين ، من الحكى و السباب و ( لفح الأخبار) ، فبينا لافحون لا مناص ، ما حلت مصيبة بأحد و الا لفحوها و جابوالكلام و زادوه حبة ، و توجو المصاب منا بتاج الملك لير!! و ذكروا المآثر حتى وددنا لو ان امواتنا بعثوا من قبورهم كالعازر..سوى ان المسيح يجىء آخر الزمان..
كم تبقى لذلك؟؟؟
و لكننا برغم كل ذلك كرماء حد الكرم.
تاج السر الملك
|