المعاقيل هى عباره عن 3 شقق فى عماره واحده بحى الحمراء, أستأجرها الأتحاد لأستقبال البرالمه للعام 1982, حيث كانت دفعتنا من أكبر الدفعات التى قدمت الى أسيوط كما ذكر الأخ الجيلى.
وصلت الى أسيوط قادماً من القاهره حوالى الواحده ظهراً, نزلتُ الى الرصيف, تسمّرت فى مكانى للحظات أجول ببصرى فى كل الأتجاهات عسى ولعل أن أجد أحد السودانيين. تحركتُ أحملُ حقيبتى متابعاً التيار البشرى المتجه صوب بوابة الخروج, وقفت أمام المحطه لفتره من الزمن ألتفت بين الحين والآخر متشبثاً بالأمل فى أن ألمح سودانياً ولكن بلا جدوى. اصابنى شئ من الدوار من جراء الحركه والنشاط البشرى المتراكم حولى، لفحتنى نسمات ديسمبر البارده, فقررت أن أخذ تاكسياً.
(على فين يا بيه) أبتدرنى السائق بالسؤال, فطلبتُ منه أن يذهب بى تجاه الجامعه, (البيه أول مره فى أسيوط), فهززتُ رأسى بالأيجاب حيث كنت زاهداً فى الكلام وهى عاده تنتابنى عندما أشعر بالتوتر. وصلنا الى مدخل الجامعه الأنيق, وهو عباره عن ممر طويل محاط بالأشجار الظليله من الجانببن, ينتهى ببوابه يجلس أمامها الحرس الجامعى. طلبتُ من السائق أن يتوقف بى عند بداية المدخل بالقرب من مسجد الجامعه, نزلتُ بعد أن أخذ منى جنيهاً كاملاً (أبن ال..........).
وقفتُ على جانب من الممر الظليل يلازمنى ذلك الشعور الخفى من التوتر, على الرغم من أننى كنت أحاول أظهار غير ذلك, كنت أرقبُ حركة الطلاب العائدين من الجامعه. لم يطل أنتظارى كثيراً حيثُ لمحت من بين الماره ثلاثة أشخاص تكسوهم السحنه السودانيه المميزه, تقدموا الىّ بكل بشاشه, عرفتهم بنفسى, أذدادت حرارة الترحاب بعد أن عرفوا بأننى برلوماً لكليلة الزراعه حيث كان ثلاثتهم ينتمون لنفس الكليه وهم الأخوان غازى كامل الطيّب, الفاتح العاقب, وعلى الأمين الجاك. تحركنا فى أتجاه مسكنهم خطوات معدوده حيث قابلنا الأخ عثمان أبو قنايه ـ أحد قادة الأتحاد فى ذلك الوقت ـ أصر على أصتحابى للشُقق التى أستأجرها الأتحاد لأستقبال الطلاب الجدد (المعاقيل), و بعد جدال رضخ الأخوه لرغبته على مضض بعد أشترطوا عليه أن يحضرنى اليهم لتناول الغداء معهم بعد أن أضع حاجيّاتى هناك, ومن ثم ذهبنا الى المعاقيل.
ولنا عوده.
توجهنا الى المعاقيل بعد أن وضعت حقيبتى على الدراجه التى كان يقودها الأخ أبو قنايه. تجاذبنا أطراف الحديث, كان محدثاً لبقا, سرد لى الكثير من أنجازات الأتحاد والتى من ضمنها هذه الشقق التى أستأجرها الآتحاد لأستقبال الطلاب الجدد, ومن ثم المساعده فى أيجاد سكن لهم.
فى طريقنا الى الحمراء وهى أحد أحياء أسيوط الشعبيه, سلكنا لعديد من الأزقه وطرق صغيره ملتويه, ما تبقّى من طبقة الأسفلت فيها تكادُ تندثر تحت التراب, تتزاحم على جوانبها بنايات قديمه, بعضها تآكلت الطبقه الخارجيه لجدرانها بفعل الرطوبه والزمن.
مررنا على صبيه يلعبون, توقف أحدهم عن اللعب كأنما أثرنا أنتباهه, وقف على جانب الطريق يردد السؤال بألحاحٍ شديد (الساعه كام?).
لم نعره أهتماماً,عرفت المغزى من سؤاله لاحقاً بعد عدة أسابيع من أقامتى بأسيوط.
مرت لحظات من الصمت يقطعها ذلك الصوت الرتيب الناجم من أحتكاك الجنزير بالتروس للدراجه, سرحت بأفكارى فى أمورٍ شتى. أسترعى أنتباهى أحد الباعه المتجولين, يضعُ أمامه أكوام من نبات أخضر أشبه بالعلف على عربه خشبيه, يقف بجانبه أحد الزبائن ممسكاً بحزمه من النبات يأكلُ منه بتلذذٍ ظاهر, ألجمتنى الدهشه فأحجمتُ عن التعليق. أفقت من دهشتى على صوت الأخ عثمان يخبرنى بأن هذا يعرف بالفول النابت وانو (الجماعه ديل هنا بياكلوا), كأنما قرأ ألحاح السؤال فى تعابير وجهى والذى أحجمت عنه تأدباً أو لأكون أكثر صدقاً حتى لا يقال عنى برلوم كثير الفضول.
هناك فى المعاقيل أنخنا الدراجه على جانب السُلّم, دخلنا شقه كانت فى الطابق الأول ان لم تخنى الذاكره. قابلت مجموعه من البرالمه, سلمتُ عليهم بصوتٍ خفيض, حيث كان بعضهم يغطُ فى سُباتٍ عميق, يبدو عليهم الأرهاق وآثار السفر, أخبرنى أحدهم أنهم دفعه قدمت صباح اليوم عن طريق أسوان.
كنا كألوانِ الطيف من حيث التمايز والأنسجام, طلاب من جميع بقاع السودان لمختلف الكليات والمعاهد. التعارفُ بيننا كان يتمُ بدون حواجز (الأسم, الكليه) فى جوٍ يشوبه الود والتلقائيه. تعرفت على كثيرٍ من الأخوه....
تحادثنا كأن بيننا سابق معرفه...
ضحكنا....
غمرنى احساس مريح بالأنسجام.....
زال عنى ما تبقى من توتر...
شعرت بألفه غريبه للمكان.
|