تأريخ المعرفة
تاريخ المعرفة
القطار
(ظلت القاطرة تنهب الأرض مثل آبق .. الأرض الخواء المنبسطة تحت سرر حديدية تمضى على سوق مستديرة من الفولاذ، تغير وجهتها كل عقد من الزمان و تمضى دون شارة ودون صافرة و دون دخان.
تمضى بأستمرار نحو غاية يقصر حتى الأمل عن أدراكها ، تمضى و تمضى معها مصائر الناس فى جوفها ، تكدسوا فى حجراتها فى جلبة و حيرة ، تلاشت امالهم فى الوصول وتضاءلت فى الرجوع .
فى عذق الضجيج و الخوف ، التقيتها ، و كنت اسير عكس رياح القاطرة اتحسس دربا الى الأربعين او اللبانة لا ادرى، فى جنوب شمال الذاكرة و ازمنة متحوصلة فى ازمنة تمضى قدما ، التقيتها ، فى زمن شرقى يتجه دون عزمه غربا ، التقيتها، و انا أخوض فى حلم كاذب من هجين الأتجاهات و الوجهات و الألوان ،التقيتها، فى هنيهة انتفاء دينامية الحدث حين يصافح رتابة الواقع خارج اطار النافذة ، التقيتها، بين المسجد و المقهى رجال يقفون على سوق تنتهى بأحذية مهترئة بالية . وددت سؤالها فى جفاف هواء الظلمة و مطر الضجيج ووثوق الناس الى الكرى....كم كانت الساعة؟؟؟
ليتنى اقدر ، أفرش قلبى مخدعا تنامين فيه ، اعمد روحى فى بحر الطيبة التى تصطخب امواجها على ضفاف فؤادك، او اولد من نطف الدمع الذى اعتقته الجاذبية من سحرها و البوصلة من اقترانها بالأفق.
و لكن القاطرة ظلت تسوف المدى و ازمنة لا متناهية ، تتوسل الوهم و التأمل و فحم الرجوع ، و خارج النافذة ، ظلت الأشياء تولد من لا شىء).
تأريخ المعرفة
عبرنا شرق النهر على صهوة الضجر ، كان رهط من رجال البطانة على الضفة المقابلة ينظرون فى فتوى الأنتظار ، محكمى القبضات على قعور سياط ( العنج) ، فى عزم من يودون هزيمة الضجر او من يتسلون بالوخز و المقارعة فى انتظار الصمت، الا انهم يبادرونك بالسلام الندى الرطب ، و قائد ( البنطون) يلتقى بالأحداث قبل نشوءها ، ينقل الأخبار و يلقى بها فى الضفة المعاكسة ، يزيدعليها او ينقص بلسان يلحن الفصحى و نساء مرضعات و رجال يغلظون الحلف و البصق فى ماء النهر . يموت رجال تحت مواطىء احذية بالية مهترئة ، لرجال آخرين ، رددنا عليهم السلام الندى الرطب ، فقال شاعرهم ، و هو ممسك بسوط ( العنج) ، لماذا نمجد قيما مندثرة ، و كوكب محتوم بفناءه ، و رفات يعود الى رفات؟؟؟؟ ما هو المجد ان لم يكن فراغ عقيم فى مجرى وهم عقيم؟؟ و اشار بسوطه الى النهر.
هذا صباح العيد ، تفى العاهرات بالنذور على شفة الضريح شرق الماء ، و يستسلمن الى خدر التعاسة و قداسة المومياء ، لا يتبرجن الا من عطر نفاذ ، و دخان و بخور و اساور ذهبية تشبه نقوشها ، نقوش ( مسلة) نوبية قديمة ، اساور من ذهب عمال الرى و الحفريات و السكك الحديدية و ادارة الكهرباء .
يزأر الحديد و هو ينسحب القهقرى مبتعدا عن الضفة ، يحملهن عائدات الى مزاولة فحيح اخاديد الجسد العتيق المتهالك ، و بقال و خراف و عربة (لاندروفر) رمادية اللون ، مصفحة بتروس القوة ، و الجمع يحدقون فى امام منعكس فيصابون بالدوار برهة ، ثم تكتمل استدارة البنطون ، فيذهب الأمام الى وراء ، فينقشع الدوار و ينبعث اللغط المحتبس تحت همهمة الدعاء و مناجاة المومياء ، يشرق الفرح فى رعشة متعة خاطئة عابرة ، و ذراع المومياء تمتد فى فراغ الحصافة تنتشل الغريق من بين فكاك النهر الجائع ، تمسح القذى و الذباب عن عيون الأطفال المقروحة، ثم تنثنى ( تهز) على نوح صبابة المداح ، قال شاعرنا، من ترى يعيش ليرث مجد التراب و هو الى ذر و رفات؟؟؟
و الماء يغير لونه وخواصه، و فى وقفة العيد صب الجاز على جلده فأشعل ( مفيستو) النار فالتهمت كل جسده الصبى الا الكعب، وقفنا فى الظلمة ننظر جسده الممدد على لحاف متسخ و هياج ثواكل ، مضى فى مجد الموت وحيدا قبل ان يشهد تبلج مجد العيد ، احكم الحزن على اخيه الطوق ، فصار يطلق النكات فى ساحة المقبرة المزدحمة بالرجال و احذيتهم البالية ، انتبذت امه فى الصفعة مكانا قصيا ،تتحسس التراب على خدها و بين ثنايا الشلوخ..الصفعة التى هبت ريح الموت فى اعقابها.
كان فقرا مدقعا ، و العيد سرابيل و شلو رداء ،و خمسة من الصبيان و الصبايا، ابنى البكر فى الجنوب يزرع الغاما و يرفع عقيرته بتلاوة الجلالات القاتلة ، نفرح حين يبعث لنا بمال الفىء قبيل العيد ممهور بتوقيع قداسة المومياء ، دعونا الشيخ المسجى شرق الماء و نذرنا النذور، زفرنا اكبادا حرى من وراء نسيج اخضر سميك، و دخان ، كان الأبد رابضا فى شجيرات السدر و العوسج ،و جدتى سادرة فى ( بطحانيتها) ، حتى حارت الى مومياء، جلست تلعق الروب من آنية بلا قرار، و تهيأت لها الملائكة مثل رجال الضفة، قابضين على سياطهم ، فزغردت من فرح، فأنقلبوا الى شياطين مردة ، قطع ( غلبونا) حديثه على الجوال قاب قوسين او ادنى من غلبة البسابير و الطيباب و الحسناب، تمتم فى ياس ، سأعود و ما عاد ، فالغبرة ما عادت تنبت ( العيش ) و السفر يخرج من ثناياها، كلما احتدمت السماء برذاذ الطمى، هفت النوق الى النشوق و يأبى الشيخ ان يؤديها الأذن ، رابعة العيد ، و ثلث الليل الأخيرالا قليلا، يشير بيده الى الأضواء المنتثرة على المدرج ،و يقول: ديك الحجاز، تهبط النفاثات فوق الحقائق العارية، فوق مدرج من افئدة عامرة بالمنى و الأمنيات ،و مقاطع من الحصن الحصين ،تراءى لنا امرؤ القيس بين خفر الجمرك و الأبد و الأوابد و الهياكل مجدور الجلد ، على شاشة التلفاز قال ( محمد على) ..كل ما يتمناه المرء..تويوتا تدركه؟؟؟.بلسان عربى مبين ، آمن الناس بذلك حتى يومنا هذا، و هبطوا حفاة على المدرج، قال الطيب ان ( بوب مارلى) ظل يزوره كل يوم فى شقته ببرايتون سائلا( الطيب ...ما بلقى لى عندك شريط اب داؤد؟؟؟).
3
عبرن شرق الماء على ظهر ( فروة) ، قبيل مجىء ( جلوك) ، ليملأ ( ركوته) من ماء النهر للوضوء ، عبرن الى ضفة الأخدود الذى ينساب فيه الماء الأزرق ، مشين على صفحات ( شاهنامة) سوداء السحنة و صحائف غائبة عن فطنة التاريخ وعهود فناء البردى و ندرة الجلود ، مشين زرقاوات مثل السكن فوق جفاف الصمغ ، و ( قوت القلوب) مشلخة، فوق خديها المكورين نخلة ، كانت تشرب الخمر مثل الماء القراح فى حضرة الدستور، ذابلة العينين مثل زهر التبر فى الظهيرة العالية ، تترنح على خبط الطست و الرق و الأصناج مثل مومياء مقدسة، و مات رجال تحت اقدام رجال و عقب من حديد.
عبرنا شرق الماء ننوش النبق الغاضب على شجيرات السدر الغاضبة ، يأتى الكون الى سكون حينما ادرك ( بابكر سانتو) الهدف ، اشعل مصطفى النار فى تاريخه الغض القصيرفأنسكب العرق و سكن خواء الفؤاد الى الأبد . عدنا الى ( الخلوة) و ( العريفى) يمد نصف جسده من شباك ( الدردر) المنخفض ..با جا ب الف، يصر البوص على اللوح حتى اربعاء ( البليلة) و خميس الرماد، يعود قريبه السجان ليشاركه غرفته الرطبة و احزانه الخاصة ، ينزع فى حرص عمامته الكاكى عن راسه فكأنما يقشر قندول عيش الريف جائع يلتذ بجوعه، يعيد صياغتها على ركبته اليمن بحذر و اتقان ، فينفض الصغار فزعا من خطل المعرفة و يهرعون الى بهجة الجهل و غبطة العراك.
انتهى رماد الدوار الى ( ساحة التحرير) ، تبلج صبح العيد مسفرا عن ثلاثين جثة معلقة يفتتح بها السابلة يومهم ، الرفاق الذين آمنوا بحكمة المومياء و الرسالة الخالدة ، و الرفاق الذين استظلوا براية الحرية لهم و لسواهم ، و الذين هم واثقون من مستقبل الوحدة و الأشتراكية، و الذين تحولوا الى دليل سياحى يدلك على مكان التمساح الذى حولته لمسة المسبحة الى حجر، و مومياء ابى و فضة الفودين على برواز متواضع على جدار اغبر ،بجانب مومياء الجيوكندا و مومياءات ( افينيون) و هن يسبحن فى مأزق الحياة .
.
جعل على يكذب ما ارجفت به المحكمة عن عدوله عن الحكومة فثبت ( عمرو) معاوية، علق عمال ( الفبارك) صورة المومياء الصفراء ( تسى تونغ)..
|