:: كــاتب جديـــد ::
|
خريفٌ آخر غجري ..
[align=right]سلام ..
نامت البنية .. إلى حين ..
و كان خريف , فيه ابتلع النيل اللسان الرملي قبالة قصر الحكم في ضفة الخرطوم جنوبا , و هدد موطئ بنبري المسائي تجاه ( حلة حمد ) , في الجانب الشرقي لتوتي .
قلت : فهي العتبة ثلاثية الدرجات إذن .. أجلس وبين أرجلي نملاتٍ و جِلة , طفا رزقها المخزون مواسما بفعل الماء تحت الجدران , فأخرجها حنقها عن عادة الهوام , و علمها المضايرة . ثمة بقية باقية من تراب فرناغة , إلتجأ إلى حواف العتبات أثر هبوبٍ ليليةٍ خفيفة , و .. أدخن .
الظلال تسرع استطالتها في اتجاه الشرق , بينما الشمس ناعسة تشد بطيئا ( قرمصيصها ) الدم البرتقالي عليها , و غرباً تأوي خجلة إلى فراش الليل .. سيد الحكايا ذاك .
هكذا كان ..
موحلة هي الطرقات / الأزقة .. ترفدها السموات و الأرض بالبلل دونما انقطاع , و بالهواء كثافة باردة و عطنة , روائح الروث و النباتات المترعة بالماء , و نكهات طمي و ليمون و جوافة - تماثل رائحة إبطٍ جافاه الماء طويلا - أصوات متفاوتة تمتطي رطوبة الهواء .. فتحملها صهواته أينما آذان و تجاويف سمع , منتقلا على امتداد البيوت الطينية ذات الأسقف الرطبة , و الأشجار المثقلة أوراقها بقطرات كريم ماء سماء الخرطوم الخريفية .
رصفوا الحجارة فوق البحيرات الصغيرة المتناثرة كجزر ,تماما بمحاذاة الجدران رصفوها , حيث الأرض طرية و مندية غير مائعة , تسمح لخفاف الأقدام بوطئها . أحجار مختلفة الشكل و الهيئة و الصلابة .. يقفز فوقها العابرين بنعال بقرية الجلد و أخرى براطيش , صنادل و مراكيب و أحذية جند و عاريات أقدام و حوافر دواب .. تعبر تماما عند عتبتي تلك أمام البوابة أم تلاتة ضلف , و أنا متحكر فوق أسمنتيها اللامع , و الناشع بالبلل النيلي باطن الأرض الأنثى .. تلك الخصيبة توتي .
.. و .. : oh god ..
جفلت خيلي ..
هو صوتها ..
على مرمى نبضة مني كانت , جهة اليسار .
سكنت تجاويف دمي تلك النغمة : oh god ..
تقاوم التعثر كانت كمن تمشي على حبل معلق .. طرفه عند فقاعات الماء الآسن تحت حجرها ذاك , و الطرف الآخر يمسك بخناق نبضي , قدمها التي تشبه قدم ( بنات أم لعاب ) .. تنتظمها رجة لاحمة خفيفة - معها ارتجفت شفتاي -
فوقها قُدّ ساق مدملج بض و عاجي , و الحجر المسكين تحتها يضطرب محتملا ثقل أكفالها و مثانيها و كنوزها و خمج بنيتها و ... قوافلها الهوادج . البنية الظبية المرفعين .
سندتها قافزا كما ضفدع الماء .. قبل أن يرتد إليها الطرف .
كنا في اللحظة التالية مغروسين في الماء حتى فوق كاحلينا , ضحكت بت أم لعاب فآبت إلى بارئها السكينة في روح الدنيا .. تسبّح .
: Thanks , kind of you ..
كايند !!! ؟؟
إعصارٌ أنا , و رواجمي منتصب عواؤها البدائي للإجتثاث و الإقتلاع و الكترابة التي لا تبقي ولا تذر .
رافق كتفي كاهلها الزبدة ملتحما , عبرتُ بها حتى أمان اليابسة , بداية الدرب المنتهي عند برقان .
قالت أنها صحفية , و تعمل مترجمة .. و أنها بريطانية , ( و أنني لطيف ) , و أن الجنة في السودان .. و أنها تسكن مع صديقها البريطاني نهاية الحلة بعيدا عن السوق عند حافة الجناين الشمالية , ( و أنني لطيف ) , و أنها تعشق ليل توتي و البنطون و الحمير المحملة بالخضروات و الجرجير , ( و أنني لطيف ) , و أنها تنتظر و صول البنطون فتأكل ربطتا جرجير في انتظارها ذاك كل مساء , ( و أنني لطيف ) , و أنها .......
: You are married .. right ?
طنطنت بطلاسم لاتورطني ..
و ازددت التصاقا بالحمى أم برد .
ذهبت البنية..
فانخفض ضخ شراييني , البنية الوجي الوحل , في ظلال الدرب الأعرج ابتعدت , ململمة معها الصهيل و القعقعة .
درب مزنوق بين المزاير و أكوام الجوالات و بحيرات الماء و صبية يلاحقون صخب جسدها و ضجة الأنثى الوحشية في جدعة يدها , طيفها المكتنز اختلط بالظلال البنية و الحمراء , و سابلة أشباح , و روائح قديمة ..
أودعت عطرها في خيشومي .. امانة , و غابت .
يومان .. و الدميرة هدّارة ..
تبتلع فتوة النيل القيفة الشرقية لتوتي , فيطلق المسجد النفير للترس .
نبيلة غضبة النيل .. و قاسية .
هذا موسم التزاوج بينه و التربة العذراء , نهنهات القيفة تتبتبني في الليل , في فراشي المندي .. متوسطا باب البرندة المشرع على الحوش الكبير , تحرس سوره شجيرة اللارنج الصبية , تحتها اصطف الفايكس سورا و طيئا يمتد حتى قفص الجداد عند الركن الشرقي للحوش , في المسافة بين أطراف قدمي على حافة السرير الحديدي أب يايات و أول جند الفايكس المصطفة كان حوض الجرجير المنبّت برعمه و حوضي البامية , صديقتي الشجيرة القزم ( ملكة الليل ) كفت عن الفواح خشية غضبة الطبيعة ..
هذا موسم التزاوج بين فحولة النيل و عذرية التربة ..
يصطك النيل بفخذيها , و تجلبغ مياهه حين تلج شقوقا للخصب فيها .. فتنهنه خافتا , معها أنهنه ..
والبنبة تغزو شرايين الليلة ..
أتذكر ..
كنت آخر النازلين من الحافلة , نزلت منها فاستدارت قافلة .. وتركتني وحدنا .. أنا و قاعة الصداقة .
صوت البنطون في وسط النيل قادما تجاه المشرع , يلاوي العرق المهاجر شمالا ليدفن سره الأبد هناك . زلقة كانت القيفة , و منحدرة تجاه المرسى الذي رفعته الدميرة فكاد أن يخرق ماؤه الرصيف الأسفلتي لشارع النيل , تمسكت بأثداء اللبخة الحارسة للنهر منذ أيام غردون باشا , غمغمت لاعنا محرر السهرة في جريدة الأيام , ذاك المولع بحك صياغة الأخبار لامن تجيب الدم , هو من أخرني إلى هذه الساعة لأخرج له الصفحة الأولى , ذات الأخبار المكرورة , و ...
: Ohhhh , it's you again !! What a surprise.
أنا سربرايز .. !!
مادة ساقيها كانت , تغطيهما تنورة مقلمة , جذعها مسنودا إلى ساق اللبخة العجوز المحظوظة , جعل ذاك الوضع هودج صدرها يضع الجزيرة برمتها في مرمى النيران - و النار تسكنني -
في غمرة عصف دمي , تمنيت على النيل أن يبتلع البنطون , بشيمة تأخذه إلى أسفل سافلين .
هأنذا .. وحيدا متمنطقا أسمال شهيقي , أنازل طوفان تاريخ غنج فتوحاتك الملونة أيها الأمير ( كين ) ..
أنا , حفيد كهنة الجبل البركلي , و أقداس النهر و تاريخ طقوس إحتفالات الموت و أبدية حياتها المتصل في الضفاف الأخر .
أملأ رئتي بهوائي أنا النيلي , و أزفره حمما على نار معابد زيوس و هيرا , ناري أنا و حممي .. و ليس هيفايستوس .
و ستعزف لي اسكتلندا مزاميرها القرب , و أقدل في الطرف الأغر , و أرفع راياتي على مواخير السوهو , و نصب الهايدبارك .... و ..
رفعت ذراعها البنية , فبقّ إبطها .. و .. هطل شعرها على كتفيها حين أخرجت منه مشبكا فضيا , معه هطل جوفي عميقا إلى أسفل ..
هاطلةُ الشعر هي , ودامعٌ ليلك يا خرطوم , و أنا أنضح عرق الحمى .. و ترفَضّ أعضائي من خجةٍ التزمتها .
الحافة الحديد للبنطون .. احتملت رزء خمج منحيات جسدها .
: ( الكتيف الهادل بالكفل مشغوف )..
متهدلٌ بعضي أنا , و .. آخر ينتح .
كفها تنقف من ماء النهر الهدار الطامي , و تحسوه في لذة تغري , و البنطون يصارع التيار الصبي الجامح في اتجاه مرسى توتي المظلم .
: كان يمكنهم أسره , اللورد كان شجاعا .. ما كان يجب أن يمثلوا بجثته , على أنني لا أكرههم , أدرويش مثلهم أنت ؟ و .. قاتل ؟
قالت بذلك وكل وجهها الحليب .. نونة ضحّاكة .
( يا أمان الخائفين يا الله .. بلغت الأرواح الحناجر ) ..
مالي أنا و غوردون الآن .. هل تعنيني دراويشه و حتف رأسه الإنجليزي الدامي ( مدلى الشارب ) فوق درجات سلم السرايا البيضاء ؟ ..
أنا اللورد هنا , قصر حكمي حشائش مبتلة نضاحة الشهوة , حدود مقاطعتي - زرقاء الدم - وقلاعي تقبع تحت لوحة ( البيبسي ) الضخمة عند الضفة التي اغتصب النهر بتولتها في أوج لذته الفاحشة .
بيج بن تعلن تمام الساعة العاشرة مساءً بتوقيت قرينتش , الشاهرة بتوقيت البنية الخمج .
و الليلة .. ليل .
فُتحت عليّ راجمات الأنثى ..
حاملاتها و نازلاتها و جائعاتها و نائحاتها و .. عسل زهور الزنبق البرى و نيران المجوس ..
يا سحاب الخرطوم المهرول في ليل الخريف بين صفاها و مرواها ..
أيتها البوارج عابرات النهر بالجند الشركسية و العيون الزرق و الألسن الأجنبية , هأنا الدرويش هنا ..
ملقىً كشهيد .. أترصع بحبيبات القطر المنهمر .. نياشين نياشين .
عاريٍ صدري إلا من أوشام أظافر و حدائق بلل الحمم الشفتان , و أزنادَ حليب الأسكتلند , و براري أفخاذ قبائل التتار و صرخات فرسان بيبرس .. و ..
زليخى , مهرة هولاكو , كراً .. فراً .. هي البنية ..
تعوي ككتيبة ذئاب أناضولية ..
مدد .. مدد .
الدرويش المتمهدي أنا , قاطع رأس تاريخ ضجيج دمي و الكواريك في الروح , على هيكل معبدها الشبق ..
أحقاء شهباء , و دنيا من بلور تراتيل النهنهة الأقدس .
مدد .. مدد .
نياشينك يا سيدي اللورد عالقة في صدري من جلالات عسكر صدر البنية .
صباحات توتي تشرق من شعرها و من جهة بُرقان ..
حين استتب للنهر وقار انسيابه الشمالي القديم ..
عصافير شقشاقة نزقة نثرت بلل ريشها علينا , وعلينا سلام
: هي وردة من مراعي القطب الشمال , و أنا استواء الرمح البركلي .
فوقنا لوحة البيبسي ( نصب تذكار ) مذابح الليلة الخريفية الراعدة .
شحيحة بدت فوانيس الفجر في حدائق قاعة الصداقة الغبشاء على الجانب البعيد من النهر , شحيحة الضوء كانت كلوحة مونوكروم .
الدنيا مبتلة و ندية كما قدمي عروس .. و أنا أثمل من أبي محجن الثقفي .. و أشد ضراوة .
وطأت و أياها الطمي النيلي .. مسيرة لصقٍ , كاتحاد الجملة الفعلية ..
سرنا , تسربلنا ..
بضعي في بعضها ..
بطيئا قدلنا .
أتأبط خير ذنوبي أنا .. وهي إبطها الفلق .
انسربنا في إهاب صباحٍ كليل البصر , سلامٌ حتى مطلع الفجر مضيناه وصولا للمرسى الغارق في عباءة الضباب الخريفي .
منزغمين إلى البنطون في زمرة الناس و البهائم و أصوات
: صباح الخير , أصبحتوا طيبين , يسعد صباحك , صباحاتو بُيُض ..
نهيق الدواب المحملة بأوراق خضراء , نداءات صباحية حميمة , و هوهوة كلاب الدرب ..
و .. الطنين النبّاض الخافت في عروق رقبتي ..
أورثتني الحلم من حينها .. و تلاشت .
مضت لتغزو شمالا .. عند مضارب أهلها .
خلفها قبعتُ أنا كعينة الخريف ..
صبّاب دمعٍ , و باراي مطر ..
ومنذها .. عمّدني الجوع أسطولا للحنين و للندى و الطلل و البلل و ..
لها .
[/align]
|