ولجت حورية الى (طب الخرطوم)...
انها رحمة مالك الملك ...
رب السماوات والاراضين الأقرب الى الناس من حبل الوريد...
الذي لاتخفى عليه خافية عن عباده ...فما بالك ان كانوا من المخبتين!...
لا أزكي على الله تلك الأسرة اذ الله حسيبها لكنني أحسبها كذلك والله...
...
وبانصرام العام الأول اذا بحورية الأولى على دفعتها هناك في طب الخرطوم...
وما لبثت أن التحقت بها شقيقتها التي تليها طالبة بذات الكلية وذات الجامعة ال(جميلة ومستحيلة) كما يحلوا للناس تسميتها...
قال عم عبدالرزاق الزبيدي يوما لعم سالم وهو يمازحه:
-بالله ياسالم عندك بنتين بيقروا الطب في جامعة الخرطوم؟!
فابتسم علم سالم وتمتم بكلمات لم يستطع عم عبدالرزاق سماعها...
لكنني كنت (أقدر) على سماع وفهم جارنا دوما...
قال عم سالم:
-الله بِدِّي الجنة!
...
..
.
عدت الى البيت لأجد الخالة آمنة تصيح بالعابرين أمام بيتها بأن ياتوا ليطعموا من بليلة ال(عيش بالسكر)...
وقد اعتادت-دوما-على عمل تلك البليلة كلما طاف عليها طائف من فرح!
يااااه...
لم تفتأ نكهة تلك البليلة الرائعة تتغشى فمي الى يومي هذا!
ولا أدري أكان ذاك الطعم وتلك النكهة مرتهنة بطبيعة مكوناتها من الذرة الرفيعة والسُكّر أم كان الأمر مرتهنا ب(كَفِّ ويدِ) الخالة آمنة...
فكم من طعام تصنعه النساء بذات المواد وذات المقادير ولكن يبقى المذاق متباينا تباينا كبيرا!
وقد عُرفت آمنة ب(طعامة) اليد بين نساء الميرغنية طُرّا!
والناس في ذاك العهد ماكانوا يعمدون الى (كوكتيل) أو يجلبون (طباخا) خلال أفراحهم وأتراحهم انما جُبِلت نساء الحي على اعداد طعام المناسبات بانفسهن...
والخالة آمنة في زخم ذلك كانت لها مكانة مرموقة اذ يسعى أهل كل المناسبة الى دعوتها في مقدمة النساء كي (يضمنوا) جودة الطعام الذي سيقدم الى المدعوّين...
فهي أفضل من تجهز ال(كمونية) بين النساء...
وهي كذلك أفضل من (تقترح) وتصنع ال(سلطات) بينهن...
أما المحاشي...
فقد كانت (تبدع) فيها ايما ابداع:
محشي الطماطم...
محشي الكوسة...
محشي الباذنجان...
محشي الفلفلية...
محشي...
انها لعوالم من المحاشي!
وان نسيت فلن أنس يوما (طبقا) اعتادت أن تعده للوالد كلما عاد من بورسودان!
كانت تطلب منه احضار نبات ال(قرنبيط) أو زهرة الشيطان كما يسميها البعض وهي زهرة بيضاء كثيفة اللب تشبه الى حد ما نبات (عُش الغراب) لكنها أكثف لُبا وأكبر حجما...
تأت بتلك الزهرة وتقطعها الى قطع صغيرة ثم تخلطها بفُتات الخبز (الرغيف) بعد تجفيفه وتحميصه في النار ولعلهم يسمونه اليوم بال(بقسماط) ليخلط البقسماط بالبيض فتغمس قطعة الزهرة فيه ثم تُقلى على نار هااادئة...
لأول عهد لي بذاك الطبق ظننت بأني أأكل قطعا من السمك فاذا بهم يعلموني بأنها تلك الزهرة قد أحالتها الخالة آمنة الى الذي أراه وأستمتع بطعمه!
وهكذا ابن آدم ان رضي الله عنه يُلهمه من لدنه بأشياء يرضي بها عنه كل عباده!!
كذلك كانت الخالة آمنة...
لا أزكيها على الله والله حسيبها...
لكنني أحسبها مرضيُّ عنها من فوق سبع سماوات...
(يتبع)