من اين ابداء و ماذا اقول عنك يا عمى الحبيب ؟
هل تكفى كلماتى المتواضعة و الركييكه للحديث عنك؟
و هل اقول ما يوفيك حقك ؟
لقد رحلت اليوم عنا وتركت ذكراك العطرة بيننا
كنت والله الساس و الرأس و فخرا لنا جمعيا صغيرا و كبيرا . كانت دارك عامرة ليلا ونهارا و لم ارى فى عمرى دارا مثل دارك لا يوصد بابها
او بالاصح ليس لدارك باب لكى يوصد . سبحان الله ابى الله الا ان تسكن فى تلك الدار الحكوميه ببررى دون باب يغلق لان الله يعلم بانك لن تغلق باب دارك ابدا فى وجه قريب او بعيد .ليس ذاك من العجيب بان لا يغلق لدارك باب . لان جدى عثمان سراج رحمة الله عليه اوصى بان لا يغلق باب بيته ابدا لان فى وسط بيته بير ماء لكل اهل البلد فى سبيل الله
كنت محبوب للكل و كنت فعال للخير للقريب و البعيد
ليس من العجيب بان تكون كذلك لانك ورثت الشهامة و الكرم والمروءة كابرا عن كابر.
هنالك الكثير من الاهل اطال الله اعمارهم و لكن انت تميزت على الكل بقسمة الله و حبه و اتمنى و اسال الله بان يجعل مثواك الجنة
رحلت عنا وتركت فى رقابنا فجوة لا احد يستطيع ان يملاء جزاء منها
انا ا بكيك لانك رجل بقامة قبيلتنا و انا ابكيك لان مثلك لا اعتقد بان يعود . رحم الله والدى كان يحبك كثيرا و هاءنذا اليوم ابكى فراق والدى وفراقك و كل الذين ذهبو للقاء الله,
نادر مثلك فى هذا الزمن الحالى. كنا صغارا و تجلس بيننا كانك واحد منا وكنا نرتاح و نشعر براحه النفس و الاطمئنان . كنت يا عمى الحبيب واحة فى و سط الصحراء نلجأ اليها عندما تعبث الدنيا فى وجوهنا. كنت دائما تسال عن كل الناس و تفرح بفرح الناس
انا اذكر رغم كل الضيوف و المشغوليات كنت تعطى كل صغير و كبير حقه فى السوءال و الاستماع
وداعا عمى الحبيب و الى جنات الخلد ان شاء الله
من الاشياء الكثيرة التى اذكرها عن عمى هو حبه الشديد للاطفال و البسمه التى لا تفارق شفته ابدا. كذالك اذكر ابناء عمى واقاربى و اخرين لا ادرى ما صلتهم معنا و لكن ساكنين فى دار عمى وعمى كان لا يقصر مع اى احد
كان كما يقول اهلنا تدى يمنوا و ما بتعرف حسسابو شمال
الكثير منا كان لا يملك قرشا احمر و رغم كل ذلك كان عمى ياخذنا الى زيارة الاهل و السينماء و الكورة
واذكر ذات يوم طلب عمى منا بان نحضر عيد ميلاد احد الابناء فى البيت
اتدرون من هو هذا الطفل الذى اراد عمى الاحتفال بعيد ميلاده ؟
انه ابن الراجل الذى كان يشتغل فى البيت . و ياله من عيد ميلاد و فرح الطفل بذالك الاحتفال. و الله لا ادرى ايهما فرح اكثر عمى او ذالك الطفل
نويت فى عام 1980 الذهاب الى خارج السودان بغرض الدراسة فى امريكا وكنت لا احب ان انزل مع اى احد من الاقارب رغم كثرتهم فى الخرطوم وام درمان الا مع عمى فى بيته. و كنت اعلم تماما بان السكن فى دارى عمى قد يحرمنى من النوم على السرير من كثرت الضيوف.
و اذكر عدد كبير من الاهل سكنوا مع عمى بغرض الدراسة فى الخرطوم لسنين عديدة ولم ينعم الله عليهم بالنوم على سرير.
كنا نفرح لو وجدنا مكان فارغ على الارض لكى ننام عليه و نشعر كاننا فى جنات الخلد
يا لها من اسعد ايام حياتى و يا لها من ذكريات,
كانت دار عمى هى دار السودان او باصح السودان كله
سبحان الله كيف تمر السنين من عمر الانسان . سته و عشرين عاما مضت ولا ازال اذكرها كأنها البارحه
قبل سفرى بعدة اسابيع من سفرى من السودان مرض عمى كثيرا فى تللك الفترة
وقررالاطباء بان يذهبو بعمى الى لندن لعلاج . سبجان الله قبل سفر عمى الى لندن سالنى عمى عندك فنيله للبرد ؟ حقا ادهشنى ذاك السوال
برد شنو ياعم ؟ ضحك عمى كثيرا من سوءالى و اخبرنى بان الطقس سوف يكون بارد جدا هذة الايام فى لندن
ذهب عمى داخل البيت و احضر فنيلة صوفيه لى.
ذاك هو عمى لا يسعد الا بمساعدة الاخرين. كنت اذهب معه بعض الاوقات لزيارة الاهل و تعرفت على الكثير منهم بواسطة عمى
كان لعمى قبل مرضه عام 1980 اربعة بنات و عندما ذهب للعلاج بلندن ترك زوجته العزيزة حاملا فى اخر شهر . و شاءت الاقدار بان يكون سفرى من السودان الى لندن بعدة ايام قبل الولادة. رزق الله عمى بتومان من الابناء و هو طريح الفراش فى احدى مستشفيات لندن
مازلت اذكر اخر لقاء مع عمى الحبيب فى مدينة لندن فى عام 1980 و هو طريح الفراش فى احدى مستشفيات لندن وبكيت كثيرا عندما شهدته فى تلك الحالة
ذ هبت الى المستشفى لزيارة عمى فى لندن و معى صور لابنائه التوام
لعمرى لم ارى انسان مثل هذا الرجل . امسك عمى الصور و حوال ان ينظر اليهم ولم يستطيع . ذرقه عينه من الدموع وقبل الصور و ضعهم تحت الواسدة. لقد ابكانى ذاك المنظر و لازال.
لقد سال عمى عن كل الناس و كيف حالهم و هو بذالك الحال
لقد حزنت كثيرا و بكيت كثيرا ذالك اليوم لحال عمى.
لم اكن اظن بان عمى سوف يعيش طويلا بعد هذة الحالة. جلست معه طويلا رغم انتهاء فترة الزيارة بساعات فى ذاك المستشفى و لا احد سالنى بان اغادر المستشفى رغم باننى حذرت مقدما باحترام مواعيد الزيارة و صرامة و تشديد الانجليز على ذاك.
انا لا زلت اذكر رغم كابة وحزنى ذالك اليوم كان عمى كانه لا مرض به.
كان كما هو فى روح عالية مبتسمه ومازال يضحك و ينكت .
لا ادرى هل اخبر عما لى اخر و هو طبيب بلندن عمى بان الاطباء فى لندن ياسو
من حالته واخبرو عمى بان لا يضيع وقته و ماله فى علاج عمى لانه لا فائده من علاجه.
فعلا ان الاعمار بيد الله والله هو الشافى و المعافى.
سته و عشرين عاما مضت من ذالك اليوم و الان لقد وقف اولاد عمى التيمان على رجولهم . لقد رحل عمى الان بعد ان سلم العلم لهم بان يذهبو به اماما .
يا لك من عم . كيف لا اذكر نصائحك و انت على فراش الموت كما كنت اظن فى 1980 تنصحنى بشد الحيل و الدراسه.
تركتك و الدموع تزرف كاخر لقاء و اليوم ياتى يوم نعيك بعد سته و عشرين عام.
يا له من يوم حزين.
الحمد الله الذى جعلنى اتقاسم معك بعض ثوانى من وقت وزمان واحد.
و الحمد لله الذي جعل سيرتك طيبه و عطرة بيننا.
اخر كلام عمى معى قبل وفاته بعد ان سال عن كل الاهل بان اوصانى بمكالمة ابنه صاحب له فى امريكا و السوال عنه.
القلب يحزن و العين تدمع و لا أقول ما يغضب الله و لكن والله انى لفرقك يا عمى لمحزون.
اتدرون من هم ابناء عمى ؟
هم ناظم " انتهازى " و تومه ناصر.
يا ابنائى و الله لقد ترك عمى فجوة كبيره أعانكم الله على سدها .
انا فقدت عمى الحبيب و لكن فقدكم اعظم .
احسن الله عزاؤكم و جبر كسرنا
- انا لله وانا اليه راجعون
|
