يقول اسماعيل التاج في ثنايا المقطع المرفق الآتي:
(وأنا أعتقد إنو أيضا تعيين امرأة برئاسة القضاء إذا تم سوف يكون نقلة (مفاهيمية) فيما يتعلق بمسألة شهادة المرأة يعني لمن يرون أنها تساوي مثلا في بعض القضايا الشرعية والقضايا الأخرى إنها تساوي نصف شهادة الرجل، فإذا استطعنا أن ندفع بامرأة إلى سدة رئاسة القضاء فدا دفعة قوية جدا جدا في وضع المرأة في إطار المساواة من حيث الشهادة في كافة القضايا).
هذا تحرير وتفريغ لقول الرجل من المقطع المرئي الذي ورد فيه.
يأسف المرء بأن يكون هذا قول قاضي!، فالسؤال يطرح نفسه:
ما العلاقة بين جواز تولية المرأة للقضاء من عدمه بمسألة الشهادة؟!
لقد قرأت كل أقوال من أجاز ولاية المرأة فلم أجد أحدا ربط بينها وبين شهادتها المذكورة في هذه الآية الكريمة!
واسماعيل التاج يستنكف أن ينسب القول بذلك إلى الله، وقد كان عليه -وهو الذي يناديه البعض بمولانا- أن يثبت الأمر إلى ربه، ثم يذكر رأيه (كتفسير) للآية الكريمة إن شاء، لا أن يقول: (فيما يتعلق بمسألة شهادة المرأة يعني لمن يرون أنها تساوي مثلا في بعض القضايا الشرعية والقضايا الأخرى إنها تساوي نصف شهادة الرجل)، ولأن فعل الذي ذكرته لتبين له بأن الشهادة المذكورة ليست (عامة)، وهي كذلك ليست (في بعض القضايا الشرعية والقضايا الأخرى) كما قال، إنما هي شهادة (قاصرة) على أمر محدد إذ وردت أمر محدد في سياق آية (الدَّين) التي تعد أطول آية في كتاب الله، ولعلي اجتزء منها الآتي لتسنى لي التعليق عليه:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ،...} البقرة آية 282.
الآية يا إسماعيل تتحدث عن الديون وتحث على كتابتها، ولم تتطرق البتة لشهادة المرأة في أيما أمر شرعي آخر، أو قضايا أخرى كما تقول! حيث أمر الله الكاتب أن يكتب، والشهود بأن يشهدوا، وقال ربنا بأن كتابة الدين تستلزم وجود شاهدي عدل، ومعلوم بالضرورة أن الإسلام يوكل جل القضايا المالية إلى الرجال دون النساء، إذ هن -في غالب الأحوال- لا يمارسن التجارة لكونهن لم يُكلَّفهن بذلك، إنما التكليف على الرجال بالخروج والضرب في الأرض للإتيان بالمال للانفاق عليهن، وفي ذلك علاقة وثيقة -أيضا- بالمواريث ونصيب الرجل المراة إن كنت تعلم.
ثم هناك شاهد مهم في الآية على المسلم (المستبصر) عدم تجاوزه دون اعتبار، إذ أنه يدل دلالة واضحة بأن شهادة المرأة بكونها نصف شهادة الرجل في أمر كتابة الديون ليس حكما (مستقرا) وملزما للقاضي، وهي قول الله جل في علاه في ثنايا ذات الآية الكريمة {..أن تضل إحداهما...} فذاك يعني أن (ربما تضل إحداهما)، ولم يقل ربنا (ستضل احداهما قطعا)، وإلاّ لاستقر الحكم ب(حتمية) كون شهادتها نصف شهادة الرجل في مسألة كتابة الدُّيون!.
ثم عليك يا إسماعيل التاج أن تقرأ قول الله جل في علاه في الآية الثانية من سورة الطلاق:
{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا}، في هذه الآية الكريمة لم يحدد ربنا جنس شاهدي العدل إن كانا رجال أم نساء، بل ذهب بعض الفقهاء بأن شهادة المرأة في ذلك أعدل من شهادة الرجل!.
وكذلك في آيتي سورة المائدة الخاصتان بالوصية حين الموت، فقد قال ربنا:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ ۚ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۙ وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الْآثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ} 107،106
فقد أمر ربنا في هاتين الآيتين بأن نُشْهِدَ (ذوَي عدل منا)، دون بيان كون الشاهد رجل أو امرأة!.
بناء على كل ذلك أقول لإسماعيل التاج:
إن كنت بالفعل قاضيا؛ كان عليك أن تخاطب الناس بفهم ووعي يتسق مع مؤهلك الدراسي، ولتعلم وليعلم كل من يعتمر (المفاهيمية) التي تود لأجلها لَيّ عنق آية كريمة لإمرار مفاهيمك هذه إلى وجدان شعب مسلم يؤمن بأركان إسلامه الخمس وأركان إيمانه الست، إذ هو شعب لايقبل افتئاتا على ذلك، فمابالك بك تستنكف -حتى- من أن تذكر كون المسألة وردت في آية كريمة في قرآنك الذي يجب عليك الإيمان به طالما كنت مسلما؟!.
أسأل الله لك الهداية.
adilassoom@gmail.com