أكرم الله سبحانه وتعالى ديار أهلنا الشايقية بثلاث قمم هي: عبد الله الشيخ البشير، وحميد، والبركل فقد قرأت:
في ليلة شعرية في قاهرة المعز تم تقديم شيخ شعراء السودان الشيخ عبد الله الشيخ البشير بصورة باهتة خلاف ما كان يفعله المقدم مع غيره من الشعراء والذين كان يسهب المدح لهم والتطويل في ذكر مناقبهم الشعرية.
فقد أكتفى حادي الليلة في تقديم شيخنا بالقول: عبد الله البشير من السودان، ولكن الشيخ لقنهم درساً من مقام (أحكموا علينا باعمالنا). وذلك عبر قصيدته الأشهر البحث عن بيت شعر. فحالما بدأ أول بيتين:
علي حدِّ السنا أمهيتُ سيفي
فرقَّتْ شفرتاه كما ابتغيتُ
خرج شيخ أزهري عن طوره وقال أسمعوا ده بيقول سن سيفه على حد الضوء ولم تصمت القاعة عن التصفيق والاستحسان وشيخنا يصف فرسه ويقول:
وطار فصاهلَ الشِعرَى
وماجتْ عرائشُ من بشائرها جنيتُ
ثم يواصل شيخنا في ابداعه فيصف حاله بما رج القاعة رجاً فقال:
وناداني من المجهول صوتٌ
بدأتَ وكنتُ أحسبُني انتهيتُ
وصيَّرني الحنينُ إليه معنىً
بلا مبنىً فغبتُ وما اختفيتُ
وما إن انتهى شيخنا من قصيدته وإلا ورئيس وزراء مصر قد صعد إلى المنصة وصحبه نازلاً إلى مجلسه. وحقيقة القصيدة تستحق أن نرددها ونحفظها ونستشهد بها وتقول كاملة:
علي حدِّ السنا أمهيتُ سيفي
فرقَّتْ شفرتاه كما ابتغيتُ
وودعتُ القرى الأولى وشيكاً
وما استصحبتُ إلا ما انتويتُ
*****
فها أنا ذا يُعادي بي مِراحاً
بشطِّ الغيبِ مِرِّيحٌ كُمُيتُ
رصائعهُ مصابيحُ سهاري
لهنَّ خواطرُ الحُذَّاقِ زيتُ
*****
فطاف بعبقرٍ ليلاً فهرَّتْ
كلابُ الجنِّ: عِرفيتُ وشيتُ
وطار فصاهلَ الشِعرَى وماجتْ
عرائشُ من بشائرها جنيتُ
ومجَّ لجامُهُ ألــقَ الثُّريــا
جُذىً مما تغوصُ له الكويتُ
*****
وعاد السيفُ ينبوعاً فمالي
سوى قوسِ الغمامِ إذا ادّريتُ
وقد عرضتْ ليَ الأبراجُ شتَّى
عِـراضاتٍ ولكنّي أبيتُ
*****
ونصَّتْ لي معارجَ من دخانٍ
مــنوَّهةً ولكني انتحيتُ
فلو كانت جناحاً من عقيقٍ
له لمعُ البوارقِ لارتقيتُ
*****
وحِرتُ فدلَّني نجمٌ لموحٌ
علي مسرى قوافلِهِ سريتُ
ولاحت لي نوافذُ باهراتٍ
فجُزتُ من النوافذِ وامّحيتُ
وأوفي بي على زبدٍ موشىً
على فقَّاعِهِ طرباً مشيتُ
*****
وناداني من المجهول صوتٌ:
بدأتَ وكنتُ أحسبُني انتهيتُ
وصيَّرني الحنينُ إليه معنىً
بلا مبنىً فغبتُ وما اختفيتُ
*****
ومدّ الرَّغو قُدامي طريقاً
مموهةً ولكني قضيتُ
وصرَّح منهُ عن بحرٍ ذخورٍ
فلما راقني عجباً هويتُ
فودّعتُ الظنونَ ورافقتني
مآذنُ أثبتت ما قد نفيتُ
*****
كأن خُوات أمّ الرعدِ فوقي
هماهِمُ ما استمعتُ وما ارتأيتُ
رأيتُ اللجَّةَ الزرقاءَ ناراً
من الياقوتِ فيما قد رأيتُ
فجاشت ثم فاضت ثم ساحت
جداولُ مايحتني فارتويتُ
*****
ولم أعِ ما أفيضَ عليَّ منها
ولمّا لم أعِ الفحوي وعيتُ
وحسبي أنني جمَّعتُ منها
أصول فرائدٍ مما انتقيتُ
فنضدتُ الخفايا في سِلالي
ونشَّرتُ الشراع اللذ طويتُ
وعدتُ وليتني ما عدتُ دهري
وهل تأسو عليل الحظ ليتُ
*****
ولما زاحمَ الآفاقَ مني
جناحا جبرائيل وما اهتديتُ
سمعتُ سهام آفِلُّونَ حولي
مُـزفْـزِفةً وآفِلُّونَ ميتُ
ومرَّت من أماميَ جيلبوتٌ
علي أكتافِها فذٌّ صُليتُ
*****
هبطتُ وأجنُحي أدغالٌ نخلٍ
إذا غنَّتْ عصافرُها انتشيتُ
وحامت صادحاتُ النيل حولي
تغلِّفها المواسمُ فاحتفيتُ
وأعلم أنها جاءت عجالاً
تُقاضي رحلتي وأياً وأيت
فقالت لي نراكَ نضيرَ حقلٍ
ترِفُّ ندىً فقلتُ لها ارتويتُ
*****
فحطتْ ثم طارت ثم قالت:
تُرى ما جدَّ؟ قلتُ لها :اقتنيتُ
وشيتُ لها وأعماقي صحاحٌ
بأسقامِ الصبابةِ إذ وشيتُ
فلما أمَّلتْ نقرَتْ رَبابي
فهازجَها من الأوتارِ بيتُ