نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > مكتبات > مكتبة أسامة معاوية الطيب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 31-08-2009, 11:33 AM   #[1]
أسامة معاوية الطيب
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية أسامة معاوية الطيب
 
افتراضي مـــدن ... ومـــدن ... كتابة للحنين

مروي وذكريات السيل(1978)
أحلامٌ على أهبة النزوح (4)
بدأت صاخبة ، متمردة ، تطل على النيل ، ويطل عليها (البنطون) العتيق ، يقاطع صمت جروفها ذهاباً وإيابا ، يحمل العالم في رحلاته هذه ، جلَّ عمَّاله على ظهره وعلى الأرض من ذوي العاهات ولكنهم كانوا رمزاً لمعانٍ خلقتها أقلام الشعراء قبل أن تجفّ أو أن تغيِّر سطورها بفعلٍ أو ردِّ فعل ، كان الطلاب يزوِّغون فيه من المحصِّل صاحب الجلباب السماوي والشال ( خاطف جميع الألوان ) الذي يسعى أن يعوّض ملاليمهم بجنيهات أصحاب الفارهات وكانت حمير أهل الشرق التي تأتي للسوق صباحاً وتعود مساءً لا تحب أن تنهق إلا في منتصف النيل وقبالة المحكمة ، وما فسرت الأيام إلى الآن تلك الرغبة إلا لماماً بعد أن نافس إنتاج المساجين محصول أهل الشرق الوافر لزمانٍ طويلٍ سابق ، وإلى الآن تقف (نيمات) البنطون في كل شموخ المدينة تطالع البحر ومطالع السوق تحتفظ بكل حرفٍ من تاريخها قبل أن تتحول حجارة الآثار إلى تزيين بوابات الأحياء ، وتطلي نادي الأهلي بجدران عظيمة في مدخله رغماً عن نزوله للثانية في دوري كريمة ، إذن فلماذا يضع التاريخ مدخله وهو يخسر المستقبل بالداخل ؟ لكنه مازال يباهي بالبوفيه الذي يبرع في الكركدي الساخن ، يبرّد كثيراً من وقع الهزائم المتكررة ، لماذا (يتخن) جلد إحساسنا دائماً بالهزائم حتى ننسى مقاس قمصاننا من نصرٍ لن يأتي ؟ حكمة الواقع المر ! تطل مروي على النيل بحياةٍ تقفز فوق السكون ، تبدو مباني الإنجليز التي تصطف على شريط الضفاف الأخضر وهي تنظر للشرق بكبرياء كجيشٍ أدمن الانتصارات في زمانات الهزائم ، معتدةٌ بنقوشها وعمارتها الأنيقة ، مفتونةٌ بجدرانها العريضة تمتص كل لهيب الصيف وضوضاء السوق القريبة ، متموجةٌ ، صامتة إلا من ونسة قماري على أشجار الجميز الضخمة التي تلفُّ المكان بخيوط رائحتها العميقة والمميزة والمستفزة ، ومن محاولةٍ يائسة لإحدى الأسماك للخروج من الجلد بقفزةٍ عالية من النهر ولكنها وحين تعود باندفاع قفزتها نحو الأعماق تدرك وهي تخطو صوب ذاكرتها ( أن العرجا لي مراحا ) فما لها وعالم اليابسة وقد أسلمت المياه جلدها لنعومةٍ تصل حد الانزلاق تنسرب به من بين الأصابع ، ولم تكن مروي مجرد مدينة خلقتها ظروف سياسية لعهدٍ ما أو لفتت استقامة شوارعها واتساع النيل عند عينيها حاكماً يحلم بمد رجليه على بساط ديوانه الأنيق من النيل إلى النيل عبر خور (أبدوم ) تطل نافذة غرفة نومه على صحو العصافير في حديقةٍ لا تنتهي ، ولكنها (صنب) – وهذا اسمها القديم - التي أوقفت التاريخ ليسمع سنين مجدها وأرهفت أسماع الكون لالتقاط همسات أجداده الأبطال الذين صنعوا (نبتة) وخلقوا (كوش) وكتبوا بحروفها ( اللغة المروية القديمة ) كل ما يمكن للحضارات أن تكتبه على صفحات الخلود ، واليوم يعجز الصبية في فصول الدراسة عن الكتابة بحروف العرب التي باتت تخنقها ضائقات ذات اليد حد الموت فيرتدي التلاميذ عجز أهلهم في مشاوير يومية نحو مدارس يملؤها الفراغ ويعودون أنجح ما يكونون في السقوط المريع ، لا يفكُّون الخط ولا يبرحون الجهل قيد حرف ، يسمونهم اسماً وسيماً جديداً حتى لتشتهي أن تكونه (الفاقد التربوي) تردد جنبات المدارس التي شهدت التفوق والنشاط وحيوية أساتذة الرياضة في زمن الكرة ( أم بوز ) ذات الكَفَر الجوُّاني ، تردد الفقد واحد.
تصطف سرايات الإنجليز الآن أطلالاً تذكر تواريخ كبريائها حينما كانت مروي تنام متوضئة برذاذ النيل على جناين الحكومة مغسولة الشوارع بصمت الكون ليلاً وانتباهة الوجود نهاراً تحفها أشجار اللبخ والجميز والزونيا التي تصبغ الثياب بلونها الطاعم ومشاوير العصاري على أنغام طيورها التي تمنح المارة ألحان عشقٍ قديم وأنفاس حضارة لم تزل تنقش بآثارها على قلب الوطن وتلقي بثمار الزونيا والجميز على قارعة الطريق المرشوشة بالرمل وخطاوي المحبين ، والسوق ترفل في أصوات الباعة عربية الملامح إفرنجية العمارة ، سودانية النكهة يجتمع فيها كل السودان ، والسودان لا يغيب عن مدنه ، تتحاور فيه الثقافات والسحنات والأشواق وتنتصر فيه الروح الواحدة ، كانت سوق مروي عالماً يغصُّ بالجمال ومطاعم الفول تنتشر على جنباتها كانت أبوابها تفتح على جانبي السوق مثل جلباب الأنصار الناصية ، ما يسهِّل على طلاب الثانوية المفلسين الزوغان من دفع الحساب وأحياناً حمل الملاَّحة معهم لزوم (دنكلة) فول الداخلية الذي لا يستجيب لكل المحسنات ، لم يكن الناس بعد يعرفون اشتهاء الجبن الأبيض على الفول ولكنهم كانوا يباهون بالرغيف المدوَّر الذي يترك آثار دقيقه على الأيدي وآثار ملوحته الحبيبة في أعماق ملامحهم ، قبل أن تغرق البيوت في الخبز التركي عديم الرائحة والطعم ولكنه يتميز بلونٍ جذاب ، وتلفت الانتباه حركة المقاهي ، كانت الباسطة (يادووووووب طالعة) تسيل ماؤها على الأصابع فتفصح لزوجتها عنها وتقضي حلاوتها على طعم الويكة اللديح الذي استفرد بحاسة الذوق ، وللشايقية حنينهم الخاص مع الشاي (يصبرون على تسع أكواب من السادة ولكنهم وحين يختلط بالحليب لا يحسنون العد) يختصرون كل الكون في مجلس الشاي ويختصرون كل الحب في عزومتهم للضيف عليه ، السوق واسعة ، تشتهر بالقباب العربية الأصيلة وأشجار النيم التي تحضن دائماً تحتها مجموعة أزيار ، سبيل ، تزدان أغطيتها بأنصاف القرع كأكواب تسهم بإضافة نكهتها على الماء أو علب الخميرة الطويلة يثقبونها في أسفلها حتى لا يسرقها الصبية ولكنها تفسد أثواب الكبار فيذهبون عنها وقد رويت جلاليبهم لسبيلٍ آخر ، ويطل غير بعيد دكان (عم أقرع) الذي يحادث المدينة أثرا عن أثر لا تفوته بيوم ولكنه يفوتها بأكوام علب الصلصة وفتايل ريحة السيد علي وأوراق الخريف وزجاجات الفروالة التي سكنت على الرفوف ، حيّرت الغبار ، يجلس بصلعته الناصعة أمام دكانه يطالع العيون وقد غرق في سهوم الكِبَر وشجون الذاكرة تقابله في صالات الخضرة أكوام القرع التي ترقد بالشهور حتى لكأنها جزءً من السوق ، ونساء هذه الصالة أقدم منها كثيراً ، يرحن بالكاد بعد تفرق الناس يقضين كل الليل في الوصول لمنازلهن وما أن يصلن حتى يبدأن طريق العودة يطبعن الجرجير والعجُّور بحالتهن فيبدو أكثر كرمشةً وصُفرة ، ويطل ليس بعيد الجامع المهيب ، طالما باهى النخل بطول مئذنته وحسدته المنازل على طوبه الأحمر المحروق وأقبيته ذات الزخارف الجميلة ، كانت كل المدينة تطل على النيل ، المحكمة ودار الشرطة وأندية الموظفين والأفندية ورياض الأطفال ، تحرسها بقايا أهرامات جدودٍ حصنوا آثارهم ولكنهم أهملوا ذاكرة الأبناء المثقوبة فبدأت الرمال من حول أهراماتهم ونقوشها ودلالاتها العميقة تكتب على صفحة التاريخ سطور النسيان ومقالات الإهمال وروايات غرابيل الأجيال ، تتناثر المعرفة بالتاريخ والتي كان أهلها يسافرون بين نوري ومروي والبركل والكرو دون خوفٍ من ضياعٍ قادم ولكنها هكذا دائماً حكمة الأبناء تجاه أجيال الآباء حكمة التطلع إلى المستقبل دون أي ارتكاز على جدران الماضي فيكون السقوط .
والدولة التي تجهد نفسها جدا في تحديث دواوينها وتزيينها ، ورش الطريق المؤدية إلى دارها ببنود الميزانية كلها وورود المشاتل التي نام نخلها عن الظل والثمر وسهرت على تهجين الورود المحسنة لعيون الولاة التي لا يملأها حتى التراب ، وتنثر فاره السيارات على جنبات المدينة تضنُّ على تهراقا وكوش ونبتة حتى بالسلك الشائك يحيط بحقبتها المفتوحة على عالم الحضارات كلها ، يمنع عنها فقط استباحة التاريخ واغتصاب المجد ولكن … وجاء للمدينة بليل ، السيل الشهير ( سيل 78) فاجأ عيون السرايات الواسعة فأسكتتها الدهشة حد الذبحة عن لملمة أقبيتها وبواباتها المنقوشة بكل الفنون عن وجه الماء الكالح وباتت ذات ليلٍ داكن السواد والذكرى تشهق في النيل ولا تكاد تلحق ، وجاهد اللبخ والجميز وعاندت الزونيا واعتدت جذورها بأمسيات المدينة الراقصة وهي تغوص عميقاً .. عميقاً ولكن الماء تعرف حين يصيبها مسُّ السيل كيف تخلق الموت وهي التي نامت رقراقةً تهب الحياة لزمانٍ بعيد وتمنح الجمال لأجيالٍ وأجيال ، باتت السوق بصخبها وضجيج مقاهيها وجلبة العوام صمتاً يصبّ مع النيل في بحيرة النوبة أو البحر الأبيض المتوسط لا فرق ، كل الذكريات ، مقاعد دكان الحلاّق الخشبية لا تحسن استقبال الجالسين قسوةً وصلابة (هم قاعدين لي متين) ومقصه الخشن يترك آثاره على الآذان دائما ، وكل كراسي المقاهي وصواني الشاي الذي سافرت أكوابه التسع عن ديار الشايقية مع التيار العنيف ، وأغنام المدينة ، كانت تسرح هانئةً بين أحاديث النساء وقهقهات الرجال ظلَّت تترجى مبحوحة الصوت والخاطر مقطوعة الظهر والعشم والأمل أيادي اليابسة بعد أن أرهقتها أصابع السيل طويلة الأظافر ، وماتت أشجار النيم ألف مرة قبل أن تسلم أزيارها لهدير المياه فيختلط ماءها البارد الرائق بتيار السيل (المخجوج ) ولم يصمت الماء عن صراخه المقيت إلا بعد أن اسلم ذاكرة المدينة كلها للنيل ، والنيل صامتٌ تضجُّ أعماقه بتوحُّد المدينة كلها تحت طائل الهجمة ونومتها الطويلة في أحضان أسماكه التي باضت على مقعدٍ شهد ونسات العمّال عليه حين الانتهاء من الوردية الطويلة وفقست تماسيحه على أبواب السرايات الجميلة وتقافز الورل كثيراً على السطح يرفع كراسة طفلةٍ أسلمت المياه مدرستها لموت الفجاءة ، وينزل به ليسكت أوتاراً كانت ستصدح جيلاً بعد جيل معرفةً وعشقاً ونضجا ، ويسأل الأطفال في براءتهم عن مواعيد فتح المدرسة التي تحوِّم سبابيرها في أرجاء جروف حلفا القديمة ، والكبار ما زالوا يبحثون عن ذواتهم وعن مدينتهم التي باتت ترسل رسائل أغنياتها من تحت الماء ، واستيقظت داخلية مدرسة مروي الثانوية بنات على قيامةٍ أخرى تبدل الفناء الأنيق بمياه قاتلة وتذهب نوم البنات الرقيق لتوقظ الخوف والدم والموت ، أوقعت العنابر على الرؤوس المهجومة وكانت ساعةً فقط طفأها الله والصراخ يطلي المكان بالرعب وسرائر البنات تسافر مع هدير الماء وحياة الكثيرات منهن وأحلام البقية والبوابة تضع الثوب على فمها وهي تنتحب مخافة خروج روحها تعاين في العيون الراجفة وتدندن (هي أقيفن .. نورا فيكن ... نورا بت الواطة أخيتي .. نورا أخت كل الغلابة .. تدي للجيعان لقيمة .. وتدي للعطشان جقيمة .. تكسي للماشين عرايا وفوقا يتقطع هديما .. ما عرفتن نورا انتن قولن انتن شن عرفتن ..) قليلةٌ جداً هي المواقف التي تحرج الدمع ، وتختلط حينها كل المعاني بكل المعاني وتقرأ العيون أحرفاً جديدة للموت ما كان ليفصح عنها قديماً والبنات على (العناقريب) يبدلن فناء المدرسة الجميل وتهويمات العنابر الرومانسية بوحشة ( الجبّانة) ولا يعرف الرجال كيف يبكون ولكنهم يفعلونه بصدقٍ نادر ، وظلت قوائم ملاعب كرة القدم شهوراً تتنفس الأكسجين المذاب في الماء مختنقةً بظلام الأعماق وهي القادمة من فضاءات العصاري جميلة التمارين ومشاوير الحسان إلى نزهة النيل اليومية أمام أستديو المدينة الوحيد الذي سافرت لوحاته تهدي الضفاف لوناً لونا ملامح مصورها الأنيق وتبحث عن ستائرها بين أكوام الطين ، وانتبهت أعمدة الكهرباء والتلفون إلى قيمة طولها الذي أوجد لها فرصة النظر إلى جرائم الماء ليس بعيداً عن عيونها الهدم والغمر والسبي والاغتصاب ، الجامع لم تبق منه إلا مئذنته تطالع الفراغ تتحسس شقوق جدرانها كل يوم ، وبقيةٌ من أذانٍ يسكن في مخيّلات الأهل وهم يحوِّمون حوله بانكسار العشيق واحتماله ، لا تشكو آذانهم من مقصِّ أبو خليل الحلاّق ولا تتسمع أذان جامعها المهيب ( فلا الأذان أذانٌ في منارته إذا تعالى ولا الآذان آذان ).
الماء الذي يحيا معه كل شيء أيضاً يموت به كل شيء ، إلا الذكرى ، تقتل بحياتها أعماقاً سلمت من الموت ( الناس تموت ان زادت الموية وتموت من قِلَّتا).
الآن .. ابتعدت المدينة عن النيل ، لم تسمع رجاءات شاعر مروي عبد القادر محمد عبد القادر الذي أرهقته الأيام حد الرهافة فأمسى يكتب الشعر يحنّ إلى مروي القديمة ويسكن الجديدة ذات الملامح الباردة ، ابتعدت عن النيل كأنها تلومه عن صمته الطويل وهي تغوص في أعماقه ملمحاً ملمح وقصيدةً قصيدة ، أصبحت السرايا كظاهر الوشم في باطن اليد ، وما نجا من شجر اللبخ والجميز لم يعد يعتدُّ باعتداله الوسيم بعد أن أسلمه حفر ألسنة الماء في جذوره لاتكاءةٍ أكثر إيلاماً من الموت ، فالمحكمة التي كان يتسمع السمك والقمري مرافاعاتها أصبح فضاء الصحراء يلفُّ قضاتها ، والمستشفى ،كانت تسكت جراح نازليها نسائم النيل الباردة ، الآن تزيد الأوجاع بصقيعة الخلاء ، دندنت المدينة في سرّها ( الخلا ولا الرفيق الفَسِل ) بعد أن باع الماء صداقته معها برخص التراب ، تبحث عن رفيقٍ كيفما كانت فسالته يذهب عنها وحشة الفراغ وما يزال البنطون غريباً في بحره ، وحيداً ، يغني لنفسه ( فوقي غيمة وتحتي شيمة ولاوي في جواي عُصار .. هدَّ بالهم لون صباحي وطالن أحزاني القُصار ) لا يمكنه أن يرحل لأن له داراً واحدة ، تمنى لو أنه برمائي ساعتها أذن لفارق النيل ومضى ، ما عادت أشجاره الضخمة ملاذ الصبية والعشاق وعصافير المغارب وما عادت أصوات اللواري تشجيه بحنينها وهي تجتهد في الصعود عن وهدة الضفاف إلى الطريق الأنيقة عبر جناين المنقة والبرتقال الدقاق ، ولا عادت كماين الطوب التي لا تعرف النوم يغني عمَّالها طوال الليل ويصنعون الطوب بدرجاته المتفاوتة يرصّونه على حوافِّ الجرف آلافاً تؤسس لمدنٍ قادمة تعنيه في شيء، بات الأطفال الذين كانوا يشقُّون السوق متجملين بصخبها ومداعباتها ومعتدين بأقبية أبنيتها ، وهم يخطون صوب مدارسهم ، يشقُّون بطون التيه عليها الآن في ( صوف الخلا ).
الآن .. فقط تخضّر جناين السجن ، كانت سابقاً تنزوي وراء ( دمورية المضامين ) – جمع مضمون وهو الذي قاربت فترته على الانتهاء فيخرج للخدمة في الجناين أو بيوت الضباط – وغناء المدينة على أعتاب آذان النيل ، وضحكات الموج مطلوق السراح على ضفافها ، وذاكرة المتحف الذي يربض وسط وشاح الخضرة بكبرياء تحسده عليها الشمس ، يبكي سنين الوجد والغربة وينام مجروحاً على كتف التاريخ المسكين ، والمدينة مسجونة في البعد عن ذاتها ، لا تكاد تدري من أمرها شيئا.
وما بين مروي 1978 ومروي 2003 يحكي الأطفال والشباب والكبار مواجع وأدت مدينتهم الطفلة ودفنتها رغماً عن مسحها الغبار عن ذقنها الغميء ، وأسلمت ذاكرتهم لليلٍ طويل الغصة والآهة ، وحاد الفجيعة ، وبينهما تكبو الجراح على الجراح وتغوص الطرق المرشوشة بالرمل وخطاوي المحبين في دموع الحاضر الذي لا يحسن إلا استذكار الموت واستحضار دفاتر الشوق واستنطاق الدمع ، يقف الشعر وأحوال مريديه كلها خلف (سُماعين ود حسن) كما كانت تناديه أمه (حد الزين بنية شيخنا اسماعين) يردد مثلما حوّر محرري مجلة مروي
والله يا مروي على لوح الزمان منقوشة بي سن الحُراب
وما بنقدر على وصفك إذا خطينا بي حرف الخلود مليون كتاب.
أسامة معاوية الطيب
الشارقة



أسامة معاوية الطيب غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-09-2009, 09:04 AM   #[2]
أسامة معاوية الطيب
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية أسامة معاوية الطيب
 
افتراضي

المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية (1)
الخرطوم ( بندر البنادر ) والمقرن المضاع
المدن السودانية ، أليفة الملامح ، طاعمة ، دافئة ، تسكن قلوب ساكنيها وتخلق منهم وحدةً تكسر حواجز القبيلة والنسب ، وتكتب على نواصي ذاكرتهم حضورها المسكون بعمقها الحميم ، تاريخ انتمائها لهم ، شارعاً فشارع ، وملعباً فملعب ، و ( حيشان وأسواق شعبية وحلاّل ومواسم ) ، والمدينة السودانية تخص نفسها دائماً بلونٍ خاص وطعمٍ من آخر ما يشتهي أولادها ، ورائحةٍ أكثر ما تحرِّك أوتار الحس المتنازع بين البقاء والهجرة ، وتبقى لها أعمق سمة من سمات الريف القديم وهي النزوع – عن وإلى – البندر والبندر في السودان هو الخرطوم العاصمة ، وهذه السمة هي التي خلقت رائحة وطعم ولون هذه المدن ، فالمدينة السودانية محاولة لخلق عاصمة للقبيلة – مكانياً – يتناولون فيها وفيها فقط مسائلهم الحكومية والتي تشمل على كل ما يخرج من نطاق حواشيهم المترعة بالقمح والقطن والسمسم والبفرة والباباي ، وتبدأ من السكر والشاي والكبريت وتنتهي بتصديقات الدواوين المختلفة ، فتكون حتى مدينتهم جزءً رئيساً من وعيهم الباطن وامتداداً لفكرتهم حول البندر المطلق ( الخرطوم ) وفي ذلك تستوي كريمة وكادقلي وبارا وأمدرمان التي تأبى حتى الآن صفة المدينة ( ذات السيقان الأسمنتية ) وتظل تحتفي بشوارع ( ود درو ) عاشقة الحفر ، والظلمة ، المتصاعدة أحياناً والمتلوية أكثر الأحايين ولكنها تنزف عبق تاريخهم ومعنى وجودهم وارتباطهم بالنيل مجرداً من سلاسل التحديث ، وقيود العولمة ، يظل يراشق ضفافه كما يشاء برذاذه المتطاير ويمنح صائدي الموردة أسماكاً تعطي المكان رائحته الأبدية ويظل سوق الجلود رمزاً لصنعة اليد الحاذقة ، يشهر سلاح رفضه ضد الآلة والمصنع ، ورغما عن ذلك تبقى أمدرمان جزءً من البندر السوداني وجزءً من صعيد أهل السودان ، تدفن رأسها في الرمل حيناً ، وهي تمرُّ بين سوق العناقريب ورائحة الحبال والجلود المعطونة بأيادٍ حذقت فن التجليد ، وتمرُّ بسوق العيش تشبع رئتيها بغبار الحبوب المتصاعد ، وأذنيها بهمهمات الباعة وصهيل الخيول المنهكة ، وعينيها بصور الماضي الذي يصرّ على الحضور ، وتمرّ على أحياء ودنوباوي ، وبيت المال ، والملازمين ، فتقرأ في عيون أهلها محاولة ترييف المدينة الصاخبة في منازل تتجشأ جدرانها من قليل المطر شقوقاً تبقى لسنين معالم ومواضع تشعل المكان بانتماءٍ نفسي يغوص في روح المكان لصوقاً بذكرياتٍ وتداعيات وأحلام ، تدسّ الأمهات فيها أوراق وخطابات المغتربين ، وأبواباً تنسى تاريخ التقاء مصراعيها ، مفتوحة يرقد على جانبيها حنين الريف وهواء البساطة وأغنام الحي التي تسرح هائمةً على أوجه أصحابها تتسمع دندنات العود من بيت لبيت ، وأبيات الشعر مقهىً فمقهى ، وألحان أغنية الحقيبة التي شكّلت وجدان الأمدرمانيين من كثيرين ذابوا في ذات سرور وكرومة ، وظلَّت أمدرمان على ذلك تتقلب بين مؤيد ورافض لمقولة د. عبد الله حمدنا الله ( أمدرمان مدينة مصنوعة ) ولكنها تنتبه فجأة إلى غابات الأسمنت الممتدة التي تذكرها بتسلّط البندر على ثقافتها ، فتتقطر عرقاً من احتمال ضياع الريف الذي يربض مترقباً بداخلها حيال قدرة البندر على الانتشار في أوصالها مبنىً ومعنى ، ولأمدرمان هذه أحاديث خاصة ، نأتيها حين عشقٍ قادم ، ولكن اليوم أفرد جناح الحرف صوب مدينة ٍ لا يدعي الانتماء إليها أحد لأنها اختارت أن تكون بندراً مطلقاً لا يأتيه الريف من بين يديه ولا من خلفه ، وهو بعد يعدّ العدة لخنق النيل الحرِّ مطلوق السراح بجسور وكورنيش حديث يقطع كثيراً من أحاديث الوجد السابق بين الماء والضفة ، إنها الخرطوم العاصمة.


نواصل



أسامة معاوية الطيب غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-09-2009, 09:10 AM   #[3]
elle
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية elle
 
Post

اقتباس:
الذكرى تقتل بحياتها أعماقاً سلمت من الموت
وأنت بهذه السطور

اقتباس:
تهب الحياة لزمانٍ بعيد وتمنح الجمال لأجيالٍ وأجيال


أشكرك


إحترامي



elle غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-09-2009, 11:45 AM   #[4]
أسامة معاوية الطيب
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية أسامة معاوية الطيب
 
افتراضي

الخرطوم ومنذ زمنٍ بعيد ظلّت تشتهر بابتعادها عن وجدان الشعب ، ظلّت في مخيلاتهم مدينة ( اللاءات ) فقط ، عندما يغنّون ، يغنّون لعجو المحس التقيل ، ومنقة كسلا ، وعروس البحر ، وعروس الرمال ، ولكنهم يغتربون في العاصمة ، غربةً وجدانية ، فالنيل عندهم رهين بوابات القصر ، والنقل النهري ، والضفاف عندهم لا تعني براحات جروفهم وشتولها الخضراء بقدر ما تحاط في أذهانهم بحساسية الوصول و ( ممنوع السير على الحشائش ) وطيور المقرن البيضاء لا تعرف جنةً أخرى ولكنها تشكو ضجة الجسور وقوارب الأندية المترفة التي تخيف أمواج النيلين الهادئين ، وعندما جلس ( معاوية نور ) القرفصاء على ضفة النيل الأزرق من جهة الخرطوم وهو يطالع مقرن النيلين ، أمامه ، ومدينة الخرطوم بحري التي تقف بخجل ضفافها وعبق ذكرياتها واحتدام أحلامها في جوف يحنُّ إلى جزيرة توتي ، تقف خجلى خلف قصر الصداقة المهيب ، تقع على يمينه ، وأمدرمان القرية الكبيرة على شماله ، وجزيرة النور والمعنى وأشجار الليمون والبرتقال والبنطون الذي بات يشكو تحرشات صغار القوارب ، جزيرة توتي أمامه ، قال إنه يحتاج لبروست آخر ليشرح ما في وعيه المستتر ، إنها مكونات الحياة والجمال ، كانت أبواق السفن القريبة جزءً من ذاكرته المسكونة بنداءات الباعة وتلال القرع البلدي وجوالات الجرجير التي تنضح ماء وخضرة ، والخرطوم اليوم غربةً ثقافية ، يجئ إليها الشمالي ممكوناً بجراح وتمزقات خاطره حيال ما خلّف وراءه من حياة ، ينقرش طنبوره فتتفتح ورود الفول على ضفاف القرير الرائعة ، وترسم صفحة النيل أغنياتٍ خالدة تشارك القماري أعشاشها وتخطو على شوارع القلوب المفتوحة.
شوفي الزمن يا يمة ساقني بعيد خلاص ... جرعني كاس ... دردرني واتعذبت يا يمة ... وريني الخلاص …. وينتحبون
حمدي سافر جنس سفرة ... مالي حلق الحلة عبرة ... خلّ طين عضمين وتمرة
ويجئ إليها أهل الغرب فتصفعهم أهواء الواقع الجديد ، يبكون زمانات ( ساورا ) وشلالاتها وزهور جبل مرة ذات الألف لون ، ومنقة أبو جبيهة ، وألبان ( كاس ) ، وريفها ، يمشون على أطراف الجبل بذاكرتهم وجباههم المصرورة في غير ما زعل والمطلوقة في أوجه القادمين ، يشترون بالتعريفة في زمنٍ يمارس فيه الجنيه النكوص على أعقاب قاتليه المترفين ، يهوّمون في أنحاء العاصمة غريبي الوجه والثقافة ، منهوكي القدرة على تحمّل آلام غربتهم الجديدة فيبكون : دارفور بلدنا ... رجِّعنا نعمل .... نزرع نعلى شانا
ويهم أهل الشرق بالموت وهم يشتاقون لماءٍ تقتله الرائحة والطعم واللون ، ويتوضئون به ( في أمانة الله ) يندس في ( قربةٍ) واهنة في خلوات ( مسمار ) الواسعة ، يتحين ( قيطان ) عراريقهم أي مرورٍ أمام أحد الدكاكين ليتكرف فقط رائحة الصابون ويعود لشظف اتساخه ، فقط يبكون أيام وقوفهم على رجلٍ واحدة يستعرضون أيديهم على ( سفروقٍ ) يتعارض على كتوفهم ليطالعون ركاب القطارات ، ويستفزون أهل الشمالية القادمين من ( حش التمر ) بأن يبيعونهم البلح في محطاتهم ( البلح الحلو ) ويبدلون الحاء بهاء باهتة ، يلخصون الحياة كلها في ( فنجان جبنة في شمالو يسوى الدنيا بي حالو ) يحلِّفون اللوري أن يمنحهم فقط ( بوري ) وفي العاصمة يسحقهم الضجيج.
ولكن الخرطوم ظلّت أغنيتهم الوطنية يتحدون معها وحدة كاملة وهم يحلمون بالسودان الواحد ، تعبّر عنهم جميعاً وتحتويهم
يا خرطوم مين سلبك حلبك ، زنجك ، نوبتك ، بجتك ، عربك يا خرطوم
مين الصلبك فوق الطلحة …… (ويدعون النقاط تفتح أسئلةً أخرى)
هي نسيج السوداني الأوحد الذي خلق من دليب الشايقية ومردوم الغرب وباسنكوب الشرق وكمبلا الجنوب ، سبحة عشقٍ سودانية يسبّحون بها أطراف الليل وآناء النهار ، وجودهم الثقافي المتنوّع الذي تشكّل وحدةً واحدة وغنّوا معه
غنّي يا خرطوم غنّي شدّي أوتار المغنّي ... ضوّي من جبهة شهيدك أمسياتك وإطمنِّي
وكلما لفحتهم هجاير الغربة والمهجر كلما نشدوا سودانهم الصغير الخرطوم
الناس يسألوني .. وأسأل غير ي عنك
سبب الفرقة نحن ... واللا أسبابا منّك
ليه الغيبة طالت .... ليه يا المشتهنّك
الخرطوم بدونك ... ضهبانة وتفتّش لي واحات عيونك


نواصل



أسامة معاوية الطيب غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-09-2009, 12:13 PM   #[5]
نعمات حمود
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية نعمات حمود
 
افتراضي

[QUOTE=أسامة معاوية ..
نعمت ونعمت ايامك ...اتابع هذا الشجن ..واتذكر ..بعض الملامح التي تشابة ..مدنا عشت فيها
اتمنى ان تمر بالرباطاب ..وتسرد لينا شوية ..
لك مودتي ..وحبيت اسلم ...وكل سنة وانت وهذا اليراع بالف خير
محبتي



التوقيع: نعمات حمود
نعمات حمود غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-09-2009, 12:45 PM   #[6]
أسامة معاوية الطيب
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية أسامة معاوية الطيب
 
افتراضي

elle
دائما شكرا جميلا
وكلما ناقزتني الذاكرة تذكرت تواردا للخواطر ... معك ... وجميل ما تشيرين به
كوني دائما مفرهدة كما أنت

شكرا كلو كلو



أسامة معاوية الطيب غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-09-2009, 12:55 PM   #[7]
أسامة معاوية الطيب
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية أسامة معاوية الطيب
 
افتراضي

نعمات حمود
ياخي مرورك يسعد ... ويروي ... ويقهوج كمان في هذا الرمضان
ليك أجرين ... أجر المرور الوسيم دا ... وأجر من أفطر صائما
كتر خيرك
وبلاد الرباطاب مررنا بيها ذات قطار ... ومازال طعم عيشها ورائحته وسخونته تعلق بذاكرتنا ... وفي القلب أماكن منها مقيمة ... الا بس القلم ليهو رافع

يالتلك الأيام



أسامة معاوية الطيب غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-09-2009, 05:44 PM   #[8]
الجيلى أحمد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الجيلى أحمد
 
افتراضي

اسامة ..يااسامة
يااسامة..

اظنك ذكرت انك ستواصل
فواصل ياصاحب

واصل فهذه كتابة ممتعة



التوقيع: How long shall they kill our prophets
While we stand aside and look
Some say it's just a part of it
We've got to fulfill de book
Won't you help to sing,
These songs of freedom
'Cause all I ever had
Redemption songs
الجيلى أحمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-09-2009, 06:05 PM   #[9]
مواطن
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي


أسامة .. جميل الحرف ..
أرقب قدومك البهي ..
فواصل تلك الفواصل .. فوالله لكأنك تحكي عن عطبرة وعني وعن كسلا وعنا.
أقعد بالعافية



التوقيع: [align=center](تبارك الذي بيـده البـؤس وبعـض ومضات المنـى
ويمـشي بيـنـنا)
[/align]
مواطن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-09-2009, 08:37 AM   #[10]
أسامة معاوية الطيب
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية أسامة معاوية الطيب
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الجيلى أحمد مشاهدة المشاركة
اسامة ..يااسامة
يااسامة..

اظنك ذكرت انك ستواصل
فواصل ياصاحب

واصل فهذه كتابة ممتعة
الجيلي
تعرف ... استمد القدرة على المواصلة من هكذا مرور ... يشحذ ويحفز ويعجب
شكرا جدا
ومواصلين ان شاء الله



أسامة معاوية الطيب غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-09-2009, 08:43 AM   #[11]
أسامة معاوية الطيب
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية أسامة معاوية الطيب
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هاشم طـه مشاهدة المشاركة

أسامة .. جميل الحرف ..
أرقب قدومك البهي ..
فواصل تلك الفواصل .. فوالله لكأنك تحكي عن عطبرة وعني وعن كسلا وعنا.
أقعد بالعافية
تعرف يا هاشم ... هكذا بلا ألقاب حتى نحس بالقرب ... تعرف انت لو جيت البوست الجنبي ساكت بكون فرحان ؟
وكمان مسألة جميل الحرف دي بتخليني افتري بعد دا لأنها من سيد الحروف
ياخي كتر خيرك ورمضان كريم
ومواصلين وكسلا جاية ... وعطبرة التي ولدت بها وعشت فيها لحدي قريب دخول المدرسة تمر على رأسي - الصغيرة - أطياف مدرستها الأميرية حيث كان يعمل الوالد - عليه الرحمة - ومركز الشرطة التي كنت أمر به في طريقي للسوق وأسمع أن حسن الحسين معتقل به - كنت لا أفهم معنى معتق ولا أعرف حسين حسين - ولكني أذكرهما حيث يمر بوخ رهبة ما بين أرجلي وأنا أسرع الخطا هاربا من دائرة اختصاص المركز
جاييها عطبرة ... أول خطاب غرامي أرسل لي أفسدته ماسورة المحطة تلك الماسورة الكبيرة خالص خالص - هي كانت كم بوصة يا هاشم - ؟ سأعود لأحكي عنها عطبرة وعن الإشلاق وجدي وذاكرة طفل كان لا يزال ...



أسامة معاوية الطيب غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-09-2009, 08:45 AM   #[12]
أسامة معاوية الطيب
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية أسامة معاوية الطيب
 
افتراضي

أنا بس لو وريتوني الكتابة دي بينسقوها من وين ؟



أسامة معاوية الطيب غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-09-2009, 08:48 AM   #[13]
أسامة معاوية الطيب
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية أسامة معاوية الطيب
 
افتراضي

وعندما تحدّث سيد أحمد الحاردلو الدبلوماسي الشاعر ، في قصيدته عن الثائر الأفريقي الكبير ( لوممبا ) احتشد السودان كله في الخرطوم المدينة التي لا تعرف الظلام ، ويبدو أن التجاني يوسف بشير هو الوحيد الذي غازل الخرطوم وهو يراها كالزهرة المونقة ، وحتى عندما غناها أبو العلا مع سيد خليفة كان يغني السودان.
ولأنها آلت على نفسها تحمّل رسالة العبء السوداني كاملاً ، لم تشكو يوماً من كثرة الباكين فيها على أحلامهم الدفينة ، ولكنها ظلّت تباكي الجميع وتحاول أن تجفّف الدمع عبر ذوبانها في اسمٍ واحد مع أمدرمان وبحري – القريتين الكبيرتين – ( العاصمة المثلثة ) لتمنح نفسها بعضاً من عافية الريف ، وتنشد أن يأتي يوم يحنّ إليها فيه جيلاً من الأبناء ضيّعهم المهجر خارج السودان أو في إحدى مدنه المتناثرة هنا وهناك بعيداً عنها ، مثلما حنّوا لأمدرمان وغنّوا
من فتيح للخور للمغالق ... قدلة يا مولاي حافي حالق
بالطريق الشاقّي الترام
ما هو عارف قدمو المفارق ... يا محط آمالي السلام
وتشتاق إلى زمانٍ يحنّ إليها فيه حتى أبناء الريف الذين غنّوا
حبّيت عشانك كسلا ... خلّيت دياري عشانك
وعشقت أرض التاكا ... الشاربة من ريحانك
وإلى أن تفّك الخرطوم من يديها قيد اتصافها بـ ( بندر البنادر ) ، وتحلّ رهان نيلها حتى يصافح رذاذه ساكني الجريفات والكلاكلة وإلى أن يحنّ أبناؤها البعيدين عنها ويبكون ( أحنّ إلى خبز أمي … وقهوة أمي … ولمسة أمي ) ستظل فقط تفاخر بأنها مدينة اللاءات الثلاث لكنها أدمنت مؤخرا كلمة نعم.

نواصل



التعديل الأخير تم بواسطة أسامة معاوية الطيب ; 02-09-2009 الساعة 10:09 AM.
أسامة معاوية الطيب غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-09-2009, 10:10 AM   #[14]
رأفت ميلاد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية رأفت ميلاد
 
افتراضي

ده بوست كان وين .. ياااه يحتاج قهوة طازجة وإعادة قراءة ..
يا سلام يا أسامة على السرد .. المدن أمهات آخريات .. لا يقلوا عنهن حنية .. وأوسع منهن أحضاناً ..

متابعين ..



التوقيع: رأفت ميلاد

سـنمضى فى هذا الدرب مهما كان الثمن

الشـهيد سـليمان ميلاد
رأفت ميلاد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-09-2009, 10:12 AM   #[15]
أسامة معاوية الطيب
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية أسامة معاوية الطيب
 
افتراضي

بين نهر القاش وجبل التاكا
تنام كسلا على أغنياتها (2)
أول ما يكحِّل العين وهي تشارف على مدينة كسلا ، سحابةٌ ترسل أذيالها على نواصي جبل التاكا الثلاث ، لا تبرح مكانها وتظل تدور حولها وهي تغمض عينيها خجلا ، وتجود بدمعها أمطاراً ناعمة تغسل حجارة الجبل الملساء فتكتب للعشاق صفحة غرامٍ أخرى ، وهم يخطون في وداعةٍ عبر مساربه الكثيرة لبلوغ إحدى قممه ، وجبل التاكا أكثر جبل سوداني رسم لنفسه هالة الحب والعشق في نفوس زائريه – يقاسمه جبل مرة وجبل البركل بعض العبق – في بلد تفاخر بسهولها الممتدة كأوراق ( الفلسكاب ) البيضاء تنتظر فقط أقلام الترابلة لكتابة الجهد والعرق حتى يوقِّع الماء عليها مزارعاً تسد عين الشمس وشتولاً تخيط المساحات بإبر الخضرة والعبير ، كان الصبية قديما حين كانت المدارس ، وقبل أن ترحل مع مواسم الأمل ، يحضرون ( فتايل ) الدواء الفارغة لصرف الحبر يوم السبت من كل أسبوع – على أيام قلم الشطَّافة - والآن يحضر المزارعون ذات الفتايل لصرف ( الجزلين ) لتحبير تلك الأوراق الممتدة لذا فإن كتابة الترابلة لا تزال على رأس الورقة فقط ، وما بين الكلمة والكلمة ينفضون القلم عدة مرات في زمنٍ مزَّقتنا فيه الفواتير - وأهل كسلا يعرفون أن من تقوده قدماه إلى إحدى القمم الثلاث ، وأكثرها دنوُّاً من الأرض ويشرب من نبع (توتيل) الذي يخالف قوانين الفصول ويظل كما يشتهيه الزائرون ، يتفجّر عيوناً تغسل الحجارة ، وناعم الرمل ، والخواطر المسروقة بروعة المشهد ، لا بدّ وأن يعود إليه ثانيةً ، وكثيرٌ من الشواهد تؤيد أساطيرهم هذه بعودة الزوَّار ولو بعد حين ، يبدو الجبل في ثلاث قممٍ سامقة تتسابق فيما بينها لتمنح الوجود لوحةً نادرة الجمال ، والجبل كله عبارة عن صخرةٍ كبيرة ، لامعة ، مغسولة ، تتخلل تعرجاتها شجيرات صغيرة ، يبدو الندى على أوراقها كسبحةٍ نثرتها الشمس على هامة الجبل البيضاء وسالت بغير نظام على وجوه الشجيرات وسكنت ، لا تكاد تغيب طيلة أشهر السنة وتتجمل في الخريف مع تفتق الزهور ومواسم الشعر والخصب والإلهام ، تقف كل الفصول تغني للياليه الأنيقة ...
أرجعيلن
يرجع الطير لي غصونك ويرجع الدم للأغاني
ينجبر خاطر الليالي الشايلة آهاتك معاني
ينطلق ضهر أغنياتنا ونملا بيك الكون أماني
رجعي الضو للمداين… ولون غناك لأوتار سجينة
للعصافير ريش جناحا ……… … وهدهدي الفرحة الحزينة
وركّي فوق لمة غمايم …………… قمرة في كتف المدينة

ونواصل



أسامة معاوية الطيب غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 04:58 AM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.