نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > نــــــوافــــــــــــــذ > الســــــرد والحكــايـــــة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-05-2009, 03:23 PM   #[16]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي


أمام تلك البيوت تتكدس أكوام من العطرون، إذن سكان هذه القرية من عمال المناجم! وهذه الأكوام هي السوق المركزي وإن لم يرق لك فقل بورصة العطرون. تحت سفح ذاك الجبل زعموا أن كانت هناك واحة، توجد من شرق القرية بئر يطلقون عليها سانية، يبدو أنها كانت تعمل بطواحين الهواء على عهد الفرنسيين، هذه البئر تحتاج لأربعة أشخاص لنزع دلوها بواسطة أشطان وعند وصول الدلو إلى خارجها بالكاد يخرج من الماء ربع المكترى(Net Weight) .

ألقينا عصانا قريباً من البئر فهرع إلينا سكان القرية التي تقع خارج الكرة الأرضية لعزلتها، خرج قومها يتفرسون في وجوهنا وزكائب أمتعتنا التي تنوء بها الشاحنة، هناك من على البعد فتيات باسقات الطول كالعيدان يعرضن أنفسهن للمتعة، نعم حتى الصحراء لها مواخيرها تماماً كالمدن المتروبوليشن التي ترتمي في عوالم النيون، وللحقيقة لم أر لتلك الفتيات أثداء بتاتاً أما سوقهن كسيقان النعام، وهنا لأول مرة أكتشف علاقة البيئة بالسيقان، فالبيئة الجافة المتصحرة سيقان نسائها كسوق النعام ، والبيئة الرطبة مهما كانت درجة حرارتها سوق نسائها كالبلنط ( طفاية القاعة) والبيئة الجبلية تبدو سيقان نسائها محشوة بكرات التنس، لدرجة انتشار عيادات التجميل لأزالة تلك الكرات كما هو الحال منتشرة في هونج كونج.

برز إلينا في تلك القرية رجل تشير معداته على أنه صائغ ذهب يحمل ميزاناً أكل عليه الدهر وشرب، أخذ مكانه تحت ظل الشاحنة، وكلما وقع تحت بصره خاتم فضة أو نحاس طلب من صاحبه معرفة وزنه وعياره! مما أصابني بالدهشة من الفائدة التي يجنيها من تلك المهمة التي لا تدر إلا العجب.

كلما ما فعلناه في تلك المسمى واحة أخذنا قسطاً من الراحة ودلقنا قدراً من ماء البئر في جسومنا وتزودنا بالماء ووزعنا بعض الطعام لسكان تلك المعمورة ثم استأنفنا المسير.

يغلب على سكان تلك القرية ملامح التشاديين بزيهم المزركش وجسومهم النحيلة، أما لغتهم فهي أفريقية ولكنها ليست لغة الهوسا التي تنتظم دولة النيجر، مضى علينا نهار وليلة كاملة حتى أخذت صورة ذاك الجبل في التلاشي.



التعديل الأخير تم بواسطة آدم صيام ; 18-05-2009 الساعة 12:52 PM. سبب آخر: تصحيح كلمة المتروبوليشن
آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-05-2009, 03:07 PM   #[17]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي

(8)

في عالم الصحراء البهيم، ما إن تأذن الشمس في جمع خيوطها تاركة على الأفق جراحاً غائرة جراء الفراق تقطرعسجداً ووحشة، يتخذ الليل شيئاً فشيئاً متكأه على قارعة الوجود ناثراً هدوءه وسكينته، حينها تبدأ الأشياء تفقد ظلالها الفارعة الطول، وينتاب الكون سكون القبور، من ثم تبدأ مسامات الرمال في التماسك الحميم ماسحة أديم الأرض بصلابة افتقدتها طوال النهار، فتعفي المسافرين عناء التوقف ليلاً ونشل المركبة من وحل الرمال.

يقبع المسافرون على صهوة أمهم السفينة يرقبون الأشياء بعيون النعاس وداعاً واحتفاء. ومن ثم يقضون فرضيهم المسائي جمعاً وقصراً وهم جالسون القرفصاء والشاحنة تمخر عباب الفضاء.
في ليل الصحراء الوحيش، يقترب سطح الشاحنة من قبة السماء أو تسجد السماء قبالة الشاحنة، وتتبدى الكواكب في سفور قريب.
ههنا قناديل من الثريا تخبو وتلمع،
وههنا عناقيد من برج الجدي متناثرة،
وذا كوكب الزهرة يطل علينا بحجم القمر،
أنجم وزينات مجرة الكبش تعتمر قبة السماء وتعد سرادقها لحفل المساء.
لم يكن ليل الصحراء ممسحة لسبورة النهار فحسب، إنما شروع متئد لسهرة مكتملة يشنف آذانها الحادون بمزاميرهم الحنجرية، وينسجها الزمان بروايات الخوارق وأقاصيص العجب.
تكل الأفواه والأخيلة، وتتمدد الأثواب والأغطية ليسلم المسافرون أرواحهم رويداً رويداً لسلطان الكرى. في الجانب الآخر ناحية غرفة القيادة، يحتسي المساعدون (أفرنتيي) مع سائق الشاحنة الشاي الأخضر ويتسلى الرفاق بقشور المغامرات ولباب الأسفار.
وفي الليل الطويل يحمد السرى.

أطل نهار جديد بثوب جديد في مكان جديد، وأرض الصحراء مفروشة على آخرها بسجاد من السندس الأخضر مطرزة حواشيه بثمار بحجم البطيخ!
إذن شرعت الصحراء بالاحتقاء بنيافتنا بهذه الأبهة
نبات في قلب الصحراء ؟
ثمار بحجم البطيخ؟

الأحلام في الصحراء يمكن جسها، ففي النهار برك الرهاب من حولنا وهذا الاخضرار لا تكذبه العين.
إنه وادي الحنظل يموت ويحيى بنسم الصباح، وللنبات صيام وسجدة كما للأنام!


المسافرون بزعمهم أن واحة تسمى (ديركو) تتوعدنا على تخوم ذاك الوادي! حيث يتسنى لنا أخذ قسط من الراحة وتشنيف مآقينا بأنفاس الحياة.
ها لاحت في الأفق القريب واحة ديركو في شكل جمهرة من نخيل قصير يلوح بأغصانه إلينا مهللاً بمقدمنا، وكيف لا تستبشر الواحة بالقادمين، فهم الحراك الذي يجدد أوصالها والغذاء الذي يرفد بالطاقة أرجاءها.

رجال من الجند يجوبون الواحة نصف عراه شاكون أسلحتهم.
ظلال النخيل القصيرة تخذت مساكن مؤقتة أغلب مستظليها نساء عاريات ينتظرن في هذه المحطة القصية ريثما يقوم الحواة بتهريبهن عبر صحراء الجزائر إلى غدامس ومنها إلى الشواطئ المالحة وصولاً لأوروبا ليبدأن حياة ما، ويغسلن من الذاكرة وعثاء السفر وشيئاً من جنابة ويحققن أحلام الرفاه العراض.

إذن الصحراء على إطلاقها معمورة بالمارة والهاربين وثلة نساء!
ونحن نشكو هول التوحد بكل تفرد، أهذا هراء؟

لم نمكث في ديركو كثيراً، فبعد أن تزودنا من تقوى الواحة ماءها شددنا الرحال نجد المسير ناحية مدينة أخرى تسمى أقديس يقال أنها ثالث مدينة في النيجر، كما شرعت ألسنتنا تتلمظ بعضاً من مفردات لغة الهوسا:
(إنا زاكا) أين ذاهب
(إنا كونا) صباح الخير
(سينجي لوكشي) وقت الشتاء.
لم نقض يوماً كاملاً في المسير حتى اعترضت مسيرنا حاملة جنود صحراوية فأوقفتنا.
ينبغي علينا التوقف لبضعة أيام حتى تتجمع قوافل المسافرين ويقوم الجنود بحمايتها من قطاع الطرق ومتمري الطوارق.
الأخبار الواردة من نفق الجبل تقول إن شاحنة متقدمة تم سحل كل من فيها من قبائل الهوسا وأما غير الهوسا تم تجريدهم من كافة أوسمة الأمتعة والنقود!
إنهم متمردون إذن! يطالبون بقسمة الثروة والسلطة مع الهوسا .
هنا بدأ المسافرون كل واحد على حده يؤنب نفسه، لماذا تقدم نفسك طعماً سخياً في مأدبة الصحراء لمجرد نزوة سفر وكومة فضول؟
إذن فلننتظرلعند المساء.



آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-05-2009, 03:20 PM   #[18]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي




آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 24-05-2009, 03:22 PM   #[19]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي


(09)


هبط المسافرون من الشاحنة وقد أعياهم الخدر حاملين ما خف من أمتعتهم فافترشوا الرمال بعد أن اجتاحتهم سحب الحزن من ما تناقل إليهم من أخبار المسافرين السابقين والمصائر التي لاقوها ساعة أن هجم عليهم متمردو الطوارق من أعلى الجبل وهم محصورون أدنى الوادي فأمطروهم بوابل نيرانهم وأعملوا فيهم تقتيلاً وسلباً . لم يبدد سحائب ذاك الحزن إلا انشغال المسافرين ببعض شؤونهم، فبعضهم ذهب لقضاء حاجته والبعض الآخر شرع يطهو له طعاماً بقليل من الماء النادر أما أواني الطبخ فإن رمال الصحراء كفيلة بتطهيرها وأيما تطهير.

إذ القوم منشغلون بما لديهم يهبط علينا أفراد من شباب قبيلة البررو( أم برروا) منسلين من فجاج الصحراء كالنبت الشيطاني وهم طوال الجسوم شعورهم مسترسلة مضفورة ومرصعة بحبيبات الخرز، أما عيونهم مكحلة بالكحل تزين معاصمهم ورقابعهم حلي النساء، إذن انقلبت مفاهيم الصحراء في تمييز الرجال من النساء! ترك شباب البررو أبقارهم على مقربة منهم وعلى رؤوسها العصي الطوال أم أجسامها ملساء كما تبدو عليها القصر. وقد أشارت كتب التاريخ أن الموطن الأصلي لقبائل البررو هو جبال القوقاز في أواسط آسيا. البررو يعبدون الشيطان ويقدسون البقر ويتجولن في محيط السافنا على طول قارة أفريقيا.
عرض علينا شباب البررو بضاعتهم المتمثلة في بعض عروق الأشجار التي تسمى قنج وزعموا أن الرجل إذا تناولها ولا سيما مع الشواء فإنه يصاب بالإنعاظ لدرجة التحجر وإذا لم يمارس الجنس آكله فلا محالة لابد له من فصد عضوه عدة فصدات حتى تخرج كتل الدماء المتحجرة، عندما سمع المسافرون تلك الوصفة أصيب بعضهم بالانتصاب والبعض الآخر بدأ يقلب في عواقب تلك الوصفة. كما زعمت مجموعة أخرى من شباب البررو أنهم يقرأون الحظ ويتنبأون بالمستقبل، و أن لهم جذور أشجار سموها عروق المحبة تجلب إليك الحبيب أينما تكون بمجرد ذكره أو تخيل صورته! لم يتبق لهم إلا أن يعرضوا لنا عروق ( لاتموت إلا إذا أجلك تم)
في ذلك المكان لحق بنا مالك الشاحنة على سيارته ذات الدفع الرباعي وإطلع على الموقف الأمني الذي ينبغي التقيد به حتى يتمم الله الرحلة بسلام. في المساء بعدما اطمأن على الخطوات الاحترازية الأمنية انطلق بسيارته غير ما بعيد في الوادي فإذا بعيون زرقاء تعكس أنوار السيارة فعلم أنها غزال فعاجلها حتى دهسها فسقطت تحت إطارات السيارة فأسرع إليها وقضى على حياتها بمديته الطويلة، سال منها دم شحيح أقرب إلى السواد وذلك لاعتمادها في غذائها على جذور الشجيرات. حملوها إلى قرب الشاحنة وبدأ القوم في إعداد حفل شواء لم يسمع به ساكنو الصحراء من قبل . أحد الرجال أكد على أن عمر الغزال تجاوز التسع سنوات وكان برهانه عدد الحلقات التي تطوق قرون الغزال وعندما عددناها وجدناها كما قال، وهكذا تحتفظ الطبيعة بدقة تسجيل تواريخها حتى ولو داخل قرونها وجيناتها. انتهى القوم إلى مضاجعهم بعد حفل الشواء الذي كان عشاءً ذا صيت.

في الصباح الباكر تجمعت أرتال الشاحنات مؤلفة قافلة تتقدم من أمامها وخلفها سيارات الجيش الممشوقة المدافع ثم انطلقنا إلى الوادي المخيف وعندما مررنا على ذلك المجرى أطلق الجنود عيارات نارية خوفاً و إنذاراً حتى أدركنا موضع أحداث الشاحنة المنهوبة فوقفنا على أثار الدمار من ملابس بالية وعلامات أخرى ثم تجاوزنا الممر بسلام وعلى مرمى من البصر وادي الحنظل.
أسرعنا العدو حتى لاحت لنا مشارف مدينة أقديز فارتسمت على محيا القوم علامات الفرح والنصر وكأنما وصلنا إلى ديار أحبتنا وأهلنا الذين فارقناهم منذ زمن طويل.

كانت (1992) مدينة أقديز التي تتوسط الصحراء مبنية من أكوام القش والعشش أما دور الحكومة فمبنية باللبن، ورغم أنها المدينة الثالثة في دولة النيجر إلى أنها تفتقر لمياه الحياة صالحها وطالحها وتنعدم فيها الإنارة والطرق والسيارات.
ألح علي بعض الرفاق بمرافقتهم إلى سكن أحد شيوخ قبيلتهم في تلك البلدة وأكدوا أنه سيسر بزيارتي، فذهبت معهم واستقبلنا الشيخ بالذبائح والموائد وقضوا ليلتهم يدوكون الأخبار بلغتهم غير العربية.

فاتني في معرض سفرنا أن أذكر أنه يكاد في أي منعطف من أرض النيجر يتلقفنا موظفو الشرطة بزيهم غير الرسمي يختمون على جوازات سفرنا ختماً باللون الأحمر بعد أن ندفع لكل ختم مبلغ خمسين ريالاً فرنكياً ( فرنك سيفا) لدرجة أن جوازي شكا من كثرة التأشيرات التي بلغت في غدوي ورواحي 15 ختماً .




رجل من البررو Bororo



التعديل الأخير تم بواسطة آدم صيام ; 07-07-2009 الساعة 08:35 AM.
آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 22-06-2009, 08:14 PM   #[20]
فيصل عباس
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

وينك يا رجل
ما زلنا في العام 92 والوقت بكر


ثم انك قاربت من الشهر
عل المطر ما قفل عليكم الدرب

تعال ياخ فهذا المكان يتسع ويحتاجك اكثر
لاظهار السرد وقوته عند وقوفك الماهل في محطات عوالمك المشهديه
تعال ياخ
انشاء في الاسبوع مرة .
شغل يريح البال خااااالص يا صيام



فيصل عباس غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 28-06-2009, 02:21 PM   #[21]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي

اقتباس:
وينك يا رجل
ما زلنا في العام 92 والوقت بكر


ثم انك قاربت من الشهر
عل المطر ما قفل عليكم الدرب

تعال ياخ فهذا المكان يتسع ويحتاجك اكثر
لاظهار السرد وقوته عند وقوفك الماهل في محطات عوالمك المشهديه
تعال ياخ
انشاء في الاسبوع مرة .
شغل يريح البال خااااالص يا صيام

الحبيب فيصل عباس
شكراً لمروركم الكريم والتشجيع
سوف أواصل إن شاء الله
حالة من الكسل ليس إلا، وما لامي في الحكي في رقبتو رغم أن الأحداث مستفة في كراتينها للحلقة الثلاثين



آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-07-2009, 03:09 PM   #[22]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي


[align=center](10)[/align]


صحبت الرفاق في اليوم التالي في زيارة تفقدية لمعالم منطقة أقدس نجوب شوارعها ونتعرف على أسواقها ونشاط ساكنيها من قرب، فإذا بأغلب متاجرها من العشش المصنوعة من القش والخرق. في سوق الملابس تعرض البضائع في أكوام من غير تنظيم أو فلسفات التسوق الأخيرة ورغم تدبيج الملابس بعلامات الأزياء العالمية مثل أرو وديور إلا أن البلى قد أصاب أفوافها وذهب بمعظم صلاحيتها. جناح الأحذية لا يختلف كثيراً عن الملابس حيث الأحذية (تاكلمي بلغة الهوسا) مصنوعة من البلاستك والجلود البلدية. هنا حقائب وشنط ملزومة في سلسلة معدنية تشدها، تفصل بينها وبين مكتبة البلد حزمة من قصب السكر يتاجر فيها صاحبها بالفصوص، تتحلق حوله فتيات أثداؤهن في العراء يتجولن بحب التسالي والفول المدمس والأقشي والسمسمية تماماً كمنظر وصولك بالقطار محطة الحواتة أو ود الحداد في النيل الأزرق.
مكتبة المدينة مكدوسة حتى أفرغت كتبها ومجلاتها في الطريق العام، أما الكتب أغلبها مطبوع في بخت الرضا بالدويم، كتب المطالعة الأولية وحساب التلميذ والجغرافية المحلية والمدونات وحتى أدوات الكتابة من المحابر والريش، بخت الرضا بكامل حضورها في قلب صحراء النيجر بكتبها المدموغة بصورة رأس الإنسان الذي نصفه أبيض والنصف الآخر أسود!
قريب من تلك المكتبة محل موسيقى تصدح منه أغنية للفنان إبراهيم عوض دلفنا إليه فإذا بأشرطة الفنانين : عثمان حسين، عائشة الفلاتية، ثلاثي البلابل وعبدالرحمن عبد الله جنباً إلى جنب مع أشرطة ألفا بلندي – الله لك نشكي- ومريم ماكبا، إذن عدت مرة أخرى إلى أم درمان العباسية بكامل قراطيسها وموسيقاها، ما أصغر تلك القارة!

ذكر أحد الرفاق أن سودانياً كان يعمل ميكانيكي اسمه ضحية كان يقيم في مدينة أقدس إلا أنهم لم يسمعوا له حساً منذ أمد ليس بالقريب! قفز رفيق آخر قائلاً أن امرأة سودانية كذلك مازالت تعمل بغياً في ذات المدينة! بعد ارتفاع زئبق زهوي الوطني من جراء الالتقاء بأمدرمان كرة ثانية سرعان ما انخفضت تلك الحرارة بالخبر الأخير إلى أقصى درجات الخيبة، فطلبت منه أن يدلني إلى بيتها وسرنا تصارعني خليط من الخيبة والفضول وسبر أغوار الحقيقة.

انخرطنا في ممر ضيق كأنه مسقوف من شدة طول الأطيان بجانبيه ثم مررنا سراعاً على نقعة يلعب فيها صبية بعجلات السيارات ودوائر الحديد، ارتفعنا قدر نصف كيلومتر في الاتجاه إلى أعلى، ههنا في الزاوية بائع السجائر أمامه هرم من علب السجائر المستوردة ، انحدرنا جرياً محازاة لكناسة تعمرها المياه الراكدة ومخلفات البشر ورائحة الجلود المدبوغة وفطيس الدواجن، درنا نصف دورة حول طابية من اللبن العتيق، شققنا منزلاً واسعاً يسكنه لفيف من العزاب والعزابيات يبدو أنهم من الكاميرون أو الكنغو في أوان قيلولتهم، البعض يقشر جذور الدويا والبفرة والبعض يفلي شعره وفتاة متشلحة تغسل ملابس، كل هذا ولم يعترض سبيلنا أي معترض! فاخترقنا الحائط من مخرج متهدم وعبرنا إلى منزل آخر بنفس الفسيفساء وانتهينا إلى منزل بابه من الحديد البالي تعبث الريح بمصراعيه.
هذا هو!
بصوت كورالي نطق الرفاق!



آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-07-2009, 03:11 PM   #[23]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي

هممت بطرق الباب إلى أن أحدهم دلف إلى الداخل فأتبعناه. من بالداخل لا يرد ولا يستجيب، جسنا فضاء المنزل المؤلف من عدة أكواخ فخرجت امرأة في الثلاثينيات من عمرها، سلمنا عليها ، تنحى رفاقي جانباً وتركوني والمرأة التي بزعمهم سودانية دعتني إلى داخل عشتها وذهبت لجلب الماء. تفرست في ملامحها إذ لا تختلف شيئاً عن السودانيات، من الحناء إلى فصدتين صغيرتين على جانبي صدغيها ولهجة بدو السودان، بيت بسيط ومنظم ، ملابسها من جنس الشفون السوداني حيث أن نساء النيجر وتشاد يكثرن من لبس المزركش متعدد الألون وفاقعها.
أين السودانية التي يزعمون؟
جاءتني المرأة تحمل كوباً من الماء ، وبعد أن شكرتها سألتها :
إنت من وين في السودان؟
نفت بهز رأسها أنها ليست من السودان وإنما من سنتر آفريك، وقد هاجر جدودها قبل زمن بعيد إلى تلك البلاد من السودان، إلا أن سكان النيجر يطلقون على كل قادم من الشرق تكروني!!!
( الشرق تكروني)!
لم أتوقف كثيراً في كلمة (تكروني) إلا أني حزمت أطراف نفسي ويممت خارجاً مشيراً لها بالوداع إشارة.
قابلني الرفاق متسائلين، قلت لهم إنها تكرونية فحسب.

في طريق عودتنا مررنا بلافتات زاهية بصورة الزرافة قال الرفاق إنها حانات على الطريقة الفرنسية، فتيات متبجحات في تنانير قصيرة وموسيقى أفريقية صنفوها الجالوة تنبعث منها، أرجعتني صورة الزرافة إلى صورة البيرة أبوجمل في السودان تختلف الجعة والرمز الطويل واحد.
في اليوم الثالث ودعني الرفاق عند محطة الحافلات وداعاً قلما أنساه من نفر جمعتني بهم الصحراء ، مصداقاً لمقولة العالم عبدالله الطيب: ومازال أخو الصحراء يتلفت بقلبه...) وقد تلفت حتى لويت ليتاً وأخدعا
ودعوني كأنما بدأت عشرتنا منذ الطفولة.
ولضم درمان مع السلامة
ولضم درمان الله يحفظك
لا يوجد في هذا الوداع دموع إنما عرى صادقة صقلتها التجربة وصدق الرجولة.
تركوني في المحطة وعيني على المدينة التالية – زيندر- ومن ثم التوجه إلى حدود نيجريا ذهاباً إلى مدينة تقبع شرقها تسمى مايدوغري حيث الجامعة التي أجد في طلبها.

تفرست في ركاب الحافلة علي اصطاد أحد الرفاق للرحلة القادمة ، لم أعثر على أي فرد يتكلم اللغة العربية ولا حتى اللغة الإنجليزية، إنما يمزجون لغة الهوسا باللغة الفرنسية كأنما الفرانكفونية من بنات أفكارهم لاغير.

رجعت أدراجي أتجول داخل ممرات ودهاليز نفسي لعلي آتي بقبس من ذكريات أعالج بها طول الرحلة القادمة، إذ طاف بي لفظ ( ولد أم درمان) الذي ساقني إلى عام 1967 حيث وصولي لأول مرة إلى أم درمان وأنا ابن ست سنوات مرافق لوالدي الضرير الذي فقد إحدى عينيه في مزرعته بقرية الكويك جنوب النيل الأبيض وهو يجتهد ليجتث شجرة في قلب المزرعة تجمعت الطيور والبغاث لحصدها قبل أن يجمعها، فإذا بعينه الثانية تلحق بها ليصبح ضريراً كاملاً.
جئت ووالدي إلى أم درمان من القضارف التي روج تجار الأساطير آنذاك أن بمدينة القضارف بئر يستشفى بها كل مريض، فتجمع حولها خلق من كل بقاع السودان والدول المجاورة: الكسيح والأعرج والأعمى المجزوم الأبرص لم يسبق ليسوع عليه السلام توافد لفيف من المرضى كهذا عليه.



آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-07-2009, 03:14 PM   #[24]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي


أذكر ذات مساء بعد أن تناولنا عشاءنا المكون من الحليب والرغيف مع والدي هجعنا إلى كوخنا القريب من البئر المالح نلتمس النوم، وسرعان ما نام والدي وتركني أغالبه، فإذا بلص يدخل عشتنا ويبدأ يقلب في جنبات والدي ووالدي نائم ولكن يستجيب له، وعندما رأيت اللص صرخت منادياً على والدي
يابا الحرامي
يابا الحرامي
يابا الحرامييييييييي
ولا مجيب ، أخذ اللص على عجل كل ما حصل عليه وولى هارباً.
عندما ارتد إلي صوتي صرخت صرخة واحدة فاق والدي على إثرها ، فقلت له الحرامي أخذ كل نقودك وذهب. بحث والدي ذات اليمين وذات اليسار ولم يحصل على شيئ، بعدها أخبرني أن اللص استعمل حواءً يسمى البتوتة يذهب بالصوت ويسمر الشخص!

قبل وصولنا إلى القضارف فقد أمضيناً خريفاً كاملاً في معية الشيخ محمد الأمين في قرية الشكابة طلباً لاستشفاء من العمى! ولكن بلا جدوى غير أني جمعت منها ذكريات ثرة لطفولتي الجائحة بين أطفال الشيخ وسكان القرية. قضيناً وقتاً في صيد العصافير الصفراء ومسمياتها من ود امبلك، الشتو، قدوم صابون، طير الجنة الزرقاء والخضراء التي لم نجد ولداً قد اصطادها لخفتها ورشاقتها، كما جمعنا في الخريف الفراشات الجميلة والزنابير الزنانة التي نستخدمها كمراوح حية وذلك بثقب مؤخرتها بشوك الطلح أو ربط سوقها بخيط و(ود الموية) دودة أو حشرة شفافة الحمرة تظهر مع المطر وتختفي بعده.

رجعتني الرحلة الصحراوية إلى أم درمان التي أقمنا في حي ود نوباوي قرب مسجدها وكنت في المساء أذهب إلى مسيد مسجدها لحفظ القرآن، في النهار نجوب مع الصبية بحثاً عن القماري مدججين بنبالنا، أو نذهب إلى السوق القريب أو السوق الكبير ونحن نقود سياراتنا المصنوعة من الصفيح معبأة بأحجار البطارية التي نضيئ بها السيارات ليلاً.
ذات نهار رأينا سيارة فلوكسواجن تمر سراعاً وتدهس شخصين من جنوب السودان يرتديان أردية ولاوي ويحملان عصي مدببة الرأس فإذا بهما ينحشران داخل السيارة ويهشمان زجاجها.
وذات صباح أفقنا على أبواق سيارات النجدة وهي تحيط بالسوق القريب من ود نوباوي وألقت القبض على قصاب قام بذبح زبونته على طاولة الجزارة بعد أن استدانت منه اللحم لمدة طويلة وكل ما مرة تماطله.
بصورة شبه يومية نرى موكباً تحفه الدراجات النارية البيضاء اللون متجهة ناحية السوق الكبير صباحاً!
بينما استرسل في ذكرياتي تتوقف الحافلة فجأة ويجمع السائق وثائق سفرنا ويسلمها للشرطة، وعند سماع أسمائنا نذهب إليهم وندفع مبلغ 50 فرنكاً ونحرر وثائقنا ثم نرجع إلى مقاعدنا ونستأنف المسير، تكررت تلك العملية كثيراً إلا أن شملنا اليل برحمته وانبلج الفجر على مشارف مدينة زندر في أقصى الجنوب النيجري جهة ولاية كنو النيجيرية.



آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05-07-2009, 05:27 AM   #[25]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي

اقتباس:
بينما استرسل في ذكرياتي تتوقف الحافلة فجأة ويجمع السائق وثائق سفرنا ويسلمها للشرطة، وعند سماع أسمائنا نذهب إليهم وندفع مبلغ 50 فرنكاً ونحرر وثائقنا ثم نرجع إلى مقاعدنا ونستأنف المسير، تكررت تلك العملية كثيراً إلا أن شملنا اليل برحمته وانبلج الفجر على مشارف مدينة زندر في أقصى الجنوب النيجري جهة ولاية كنو النيجيرية.


>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> يتبع



آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 07-07-2009, 07:20 AM   #[26]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي




جانب من السوق



آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 07-07-2009, 07:34 AM   #[27]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي



جمال الرمال المحيطة بمدينة أقديس (Agadez)



آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-07-2009, 04:43 PM   #[28]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي


(11)

بعد أن قطعت الحافلة بي مسافة ألف كيلومتر ونيف معبدةً من أقديز في قلب الصحراء الكبرى إلى زندر في أقصى جنوب النيجر، أشرقت الشمس في صبيحة اليوم التالي لأجد نفسي ملقياً على قارعة الطريق وسط مدينة زندر ترافقني حقيبتي التي قد تعبت من طول السف. التفت شمالاً لأرى محالاً تجارية لتجار يعتمرون القلنسوات الحمراء الطويلة فعرفت أنهم إما من ليبيا أو الجزائر، محالهم تعج ببضائع الأجهزة الإلكترونية والكهربية. من جهة الشرق يرقد طريق طويل يشق مدينة زندر إلى نصفين ينتهي في بناية من الطوب يزينها صليب، ثم ينعطف الطريق ناحية الجنوب لعله ينتهي في نيجريا التي أرومها!
من على يميني صبية جوالة يحملون عبوات للوقود يتجولون بها وسط موقف السيارات، إذ لا تبدو محطة بترول تتراءى لناظري. السيارات مرصعة بالآيات القرآنية وأيقونات ومصدات الحسد والعين.

يشير إلي أحد الذين وصل معنا إلى تلك المدينة ناحية الكنيسة، بأن هذا هو المكان الوحيد الذي يمكن أن أجد فيه شخصاً يجيد اللغة العربية! ثم يدلني إلى موقف السيارات الذاهبة إلى مدينة كنو في شمال نيجريا.

عثرت رجلي في تطوافي في السوق على سوق شراء العملة مطروحة على قارعة الطريق في شكل رزم كأنها خضار الجرجير: نايرة نيجيرية، فرنك سيفا، دولار أمريكي وفرنك فرنسي. كل الدول الناطقة بالفرنسية هنا عملتها الفرنك سيفا (الفرنك الأفريقي) ذات قيمة واحدة وثابتة حيث لا يحتاج المسافر من السنغال – مثلاً- مروراً ببوركينا فاسو( أرض الرجال النزهاء كما أسماها الرئيس توماس سنكارا) ومالي والنيجر والكمرون وحتى دولة تشاد لتغيير عملته. الفرنك الفرنسي الواحد يساوي خمسين فرنك أفريقي، كلها تصدر من بنك فرنسا المركزي في (باغيس) مدينة الفن والجمال!
ساورني الشك بادئاً بأن تكون هذه العملة مزورة وبعد مشاهدتي وتدقيقي لحركة الصرافة المتتابعة شرعت في تغيير بعض نقودي إلى عملة نيجيريا إلا أني تفاجأت بأن الدولار الأمريكي يساوي عشرين نيرة بينما كان سعرها ست نيرات أوان نسجت خيوط رحلة عملي الظلوطية إلي نيجريا. صحيح أول الوهن تقاعس!

أوصل لي أحد السائقين بطريقة ما أن المنطقة الحدودية لا تبعد كثيراً ويمكنني أن أستقل سيارته الأجرة بقيمة عشرين نيرة إلى الحدود، قبلت بالفكرة وانطلقت إلى الحدود، مررنا بشرطة حدودية لم أعرف كنههم إلا أنهم سألوا السائق:
إنا زاكا؟ أين ذاهبان؟
زاني جي قِـدا. ذاهبان إلى المنزل!
بعدها – إشارة مر هكذا- انطلقت سيارتنا إلى موقف الحدود دون أي عنت. أين وظيفة تأشيرتي ذات الحصانين!
الموقف مكدس بالشاحنات الغادية والرائحة فقط ليس من بينها سيارات نقل الركاب!
وعندما استفسرت من الشرطي النيجيري علمت أن سائقي الحافلات دخلوا في إضراب عام مفتوح إلى أن تستجيب الدولتين لطلب زيادة أسعار تذاكر المسافرين. أمضيت ساعات طوال لعلي أظفر ببعض الأمل ولكن بلا جدوى.

راجعني سائق سيارة أجرة أن طرح لي إمكانية إرجاعي إلى فندق مناسب حتى تنجلي تلك الغمة فوافقت على خيبة. رجعنا بنفس لغز الواحد وعشرين سؤال: إنا زاكا؟
زاني جي قِدا!
تبدو المدينة من هنا كأنها مزروعة بأحجار الظلط بارتفاع المنازل تماماً، مما وفر فيها مسافات بينية متناثرة وكأنها ميادين عامة. مررنا في طريقنا على ورشة نجارة عمالها منهمكون في تمليس أخشابها وعلى آذانهم أقلام الرصاص، بينما موسيقى للفنان إبراهيم عوض تنبعث من المسجل السانيو الضخم ذي الأنوار (made in Nigeria) لتعبق تلك المساحة من الشارع بالألحان السودانية.
(دولتان مشهورتان باستنساخ الثقافة الأمريكية الطازجة على طريقة أمسك لي وأقطع لك، نيجيريا لدول غرب أفريقيا وهونج كونج لدول التنين)
قال السائق: صاحب هذا المحل من السودان!
قلت: قف هنا! نزلت وسلمت عليهم، فإذا بالجميع ينفجر مرحباً بنفس لغة أمي!
أنزل صاحب المحل حقيبتي واسمه محمد علي واستضافني داخل الورشة. بعد أن قدم لي الماء كان ظنه أني قادم من مدينة كنو.

قلت أنا قادم من ليبيا، ثم شرعت في توصيل ذهن المستمعين إلى حيث أنا جالس بينهم.
رددوا حمداً لله على السلامة، وصلت تب يا رجل! يا لها من رحلة.
أعد (البناجيس) صبية المحل فطوراً مهولاً من سلطة الطماطم المعبوكة بمعجون الفول وزيت السمسم وكثير من الفلفل الأخضر وبعد أن فطرنا ورشفنا أقداح الشاي طلبوا مني أخذ قسطٍ من الراحة في غرفة الضيافة.
كنت تائهاً قبل سويعات قلائل أصارع أحاديتي وها أنا مأهولاً بأهلي وبني بلدي، لله في خلقه شؤون.


طلبت منهم أن يدلوني على (بيت الأدب) فرافقني أحد الصبية إلى هناك وأشار ثم رجع أدراجه.
ذهبت إلى حيث أشار، يا إلهي!
كل الحيطان مرصعة بسحالي بأشكال الديناصورات تماماً، أحجامها تصل عشرة أضعاف ما تعارفت عليه من سحالي وضببة، تمتاز ببطء الحركة وكثرة الالتفات مبقعة باللون الأحمر والأبيض ومحرشفة الظهر. يبدو أن هذه هي الحلقة المفقودة بين السحالي والحرباء إن كان هناك حلقة مفقودة.
صرفت النظر عن دخول الحمام، رغم أن دخوله والخروج منه ورطة وأيما ورطة، إلا أن الحالة التي أنا فيها لاتسمح لي بالركوس.

عندما دخلت إلى الغرفة المعدة للضيافة فإذا بحشرات النمل بمعاطف ناصعة البياض وأرجل طويلة كأرجل العناكب، وهي تتحرك بسرعة خيالية.
أي كوكب هذا الذي مازال تعمره الديناصورات والنمل الأبيض الخرافي الذي حطت فيه مركبتي في أواخر الألفية الثانية!!!







شعب البررو Bororo



آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 30-08-2009, 03:09 PM   #[29]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي

(12)



عرفت من شباب الورشة الكثير المثير عن أخبار نيجيريا فقد أمضوا فيها فترات متراوحة وعجمتهم تجاربها القوية ، وكلهم لم يتمكنوا من مغادرتها إلا بشق الأنفس.
أمضى أحدهم في نيجيريا مدة ست سنوات وجاء بأخبار يشيب لها الولدان. حكى بينما هو يتجول في شوارع مدينة لاغوس -العاصمة القديمة- شاهد مجموعة كأنها العصابة تلقي القبض على أحد الأشاخص وهو في سيره ، ثم تكمم فاه وتحشره في جوال وتربطه وتولي هاربة به. عندما رجع إلى مسكنه قص لرفيقه في السكن ما شاهده بدهشة، فأخبره الرفيق بأن هذا المشهد كثير التكرار في المدينة وهو أن العديد من السحرة يستعينون بالجن لبلوغ المال ويطلب منهم الجن إحضار شخص بعينه ذي مواصفات كأن يكون بطول كذا ولون عينيه كذا، فيتجول السحرة في الطرقات بحثاً عن تلك المواصفات وعندما يعثرون عليها يستدرجونها إلى أماكن مظلمة وينطلقون بها إلى مختبر الجن، وهنا يوضع الشخص المسروق على هيئة قائمة في تابوت ويتم تخديره ويعكف الساحر على قراءة بعض تعاويذ الجن حتى تتجمد الضحية وتموت ثم تبدأ في مرحلة التكلم وعندها يتساقط من فيه قطع النقود وأوراقه ويستمر الحال هكذا إلى أن يفرغ المسحور آخر مليم في جوفه ويموت الموت النهائي! أصابني الخوف من تلك القصة وتمثل لي أن المسحور هو شخصي الذي لا يبدي أي مقاومة إلى أن فنى.


تداخل قادم آخر من نيجريا ووصف لنا زحمة طرقاتها بالناس والسيارات والدواب على السواء لدرجة نفذ قسم المرور هناك نظاماً يقضي بتحديد أرقام سيارات محددة لكل يوم بأن تكون السيارات حاملة الأرقام الزوجية في أيام كذا والأرقام الفردية في الأيام الأخرى، أما صحة البيئة فقد وصفها بأن شوارع المدينة تغص بالقاذورات والذباب، ثم ذكر أن داء الأيدز يسير في الطرقات وقد بلغت نسبته درجة مخيفة، ثم شرع في وصف أحد السودانيين المصابين بالداء وقد وصل مرحلة متأخرة من المرض لدرجة نــزت نزاً جروحه الصديد وفي مراحله الأخيرة تسلخ جلده ومات وحيداً أسبوعاً كاملاً لتعثر عليه السلطات و تحمله في كيس من القمامة ويتم حرقه خارج المدينة.

ذكر أبكر الفلاتي وهو من أبناء مدينة كوستي القادم من مدينة كنو النيجيرية بأنه كان يعمل في ليبيا عاملاً إلا أن عينه كانت صوب الذهاب إلى المملكة العربية السعودية، وقد خطط له بعض الصحاب خط سير يمكن أن يوصله إلى المملكة السعودية بكل يسر وهو أن يسافر إلى مدينو كنو في نيجريا ويطير جواً إلى حلمه حاجاً أو معتمراً.
سافر أبكر عبر الصحراء من ليبيا إلى النيجر بنفس خط سيري حتى وصل إلى مدينة كنو في الشمال النيجيري ونزل في نزل في قلب السوق، أمضى ليلته في نوم عميق من شدة التعب، وفي اليوم التالي وهو من على نافذة الحمام يشاهد الشارع وحركة المارة، فإذا بمحل يحمل لافتة تزينها صور طائرات السفر وخطوطها ، فرك عينيه كرة أخرى ثم غسل وجهه على عجل ونزل بملابس نومه إلى الوكالة، تحدث معهم بلغة الهوسا التي يجيدها عن السفر وشروطه فطلبوا منه مبلغ ألف دولار أمريكي وصور شخصية وجواز سفره ، وبعد أن استلمت منه الوكالة المعلوم نفحته إيصالاً مالياً بذلك على أن يعود إليهم بعد أسبوع لاستلام معاملته.
أمضى أسبوعه طائراً من الفرح بأمل السفر إلى السعودية يتجول في شوارع المدينة التي منحته الأمل والمستقبل العريض، يدخل مطاعمها ويأكل بشهية وينفح ما تبقى بقشيشاً للنادل، وإن طمع أكثر في سرعة إتمام إجراء السفر نفح السائلين الكثر بضع دراهم.
في اليوم المعلوم ذهب إلى الوكالة لاستلام معاملته ولكنه لم يعثر عليها ، أمضى أياماً يجد بحثاً عن الوكالة ونفد كل ما عنده حتى دله أحد الأشخاص على جوازه السوداني في برميل قمامة. أمضى أبكر 18 شهراً حتى أسعفه القدر ليلتقي بسائق ابن حلال ليزفه إلى مدينة زندر الحدودية ليجد نفسه تلميذاً يتعلم مبادئ النجارة مقابل طعامه ونومه. ذكر أبكر أن في مدينة كانو في مقدور الحواة والسحرة أخذ المبالغ التي في جيبك دون أن يلامسوك، مما حدا بالعامة أن تلجأ لساحر ماهر ليحصنهم، حتى يكف عنهم شرور اللصوص غير المرئيين، أما أقاصيص طاقية الخفاء منتشرة على طول دول غرب أفريقيا .


أدلى صاحب الورشة محمد علي نفسه بمعاناته في نيجيريا التي قضى فيها عامين نجاراً حتى ولى هارباً صفر اليدين إلى النيجر ليتزوج فيها ويحصل على جنسيتها ويفتح ورشة تدر عليه شهرياً مبلغ 900 دولار.

خيمت قصص نيجيريا العجيبة علي نفسي حتى انتشلنا صاحب الورشة بدعوته للجميع للسينما، وقد لاح الفرح على وجوه الشباب وذكر أحدهم أنه لم يشاهد عرضاً سينمائياً منذ شهور وهذه فرصة نادرة لابد من اغتنامها.
في الطريق إلى السينما مررنا بمركز ثقافي يتحلق حوله شباب من الجنسين علمت أنه المركز الثقافي الفرنسي. اشترينا كميات مهولة من قصب السكر والتسالي والفول المدمس من أجل سهرة السينما، ثم تفرسنا في لوحة الإعلانات لمعرفة الفلم القادم، اتضح أن كل الأفلام المعروضة أما هندية أو أفلام الآكشن من شاكلة أفلام بروسلي.
دخلنا إلى السينما في طوابير يتداعك فيها النساء بالرجال وعلى شباك التذاكر نساء يقمن عليه. داخل السينما لاتوجد حواجز للعوائل والأفراد إنما خليط من الجنسين. تعرض الشاشة أول ما تعرض قبل الفلم الرئيسي عروضاً جنسية باللغة الفرنسية ويتكرر هذا العرض البرونغرافي في فاصل الاستراحة والمشاهدون والمشاهدات في غاية الانسجام يمصون القصب ويبشرون التسالي والفول ويرمون بقشوره على جيرانهم وقد تأذيت من إحدى الجارات حتى غيرت مكان جلوسي.



آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-09-2009, 08:02 AM   #[30]
الفاتح
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الفاتح
 
افتراضي

ده حكي مشوق يا ولد أبوك
واصل .. بإنتظارك



الفاتح غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 09:21 AM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.