اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عكــود
كان يسعى من خلوة القرافاب بعد أن يؤذِّن لصلاة العشاء إلى جامع العكوداب فيصلّي معهم .. لم يكن في ذلك عدم إعتراف بإمامة الخلوة، فالصلاة مقبولة هنا وهناك بإذنه تعالى، لكن لأنّ هذه أيّام مولد أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام.
أهله في الخلوة -لأسباب سلفية- لا يحتفلون بالمولد ويرون فيه بدعة وضلالة تورد ممارسيها موارد الهلاك؛ بينما يكون مايكرفون الجامع واضحاً جليّاً وهو يصدح بالبرّاق وقراءة المولد وبالصلاة على النبي والمدائح النبويّة التي تضج شوقاً للقبة التلوح أنوارا.
يتناوبون في قراءة المولد ومن السهولة تمييز صوت كل قارئ منهم، فذلك الصوت الندي، صوت خضر أبدومة (مغنّي اللعوب السابق) الذي يقرأ المولد دون أن يكون أمامه الكتاب، فهو يحفظه عن ظهر قلب، وهذا صوت عبد الوهاب الذي ورث الصوت الجميل من أبيه علي ومن أعمامه سليمان ومحمد الحسن.
أمّا عندما يقرأ مالك، بصوته الأجش، تغمرك محبة طاغية للحبيب المصطفى وتشعر أن الحضرة قد اكتملت وأن الملائكة قد اصطفّت وحفّتها لتستمع لمالك وهو يقرأ.
مالك، لا يفرّط في الأذان لكل الأوقات في كل أيّام السنة، لم يمنعه عن ذلك حتى صبحية عرسه، ولتلك قصّة أخرى. وبمثل حرصه على الأذان بصوته الأجش الغير مفهومة تماماً مخارج حروفه، كان حرصه أيضاً على تعلّم القرآن في خلوة "المليح" التي توقد نارها على أطراف البلدة، فتراه غادياً خميصاً لكلمات الله، وراجعاً بطيناً بما حفظ ممّا تيسّر.
رغم دروشته المحبّبة وعدم تلقّيه القسط الوافي من التعليم، لكنّه إستطاع في فترة قصيرة نسبيّاً حفظ جل أجزاء المصحف، وما زال يثابر.
لا يمكن أن تكتمل معالم القرية دون أثر مالك فيها، تراه وهو يمشي مكبّاً وفي خطوات قصيرة تضرب الأرض، كمن قد وطأ طرف جلابيته وهو يسير في خطوات متلاحقة حتى يبدو وكأنّه يقارب السقوط. لكنه لا يسقط أبداً ولا تندلق "بستلًة" اللبن التي يحملها ليواجب بها من جاء من سفر، أو نفساء أكرمها الله بنفس تزيد بها عدد سكّان القرية ويفاخر بها رسولنا الكريم الأمم يوم القيامة.
عندما تقابله وتسأله "العرس كيف آ مالك؟" يضع البستلة ويضحك حتى يجلس على الأرض وتختفي منه الأعين. ضحك مالك غير ضحكنا جميعاً، فنحن نضحك من حنجرتنا والفم، لكن مالك يضحك من قلبه والرجلين؛ ويكون في ضحكته تلك الإجابة على سؤالك الذي لا يعتبره برئياً.
كثير من الناس يسألونه الفاتحة، وأنا منهم، لكنه لا يسخى للجميع وعنده تصنيفه الخاص ودرجات مختلفة للسائلين، وذلك يعتمد على صداقتك معه وسؤالك عنه والنفحات.
لو كان هناك مجال لذكر الكرامات، لذكرت لكم ما أعرفه عن بركاته، فالرجل أحسبه وغيري "من أهل الله من الصلّاح" لكنّا في حضرة الخلاوي والصور الحيّة مثل:
إن نادي منادي الضيف
يا (الحسن السلام)
ثم يمضي
يطرق الأبواب نصف الليل أو في الفجر
يسأل عن طعامٍ للضيوف
صوت أمي توقد النار وتسأل (كمهم)
عجلي يا (بنتي) بالموجود
(حرف أو فطير أو حليب )
أيّ شيءٍ
انه الأجر الذي قد جاء من نعم الإله عليك
ليلا
فاشكريه
|
حزن مالك ليس كحزن الآخرين.
إنتقلت إلى رحمة الله والدة مالك أوّل أمس، غفر الله لها وأكرم وفادتها، فانفطر قلب مالك حزناً.
كانت بالنسبة له كل شئ، لا تطيق فراقه ولا يلوذ، بعد الله، إلاّ إليها.
إتّصلت به معزّياً، فأحزنتني نهنهاته الحزينة الباكية وهو يحاول ترديد "آمين" عقب دعواتي لها، فيغلبه الدمع .. ويسيل دمعي.
كاتبتني بنتنا شفق المغارب وهي تصف حزن مالك:
الله.. تأثرت جدا بحروف تغازل مالك.. في وقت يتفطر فيه قلبي على أدمعه التي تنهمر كسيل عرمرم كلما لمح أحدا من أهله مذ فاضت روح أمه.. و بردها.. و غسلها ملء يديه .. حتى الحزن عند مالك.. ليس كبقية الخلق..
ويظل الدمع من مالك ينهمر بتوار خجول.. لأنه لم يجد ما يغسل فلم يجد بدا من زيادته طهرا..
هنيئا لك يا مالك..
تبا لك يا حزن
رحمها الله وغفر لها وجبر الله كسرك يا مالك.