اقتباس:
اما قولك ان محمد عبد الحي كتب القصيدة سنة 1962 فلا يمكنا الجزم والحسم بذلك الى الدرجة التي نخطيء فيها محمد المكي بهذه السهولة وهذه الثقة الزائدة التي لا تترك مجالا للاختلاف او المراجعة وحسن الظن بالراي الاخر . الا اذا كنا شهود عيان مثل محمد المكي .او اردنا ان نجرح شاهد العيان باي ثمن . وعلينا ان نتذكر قول عبد الحي انه كتب القصيدة سبع مرات مختلفات .
|
قال الشعر نفسه انه كتبها سنة 1962
وقد نشرت في الرأى العالم وفي مجلة حوار 1965 حيث قرأها الشاعر السفير جمال
واثنى عليها وقال ان محمد صار حديث المدينة..لابويه الذين كانوا يمنعونه من كتابة الشعر
الذي كانوا يعتبرونه يضيع له زمنه...
ربما شهد محمد المكي ابراهيم اعادة الكتابة لها مرة اخرى...
وثقتي الزائدة لم تات من فراغ تاتي من انني متابعة هذه القصيدة في تحولاتها
منذ 1982 ومن القلائل في السودان الذين اطلعوا على مسوداتها بخط الشاعر..
فانت الذي تنفي بثقة متزايدة..
وحكمنا هنا اقوال الشاعر نفسه عن قصيدته..
في هذه الرسالة التى ارسلها الى خالد المبارك
الأربعاء: 5 يوليو 74
أخي خالد / سعدت جداً بلقائك يوم السبت الماضي، وأرجو أن نلتقي قريباً إن شاء اللَّه لأن حقائبنا مليئة بكلام.
وجدت نسخة القصيدة الضائعة في واحدٍ من الصناديق المودعة عند محمد حاج علي، هذا الأخ العزيز، أرسل إليك منها نسخة مصورة ومعها أرسل إليك مراحل الـ foetus للقصيدة ـ تحولاتها ـ تحولاتي ["هل أنا غير حصاه / تتبلور / فوق جمر الأغنية؟"] منذ أن كتبت ثم
نشرت في الرأي العام من
ديسمبر 63 وحوار 65 ثم كتابتها مرة وأخرى وأخرى في يوركشير وأكسفورد وشير.
لسبب ما فعل ذلك أليوت بمسودات "الأرض اليباب"، ربما أراد أن يتخلص من وزر ما، وأفعل ذلك تخلصاً من إثمي الخاص. لقد أصبحت القصيدة مركزاً جاذباً لقوايي الشعرية، وإذا لم أتخلص منها تماماً فستظل تجتذبني وذلك مضرّ. لقد أضرّ بإزرا باوند في أناشيده فقد أصبحت دينصوراً شعرياً يصعب التحكم فيه ولا يشبع أبداً مهما ألقمته من كلمات وكلمات. أناشيد باوند هي، بالطبع، أعظم فشل شعري في تاريخ الشعر الإنجليزي على الأقلّ (لزوميات المعري أعظم فشل شعري في تاريخ الشعر العربي) Prescision is a poetic virture. ـ قال، أو كان يجب أن يقول!
ربما كانت [العودة إلى سنار] دفعة من كيان الفنان في شبابه حينما رغب ـ مثلما رغب جويس ـ في أن يشكل في مصهر روحه ضمير أمته الذي لم يخلق بعد. وربما كانت فتحاً آخر، وإلا كيف أفسّر أنها كتبت سبع مرات أو نحو ذلك؛ وكأنها تدرج من مقام، إلى مقام، حيث تاريخ الذات وتاريخ القبيلة شيءٌ واحد.
.
محمد عبد الحي
31 يناير 73
عزيزي خالد ـ لك ولعفاف التحية والود ـ لم أكتب لك منذ استلامي خطابك الأخير، فالمعذرة، ولكن كما تعلم، الدنيا دار متاعب. والمشغولية حاصلة والزهج حاصل ـ ومسألة الأكاديميات هذي كان على كبيريّ أن ينصحاني حين لم ترعو نفسي، كان ذلك أول الشباب، وللشباب خيل دونما لجم. ولكن "البقت بقت" و"الصقر إن وقع كثير البتابت عيب" ـ والوسوسة كيمياء كنت أظنها ستجعل من نحاس أطروحتي ذهباً لو داومت على صب حوامض الفكر ـ ولكن يرضيني هذي الأيام حثالة من الفضة ـ المهم كيف أنتهي من هذا الأمر، فقد صار ذهني كالأسفنجة التي عُصرت وهصرت وفرمت وألقيت في صحارى من السهاد والتعب.
ونغير الموضوع: يبدو أن أبا الهول حرّك فخذيه أخيراً في السودان فقد عقدت الشاعرة الفلسطينية د. سلمى الخضراء الجيوشي، وهي في كلية غردون الآن أستاذة للأدب العربي الحديث، سمنار Practical Criticism حول قصيدة: "... سنار" وأعلنت دار الشوش للنشر أن ستطبع قريباً ـ من ناحيتي لم يعد الموضوع يثيرني كثيراً ـ فقد أصبحت سنار من تاريخ العام الماضي ـ وقد بدأت قصيدة Sequel أعلم أنها ستستغرق مني وقتاً طويلاً وما ألمحه منها فيه ملامح الوطن الجديد الذي دخلت حدوده في سنار.
* يوم الاثنين القادم سأزوركم في ردنق بعد الظهر ـ ولو تعشينا بامية يكون ممتاز ـ ومعي ستكون مسرحياتك، والسلام.
محمد عبد الحي
21/3/73
أخي خالد ـ
أقترح أن تركز الآن على المدة ما بين أوّل القرن إلى عام 1950 ـ أي قبل أن يبدأ عبد اللَّه الطيب في نشر نكبته ـ أقصد "نكبة البرامكة" ـ لأن بعد عام 1950 قد يحتاج إلى دراسة مستقلة تبرز فيها الاتجاهات المختلفة، أما قبل ذلك فالتركيز بالضرورة سيكون على الجانب التاريخي، وقد يحتاج الأمر كله ذات يوم إلى كتاب ـ أما في نطاق مقال أكاديمي فاللمح والإشارة لا مناص منهما.
لا عجلة في الأمر ـ يكفي أن "تضعه في ذهنك" إلى أن تنتقل إلى برستول، ثم تتفرغ له أسبوعاً أو أسبوعين.
بعد عام 1950 ـ مرحلة جديدة ـ كثرت فيها الترجمات: شكسبير بات أحمد الطيب، وعدد كبير من المسرحيات الإفريقية ذات الفصل الواحد نشرت في الرأي العام، والخرطوم [وأقموم الآن بترجمة ثلاث مسرحيات من وليم بتلربيتس] ـ الخ ... الخ هذي المرحلة تحتاج، في رأيي، إلى دراسة مستقلة.
أعرف جيداً ذلك الإحساس الذي تتلك عنه فيما يتعلق بالبحث، ولعلّ الإشراقات الليلة، والاكتشافات التي تلمع بين وقت وآخر هي ما يمنع المرء من الانفقاع. لا بأس عليك، وقد يكون الأمر تجربة في التقشف وفي مشاركة النبات شيئاً من رتابة نموه.
لم أسمع شيئاً من جامعة الخرطوم، قسم الشوش ـ وقد تجاهلت الأمر تماماً ـ ولم أسمع من بيروت، وقد تجاهلت الأمر تماماً ـ وقد ظهر الجزء الثاني من حلقة النقاش التي أدارتها سلمى الخضراء الجيوشي، بدأت أحس أن القصيدة قد تستعمل لأسباب سياسية هي ليست منها وفيها ـ أريدهم أن يلتزموا أكثر بقضايا العرب وبقضايا الأفارقة، ولكنهم الآن يهربون من الاثنين، يخافون من الالتزام بالأبعاد العميقة للثقافة السودانية، وأهم من ذلك أريدهم أن يعرفوا أن الإدراك الثقافي ما هو إلا وسيلة لإدراك أعلى وأعمق ـ ولكن القصيدة نفسها صورة وأحلام وكوابيس وتشنجات إيقاعية ونشوة ورعب وشيء من المعرفة الحدسية الشعرية، فهي في اللغة ومن اللغة وللغة ـ المهم، فلننس هذا الأمر!
I am not asking for recognistion.
والموقف الأدبي في السودان محزن ومؤلم.
سلامي إلى عفاف، وقد أقفز إليكم ويك أند ما، فالزهج من البطاطس والفاصوليا المثلجة يملأ خياشيمي برائحة اللعنة،
ولكما الود
محمد
P.S.
* التلفون الذي استعملته آسيا، يا خالد، في الكلية، استعمل هذا الرقم فهو في المكان الذي أسكن فيه ـ Oxford
* حقاً انه أمر جميل أن يرجع عبد اللَّه إلى السودان ـ يبدو أنه قد بالغ في التوهم يوماً ما.