محمد الأزهري يا بهياً بزينة القرى والمدائن
محمد الأزهري يا بهياً بزينة القُرى والمَدائن.
لن يُضير العُمر إن جلس قليلاً و انتظر.
لن يُضير العُمر أن يبقى حتى ينفُخ في وجهِها حليب الفأل ويبدأ العُرس المُؤجل ونَفرح لهما وللوطن. للفواجع أن تهنأ فقد نسجت عُشاً لغُربانها وأسكرنا رجز الثواكِل . ها هوَّ الحُزن يصُب العلقم في الحُلوق عُنوةً.
جاء الصباح بشمسه المُحتقِنة ، واسودَّت مصابيح العُيون على فراقكَ يا سيد النضار . مآقي الدمع تنـزف بالفراق، أ هذا ما وعدتنا به يا زمان البؤس : ذبح قديم في جُمعة عظيمة ، ثم عيد للقيامة مُفرِحٌ ، ثم سفر لك سيدنا بلا عودة ! .
هذا ربيع الجمر حَط على مضاربنا. هدَّ المسير رواحلنا وتكالب الطير ينتظر الوليمة. في وداعك التفَّت الأجساد برايات قديمة ، ونزفت الطرقات بالأفواج رَذْماً . أول الرؤساء عندنا جال في الخاطر ، و تذكَّرنا الآن كيف كان رحيله المقهُور فادحاً . كنت سيدي خرزة عُنقود تمجد، يصلُح لريح الزَّعامة أن تركُض في أثره بنفيس أثوابها، وثقيل ملحها، وعسير أيامها تَطلُب الرضا.
الوطن و قد أعيته التضاريس، يسير حافياً. ما أن تنهض فكرة تُطوِّر حتى يتخطفها الكواسر من كل صوب. تستعصِم هي بالشرنقة ، ويستَقوي غلافها عليها فتحتَجب .
رأيتُك أول مرة وأنتَ في منتصف عُمرك الجامعي، وكانت الأغُصان يافعة تلهو بها الريح. كستكِ الوداعة من بساتينها. كنـز الروائح من دواخلنا يفوح وأنتَ ببساطة طبعك كُنت :
( سيد نفسك مين أسيادَك ؟ ) .
أتذكرني سيدي وتذكر رفقتي، أم أن الروح يشغلها هوى جديد ؟
كنتَ على اليمين والصديق صلاح حسن أحمد على اليسار، ولا تصلُح هُنا إلا كلمات الشاعر أحمد محمد علي :
همسات من ضمير الغيب تُشجي مَسمعي
و خيالات الأماني رفرفت في مضجعي
.............
لم يشغلك الإرث العظيم، ولم يُخامرُك التعالي. حديثك بيننا يُطرب، وأصابع يديك تُمسِك بأحاسيس الدواخل . كنتَ شمعة أكبر من كل المصابيح التي عهدنا، ثم صعدت فرعاً باسقاً، وها أنتَ الآن نجماً يومِض من بعيد .
إنها الخسارة الفادحة.
حلَّ علينا زمان الفرقة ، شرٌ مستطير. أُقنوسة المُلكْ الحزينة جلست على رؤوس لا تستحق ! . كان موعدك على قارب في اليَّم، وحولك سُفن القراصنة مُشرعة. هذا زمان آسن يُغرِق أحباءنا ويُنجِي الثعالب ! . الأشقياء دوماً يطول عُمرهم، وأنت طيب مثل أبيك ترحل قبل إنجاز المُراد .
الدهر صوَّب سهمه وتكسرت النِصال على النِصال.
تفككت الأصفاد عن الروح، وغادرت جسدك البديع إلى عوالم أرحب. رحلتَ مُبكراً سيدي والجُرح مفتوحا على سَفح الهزيمة و الملف الآن ينتظر.
لك السلام في أرائك العُلا، و لكَ المَحبة منذ كانت، والقلب يركُض في أثر الهوى وإن رحَلتَ.
عبد الله الشقليني
27/04/2006 م
|