منزلنا بالقرب من ميدان الربيع كان له منزل اخر بحوش كبير عرف ببيت الصبيان . فمثل كثير من الاسر الامدرمانيه كان هنالك بعض الطلبه من الاهل والمعارف يسكنون معنا . أذكر منهم عبد المجيد ابن الشاعر محمد سعيد العباسى . وحموده ابن الناظر ابو سن والتجانى وشقيقه صلاح محمد التجانى ومرغنى ابتر وعصام وشقيقه بدر الدين احمد الحاج وآخرين لفترات تطول او تقصر . وعندما يحضر الطيب فى المساء كنا نقول ( نشوف قروش زقاق الصابرين دى ) . والطيب كان يتكفل بالعشاء والسنما . وهى عادةً سينما العرضه التى نذهب لها فى الشتاء بالبطاطين والمخدات . والسينما طيله الوقت تشغل اسطوانه واحده . وتبداء بمقدمه اسطوانات كايرو فون الاستاذ فريد الاطرش منديلى الحلو يا منديلو على دقه قلبى بغنيلو ......... وننتظر حتى تقلب الاسطوانه اغنيه نورا يا نورا يا نور العين . ونعرف ان الفلم على وشك البدايه فنسرع . وتلك احد خيرات زقاق الصابرين .
لا اظن ان هنالك اي مكان في العالم كانت توجد فيه روح من الزماله و التأخي و التكامل مثل زقاق الصابرين فاي شخص يموت يعتبر المصاب مصاب الجميع . و اي شخص يتزوج يكون الكشف دائرا ، و اي بيت يقع او مناسبه يكون اهل الزقاق كأسره واحده . و لقد تعلمت كثير من الدروس في الزقاق و سمعت كثير من القصص و كان كل السودان يمر بالزقاق كزبائن . و في منتصف الستينات ظهرت الماكينات الكهربائيه السريعه و تضاعف العمل و ظهر المطرز .
في احدي اجتماعات نقابة الخياطين كان الطيب يتحدث بحميه فقال شخص لا يعرف الطيب ( انته خياط ؟ ) فوضع الطيب ظهر يده امام عينيه قائلا ( ده ( د..ك) ! ) . فالمقص يترك هضاب علي ظهر يد الخياط خاصه خياطي الجاهز . لانهم يقصون عشرات الطبقات من القماش مره واحده .
اذكر اننى سألت عبد السخى السمكرى وآخرين عن آخر مره ذهبوا الى الخرطوم وبعضهم مولود فى امدرمان . وكان الرد الخرطوم دى لحدى حسه ما مشيناها . نسوى شنو فى الخرطوم . والبعض قال انهم ذهبوا فى اكتوبر .
و كثيرا ما يحضر شخص يحمل عجله علي كتفه و يقوم بسن المقصات في زقاق الصابرين و سوق الشوام .
في بدايه الديمقراطيه الثانيه ابدي الطيب تعبه من موضوع الخياطه . فاقترح الشنقيطي محل للسندوتشات و اعجبت انا بالفكره . و بدأنا في البحث عن المكان الا ان الطيب رجع و غير رأيه و قال ان زوجته رقيه قالت انه اذا بدأ يبيع الاكل فستعود الي الرباطاب و اضاف ( اودي وشي وين من ناس زقاق الصابرين ) . و اخيرا اقترح سيارة تاكسي ، و اضاف الشنقيطي فكرة بوتيك في ركن مدرسة الاحفاد شارع المورده .
و عندما سلمته مفتاح السياره و بدأ النجارين في عمل التخشيبه و اتت البضاعه من اوربا و الخليج بدأ الطيب مهموما فلم يكن في استطاعته ان يترك زقاق الصابرين . و لم تنقطع الزيارات من الجانبين .
في مايو 1969 و في حفل في منزلنا وسط خواجات و مبعوثين، جلس الطيب مع احد الرفاق من الزقاق و عندما ازداد الجمع احضرنا بعض الكاسات فنادانا الطيب و افرغ محتويات الكبايه في الكاسات قائلا ( يعني نحنه ناس زقاق الصابرين ديل ، الكبايات ام كرعين ديل الا نشوفهم في السينما ) .
زقاق الصابرين كان يمثل امدرمان . ابن عمتي عثمان عبدالمجيد ( كوارع ) استلم في سنة 1963 ثلاثه جنيه لشراء اسمنت و الاستعانه ببناء لتبليط ارضيه المطبخ . و والدته وقتها تسكن عند ابنها بابكر عبدالمجيد في منازل الجيش . و اضاع عثمان الفلوس و عندما حضر محتارا الي المنزل اخذه الشنقيطي الي زقاق الصابرين و دفع الطيب 150 قرش و اشترينا كيسين من الاسمنت بي 130 قرش و 15 قرش لعربة الكارو و قمت انا بتبليط ارضية المطبخ . و لهذا فالزقاق دائما في وجداني .
ما ان تغرب الشمس حتي يصير الزقاق ميتا و خاليا من اي حياة حتي من القطط و كأنه يرتاح من زحمة النهار و الباعه الذين يحضرون كل شئ من فاكهه و حلويات و صور و براويز و نتائج تعلق في الحائط .
في المساء عندما كنت اذهب الي العم رضوان و هو الكفيف الابيض اللون الذي يبيع راس النيفه عند نهاية الزقاق في شارع العناقريب و امامه لمبه تدل علي مكانه و ابنه قد صار وزيرا في الحكومه الديمقراطيه الاخيره . و الراس عنده يساوي 25 قرش و في العاده بي 15 قرش الا انها بحجم ضخم و كان والدي لا يقبل الا بها .
حتي النشالين و اللصوص كانوا يحضرون للزقاق و لقد سمعت الطيب يقول للضل مع بداية الشريعه و هو اكبر نشال في امدرمان ( و الله يا الضل خايفين عليك من القطع ) فتنهد الضل قائلا ( القطع ساهل ، الكلام الزيت المغلي ) .
و عندما كنت اطل الزقاق في الليل او المساء كان يبدو مختلفا و كانما هو زقاق اخر .
شوقي
التعديل الأخير تم بواسطة شوقي بدري ; 07-05-2006 الساعة 10:39 AM.
|