بكائية القمرية على النخلة
..
موت نخلة يساوي موت فرد عزيز من أفراد الأسرة.
وقفت، بحُزن صادق، عند مزرعة، في مدينة ليوا، لم تقاوم المرض اللعين فسجدت نخلاتها تقبّل أديم الأرض في منظر أليم، و لكنه ملئ بالشموخ!
تماماً كإنتحار جماعي لعرائس ليلة عرسهن، يبِست شعورهِنّ حين لم يجدِن من يجرتقهِنّ بالضريرة!
أبكي أيّتها القمريّة و نوحي ما شاء لك النواح، فاليوم يوم الحُزن عل نخلة كم ردّدتِ على جريدها القوقاي، و كم حُمتِ حول سبيطها تنتقي أيّها أزكى طعماً، لتقتاتي و لتنادي رفيقاتك يطعمنَ.
أذرفي الدمع السخين و لا تقوقي القوقاي الطروب،
هل تستطيعين قولة الحيْ ووب؟
ياااا قمرية الأحزان،
هل وصّفتِ موتاك و عدّدتِ مآترهِن كما يجب؟
أخشى يا قمريّة أن تكوني قد نسيتِ مغازلة قلبك أوّل مرة و أنت على ذلك الجريد المنهدِل.
أخشى أن تكوني نسيتِ ترديدِك، بخفر، بقبول ذلك الفَتَي ذو الريش المصقول المتلامع مع أشعة الشمس المنسرقة من بين الجريد، ترديدِك بالقبول و عهدك بالوفاء.
أخشى، يا قمريّة، أن تكوني قد نسيتِ، كم كان فرحاً و كيف طار مصفّقاً بأجنحته، حتّى لفح وجهك الهواء البارد الجايي من تالاه، و أنت تبتسمين و تسمعيه أعذب القوقاي. في ذلك اليوم، قوقايك كان مختلفاً، لم تكن نبراته تحمل صوت الشقاوة و الجرأة التّي عُرفتِ بها. أبداً، فقد كان صوتاً مختلفاً جدّاً، يكسوه رنّة فرح و بعض خجل. كان بمثابة إعلان لرفيقاتك بأنّ قلبك قد لمّ حِبَيْبو.
أخشى، فيما أخشى، أن تكوني قد نسيتِ تحليقكما و أنتما تتخيّران مواضع عشّكما، فآنستما لملتقى جريدتين كانتا أقرب إلى قلب النخلة التّي تقفين على يباسها الآن. بنيتماه قشّة قشّة، بكثير مودّة وحماس و ببعض رحيق.
أخشى أن تكوني، قد نسيتِ آلام مُخاضك الأوّل و أنت تبذرين بذرة الحياة، و كيف هززت إليك سبيط ذات النخلة التي تقفين عليها الآن، فساقطت عليك رُطباً جنيّا، و كيف طعمت من أم راس منها، فيسّر الله لك أمر مخاضك، و ازداد عشّك بيضتان و كثير محبّة و سكينة.
إن كنتِ لم تنسِ كل ذلك، و أنّك ما زلت تذكرين و أنّك ما زلت تقرّين بالفضل، وأنّ الوفاء هو من طبيعة القماري، فاجزلي في ذرف الدمع السخين، و توشّحي السواد ثوباً،
فقد ماتت أمّكم النخلة.