نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > منتـــــــــدى الحـــــوار

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-10-2020, 01:10 AM   #[1]
imported_عادل عسوم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_عادل عسوم
 
افتراضي قالَتْ ملائِكَةُ السَّماءِ بأَسْرِهِمْ، وُلِدَ الحبيبُ ومِثْلُهُ لا يُولَد

رؤية مغايرة لحادثة شق صدر نبينا صلى الله عليه وآله وسلم
عادل عسوم
https://www.sudaninet.net/17238
كم ترتاح نفسي لسورة الانشراح يا أحباب.
هذه السورة المكية من سُور المفصَّل القصيرة، والتي يبلغُ عدد آياتها ثمانِ آياتٍ كريمات:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8).
لقد ورد في سبب نزول هذه السورة، عن عبدالله بن عباس رضي الله قال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"سَأَلْتُ ربِّي مسألةً وودِدْتُ أَنِّي لمْ أَسْأَلْهُ، قُلْتُ: يا رَبِّ! كانَتْ قَبلي رسلٌ منهُمْ مَنْ سَخَّرْتَ لهُ الرِّياحَ، ومِنْهُمْ مَنْ كان يُحيي المَوْتَى، وكلمْتُ موسى قال: أَلمْ أَجِدْكَ يتيمًا فَآوَيْتُكَ؟ ألمْ أَجِدْكَ ضالًا فَهَدَيْتُكَ؟ ألمْ أَجِدْكَ عَائِلًا فَأَغْنَيْتُكَ؟ أَلمْ أَشْرَحْ لكَ صَدْرَكَ، ووضَعْتُ عَنْكَ وِزْرَكَ؟ قال: فقُلْتُ بلى يارَبُّ؛ فَوَدِدْتُ أنْ لمْ أَسْأَلْهُ"
وهو حديث صحيح عند الألباني.
هذه السورة يلهج بها لساني كلما اعتراني هم، أو أَلَمَّ بصدري ضيق، أقرأها دوما في ثنايا ركعتين ما لم يكن الوقت وقت نهى عن صلاة النافلة، ولعل السبب في حضور هذه السورة عندي؛ (رسوخ) قصة شق صدر نبينا صلى الله عليه وسلم في وجداني، فقد كانت الوالدة أطال الله عمرها - وهي أُمِّيّة- تحكيها لنا دوما خلال طفولتنا، وأذكر أنها كانت تهدهد شقيقي الذي يليني وتحكيها، فما كان مني إلا أن بكيت غاضبا باعتبار أن هذه السورة خاصة بي، وطلبت منها أن تحكي لشقيقي قصة أخرى سوى قصتي🙂
ثم إذا بي أعتاد مشاهدة تفاصيل القصة خلال رؤاي وأحلامي، وعندما كبرت وقرأت تفاصيل شق صدر نبينا صلى الله عليه وسلم (في الصحاح)؛ دهشت حقا بكون كل التفاصيل التي اعتدت رؤيتها خلال أحلامي مطابقة تماما للذي أتى في الصحاح!، وسبب دهشتي أنني عندما طلبت من الوالدة إعادة سرد تفاصيل القصة لم أجدها بذات الضبط الذي طابقت فيه رؤاي تفاصيل القصة في الصحاح!
في ثنايا هذه السورة (لطيفة) لايتبينها العديد منا، فقد قال ابن القيم رحمه الله:
قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} فالعسر - وإن تكرر مرتين - فإن التكرار عندما يكون بلفظ المعرفة فذاك يعني أن الموصوف (العسر) واحد، أما اليسر فقد تكرر بلفظ النكرة، لذلك فإنه يسران!، وبذلك فإن العسر محفوف بيسرين، يسرٌ قبله ويسر بعده، لذلك لن يغلب عسرٌ يسرين!.
انتهى قول ابن القيم.
وقد أورد الحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي في التلخيص بأن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أنه بلغه أن أبا عبيدة حصر بالشام، وقد تألب عليه القوم، فكتب إليه عمر: سلام عليك، أما بعد: فإنه ما ينزل بعبد مؤمن من منزلة شدة إلا يجعل الله له بعدها فرجا، ولن يغلب عسر يسرين، و{يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} قال: فكتب إليه أبو عبيدة: سلام عليك. وأما بعد: فإن الله يقول في كتابه: {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد} إلى آخرها. قال: فخرج عمر بكتابه فقعد على المنبر فقرأ على أهل المدينة ثم قال: يا أهل المدينة! إنما يعرض بكم أبو عبيدة أن ارغبوا في الجهاد).
وبالطبع فإن السورة تحكي عن قصة (حقيقية) لحادثة شق الصدر التي وقعت لنبينا صلى الله عليه وسلم خلال طفولته، سأسعي إلى أيرادها واصلا مابين شهودي اياها خلال رؤاي المنامية وصلا بالصحاح من كتب السيرة النبوية المشرفة،
فقد صحت الروايات بأن الحبيب صلوات الله وسلامه عليه قد شُقّ صدره والأدلة على ذلك ثابتة.
ومسرح الحادثة كان مضارب بني سعد:
لكأني بأطفالٌ يلعبون، وأمامهم أغنامٌ ترعى في خلاء قريب من خيمة حليمة السعدية مرضعة نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وإذا برجلين يأتيان عليهما ثيابٌ بيض، فيتخيران أوسم الأطفال وأكثرهم وضاءة، إنه طفلٌ يبلغُ من العمر أربع سنوات وبضعة أشهر.
ظل الطفل ينظر إليهما بعينين ملؤهما البراءة وإحسان الظن بكل الناس، فقد كان يتيما يفقد حنان الأب منذ أن اكتحلت عيناه بنور الدنيا، يربت الرجلان على كتف الصبي ثم يرقداه على ظهره؛ ويبدآن في شق صدره على مرأى من رصفائه من الأطفال!
وما إن يرى الأطفال مآل رفيقهم حتى ينطلقوا في أثر أخيه من الرضاعة مذهولين، ويصل أخوه وهو يصيح مذهولا من هول مارأى:
-أمي حليمة، أمي حليمة...
لقد جاء رجلان عليهما ثياب بيض، وقتلا أخي القرشي.
تذهل حليمة، وتنطلق إلى حيث يشير ابنها ومن خلفها زوجها الحارث بن عبدالعزى، فإذا به تجده ممتقع اللون، وما إن رآها حتى أجهش بكاء وارتمى في حضنها، هذا هو المشهد الذي اعتدت رؤيته خلال الكثير من رؤاي المنامية منذ طفولتي.
صلى عليك الله يانبي الهدى ماهبت النسائم وماناحت على الأيك الحمائم.
لقد أجمع أهل السيرة النبوية على أن حادثة شق صدر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من ارهاصات النبوة، وقد قال جلهم بأن حادثة الشق تدل على تطهيره من حظ الشيطان (عصمة له من الشرور والآثام وعبادة غير الله فلا يحل في قلبه شيء إلا التوحيد)، وبالفعل فإن نبينا لم يقترف إثماً، ولم يسجد لصنم بالرغم من شيوع ذلك في قومه صلى الله عليه وسلم.
الحق أقول إنني لم أجد هذا التفسير والتبرير مقنعا، فحادثة الشق (مادية)، بينما التفسير والتبرير الذي يقوله المفسرون (معنوي)!
لنقرأ سياق القصة كما أوردها مسلم رحمه الله في صحيحه:
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل علية السلام وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه عليه الصلاة السلام فشق قلبه فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة فقال: هذه حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه- يعني ظئره- فقالوا إن محمداً قد قتل، فاستقبلوه وهو ممتقع اللون، قال أنس: وقد كنت أرى أثر المخيط في صدره).
انتهى.
لقد ذكر البوطي في سيرته الآتي:
(يبدو أن الحكمة في ذلك اعلان أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وتهيّؤه للعصمة والوحي منذ صغره بوسائل مادية؛ ليكون ذلك أقرب الى إيمان الناس به وتصديقهم برسالته. إنها إذن عملية تطهير معنوي ولكنها اتخذت هذا الشكل المادي الحسي ليكون فيه ذلك الإعلان الإلهي بين اسماع الناس وأبصارهم. ان اخراج العلقة منه تطهير للرسول صلى الله عليه وسلم من حالات الصبا العابثة والمستهترة واتصافه بصفات الجد والحزم والاتزان وغيرها من صفات الرجولة الصادقة. كما تدلنا على عناية الله به وحفظه له وانه ليس للشيطان عليه سبيل).
انتهى قول البوطي.
لكن حديث الشيخ البوطي هذا-أثابه الله- لم يروي ظمأي.
فمنذ أول عهد لي بحادثة شق الصدر، إنداح إلى خاطري تفسير لها مختلف، وذلك بعد أن قرأت وصف نبينا صلوات الله وسلامه عليه لهيئة جبريل عليه السلام عندما رآه، وهو وصفٌ ينبي عن قدرة (خارقة) للرؤية لدى حبيبنا ونبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه.
قالت عائشة رضي الله عنها إنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خُلق عليها غير هاتين المرتين رأيته منهبطًا من السماء سادًّا عِظَم خِلْقِه ما بين السماء والأرض".
وذات القدرة على الإبصار وهبها الله للحبيب عند عروجه إلى السموات العُليا، وأبرزها تظهر عند توقف جبريل عليه السلام عند نقطة بعينها (دون سدرة المنتهى) ليقول لنبينا صلوات الله وسلامه عليه بأنه لاقدرة له على التقدم والمواصلة فوق تلك النقطة!...
فيتقدم الحبيب وحيدا، ويرى سدرة المنتهى بأم عينيه الشريفتين، وهي رؤية لاتتأتّى لعيني بشر سوى رسول الله.
سؤالي:
ألا يحتاج كل ذلك تهيئة قَبْليّة (مادية) لنبينا صلى الله عليه وسلم؟!
فقد رأى نبينا صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى ووصفها كما جاء في سورة النجم:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} النجم 17،16.
فالبصر ما زاغ ولا طغى
وماذا إلا لأن الله قد هيأه -من قبل-لذلك!
لعمري إنها التهيئة (المادية) التي مكّنت الحبيب محمد صلوات الله وسلامه عليه من رؤية وإدراك، وكذلك (إحتمال) مالا طاقة للبشر على رؤيته وإدراكه واحتماله!.
فالعين البشرية محدودة القدرة على الرؤية مهما كانت حدة الإبصار فيها، والرؤية لاتتم الاّ بعد سقوط الضوء من مصدر ما على جسم ثم ينعكس إلى العين لتتم الرؤية، والضوء في ذاته هو عبارة عن أمواج الكترومغناطيسية قوامها الإليكترونيات الخارجية التي تدول حول أنوية الذرات، وتسير هذه الأمواج في مجالات مختلفة من الأطوال الموجية المقاسة بوحدة تسمى (النانو ميتر nm)،
والضوء -الذي خلق لنا الله القدرة على رؤيته- ينحصر في طول موجي (من 380 الى 780 نانوميتر)، وتنتهي قدرتنا كبشر على الإبصار في المدى الأطول أو الأقصر من الطول الموجي المذكور أعلاه.
وفي حالة زيادة الطول الموجي عن ذلك يتحول الضوء من (مرئي) الى أشعة تحت حمراء (غير مرئية)، ثم إلى أشعة ميكروويف، ثم الى أشعة رايوويف، وهي ذات طول موجي يزيد عن 3 سنتمتر.
وفي حالة انقاصنا للطول الموجي، تنعدم -ايضا- قدرتنا على الابصار، حيث يتحول الضوء من مرئي الى أشعة فوق بنفسجية قريبة وبعيدة (غير مرئية)، ثم أشعة سينية، وأخيرا أشعة جاما بمجال طول موجة يقل عن 0.01 نانوميتر، وتكون طبيعة الأنتقالات المحددة في المادة في الأشعة فوق البنفسجية القريبة والبعيدة هي ذات الالكترونات الخارجية لذرة أو جزئ المادة كما هو في الطيف المرئي، ولكن بمجالات طاقة تختلف عن الضوء المرئي.
ثم تكون الأنتقالات في حالة الأشعة السينية من الإلكترونيات الداخلية لذرة المادة، وأخيرا في حالة أشعة جاما تتحول الأنتقالات الى انتقالات نووية.
وبذلك فإن العين البشرية ترى في حدود طول موجي محدد للضوء وهو (من 380 الى 780 نانوميتر) ...
وقد أصطلح على تسمية هذه المساحة من الضوء ب(الضوء المرئي) ، ويعني ذلك أن العين البشرية لا يمكنها الرؤية فيما عدا هذا الطول الموجي برغم وجود الضوء!
فالضوء -دون وفوق- ذاك الطول الموجي المذكور يكون (موجودا)، ولكنه في صور أخرى كما أوضحت في المداخلة السابقة.
فهل خلق الله عينا لمخلوق آخر تستطيع الرؤية خلال طول موجي أعلى أو أقل عن المدى المذكور أعلاه؟
نعم هناك أعين أخرى.
فقد ثبت علميا بأن (النحلة) تحتمل أشعة ذات طول موجي يتراوح مابين( 10 الى 200 نانوميتر ) وهي الاشعة المسماة ب(الأشعة فوق البنفسجية البعيدة) للرؤية، والمعلوم أن الطول الموجي للضوء كلما كان أقصر، فإن الرؤيا تتم بشكل اسرع مما هو في حالة الضوء المرئي!
وبذلك فان النحلة تستطيع أن ترى الاشياء بدقة أكثر وبسرعة أكبر من الأنسان!
ولعل الحكمة الإلهية من ذلك أن المساحات التي تطير فيها النحلة أصغر أبعادا وأكثف موجودات، فهناك تشكيلات الزهور العديدة وأجزاء النباتات الأخرى، وهي تحتاج إلى سرعة الرؤية وتحديد الإتجاه أثناء طيرانها في تلك الأمكنة الضيقة.
وبذلك فإن النحلة إن عرض لها مقطع متحرك (فيديو)، فإنها تستطيع مشاهدة كل لقطات الصور المتحركة كصور ثابتة!، وللعلم فإن صور الفيديو المتحركة هذه ليست سوى صور ثابتة لكنها متتالية، ونراها نحن صورا متحركة نسبة لطول الموجة التي نرى من خلالها نحن كبشر، بينما تستطيع النحلة رؤية تلك الصور (صورة صورة) وذلك لقدرتها على النظر من خلال طول موجي مختلف عنا.
فالصور التي تنقل إلى العين الرائية ان كانت في مدى موجي أقصر -كما في حالة الأشعة فوق البنفسجية (كمثال النحلة)- يكون فيها زخم كبير من التفاصيل، بحيث تحتاج إلى عمليات حسابية ضخمة في المخ، كي تتمكن العين من رؤيتها وتمييزها، وقد وجد العلماء بأن النحلة تقوم بمليون مليون - أي مليار- عملية حسابية في الثانية الواحدة كي تتمكن من معرفة كنه (لقطة) نظر واحدة!!
وهناك أيضا دراسات قامت بها شركة كوداك على عين الديك، فوجدوا بأن الطول الموجي للشعاع الضوئي الذي يمكن بعين الديك استقباله والتعامل معه هو مابين (200 الى 380 نانوميتر)، وهي الأشعة الفوق بنفسجية (القريبة) إلى الضوء المرئي، ويعني ذلك أن الديك يرى أسرع من الأنسان، وأبطأ من النحلة.
وقد ورد في مجلة (باييت مقازين) عدد 1992أكتوبر، بأنه قد أجريت دراسات عديدة على عين الحمار، فوجدوا في تقنية الإبصار لديه قدرة على إستقبال والتعامل مع الأطوال الموجية الأطول التي تنحصر مابين (0.780 و400 أنجشتروم)، وهو المدى الموجي الذي يميز الاشعة تحت الحمراء، حيث تكون الانتقالات اهتزازية ودورانية في المادة.
ويعني ذلك أن الحمار بطئ جدا في القدرة على رؤية الأشياء دون الأنسان، لكنه يمكنه كذلك الرؤية في الظلام الدامس!.
يقول الله جل وعلا في محكم تنزيله:
{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} التين 4.
قد يقول قائل؛ لأن كان الأمر كذلك لماذا لم يخلق الله العين البشرية قادرة على الرؤية من خلال كامل الضوء (مرئيّهِ وغير مَرئيّهِ)؟!.
ولماذا تتفوق عين النحلة عين الديك على العين البشرية؟!
للإجابة على هذه الأسئلة اقول:
المعلوم أن تمام الأمر وجودة الشئ لا يرتبط بالفوت في صفة أو مَلكة ما؛ بقدر ارتباطه بتناسق كامل المَلَكات أوالصفات،
فال (خفّاش) كمثال يستطيع السمع في درجة التي دون درجة الصوت المسموع!
فالصوت أيضا حاله كحال الضوء له مجالات (فوق) و (أسفل) المدى الصوتي الذي تسمعه الأذن البشرية.
لنتخيل أن الله قد جعل للأذن البشرية القدرة على سماع الأصوات الأدني، فكيف يكون حال الانسان إن أعطاه الله القدرة على السمع مثل الخفاش؟.
بالقطع لن يستطيع أحد منّا النوم ولا الراحة بسبب الضجيج العجيب وغير المحتمل الذي ستلتقطه أذنه!
ولأن قدر الله لنا بأن يتسع مجال الرؤية لدينا لنرى من خلال الأشعة فوق البنفسجية أو تحت الحمراء، تخيلوا كم وكثافة الصور وحراك الأشياء أمام أعيننا ونحن نصوب إلى واقع محدود يتصل بأكلنا وشربنا وسياقات حياتنا المعلومة!...
الا يعدُّ ذلك (طفرة) لن تفيد الأنسان بقدر ما تضره؟! ...
فالانسان يحتاج الى مجال رؤية، ومجال ذوق، ومجال سمع، ومجال شم، ومجال حس، ومجال تفكير، يتناسب مع الذي بين يديه مما يتصل ويفيد الحياة، فالكلٌّ ميسّرٌ ِلما خُلِق له في خلقه وقدراته.
كما أسلفت لقد أجمع علماء التفسير على أن الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم رأى عيانا جبريل عليه السلام مرّتان، وأنه أيضا راى عيانا سدرة المنتهى.
ففي الحديث الثابت في صحيح البخاري أن عائشة رضي الله عنها قالت في تفسير الآيتين:
{وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ} التكوير23، ثم الآية {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} النجم 13 قالت رضي الله عنها:
أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطاً من السماء ساداً عِظَمُ خلقه ما بين السماء والأرض.
وقد حدثت الرؤية الأولى من بعد بدئ الوحي عندما كان يعتكف في أجياد، وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في رواية أخرى بأنه له ستمائة جناح، وكان من الضخامة بحيث أنه قد سد كامل خط الافق بجسمه !!...
والرؤية الثانية لجبريل عليه السلام -على هيئته الأصلية- كان عند سدرة المنتهى، عندما عُرِجَ به صلى الله عليه وسلم الى السماء!...
ثم أجمع العلماء ايضا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى عيانا سدرة المنتهى التي عندها جنة المأوى...
وقد ورد في وصف جبريل عليه السلام وفي وصف سدرة المنتهى أوصافا يتأكد من خلالها عجز العين البشرية بتفاصيلها التشريحية الحالية عن أستيعاب كامل صورتي جبريل عليه السلام -على هيئته الحقيقية- وصورة سدرة المنتهى ...
الخلاصة:
أقول والله أعلم بأن الله قد أعطى لعيني رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وعقله قدرات اضافية؛ بحيث أمكن لعينيه الشريفتين أن تستقبلا (كامل) الطول الموجي المميز للأشعة فوق البنفسجية بعيدها وقريبها، وقدر الله كذلك لعقله صلى الله عليه وسلم بأن يتعامل مع سرعة ذلك الطول الموجي القصير جدا احاطة بكل التفاصيل بتوفيق الله، ولنا هنا أن نتوقف بين يدي الآية الكريمة {مازاغ البصر وما طغى} مستصحبين حادثة حادثة شق صدر رسولنا صلى الله عليه وسلم في صباه عندما كان يرعى الغنم في ديار بني سعد وفي الخاطر والبال مانقلته لنا السنة المطهرة والسيرة المشرفة عن الكثير من التمييز الرباني لرسولنا عن باقي البشر في القدرات والحواس، فهو صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق خِلْقَةً وخُلُقا.
والله قد قرن البصر والعقل بالقلب - وإن كان المعنى هنا مجازيا- حيث قال جل في علاه:
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ} الحج 46.
صلى عليك الله يانبي الهدى ماهبت النسائم وماناحت على الأيك الحمائم.
adilassoom@gmail.com
مواكب الأحزان في سيرة سيد الأكوان، الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم
عادل عسوم
(1)
مولده صلوات الله وسلامه عليه يتيم الأب
صلى عليك الله ياعلم الهدى ما هبّت النسائم وما ناحت على الأيك الحمائم
الأحزان دوما تجلو القلوب وتسكب على النفس رقة تزيل بها كل قسوة وجفاء...
وتّرهف المشاعر لتسمو بها وتستعلي عن الشنآن...
وتصهر النفوس فتخلصها من أدران القسوة والكِبر والغرور وتجعلها أكثر تواضعا...
كم من مواكب أحزان اكتنفت حياتك ياحبيبي يارسول الله!
كم من محنٍ أرخت بسدولها عليك -بأبي أنت وأمي-كالليل البهيم!
كم من ظلامات لبشر تلقيتها بابتسامة وضيئة فما دعوت لهم الاّ بخير!
وصدق حسان ابن ثابت حين قال:
وأحسن منك لم تر قطُّ عيني
وأجمل منك لم تلد النساء
خُلقت مبرءا من كل عيب
كأنك قد خلقت كما تشاء
وقفتي الأولى كانت ولم تزل أمام (موكب حزن) يُتمِهِ صلوات الله وسلامه عليه وهو في بطن أمه!...
فقد ظللت ولم أفتأ أسائل نفسي ما الحكمة في أن يولد المصطفى فاقدا لحنان الأب وصحبته؟!
وتساؤلي ذاك ليس من باب التحرج من قضاء لله لا والله...
فالله يأمرنا بأن لايكون في أنفسنا حرج من قضاء له...
وقضاء الله كله خير (وان بدا لنا ظاهره بغير ذلك أحيانا)!
اذا لماذا يُحرم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم من نعمة التمتع بحنان الأبوة؟!
لا أخفيكم بأنني قد قرأت عن ذلك في سيرة ابن هشام فلم يشف غليلي ولم أجد لدى الذهبي أو ابن كثير مايجيب على تساؤلي ثم عرّجت الى كتابات الغزالي الصغير والبوطي والغضبان والسباعي والصلاّتي ثم المباركفوري في الرحيق المختوم فلم أجد ضالتي لديهم جميعا...
ولكن...
قدّر لي أن أتلّمس خلال استماعي الى الراحل الشعرواي -في أحدى حلقات برنامجه الذاخر ذاك- (خيطا) أفضى بي الى رؤيتي هذه:
الأب -دوما-هو المشكّلُ لوجدان ابنه (فكريا) و(ثقافيا) و(دينيا)...
وذاك أمر تسنده الكثير من الأحاديث الشريفة والأقوال والأمثال:
1-حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(حدثنا آدم حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء).
2-بيت الشعر القائل:
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوّده أبوه
3-المقولة:
من شابه أباه فما ظلم.
تلك أمثلة وهناك الكثير والعديد من الأقوال والأمثال الأخرى التي تشي بذلك...
فلنأتِ الى الذي بين يدينا:
عندما تزوج عبدالله بن عبدالمطلب -والد نبينا-من آمنة بنت وهب-والدة نبينا-ما كان الاسلام قد تنزل بعد...
أي أن الوالدان كانا على دين آبائهما من أهل قريش...
فان ولد المصطفى صلوات الله وسلامه عليه في كنف أبيه عبدالله لتأثر بالكثير من (رواسب) الفكر والثقافة والدين التي كانت تسود مجتمع قريش من خلال حراك حنان ورفقة أبيه (ان كان قد عاش)!...
لكن قد يقول قائل ان نبينا يمكنه أن يتأثر أيضا ببقية أهله ومجتمعه بذات الفكر والثقافة والدين؟!
لكن يكون الرد:
ان أمر الأخذ من الأب لا يقارن البتّة بنظيره أخذا من بقية الأهل والمجتمع!.
أمر آخر...
لقد قدر الله -وقدر الله كله خير- بأن لايعيش المصطفى عليه صلوات الله وسلامه -أيضا-في كنف أمه!
فقد عاش جل فترة رضاعته وطفولته الى أن أصبح شابا يرعى الغنم في مضارب بني سعد لدى مرضعته حليمة السعدية...
والبادية -دوما-تكون أقرب الى الفطرة منها عن الحواضر...
وقد قدّر الله بأن تتأبّى حليمة -التي وجدت من رضيعها ذاك الكثير من البركات-من أن تعيده الى أمه آمنة التي حاولت مرارا اعادته اليها لتقنعها حليمة بأفضلية نشأة الصبي لديها في مضارب بني سعد حرصا على صحته وعافيته فما يكون من آمنة الاّ أن تستجيب لحليمة!.
خيط (شيخنا الشعراوي) رحمه الله الذي ذكرت سابقا كان في سياق خواطره خلال تفسيره لآية سورة العنكبوت:
( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون ).
قال الشعراوي رحمه الله:
القرآن الكريم منذ اللحظة التي نزل فيها نزل مقرونا باسم الله سبحانه وتعالى ـ ولذلك حينما نتلوه فإننا نبدأ نفس البداية التي أرادها الله تبارك وتعالى ـ وهي أن تكون البداية بسم الله. وأول الكلمات التي نطق بها الوحي لمحمد صلى الله عليه وسلم كانت { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ }. وهكذا كانت بداية نزول القرآن الكريم ليمارس مهمته في الكون.. هي بسم الله. ونحن الآن حينما نقرأ القرآن نبدأ نفس البداية.
ولقد كان محمد عليه الصلاة والسلام في غار حراء حينما جاءه جبريل وكان أول لقاء بين الملك الذي يحمل الوحي بالقرآن.. وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الحق تبارك وتعالى: { ٱقْرَأْ }.واقرأ تتطلب أن يكون الإنسان.. إما حافظا لشيء يحفظه، أو أمامه شيء مكتوب ليقرأه.. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حافظا لشيء يقرؤه.. وما كان أمامه كتاب ليقرأ منه.. وحتى لو كان أمامه كتاب فهو أميّ لا يقرأ ولا يكتب.
نقول إن الله تبارك وتعالى.. كان يتحدث بقدراته التي تقول للشيء كن فيكون، بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحدث ببشريته التي تقول إنه لا يستطيع أن يقرأ كلمة واحدة، ولكن قدرة الله هي التي ستأخذ هذا النبي الذي لا يقرأ ولا يكتب لتجعله معلما للبشرية كلها إلى يوم القيامة.. لأن كل البشر يعلمهم بشر.. ولكن محمد صلى الله عليه وسلم سيعلمه الله سبحانه وتعالى. ليكون معلما لأكبر علماء البشر.. يأخذون عنه العلم والمعرفة...
لعل شيخنا الشعراوي يقول بأن (أمية) نبينا صلوات الله وسلامه عليه تشي بصحيفة بيضاء ووجدان لم تسوّد نقاء فطرته (أخلاط) لأفكار وثقافات تتخللها الاعتقادات الوثنية وكتابات أحبار ورهبان اليهودية والنصرانية المحرفة حينذاك!...
ذاك الذي ساقني سوقا الى تلمس بصمات (كان) يمكن أن تبين على وجدانه ان قُدّر له صلى الله عليه وسلم صحبة لوالده الراحل عبدالله بن عبدالمطلب ...نتاج التفاعل الوجداني لطفل مع ابيه...
اذا لقد كان قدر الله أن يبقى وجدان نبينا -منذ ميلاده- نقيا لينشأ على عين الله ورعايته.
صلى عليك الله يانبي الهدى ماهبت النسائم وماناحت على الأيك الحمائم
(2)
وفاة أمه آمنة بنت وهب وهو ابن ست سنوات.
ياااااه...
يالموكب الحزن هذا!!!
كم هو مهيب!
لقد كان عمره ست سنوات!
نعم ست سنوات!!
غضُّ الاهاب...
يتيم أب...
جاء يستشرف حنان أمٍّ عساه يعوضه فقد أب وقساوة حياة بادية أمضى فيها سنيّه الست...
ضمته أمه آمنة بنت وهب الى صدرها بحرارة شوق كل تلك السنوات...
نظرت الى عينيه المفعمتين رقة وحزنا وقالت:
بأبي أنت وأمي يافلذة كبدي يامحمد...
ما كان لي أن أفارقك وقد رحل عنا أباك عبدالله من قبل أن تكتحل عيناك بنور الدنيا...
قالت ذلك ودست أنفها في شعره تستروح ريح زوجها الراحل...
زوجها الذي لم تعش معه سوى (عشرة ايام) لم تزد ولم تنقص!
لكنها كانت تكفي لأن يبقى حبه يملأ قلبها بحيث لا يدع لحب رجل آخر ولوجا اليه!!
فبقيت آمنة مخلصة لحب عبدالله الذي رحل عن الدنيا...
هاجت أشجانها ومحمد بين ذراعيها ووجه أبيه يحوّم حولهما في فضاء الغرفة في دوائر ملونة كفقاعات الصابون يلهو بها طفل برئ...
ورحلت بخيالها الى البعيييييد...
يومها كانت فتاة يتمناها كل شاب في قريش له زوجة...
وعبدالله كان أوسمهم وأجلّهم حسبا وأكثرهم فراسة...
كيف لا وهو الذي افتُدي من الذبح بحُمُر النعم!
كم سعدن آمنة عندما جاءها أباها (وهب) يزف اليها طلب يدها من عبدالمطلب لتكون زوجا لابنه عبدالله...
وسعادة آمنة كان مردها عشم ومنى العديد من فتيات مكة بأن يتقدم عبدالله الى واحدة منهن...
وفي مقدمة أولئك شقيقة ورقة بن نوفل التي خطبتها -بنفسها-يوما اليها فتأبّى عليها!!
وعندما مازحها عبدالله صباح يوم زواجه من آمنة قائلا ألم تكوني يابنت نوفل تودّين زواجي يوما قالت:
" فارقك النور الذي كان معك بالأمس، فليس لي بك اليوم حاجة" .
ذاك النور الذي شعّ من آمنة عندما احتملت محمدا في بطنها فرأت على أثره قصور كسرى من أرض الشام!
انه نورٌ لم تفتأ ظلاله تغمرها الى يومها لتعيش زاهدة -من بعد رحيل صاحبه-ا في كل رجال الدنيا!
وهاهي يعوضها الله -بلُجّة منه- طفل تفوق وسامته وسامة أبيه...
اذ قد ورث عنه ذات العينين الدعجاوين...
وذات الشعر الذي يضرب على منكبيه...
اذ قد ورث منه ذات العينين الدعجاوين...
وذات الشعر الذي يضرب بين منكبيه...
وذات الوجه المستدير الأبيض المشرب بحمرة...
أجهشت آمنة بكاء فتساقطت دموعها على وجه فلذة كبدها وأضحت تلوم نفسها وتقول:
وما كان عليّ أن أدعك تعيش قساوة حياة البادية ياحبيبي يامحمد...
لقد كان عليّ أن أبقيك معي -ولا أركن الى تقاليد قريش-كي أعوضك بحناني عن حنان ابيك الذي لم تره يافؤادي...
نظر اليها الحبيب بعينين محبتين وهو بين ذراعيها وقال:
لا عليك يا أماه...
انه قدر الله ...وقدره كله خير ياأماه...
البادية قد وهبتني الكثير الذي يزين رجولتي عندما أشبُّ ياأماه...
هاهم الناس لا يصدقون بأنني ابن ست واني لكذلك...
وها أنا اقارع من هم لهم فوت علي عمرا وعلما فافوقهم لغة ومنطقا وحجة...
وهاأنا بحمد الله صحيحا معافا لا تعضلني سقام مكة كغيري ممّن نشأ فيها...
ضمته -أكثر- الى صدرها وراحت تمطر وجهه الشريف بقبلاتها...
اذ ما أمتع حين يتلمس الوالدان نجابةَ في ولد لهما...
وقد صدق الشاعر حين قال:
نعم الاله على العبادة كثيرة وأجلهن نجابة الأبناء
ما كان من آمنة الاّ أن شخصت ببصرها الى السماء وناجت ربها قائلة:
الهي لك الحمد بأن حفظت وليدي وكلأته بعينك التي لاتنام...
أحمدك يارب السموات والأرض بأن أعطيته نواصي الكلم وملأته حكمة وبرّ...
يارب انّي اشهدك بأني عليه راضية ...فارض عنه ياقيوم السموات والأرض...
فما كان من محمد الاّ أن وضع يديه الصغيرين على خدّي أمه وقبلها على جبينها...
فأعادت ضمه الى صدرها ليغفيا بقية ليلتهما تلك...
فآمنة كانت قد عقدت النية بأن تذهب به لزيارة قبر ابيه ومن ثم لتقضي معه زمانا لدى أخوال ابيه المقيمين في يثرب...
ووضع الحبيب رأسه في حضن أمه آمنة لينام...
ياااااه...
يالجمال الدنيا في أحضان الوالدين...
أحس بدفئ أنفاس أمه بين بصيلات شعر رأسه...
كانت يداها تتشبثان به -في حنان بالغ- ولكأنها تود استعاضة كل سني البعاد...
مال برأسه قليلا الى الخلف ليتمكن من رؤية وجهها الرؤوم ...
فما كان منها الاّ أن ازدادت به تشبثا وهي نائمة!
لعلها كانت تحس بقرب دنو أجلها ياأحباب...
وشقشقت عصفورة مؤذنة بطلوع الفجر...
فانتفض الصبي محمد وانسل برفق من تحت الغطاء...
فهو لم يعتد -في بادية بني سعد-نوما من بعد طلوع الفجر...
جلس محمد يسترجع رؤية رآها خلال نومه...
نظر الى وجه أمه وهي نائمة فتحدرت من عينيه دمعتان...
فالرؤية التي رآها تقول بأن أمه في طريقها الى مبارحة الدنيا خلال ايام!
اذ هو صلوات الله وسلامه عليه قد اعتاد بأن لايرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصباح...
خرج محمد الى ساحة الدار وجلس يبكي ماشاء له الله من بكاء...
فهو اليتيم الذي لم ير اباه...
وعندما قدّر له بأن يلتئم شمله بأمه هاهي تستعد للرحيل الى حيث رحل ابيه...
فداك ابي وأمي ونفسي يارسول الله...
هاأنت تقاسي كل ذلك ولم يتجاوز عمرك من السنوات ستّا!
مسح محمد دموعه بكم قميصه وغسل وجهه ثم انتحى جانبا قصيا من الدار وجلس يناجي ربه...
رباه...
يا قيوم السموات والأرض...
يامن خلقتني من العدم...
ثم نفخت فيّ من روحك العليّة...
وكلأتني بعينك التي لاتنام في بادية بني سعد...
أدعوك باسمائك الحسنى...
وصفاتك العُلى...
أن تلطف بأمي يالطيف...
وتصحو أمه آمنة فيسمع صوتها وهي تناديه:
-يامحمد يامحمد أين أنت يافلذة كبدي...
-أنا هنا ياأماه...
فتأتيه وتحس -باحساس الأمومة- بما يكتنفه من حزن!
-قل لي يابني ماذا يحزنك فاني والحق لا أحتمل أن اراك حزينا...
فينظر في وجهها ويوشك أن يعلمها بحلمه الذي رآه...
لكنه يؤثر السكوت اذ قد وقر في قلبه بأن الأولى بالرؤيا -ان كانت محزنة- أن لايخبر بها أحدا...
فيقول لأمه:
-لا عليك ياأماه ...مابي الاّ الشوق اليك
فتضمّه اليها وتقول:
-وكيف لأم مثلي ليس لها في الدنيا سواك ياحبيبي...
لقد أعددت الراحلة لنذهب سويا ونزور قبر ابيك عبدالله ثم أأخذك الى أخوالك هناك في يثرب اذ هم في شوق شديد لرؤياك يامحمد...
فيهز الحبيب رأسه بحزن وينطلق الى حيث الراحلة...
اذ هو (يوقن) بأنها الصحبة الأولى والأخيرة مع أمه!...
يصل الحبيب وأمه الى حيث قبر والده عبدالله...
فتجثو آمنة على ركبتيها تبلل حافة القبر بدموعها وتخاطب صاحبه قائلة:
ياابامحمد...
ها هو أبننا قد شبّ واضحى قرة عين لي ياعبدالله...
ليتك كنت بيننا لتملأ عينيك من جمال سمته وطبعه...
انه يحمل عنك الكثير ياعبدالله...
ذات عينيك ...
وذات شعرك ...
وذات قوامك...
وذات ابتسامتك...
وهو فوق ذاك قد أوتي جوامع الكلم ياعبدالله...
كم اشتاقك ياعبدالله ياابامحمد...
لقد عاهدت نفسي بأن لا أتبعّل لرجل من بعدك الى أن التقيك هناك في السماء ياعبدالله...
دمعت عينا محمد وهو يستمع الى بوح أمه ومناجاتها لأبيه...
فاحتضنها وقبّلها على جبينها وقال:
-لا تقسي على نفسك ياأماه...
تعالي ندعو لابي سويا...
ثم شرع يدعو ومن خلفه أمه آمنة تقول:
آمين...
آمين...
آمين...
فرغ الحبيب وأمه من دعائهما للراحل عبدالله ثم أناخا بعيرهما وانطلقا صوب يثرب...
وبقي محمدٌ يرمق أمه من طرف خفي ويحدّث نفسه:
كم أنت عظيمة ياأماه...
ما أنقى وأنبل الحب الذي يكتنف فؤادك تجاه ابي ياأيتها الطاهرة!
لان كانت اياما معدودة عاشها أبي معك تذكي مثل هذا الحب الكبير ...فكيف ان كان قد عاش معك السنوات الطوال؟!
ورفع وجهه الى السماء يناجي ربه:
ربّاه لك الحمد والشكر بأن جعلتني أبنا لهذه الأم النبيلة
رباه أكلأها بعينك التي لاتنام انك ياربي وليُّ ذلك والقادر عليه.
ختم محمد دعاؤه بذلك عندما أحس برغبة ملحّة في أن يدعو ربه بأن يطيل في عمر أمه...
اذ هو موقن برؤياه التي رآها في المنام بأن أمه قد أزف موعد رحيلها الى الله...
لكنه الأدب مع الله!
فالرؤيا المنامية لديه أيذان من الله بقدر واقع لامحالة...
وهو وان كان يوقن بأن الدعاء يردُّ القدر الاّ ان أدبه مع ربه يحول بينه وبين الدعاء بأن يسأل الله ردّ ذاك القضاء!!!
وهكذا استعلاء النفوس المخبتة الى ربها...
لان كان حبه لأمه آمنة هو (كل) ما يملكه في الدنيا من حب...الاّ أن حبُّ الله أسبق الى وجدانه من كل حب عداه...
وتبقى أنظار (الطفل) محمد معلقة بأمه يحصي عليها كل حراكها وسكناتها عساه يري ويشبع دواخله من فيض أنوارها اذ يعلم يقينا بقرب أفول نجمها عن حياته...
ويصل الركب الى يثرب ...
كانت المرة الأولى التي يرى فيها الحبيب أخواله...
والأخوال -دوما- أرق قلوبا وأذخر حنانا!
لقد تعهدوه بكل الحنان وافاضوا عليه من المحبة الكثير...
وتمنى أن لو عاش بقية عمره هناك...
لكن شئ (ما) يشده الى مكة.,.
قلبه يقول له بأن الله يدّخر له شيئا عظيما هناك...
وتصاب أمه بحمى يثرب وتبدأ صحتها تعتل يوما بعد يوم...
فلا يملك أخواله الاّ أن يستعجلوها الرحيل الى مكة...
وتتحرك القافلة وفيها اثنان من الأخوال وآمنة وبصحبتها الحبيب...
ويقول أحد أخويها:
لعلك ياآمنة تتعافين عندما نبارح يثرب وتتنسمين هواء مكة الجاف...
ولكن تسوء حال آمنة كلما تقدمت القافلة...
وعند وصولهم الى بقعة بين يثرب ومكة تسمى الأبواء طلبت منهم آمنة بأن ينيخو ناقتها لترتاح قليلا...
وهنا تسد عبرة حلق محمد...
فهو قد ايقن بأنها لحظات الفراق...
أنزلها أخواها وهادوها بينهم الى ظل شجرة لترتاح قليلا...
اسندت ظهرها الى جذع الشجرة ونادت اليها فلذة كبدها محمد...
جاءها الحبيب فاحتضنته واذا بدموعها تبلل جبينه ووجنتيه...
كان جسدها يصطلي بحرارة الحمى...
ولكنه بدأ يبرد رويدا رويدا...
وبقيت تقبل محمدا في وجهه وكتفه ويديه وهو يقبلها...
ورفعت رأسها الى أخويها وقالت:
أوصلوا محمدا الى جده عبدالمطلب فهو ارأف الناس به...
ودمعت عينا الحبيب وهو يرى مدى حرصها عليه وهي في ساعة نزعها تلك...
وظل خالاه يهدآن من روعها ويقولون ...ستصلين باذن الرب سالمة معافاة الى مكة ياآمنة...
فتقول آمنة:
-لا ياأخواي...اني اراني أتخفف من دنياي!
ويعلو صدرها ويهبط ...وهي تغالب أنفاسها...
ويسند الحبيب راسها بيديه الصغيرتين عساه يخفف عنها ...
وتبقى نظراتها الريانة شفقة وحنانا تتخلل وجه محمد الى أن اسلمت ربها الروح...
فأغمض الحبيب عينيها بيديه وقال لخاليه :
-أنها قد رحلت الى السماء ياأخوالي...
فيحتضنه أحدهما وهو يقول من بين دموعه:
-بورك فيك ياابن أختي...انك رجل في أهاب طفل ورب الكعبة...
ثم يطبطب على كتفه ويواصل...
انها ارادة الخالق يابني...
فيجيبه محمد بايماءة من رأسه بأن نعم...
لكن... أحتبست الدموع في عينيه!...
وكيف لا...
اذ حزنه عليها كبيييييير الى مالانهاية...
ولولا أن مهدت له رؤيته المنامية -تلك-لهذا الموقف لأثرت في نفسه ايما أيما تاثير...
اذ هو الطفل الذي لم يتعدى عمره السادسة!
ورؤية قريب حبيب يفارق الدنيا أمام ناظري طفل في مثل عمره ...كم هي مؤلمة!
فكيف ان كان ذاك الحبيب ...أمّا له؟!!!
(للمقال بقية)
adilassoom@gmail.com



التوقيع:
[frame="7 80"].

سُكْنايَ حيثُ يحكي النيلُ عن حضارةٍ عظيمة
يشُقُّ صدرَ أرضنا السمراء في عزيمة
وينحني تأدباً في (البركل) الذي يلي كريمة
عادل عسوم
www.marawinews.com
[/frame]
imported_عادل عسوم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 31-10-2020, 11:30 PM   #[2]
imported_عادل عسوم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_عادل عسوم
 
افتراضي

(وصل لابتداء):
ما أقسى أن يولد الطفل فينا ولا يقدّر له أن يهنأ بحنان وصحبة الأب!
انها مشاعر لايتلمسها المرء منا الاّ في عيني يافعٌ ضاق مرارة ذاك اليتم!...
...
نظم أحمد شوقي فقال:
سأَلوني: لِمَ لَمْ أَرْثِ أَبي؟
ورِثاءُ الأَبِ دَيْنٌ أَيُّ دَيْنْ
أَيُّها اللُّوّامُ، ما أَظلمَكم!
أينَ لي العقلُ الذي يسعد أينْ؟
يا أبي، ما أنتَ في ذا أولٌ
كلُّ نفس للمنايا فرضُ عَيْنْ
هلكَتْ قبلك ناسٌ وقرَى
ونَعى الناعون خيرَ الثقلين
غاية ُ المرءِ وإن طالَ المدى
آخذٌ يأخذه بالأصغرين
وطبيبٌ يتولى عاجزاً
نافضاً من طبَّه خفيْ حنين
إنَّ للموتِ يداً إن ضَرَبَتْ
أَوشكَتْ تصْدعُ شملَ الفَرْقَدَيْنْ
تنفذ الجوَّ على عقبانه
وتلاقي الليثَ بين الجبلين
وتحطُّ الفرخَ من أَيْكَته
وتنال الببَّغا في المئتين
أنا منْ مات، ومنْ مات أنا
لقي الموتَ كلانا مرتين
نحن كنا مهجة ً في بدنٍ
ثم صِرْنا مُهجة ً في بَدَنَيْن
ثم عدنا مهجة في بدنٍ
ثم نُلقى جُثَّة ً في كَفَنَيْن
ثم نَحيا في عليٍّ بعدَنا
وبه نُبْعَثُ أُولى البَعْثتين
انظر الكونَ وقلْ في وصفه
قل: هما الرحمة ُ في مَرْحَمتين
فقدا الجنة َ في إيجادنا
ونَعمْنا منهما في جَنّتين
وهما العذرُ إذا ما أُغضِبَا
وهما الصّفحُ لنا مُسْتَرْضَيَيْن
ليتَ شعري أيُّ حيٍّ لم يدن
بالذي دَانا به مُبتدِئَيْن؟
ما أَبِي إلاَّ أَخٌ فارَقْتُه
وأَماتَ الرُّسْلَ إلاَّ الوالدين
طالما قمنا إلى مائدة ٍ
كانت الكسرة ُ فيها كسرتين
وشربنا من إناءٍ واحدٍ
وغسلنا بعدَ ذا فيه اليدين
وتمشَّيْنا يَدي في يدِه
من رآنا قال عنّا: أخوين
نظرَ الدهرُ إلينا نظرة ً
سَوَّت الشرَّ فكانت نظرتين
يا أبي والموتُ كأسٌ مرة ٌ
لا تذوقُ النفسُ منها مرتين
كيف كانت ساعة ٌ قضيتها
كلُّ شيءٍ قبلَها أَو بعدُ هَيْن؟
أَشرِبْتَ الموت فيها جُرعة ً
أَم شرِبْتَ الموتَ فيها جُرعتين؟
لا تَخَفْ بعدَكَ حُزناً أَو بُكاً
جمدتْ منِّي ومنكَ اليومَ عين
أنت قد علمتني تركَ الأسى
كلُّ زَيْنٍ مُنتهاه الموتُ شَيْن
ليت شعري: هل لنا أن نتلقي
مَرّة ً، أَم ذا افتراقُ المَلَوَين؟
وإذا متُّ وأُودعتُ الثرى
أَنلقَى حُفرة ً أَم حُفْرتين؟



التوقيع:
[frame="7 80"].

سُكْنايَ حيثُ يحكي النيلُ عن حضارةٍ عظيمة
يشُقُّ صدرَ أرضنا السمراء في عزيمة
وينحني تأدباً في (البركل) الذي يلي كريمة
عادل عسوم
www.marawinews.com
[/frame]
imported_عادل عسوم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-11-2020, 08:07 AM   #[3]
imported_عادل عسوم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_عادل عسوم
 
افتراضي

(وصل لابتداء):
كم أجد نفسي وقافا بين يدي (علائق أنبياء الله ورسله بأبائهم) كلما عنّ لي قراءة قصصهم عليهم السلام في ثنايا الآيات التي ذكرتهم!
لإن كان قدر الله بنبينا صلى الله عليه وسلم (اليتم) وهو في رحم أمه آمنة بنت وهب عليها السلام، ثم فقده إياها وهو طفل في السادسة من عمره على أرجح الأقوال؛ فإن عيسى عليه السلام ولد بنفخة من روح الله في أمه مريم عليها السلام!
وذاك موسى عليه السلام كان قدر الله أن تلقيه أمه عليها السلام في اليم، لينتهي به المقام في قصر فرعون، وبالرغم من التحاق أمه به (كمرضعة)؛ إلا انه لم يرد بأن أباه قد رافقه إلى حيث نشأ!
وذاك ابراهيم عليه السلام لم يهنأ برفقة والده، فما من أب يصل به الحال لأن يقول لابنه لأرجمنك!، {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} مريم 46، وإني لأجد قول الشيخ الشعراوي رحمه الله بكون آزر ليس والدا لإبراهيم عليه السلام هو الصواب، وللشعراوي (لطيفة) يقول فيها وهو يفسر قول الله جل في علاه:
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} الأنعام 74، يقول الشعراوي رحمه الله بأن استباق إسم آزر بلفظة (أبيه) تدل على أنه ليس والده إنما عمه، وهذا ماقاله:
إننا حين نطلق كلمة الأب في أعرافنا نعلم أن اللغة التي نتكلمها لغة منقولة بالسماع، مركوزة في آذاننا، ينطق بها لساننا، والعامية وإن كانت تحرف الفصيح إلا أن أصولها منقولة عن أسلافنا وآبائنا، وهم حين يريدون الأب الحقيقي يقولون له أب ولا يأتون باسمه الشخصي؛ فإذا جاء لك إنسان وقال لك: أبوك موجود؟. ولم ينطق باسم الوالد فهو يقصد والدك فعلاً. لكن افرض أن لك عَمّاً، فيقول لك السائل: أبوك محمد موجود؟
وهناك قول بأن إسم والد إبراهيم هو (تارح) وليس آزر، ويضيف الشعراوي رحمه الله:
وأقول ذلك لأضفي مسألة وقع فيها اللغط الكثير؛ فالبعض من العلماء قال: هل كان آزر أباً لإبراهيم؛ والحديث الشريف يقول:
"خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي ولم يصبني من سفاح الجاهلية شيء".
فكأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه من سلسلة نسب مُوَحِّد لا يمكن أن يكون للشرك فيه مجال، وآزر كان مشركاً، وما دام الحق يقول في آية أخرى: {إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}. فلو أن آزر الوالد الحقيقي لإبراهيم لكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من ذريته. وأرى أنه عمّه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ما زلت أتنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات"، وهو قول يدل على أن نسبة الشريف مطهر من الشرك من جهة الآباء ومن جهة الأمهات، إذن فلا يصح أن نعتقد أن أبا إبراهيم هو آزر؛ لأنه كان على هذا الوضع مشركا، لكن كيف نفسر قول الحق سبحانه وتعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ }؟.
نقول: إننا نأخذ اللغة، ونأخذ استعمالات القرآن في معنى الأبوة. والقرآن صريح في أن الأبوة كما تطلق على الوالد الحقيقي الذي ينحدر الولد من صلبه تطلق كذلك على أخي الوالد أو عمه.والدليل على ذلك أن القرآن الذي قال: { أَبِيهِ آزَرَ} وهو بعينه القرآن الذي قال:
{أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ}
[البقرة: 133].
إذن آباء هي جمع أب، وأقل الجمع ثلاثة: إبراهيم إذن وكذلك العم إسماعيل يطلق على كل منهما أب، وأيضاً إسحاق وهو والد يعقوب، هؤلاء هم الآباء المذكورون في هذه الآية.
وهنا نفهم أن أبوة إسماعيل ليعقوب إنما هي أبوة عمومة؛ لأن يعقوب بن إسحاق، وإسحاق أخو إسماعيل. إذن فقد أطلق الأب وأريد به العم، ويدلنا الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك حينما أُخِذَ عمه العباس أسيراً فقال: ردوا عليّ أبي؛ وأراد عمّه العباس.
(انتهى قول شيخي الشعراوي رحمه الله).
ولقد توقفت أيضا بين يدي قصة اسماعيل ووالده إبراهيم عليهما السلام، والأمر هنا بالرغم من اختلافه عن السياق اعلاه بكون الوالد إبراهيم عليه السلام نبيا؛ إلا أن الله جل في علاه قد شاء بأن ينشأ اسماعيل عليه السلام بعيدا عن والده!، فقد تركه بمعية أمه هاجر عليها السلام بجوار بيت الله في مكة المكرمة، فنشأ دون وصل به، نائيا عن حنان الوالد ورفقته خلال طفولته!
وهذه قصيدة كتبتها في (نيمة) غرستها بيدي في عرفات الله عندما كنت أدرس في جامعة ام القرى بمكة المكرمة في بدايات الثمانينيات؛ لعل فيها ذكر لحال إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:
من وحي (نيمة) غرستها في عرفات الله عام 1982
عادل عسوم
مُدِّيْ غُصونَكِ في دلال،
وارفدي الحجاج دوما بالظِلال
وتَمَايَسِي فالأرض طُهرٌ،
وكل السُّوح يَغْمُرُها الجَلال
إنَّها عَرَفاتُ ربِّي...
واليوم يَغْفِرُ ثُمَّ يَهْدِيْ كُلَّ ضَال
الناسُ اذْ سَمِعُوا النِّدَاء من الخليل،
جاؤه بالضُمُرِ النَّحِيْلَةِ أو رِجال
هتف الخليل عليه من ربي السلام،
فارتجت الأرض الخلاء وكل هامات الجبال
إنه نعم الأذان...
بل إنَّه نفحً الدُّعَاءِ...
يومَ جاءَ الواد قفراً ورمال
وأناخ النوق قرب البيت زلفى
فوقها اسماعيل محمود الخلال
هانئ في حضن هاجر
إنها زوج نبي...
وهي أم لنبي...
أبشري بالخير ياااانعم المآل
ومضى الخليل
إذِ اليقينُ في ربِّ الكمال
وهو أوّاهٌ حليم
بل إنه جَمَع الحِسانَ من الخِلال
وهو لم يركع لغير الله يوما
وإذا بالنار بردا وسلاما لا اشتعال
ومضت ايام هاجر في الحرم...
نفد الطعام، ولبن الضرع زال
يارب إنّا في رجاك...
مدّت يديها للسماء وألحّت في السؤال
واتصل البكاء من الرضيع
فانبرت لل(سعي) سبع مرات سجال
يااااه...
ليس في الأنحاء إنْسٌ
ومتن الواد من الزرع خال
وانبرت لله تدعو فإذا بالماء سال!!!
مَدَّتْ َأيَادِي الشُّكرِ طُرّاً
وانحنت للنبع تَحثوه الرِّمَال
أقعت (تَزُمُّ) الماءَ زَمَّا
لينأى عن السَّوَحَانِ في جوفِ التِّلال
ليتَ هاجَرَ لَمْ تَزُم...
لولا ذاك صار ال(بئر) نهراً من زُلال
adilassoom@gmail.com
عرفات الله
حج اكتوبر 2009.
(يتبع بحول الله).



التوقيع:
[frame="7 80"].

سُكْنايَ حيثُ يحكي النيلُ عن حضارةٍ عظيمة
يشُقُّ صدرَ أرضنا السمراء في عزيمة
وينحني تأدباً في (البركل) الذي يلي كريمة
عادل عسوم
www.marawinews.com
[/frame]
imported_عادل عسوم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-11-2020, 02:01 AM   #[4]
imported_عادل عسوم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_عادل عسوم
 
افتراضي

خدمة براح مروي الأدبي الثقافي المعرفية
جمع وتنسيق عادل عسوم

مولد الهدى والنور
الأبحاث العلمية
فضيلة الشيخ سعيد حجاوي
عمّان- المملكة الأردنيّة الهاشميّة
هَذا محمدٌ الهادي الذي محيتْ ** عنا بنورِ هُداهُ الظُلْمُ والظُلَمُ
يعني المولد أو الميلاد وقت الولادة، والمولد أيضاً الموضع الذي فيه المولود قال تعالى: {وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ} [مريم: 33](1).

وقال تعالى: {وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ} [مريم: 15]، والمتأمل في مولد سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يجده مختلفاً في الزمان والمكان عن مولد أي إنسان بتقدير الله تبارك وتعالى، ميلاد تعدى الزمان والمكان، وعناية يعجز عنها الخلق، وتهيئ لحقيقة المولود «والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها، وإنما يعلمها خالقها، ومن أمده الله تعالى بنور إلهي،
فحقيقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أتاه الله وصف النبوة من قبل خلق آدم؛ إذ خلقها تهيئة لذلك، وأفاضه عليها من ذلك الوقت، فصار نبياً، وكتب اسمه على العرش، وأخبر عنه بالرسالة ليُعلم ملائكته، وغيرهم كرامته عنده، فحقيقته موجودة من ذلك الوقت، وإن تأخر جسده المتصف بها»(2).

ودليل ما ورد قول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 81 – 82] فقد أخذ الله عز وجل ميثاق جميع الأنبياء فمن لم يؤت الكتاب فهو في حكم من أوتي الكتاب؛ لأنه أوتي الحكم والنبوة،
وأيضاً من لم يؤت الكتاب أُمر بأن يأخذ بكتاب من قبله (3).
نعم أخذ «الله ميثاق النبيين أجمعين أن يؤمنوا بمحمد عليه السلام، وينصروه إن أدركوه، وأمرهم أن يأخذوا بذلك الميثاق على أممهم »(4)، امتثالًا لقوله تعالى: {ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ} (قال علي وابن العباس رضي الله عنهم: الرسول هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولفظ رسول وإن كان نكرة فالإشارة
إلى معين كقوله تعالى: {وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ} [النحل: 112-113](5).
فالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو خاتم النبيين وأفضلهم وأشرفهم فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «جَلَسَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَهُ، فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْهُمْ سَمِعَهُمْ يَتَذَاكَرُونَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَجَبًا إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ اتَّخَذَ مِنْ خَلْقِهِ إبِْرَاهِيمَ خَليِلا،ً وَقَالَ آخَرُ: مَاذَا بأِعَْجَبَ مِنْ كَلامَِ مُوسَى كَلَّمَهُ تَكْليِماً، وَقَالَ آخَرُ: فَعِيسَى كَلِمَةُ اللهِ وَرُوحُهُ، وَقَالَ آخَرُ: آدَمُ اصْطَفَاهُ الله. فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ وسَلَّمَ، وَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُ كَلاَمَكُمْ وَعَجَبَكُمْ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلُ اللهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمُوسَى نَجِيُّ الله، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَعِيسَى رُوحُ الله وَكَلِمَتُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَآدَمُ اصْطَفَاهُ الله، وَهُوَ كَذَلِكَ، أَلا وَأَنَا حَبِيبُ اللهِ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الحَمْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُحَرِّكْ حِلَقَ الجَنَّةِ فَيَفْتَحُ الله لي فَيُدْخِلُنيِهَا وَمَعِي فُقَرَاءُ المُؤْمِنِينَ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا أَكْرَمُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَلاَ فَخْرَ»(6).

الحق أبلج

شاء الله تعالى أن يكون الناس على علم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن ينير به الوجود، وأن يعرف الناس اسمه وصفته قال تعالى: {ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146].
روي أن عمر قال لعبدالله بن سلام : «أتعرف محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم كما تعرف ابنك؟ فقال : نعم وأكثر، بعث الله أمينه في سمائه إلى أمينه في أرضه بنعته فعرفته، وابني لا أدري ما كان من أمه» (7). وقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: «مكتوب في التوراة صفة محمد وصفة عيسى بن مريم عليهما السلام، ويدفن مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم (8).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «إنه رأى النبي الموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: {يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} [الأحزاب: 45]، وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسو لي، سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يجزي السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينا عمياً، وآذاناً صما، وقلوباً غلفا»(9).
وعن رجل من الأعراب رضي الله تعالى عنه قال: «قدمت المدينة حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت : لألقينّ هذا الرجل فلأسمعن منه، قال: فتلقاني بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهم يمشون، فتبعتهم أتوا على رجل من اليهود ناشر التوراة يقرؤها، يعزي بها نفسه على ابن له في الموت، كان من أحسن الفتيان وأجملهم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أنشدك بالذي أنزل التوراة، هل تجد في كتابك صفتي ومخرجي؟» فقال برأسه هكذا، أي: لا، فقال ابنه: إي والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال: «أقيموا اليهود عن أخيكم»، ثم ولي كفنه والصلاة عليه(10).

بشائر ودلالات


قال تعالى: {ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 157-158].


بشائر عند اليهود في التوراة:

بشر سيدنا موسى عليه السلام ببعث سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ففي سفر التثنية 23: 3 (جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ في جبل فاران، وأتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم)، فحينما نتأمل فإننا نتأمل أولا الأماكن المقدسة وما تعنيه، فنجد سيناء هي المكان الأول، وسعير هي المكان الثاني وأما المكان الثالث فهو فاران أو جبل فاران، وإن سيناء تشير إلى المكان الذي فيه موسى (التوراة خروج 24: 16 – 18 ) وأما سعير فإنها تعني أرض فلسطين الذي سكنها عيسو اخو يعقوب (التكوين 36: 8)(11).
وأما الجزء الثالث يقول موسى عليه السلام: «وتلألأ من جبل فاران» إنما هو إشارة إلى إسماعيل عليه السلام والنبي الخاتم الذي يأتي من نسله والذي تأكدت فيه الوعود الإلهية» كما في (سفر التكوين 1: 13)(12).
قال في سفر التثنية 18: 15: «يقيم الرب إلهك نبياً من وسطك من إخوتك مثلي له تسمعون».
قال في سفر التثنية 18: 18: «أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك واجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به».
والإعجاز في هاتين الآيتين في العبارة: «من إخوتك، من وسط إخوتهم» والإعجاز الأقوى في قوله: «اجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي بإسمي أنا أطالبه» (13).
بعد موسى عليه السلام نأتي إلى حبقوق يقول في سفره الأصحاح 3 عدد 3، 4: «الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران سلاه جلاله غطى السماوات والأرض امتلأت من تسبيحه وكان لمعان من نور له من يده شعاع وهناك استنار قدرته» وهذا إشارة إلى الأذان الذي يملاْ أجواء الدنيا دعوة للصلاة فيلبي المسلمون لهذا النداء، وهو لا حصل في غير بيوت الله تعالى نداء الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله.

نبوءة داود عليه السلام:

جاء في (المزمور 118 : 22- 23) «الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا» إن هذا يعني أن أنبياء بني إسرائيل على كثرتهم تشير إليهم الحجارة الكثيرة في بناء بيت الرب، أما الحجر الذي هو رأس الزاوية، ويمسك البناء كله، فهو وإن كان حجراً واحدًا إلا أنه هو الأهم والأعظم أثراً في إقامة البناء وتماسكه. إنه يشير إلى محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم والذي بدونه لا ترتبط النبوات معاً، ولا يمكن أن يكون لها قيمة تذكر، تمامًا كما أنه بدون ذلك الحجر (رأس الزاوية) لا يكتمل البناء ولا يكون له قيمة(14).
وقد أشار المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذلك فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين»(15).
جاء في سفر دانيال الاصحاح2 العدد (31-36) «أَنْتَ أَيُهَا المَلِكُ كُنْتَ تَنْظُرُ وَإِذَا بِتِمْثَال عَظِيمٍ، هذَا التِّمْثَالُ الْعَظِيمُ الْبَهِيُّ جِدًّا وَقَفَ وَمَنْظَرُهُ هَائِلٌ، رَأْسُ التِّمْثَالِ مِنْ ذَهَبٍ جَيِّدٍ، قَدَمَاهُ بَعْضُهُما مِنْ حَدِيدٍ، بَطْنُهُ وَفَخْذَاهُ مِنْ نُحَاسٍ، سَاقَاهُ مِنْ حَدِيدٍ وخَزَفٍ فَسَحَقَهُما، فَانْسَحَقَ حِينَئِذٍ الحدَِيدُ وَالخزََفُ وَالنُّحَاسُ وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ مَعًا، وَصَارَتْ كَعُصَافَةِ الْبَيْدَرِ في الصَّيْفِ، فَحَمَلَتْهَا الرِّيحُ فَلَمْ يُوجَدْ لهَا مَكَانٌ. أَمَّا الحجََرُ الَّذِي ضَربَ التِّمْثَالَ فَصَارَ رجلاً كَبِيرًا وَمَلأَ الأَرْضَ كُلَّهَا. هذَا هُوَ الحلُْمُ. فَنُخْبر بِتَعْبِيرِهِ قُدَّامَ الْمَلِكِ».
«أَنْتَ أَيُهَا المَلِكُ مَلِكُ مُلُوكٍ، لأَنَّ إِلهَ السَّماوَاتِ أَعْطَاكَ ممْلَكَةً وَاقْتِدَارًا وَسُلْطَانًا وَفَخْرًا، وَحَيْثُما يَسْكُنُ بَنُو الْبَشِر وَوُحُوشُ الْبرِّ وَطُيُورُ السَّماءِ دَفَعَهَا ليَِدِكَ وَسَلَّطَكَ عَلَيْهَا جميِعِهَا، فَأَنْتَ هذَا الرَّأْسُ مِنْ ذَهَبٍ، وَبَعْدَكَ تَقُومُ مملَْكَةٌ أُخْرَى أَصْغَرُ مِنْكَ وَمملَْكَةٌ ثَالثَِةٌ أُخْرَى مِنْ نُحَاسٍ فَتَتَسَلَّطُ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَتَكُونُ ممْلَكةٌ رَابِعَةٌ صَلْبَةٌ كَالحدَِيدِ، لأَنَّ الحدَِيدَ يَدُقُّ وَيَسْحَقُ كُلَّ شْيءٍ، وَكَالحدَِيدِ الَّذِي يُكَسِّرُ تَسْحَقُ وَتُكَسِرُ كُلَّ هؤُلاَءِ، وَبِما رَأَيْتَ الْقَدَمَين وَالأَصَابِعَ بَعْضُهَا مِنْ خَزَفٍ وَالْبَعْضُ مِنْ حَدِيدٍ، فَالمَمْلَكَةُ تَكُونُ مُنْقَسِمَةً، وَيَكُونُ فيِهَا قُوَّةُ الحدَِيدِ مِنْ حَيْثُ إنَِّكَ رَأَيْتَ الحدَِيدَ مختَْلِطًا بخَِزَفِ الطِّينِ، فَإنَهُمْ يَخْتَلِطُونَ بنِسْلِ الناَّسِ، وَلكنِْ لا يَتلَاصَقُ هذَا بذَِاكَ، كَما أنََّ الحدَِيدَ لا يْختلَطُِ باِلخزََفِ، وَفي أيََّامِ هؤُلاءَِ المُلُوكِ، يُقِيمُ إِلهُ السَّماوَاتِ مملَْكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَدًا، وَمَلِكُهَا لاَ يُترَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ، وَتَسْحَقُ وَتُفْنيِ كُلَّ هذِهِ المَمَالكِِ، وَهِيَ تَثْبُتُ إِلى الأَبَدِ، لأَنَّكَ رَأَيْتَ أَنَّهُ قَدْ قُطِعَ حَجَرٌ مِنْ جَبَل لاَ بِيَدَيْنِ فَسَحَقَ الحدَِيدَ وَالنُّحَاسَ وَالخزََفَ وَالْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ. اَللهُ الْعَظِيمُ قَدْ عَرَّفَ المَلِكَ مَا سَيَأْتي بَعْدَ هذَا. الحُلْمُ حَقٌّ وَتَعْبِيرُهُ يَقِينٌ»(16).

وتحقق ذلك في حقب التاريخ التي تعاقبت كالتالي:

1. سنة 701 ق.م. مملكة بابل ورمز إليها بالرأس الذهب في عهد نبوخذ نصر.
2. سنة 612 ق.م. مملكة الكلدانيين في عهد ميداس يرمز لها بالفضة.
3. سنة 326 ق. م. المملكة الإغريقية في عهد الإسكندر المقدوني ويرمز لها بالنحاس.
4. سنة 53 ق. م. الإمبراطوية الرومانية في عهد بومباي ويرمز لها بالحديد.
5. سنة 612 م. الإمبراطوية البيزنطية في الغرب والإمبراطورية الفارسية الساسانية في الشرق.
6. سنة 637 م. الإسلام، وكتب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام….وتقويض الإمبراطورية البيزنطية في الغرب، والإمبراطورية الفارسية في الشرق(17).
وهكذا تحقيق وعد الله تعالى لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وامتد الإسلام من الصين شرقاً حتى الأندلس غرباً.
وإن مما يؤكد أن اليهود كانوا على علم ومعرفة بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو تصرفهم أبان السبي البابلي، فقد روى أبو نعيم وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بلغني أن بني إسرائيل لما أصابهم ما أصابهم من ظهور بختنصر وفرقتهم وذلتهم تفرقوا، وكانوا يجدون محمدًا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مبعوثاً في كتبهم، وأنه
سيظهر في بعض القرى العربية في أرض ذات نخل، ولما خرجوا من أرض الشام جعلوا يتقرَّوْن كل قرية من تلك القرى العربية بين الشام واليمن يجدون نعتها نعت يثرب، فنزل بها طائفة منهم، ويرجون أن يلقوا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم فيتبعونه، حتى نزل من بني هارون بيثرب منهم طائفة، فمات أولئك الآباء وهم مؤمنون بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه جاءٍ، ويحثون أبناءهم على اتباعه إذا جاء فأدركه من أدركه من أبنائهم
فكفروا به وهم يعرفونه».
وروى أبو نعيم عن حسان بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: «والله إني لفي منزلي وأنا ابن سبع سنين، وأنا أحفظ ما أرى، وأعي ما أسمع، وأنا مع أبي إذ دخل علينا فتى منا يقال له ثابت بن الضحاك، فتحدث فقال: زعم يهودي في بني قريظة الساعة وهو يلاحيني: قد أظلّ زمان خروج نبيّ يأتي بكتاب مثل كتابنا يقتلكم قتل عاد وإرم، قال حسان رضي الله عنه: فو الله إني لعلى فارع، يعني أطماً، في السّحر إذ سمعت صوتًا لم أسمع قط صوتاً أنفذ منه، فإذا يهوديّ على ظهر أطم من آطام المدينة معه شعلة من نار، فاجتمع إليه الناس فقالوا: ما لك ويلك: قال: هذا كوكب أحمد قد طلع، هذا كوكب لا يطلع إلا للنبوة، ولم يبق من الأنبياء إلا أحمد. قال: فجعل الناس يضحكون ويعجبون بما يأتي به»(18).
ولقد ذم الله تعالى اليهود الذين علموا بالنبي الخاتم وعرفوه ولكنهم كفروا
وكذبوا قال تعال: {وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [البقرة: 89 – 90].

بشائر المسيح على النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

جاء في كتاب يوحنا التلميذ في الفصل الخامس عشر من إنجيله أن الفارقليط روح الحق الذي سيرسله أبي باسمي يعلمكم كل شيء، فالفارقليط الذي علم الناس مالم يكونوا يعلمونه هو النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والقرآن هو العلم الذي سماه المسيح كل شيء.
وقال يوحنا في الفصل السادس عشر: «إن الفارقليط لن يجيئكم ما لم أذهب فإذا جاء وبخ العالم على الخطيئة، ولا يقول من تلقاء نفسه شيئا لكنه يسوسكم بالحق كله ويخبركم بالحوادث والغيوب»(19).
«إِنَّ لي أُمُورًا كَثِيرَةً أَيْضًا لأقَُولَ لَكُمْ، وَلكِنْ لا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تحْتَمِلُوا الآنَ. وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الحقَِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلى جميِعِ الحقَِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَ يُخبرُكمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ». (إنجيل يوحنا 16: 12-13)(20).
قالَ لهُمْ يَسُوعُ: «أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ في الْكُتُبِ: الحجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا وَهُوَ أَعْيُننَِا! لذِلكَِ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّه مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ»(21).
«ومتى جاء المعزى الذي سأرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معي من الابتداء»
(22).
يقول الأستاذ إبراهيم خليل أحمد: درست – ولله الحمد- اللغة اليونانية، وذلك لمعرفة حقيقة العهد الجديد، وكذلك درست اللغة العبرية لمعرفة حقيقة العهد القديم فنجد في اللغة اليونانية أن كلمة «المعزى» المذكورة في إنجيل يوحنا هي باللغة اليونانية «بارقليط » وهذه الكلمة لها أربع معانٍ وهي: المعزي – المحمد – المحمود – الماحي.
لقد استعمل كتبة الإنجيل كلمة المعزى لماذا؟ إنهم يمكرون {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30]، ليكن ما كتبوه هو كلمة المعزي لكنها تعني في الحقيقة المواسي(23).
إن ميلاد المسيح كان بشارة بميلاد محمد صلى الله عليه وآله وسلم «فقد جاء في إنجيل لوقا أنه عند مولد المسيح ظهر جمهور من الجنود السماوية للرعاة السويريين وأخذ هؤلاء الأملاك يترنمون بالنشيد الآتي: المجد لله في الأعالي، و على الأرض السلام، وفي الناس المسرة» أما النص التي قامت به جمعية التوراة فهو: «المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض سلامة، و في الناس حسن رضى»(24).
ثم يذكر البروفسور عبد الأحد الكلمتين الأصليتين وهما: «إيريني، ومابادوكيا» ووضح ببحث لغوي طويل أن «إيريني» معناها الإسلام، وأن (أيادوكيا) معناها أفعل تفضيل من الحمد أي أكثر الحمد أو أحمد. والمعنى العام كما يراه البروفسور عبد الأحد هو: «الحمد لله في الأعالي أوشك أن يجئ الإسلام في الأرض يقدمه للناس أحمد، ويؤكد مرة أخرى أنه لو كان المقصود سلام بمعنى الأمن وعدم الحرب لاستعملت كلمة «شام»
السوريانية أو «شالوم» العبرانية.
وأما بخصوص ما ورد في (في سفر التكوين 17 / 20): «وَأَمَّا إِسْماعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيرًا جِدًّا. اِثْنَيْ عَشَر رَئِيسًا يَلِدُ، وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً».
ويشير انه سيجري على هذا النص عملية حسابية بسيطة، وكذلك على نص يليه بما يعرف باسم «حساب الجُمَّل» وهو حساب عرفه علماء بني إسرائيل واستخدموه في تفسيراتهم للتنبؤات . فهذه هي الحروف وما يقابلها من أعداد:

أ
1

ب
2

ج
3

د
4

ه
5

و
6

ز
7

ح
8

ط
9

ي
10

ك
20

ل
30

م
40

ن
50

س
60

ع
70

ف
80

ص
90

ق
100

ر
200

ش
300

ت
400

ث
500

خ
600

ذ
700

ض
800

ظ
900

غ
1000

إن كلمتي «كثيرا جدا» تقابلها في اللغة العبرية «بماد ماد» وكذلك كلمتي «أمة كبيرة» تقابلها في اللغة العبرية «لجوي جدول». وبحساب القيمة العددية للكلمتين العبريتين «بماد ماد» نجدها كالآتي:

ب م أ د م ا د
2+ 4+ 1+ 4+ 40+ 1+ 4 = 92
وكذلك بحساب القيمة العددية للكلمتين العبريتين «لجوي جدول» نجدها كالآتي:

ل ج و ي ج د و ل
30+ 3+ 6+ 10+ 3+ 4+ 6+ 30 = 92
والآن نحسب القيمة العددية لكلمة «محمد» فنجدها كالآتي:

م ح م د
40+ 8+ 40+ 4 =92
إن هذا يبين وفق حسابات علماء بني إسرائيل في استخراج النبوءات، أن بركة إسماعيل التي وعد الله بها إبراهيم ستظهر في شخص محمد.
بعد هذا ندرس النص الذي أورده إنجيل متى في قوله على لسان المسيح: «لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبأوا وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيلياء المزمع أن يأتي» (11: 13-14).
وبحساب القيمة العددية لكلمة «إيلياء» نجدها كالآتي:

أ ي ل ي أ ء
1+ 10+ 30+ 10+ 1+ 1 =53
ثم بحساب القيمة العددية لكلمة «أحمد » نجدها كالآتي :

أ ح م د
1+ 8+ 40+ 4 =53
إن هذا يبين مرة أخرى أن النبي الذي أعلن المسيح مجيئه من بعده -كما تبينها عبارته عن المستقبل بقوله (المزمع أن يأتي) إنما هو «أحمد»، وهو واحد من الأسماء المشهورة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم(25).
وفي إنجيل برنابا يقال إن عيسى تحدث مراراً عن مجد روح (محمد) التي رآها، وعن بهاء هذه الروح، ولا شك في أن روح آخر الرسل قد خُلِقَت قبل آدم بأمد طويل، ولذلك فإن عيسى في معرض حديثه عن (محمد) يعلن عنه ويصفه بأنه روح (الحقيقة)(26).
وأشير أن كتاب الدين والدولة في إثبات نبوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لمؤلفه علي بن رَبن الطبري وساعده فيه جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين (132-247هـ)
واحتوى الكتاب على عشرة أبواب آخرها في نبوات الأنبياء على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليهم وفي نبوات داود وأشعيا وهوشع وميخا وحبقوق وصفنيا وزكريا وأرميا وحزقيال ودانيال والمسيح وهي في إحدى وخمسين صفحة.
كما أن من بين المصادر العربية القديمة التي خاضت في الكتاب المقدس بكثير من الجرأة والأناة الإمام القاضي أبا البقاء صالح بن الحسين الجعفري الهاشمي المتوفي (668 هـ) في كتابه القيم (تخجيل من حرف التوراة والإنجيل في جزئين حوالي (990) صفحة وقام بتحقيق الكتاب د. محمود عبد الرحمن قندح / الطبعة الأولى 1999 م).
وقد أحصى الإمام مالا يقل عن (84) بشارة بالرسول الكريم في الكتاب المقدس أي التوراة والإنجيل(27).
فهذه الإشارات والبشائر بخاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الكتب السابقة رغم التحريف والتغيير إنما هي حجج وأدلة دامغة على أهل الكتاب وتحذير لهم قال تعالى: {وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَٰتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ (41) وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَٰطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 41-42].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَٰبَ ٱلسَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً} [النساء: 47].

أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم



عن جبير بن مطعم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب»(28).
وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: «أنا محمد، وأحمد، والمُقَفِّي (العاقب للأنبياء قبله لأنه قفاهم، وتبعهم في الزمن)، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة»(29).
ولا ضير في ذلك، ولا تعارض، لأن قواعد الأصول أن العدد لا يخصص. وقال
العلماء: «وإنما اقتصر على هذه الأسماء مع أن له صلى الله عليه وآله وسلم أسماء غيرها لأنها موجودة في الكتب المتقدمة والله سبحانه وتعالى أعلم»(30).
(الحكمة من الاقتصار على الخمسة المذكورة أنها أشهر من غيرها، وموجودة في الكتب القديمة، وبين الأمم السابقة، وقال أهل اللغة: يقال رجل محمد ومحمود إذا كثرت خصاله المحمودة وقال ابن فارس وغيره، وبه سمي نبينا صلى الله عليه وآله وسلم محمدًا وأحمدًا أي ألهم الله تعالى أهله أن يسموه به لما علم من جميل صفاته)(31).
(فأما محمد فمن باب التفعيل للمبالغة، وأما أحمد فمن باب التفضيل، وقيل سمي أحمد لأنه منقول من صفة، وهي أفعل التفضيل ومعناه أحمد الحامدين، وسبب ذلك ما ثبت في الصحيح أنه يفتح عليه في المقام المحمود بمحامد لم يفتح بها على أحد قبله، وقيل الأنبياء حمادون، وهو أحمدهم أي أكثرهم حمدًا، أو أعظمهم في صفة الحمد، وأما محمد فهو
منقول من صفة الحمد أيضا، وهو بمعنى محمود، وفيه معنى المبالغة)(32).
وقد أشار القرآن الكريم إلى اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على لسان عيسى عليه السلام بقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]، وقد ذكر القرآن الكريم اسم محمد النبي قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ} [آل عمران: 144]، وقال تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [الأحزاب: 40] وقال تعالى: {وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} [محمد: 2]، وقال تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29].
(قال عياض: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحمد قبل أن يكون محمدًا كما وقع في الوجود، لأن تسميته أحمد وقعت في الكتب السالفة، وتسميته محمدًا وقعت في القرآن العظيم، وذلك أنه حمد ربه قبل أن يحمده الناس، وكذلك في الآخرة يحمد ربه فيشفعه فيحمده الناس، وقد خص بسورة الحمد ولواء الحمد، وبالمقام المحمود وشرع له الحمد بعد الأكل وبعد الشرب، وبعد الدعاء، وبعد القدوم من السفر، وسميت أمته
الحمادين فجمعت له معاني الحمد وأنواعه صلى الله عليه وآله وسلم)(33).
إن اسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو أشهر اسمائه وأجلّها، ولذلك اختص بأمور منها: أنه لا يصح إسلام الكافر حتى يتلفظ به بأن يقول: محمد رسول الله.
ومنها: أنه يتعين الإتيان به في التشهد لا يكفي غيره من أسمائه.
ومنها: أنه على أربعة أحرف ليوافق اسم الله تعالى، فإن الاسم الكريم على أربعة أحرف.
ومنها: أن الله تعالى قرنه مع اسمه على العرش.
ومنها: أن الله تعالى اشتقه من اسمه المحمود، كما قال حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه:

وضمَّ الإله اسم النبيّ إلى اسمه ** إذا قال في الخمس المؤذّن أشهد
وشـــقّ لــه من اسمـــه ليجلّـــه ** فذو العرش محمودٌ وهذا محمّد

ومنها: أنه يخرج منه بالضرب مع الكسر والبسط عدد المرسلين، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر، وذلك أن فيه الميم الأولى والثانية المشددة بحرفين، والميم إذا كسرت فهي م ي م وكل ميم بكسرها في الحساب تسعون، إذ الميم بأربعين والياء بعشرة فالثلاثة مائتان وسبعون، والدال خمسة وثلاثون، لأن الدال بأربعة والألف بواحد واللام بثلاثين والحاء بثمانية ولا تكسير فيها.
ومنها: أن آدم يكنى به في الجنة دون سائر بنيه.
ومنها: قال ابن العماد رحمه الله تعالى في كتاب «كشف الأسرار»: سخّرت الشياطين لسليمان بذكره صلى الله عليه وآله وسلّم.
ومنها: جرت سفينة نوح باسمه صلى الله عليه وآله وسلم. قال: وقال قوم: إن معنى الميم محق الكفر بالإسلام، أو محى سيئات من اتبعه، وقيل الميم: منَّ الله على المؤمنين، وقيل: الميم: ملك أمته به صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل: المقام المحمود، وأما الحاء فقيل: حكمه بحكم
الله تعالى، وقيل إحياء الله تعالى أمته به، وأما الميم الثانية فمغفرة الله تعالى لأمته، وأما الدال: فهو الداعي إلى الله تعالى، قال الله تعالى: {وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ} [الأحزاب: 46](34).
«ومما وقع من أسمائه في القرآن بالاتفاق: الشاهد، المبشر، النذير، المبين، الداعي إلى الله، السراج، المنير، وفيه أيضاً الذكر، والرحمة، والنعمة، والهادي، والشهيد، والأمين، والمزمل، والمدثر، وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، المتوكل ومن أسمائه المشهورة، المختار، والمصطفى، والشفيع المشفع، والصادق المصدوق، وغير ذلك قال ابن
دحية في تصنيف له مفرد في الأسماء النبوية قال بعضهم: أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدد أسماء الله الحسنى تسعة وتسعون اسماً، قال: ولو بحث عنها باحث لبلغت ثلاثمائة اسم، وذكر في تصنيفه المذكور أماكنها من القرآن والأخبار، وضبط ألفاظها، وشرح معانيها، واستطرد كعادته إلى فوائد كثيرة، وغالب الأسماء التي ذكرها وصف بها
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يرد الكثير منها على سبيل التسمية مثل: عده اللبنة بفتح اللام، وكسر الموحدة ثم النون في أسمائه»(35).
وذكر الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي في كتابه (الأحوذي في شرح الترمذي) عن بعضهم أن لله تعالى ألف اسم، وللنبي صلى الله عليه وآله وسلم ألف اسم أيضاً(36). ونسب القول لبعض الصوفية(37).
وقد ذكرها مرتبه حسب الحروف الأبجدية صاحب كتاب (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد) (1/ 516-535).
وقد نبّه الإمام الغزالي رحمه الله تعالى وأقره الحافظ في الفتح على أنه لا يجوز لنا أن نسمي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باسم لم يسمّه به أبوه، ولا سمى به نفسه الشريفة وعلى هذا الاتفاق والله تعالى أعلم(38).

النسب الشريف

محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو خير أهل الأرض نسباً على الإطلاق، فنسبه من الشرف أعلى ذروة، فعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن الله تعالى خلق الخلق، فجعلني في خير فرقهم (أي أشرفهم) وخير الفريقين وفي نسخ الفرقتين ثم تخير القبائل فجعلني في خير قبيلة، ثم تخير البيوت، فجعلني في خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفساً (روحًا وذاتًا أو جعلني بها نبياً فاتحاً خاتماً) وخيرهم بيتاً»(39).

محمد بن عبد الله من زوجته آمنة بنت وهب من بني زهرة من كلاب من قريش.
عبد المطلب (شيبة الحمد) من زوجته فاطمة بنت عمرو من بني مخزوم بن يقظة من مرة من قريش.
هاشم) عمرو (من زوجته سلمى بنت عمرو من بني النجار من الخزرج.
ابن عبد مناف (المغيرة) من زوجته عاتكة بنت مرّة من بني سليم بن منصور إحدى قبائل قيس عيلان بن مضر.
قصيّ (مجمّع) من زوجته حبّى بنت حليل من بني خزاعة بن عمرو إحدى قبائل قمعة بن إلياس بن مضر، وهم الذين يتولون البيت قبل قريش.
كلاب (حكيم) من زوجه فاطمة بنت سعد وهي يمانية من أزد شنوءة.
مرّة من زوجته هند بنت سرير من بني فهر بن مالك.
كعب من زوجته وحشية بنت شيبان من بني فهر.
لؤيّ من زوجته أم كعب مارية بنت كعب من قضاعة.
غالب من زوجته أم لؤي سلمى بنت عمرو الخزاعي.
فهر (قريش) من زوجته أم غالب ليلى بنت سعد من هذيل.
مالك من زوجته جندلة بنت الحرث من جرهم.
النضر من زوجته عاتكة بنت عدوان من قيس عيلان.
كنانة من زوجته برّة بنت مر بن أد.
خزيمة من زوجته عوانة بنت سعد من قيس عيلان.
مدركة من زوجه سلمى بنت أسلم من قضاعة.
إلياس من زوجته خندف (المضروب بها المثل في الشرف والمنعة).
مضر من زوجته الرباب بنت جندة بن معد.
نزار من زوجته سودة بنت عك.
معد من زوجته معانة بنت جوشم من جرهم.
عدنان.
فهؤلاء عشرون جد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكرهم ثم قال: «كذب النسابون بعد ذلك وإن صدقوا»(40).
هذا النسب الرفيع المتّفق على صحته من علماء التاريخ والمحدّثين، كما أجمعوا على أن نسب الرسول صىلى الله عليه وآله وسلّم ينتهي إلى اسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام إلى العرب المستعربة(41).

دعوة إبراهيم عليه السلام

عن خالد بن معدان رضي الله عنه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهم قالوا: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك، قال: «دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام»(42).
عن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إني عبد الله لخاتم النبيين وان آدم عليه السلام لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بأول ذلك دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات النبيين يرين»(43)
وعن أبي أمامة قال: قلت يا نبي الله ما كان بدء أمرك؟ قال: «دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي انه يخرج منها نور أضاءت منها قصور الشام»(44).
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أنا دعوة (أبي) إبراهيم وبشرى عيسى»(45).
إن دعوة إبراهيم عليه السلام كما قال تعالى: {رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ} [البقرة: 129].
وأما بشرى عيسى فقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} [الصف: 6].

طلائع البشائر وتهيئة المكان

قضى الله سبحانه وتعالى أن ينقل سيدنا إبراهيم عليه السلام زوجته هاجر وابنها الرضيع إسماعيل عليهما السلام من الشام إلى وادي مكة بين جبال فاران حيث زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، قال إبراهيم: حيث لا ضرع ولا زرع؟! قال جبريل: نعم، ها هنا خرج النبي الكريم الذي من ذرية ابنك إسماعيل الذي تتمّ به الكلمة العليا(46).
فوضعهما هناك، ووضع عندهما جرابًا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم عليه السلام منطلقاً، فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي، الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال نعم، قالت: إذن لا يضيعنا، ثم رجعت(47).
وكانت قد بُشرت بما يقر عينها بابنها إسماعيل فعن محمد بن كعب القرظي رحمه الله تعالى قال: «لما خرجت هاجر بابنها إسماعيل تلقّاها متلقّ فقال: يا هاجر إن ابنك أبو شعوب كثيرة، ومن شعبه النبي الأميّ ساكن الحرم »(48).
فانطلق إبراهيم عليه السلام حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات، ورفع يديه فقال:
{رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلٰوةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37](49).
ولما نفد التمر والماء الذي تركه إبراهيم عليه السلام تجلّت العناية الإلهية بنبع زمزم طعام طعم وشفاء سقم، ثم نزلت جرهم وهم طائفة من العرب العاربة من أمم العرب الأقدمين عند هاجر بمكة على أن ليس لهم في الماء شيء إلا ما يشربون منه وينتفعون به، فاستأنست هاجر بهم وجعل الخليل عليه السلام يطالع أمرهم في كل حين يقال إنه كان يركب البراق من بلاد بيت المقدس في ذهابه وإيابه(50). وتعلم إسماعيل عليه السلام العربية منهم وكان أول من نطق بالعربية الفصحى وهو أصل العرب المستعربة.

البلاء المبين:

شبّ إسماعيل عليه السلام بمكّة، وأصبح بإمكانه مساعدة أبيه في أمور الدنيا ورأى إبراهيم عليه السلام في المنام أن الله تعالى يأمره بذبح ابنه ورؤيا الأنبياء حق، فشاور ابنه فيما رأى ليعلم صبره لأمر الله تعالى، وتقر عينه بطاعته في أمر الله، قال تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ(104) قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 102-107].

بناء الكعبة:

(عندما أمر الله إبراهيم عليه السلام ببناء الكعبة في مكة لتكون أول بيت يقام لعبادة الله، جاء إلى مكة بعد غياب طويل فتفقد ابنه إسماعيل عليه السلام، فوجده يبري نبلاً له قريباً من زمزم، فأقبل عليه، فخف إسماعيل لاستقباله، فتعانقا وبث كل واحد منهما للآخر لواعج محبته وعظيم سروره، وبعد أن طاب المقام لإبراهيم بلقيا ابنه أفضى إليه بأن الله أمره أن يبني بيتاً لعبادته في هذا الموضع، وأشار إلى مكانه… فقال إسماعيل: افعل
ما أمرك ربك، وأنا أعينك في هذا الأمر الجليل، فجعل إبراهيم يبنيه وإسماعيل يناوله الحجارة، ثم قال إبرهيم لإسماعيل عليه السلام، ائتني بحجر حسن أضعه على الركن فيكون للناس علماً، فأخبره جبريل بالحجر الأسود، فأخذه ووضعه في موضعه، وكان كلما بنيا دعوا الله {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ} [البقره: 127].
وكلما أتما ناحية من الجدار انتقل إلى ناحية أخرى، وهو واقف عليه حتى تم بناء جدران الكعبة، وقد كان هذا الحجر ملصقاً بحائط الكعبة من قديم الزمن إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أخره من البيت قليلاً لئلا يشغل المصلين عنده)(51).
قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} [البقرة: 127-128].

امتداد النبوة من إبراهيم إلى إسماعيل عليهما السلام:

اختار الله تعالى إسماعيل عليه السلام رسولاً لناحيته ولمن فيها من جرهم والعماليق وأهل اليمن قال تعالى: {وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} [مريم: 54-55].فقد بلغ دعوة التوحيد، وأمر الناس بتقوى الله تعالى، وقد وصفه الله سبحانه بأحسن الأوصاف وأجل النعوت قال تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى ٱلْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَٱجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الأنعام: 86-87]، وقال تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ}[الأنبياء: 85 -86]، وقال تعالى: {وَٱذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَذَا ٱلْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ ٱلأَخْيَارِ (45) هَـٰذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأَبْوَابُ} [ص: 48 – 50].

من فضائل مكّة:

مسقط رأس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

أهل مكة آمنون بحرمة الحرم.
قال تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}[القصص: 57]. وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَكْفُرُونَ}[العنكبوت: 67]، وقد امتن الله سبحانه على قريش بنعمتي الرزق والأمن قال تعالى: {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ (1) إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ (3) ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: 1-4].
إنها مكّة الحرم الآمن فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة: « إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يُعْضَدُ (لا يقطع) شوكه، ولا يُنَفَّرُ صيده، ولا تُلتقط لقطته إلا من عرّفها، ولا يختلى خلاها (لا يقطع النبات الرطب الرقيق ما دام رطباً، فقال العباس رضي الله عنه: يا رسول الله، إلا الإذخر) حشيشة طيبة الرائحة يسقف بها البيوت فوق الخشب، و يحرق بدل الخشب والفحم، فإنه لقينهم (القين: الحداد) ولبيوتهم، فقال صلى الله عليه وآله
وسلم: «إلا الإذخر»» (52)
مكّة خير أرض الله تعالى، وأحبها إليه.
عن عبد الله بن عَدي بن الحمراء رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: -وهو واقف بالحَزَوّرة في سوق مكة- «والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت » (53).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمكة: «ما أطيبك من بلد، وأحبك إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك»(54).
أقسم الله تعالى بها:
قال تعالى: {وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ(2)وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ} [التين: 1- 3]، فالبلد الأمين مكة أثر إبراهيم عليه السلام ودار محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
مكّة شهدت نزول الوحي.
مكة منها بدأت رحلة الإسراء والمعراج وإليها عاد صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى:{سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ} [الإسراء: 1]، وقال تعالى:{ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ (9) فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ (10) مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ (13) عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ (14) عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ (15) إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ (16) مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17) لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ} [النجم: 8- 18].
قبلة المسلمين.
قال تعالى: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144].
وقال تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [البقرة: 148-150].
تتضاعف في مكّة الحسنات، وكذلك السيئات لعظمة المكان، قال تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25].
قال ابن عمر رضي الله عنهما: «كنا نتحدث أن الإلحاد فيه أن يقول الإنسان: لا والله! وبلى والله! وكلا والله! ولذلك كان له فسطاطان، أحدهما في الحل والآخر في الحرم؛ فكان إذا أراد الصلاة دخل فسطاط الحرم، وإذا أراد بعض شأنه دخل فسطاط الحل، وكذلك كان لعبد الله بن عمرو بن العاص فسطاطان أحدهما في الحل والآخر في الحرم، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل، وإذا أراد أن يصلي صلى في الحرم، فقيل له في ذلك، فقال: إنا كنا نتحدث أن من الإلحاد في الحرم أن
نقول كلا والله وبلى والله، والمعاصي تضاعف بمكة كما تضاعف الحسنات، فتكون المعصية معصيتين، إحداهما بنفس المخالفة والثانية بإسقاط حرمة الحرام؛ وهكذا الأشهر الحرم سواء»(55).
«ولعظم حرمة المكان توعد الله تعالى على نية السيئة فيه فمن نوى سيئة ولم يعملها لم يحاسب عليها إلا في مكة، وهذا قول ابن مسعود وجماعة من الصحابة وغيرهم»(56). وسُئل الإمام أحمد: هل تكتب السيئة أكثر من واحدة، قال لا إلا بمكة لتعظيم البلد(57).
استحباب شد الرحال إلى البيت الحرام وفضله على سائر المساجد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى »(58).
وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه»(59).
وهو أول مسجد وضع في الأرض، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: «قلت يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام » قال: قلت: ثم أي؟ قال «المسجد الأقصى» قلت: كم كان بينهما؟ قال: «أربعون سنة، ثم أين أدركتك
الصلاة بعد فصل، فإن الفضل فيه»(60).
تقصد مكة لأداء مناسك الحج والعمرة وللطاعات والقربات.
قال تعالى: {وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ (27) لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ} [الحج: 27 – 29]
وقال تعالى: {وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ} [آل عمران: 97].
وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
«بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان»(61).
الذبيح الآخر
والد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

كان عبد المطلب بن هشام قد نذر لئن ولد له عشرة نفر، ثم بلغوا معه حتى يمنعوه لينحرن أحدهم لله عند الكعبة، فلما توافى بنوه عشرة، وعرف أنهم سيمنعونه جمعهم ثم أخبرهم بنذره، ودعاهم إلى الوفاء لله بذلك، فأطاعوه وقالوا: كيف نصنع؟ قال: ليأخذ كل رجل منكم قدحاً ثم يكتب فيه اسمه ثم ائتوني، ففعلوا ثم أتوه، فدخل بهم على هبل…

فقال عبد المطلب لصاحب القداح: اضرب على بني هؤلاء بقداحهم هذه، وأخبره بنذره الذي نذر، فلما أخذ صاحب القداح القداح ليضرب بها قام عبد المطلب عند هبل يدعو الله، ثم ضرب صاحب القداح، فخرج القدح على عبد الله، فأخذه عبد المطلب بيده، وأخذ الشفرة، ثم أقبل به إلى إساف ونائلة ليذبحه، وقالت له قريش وبنوه والله لا تذبحه أبداً حتى تُعْذِر فيه، لئن فعلت هذا لا يزال الرجل يأتي بابنه حتى يذبحه فما بقاء الناس على هذا؟…. إلى أن كان الرأي أن تكون القرعة بين عبد الله وعشراً من الإبل، فإن خرجت على عبد الله زيدت الإبل عشراً، وهكذا حتى تكون القرعة عليها، فلما أجمعوا على ذلك. قام عبد المطلب يدعو الله، ثم قدموا عبد الله وعشراً من الإبل، وعبد المطلب قائم عند هبل يدعو الله تعالى، ثم ربوا فخرج القدح على عبد الله، فزادوا عشراً من الإبل، فبلغت الإبل عشرين، وقام عبد المطلب يدعوا الله فخرج القدح على عبد الله، وهكذا كانوا يزيدونها في كل مرة عشراً حتى بلغت مائة، وقام عبد المطلب يدعوالله، ثم ربوا فخرج القدح على الإبل، فقالت قريش ومن حضر: قد انتهى رضا ربك يا عبد المطلب. ثم نحرت الإبل وتركت لا يصد عنها إنسان، ولا يمنع …(62).
ونشأ عبد الله في كنف والده، وكان أحب ولده إليه، ولما بلغ ثماني عشرة سنة زوجه آمنة بنت وهب بنت عبد مناف بن زهرة بن كلاب وهي يومئذٍ من أفضل نساء قريش نسباً وموضعاً، ولما دخل عليها حملت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يلبث أبوه أن توفى بعد الحمل بشهرين وهو عائد من تجارة إلى غزة بالشام، ودفن عند اخواله بني عدي بن النجار. وهذه الأحداث من إرهاصات ميلاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وروي عن معاوية أنَّ رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا ابن الذبيحين «فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم » وإليه ذهب عمر بن عبد العزيز، ومحمد بن إسحاق بن يسار، وكان الحسن البصري يقول: «لا شك في هذا»(63).

من الإرهاصات الحرص على التسمية بمحمد

روى ابن سعد عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى قال: كانت العرب تسمع من أهل الكتاب، ومن الكهان أن نبياً يبعث من العرب اسمه محمد فسمى من بلغه ذلك من ولد له محمدًا طمعاً بالنبوة.
وعن محمد بن عدي أنه سأل أباه كيف سماه في الجاهلية محمدًا؟ فقال: خرجنا مع جماعة من بني تميم، فلما وردنا الشام نزلنا على غدير فأشرف عليها ديراني (الراهب الذي يسكن الدير) فقال: من أنتم؟ قلنا: من مضر، فقال: أما أنه سوف يبعث منكم وشيكاً نبي فسارعوا إليه، وخذوا بحظكم منه ترشدوا، فإنه خاتم النبيين، فقلنا ما أسمه؟ فقال محمد، فلما صرنا إلى أهلنا ولد لكل واحد منا غلام فسماه محمداً(64).
واختلف الرواة في عدد من سمي محمد قبل ميلاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وخلصوا إلى خمسة عشر نفساً، وأشهرهم محمد بن عدي بن ربيعة بن سواءة بن جشم بن سعد بن زيد مناة ابن تميم التميمي السعدي روى حديثه البغوي وابن سعد وابن شاهين وابن السكن وغيرهم(65).

عام الفيل من إرهاصات المولد

استولى أبرهة الأشرم على ملك اليمن، فانتقل الملك بذلك من حمير إلى الحبشة إذ استولت الحبشة على اليمن بقيادة أرياط وأبرهة بن الصباح، واستلبوا الملك من حمير، ثم اختلف الأميران، وتصاولا وتقاتلا إلى أن اتفقا على المبارزة فيما بينهما؛ ليستقل أحدهما بالملك (فتبارزا وخلف كل واحد منهما فتاه، فحمل أرياط على أبرهة فضربه بالسيف فشرم أنفه، وشق وجهه، وحمل عَتودة مولى أبرهة على أرياط فقتله، ورجع أبرهة جريحاً، فداوى جرحه فبرئ واستقلّ بملك اليمن. فكتب إليه النجاشي يلومه على ما كان منه ويتوعده وحلف ليطأنّ بلاده وليتجزَّنَّ ناصيته، فأرسل إليه أبرهة يترفّق له ويصانعه، وبعث مع رسوله بهدايا وتحف وبجراب فيه تراب اليمن، وجزّ ناصيته وأرسلها معه ويقول في كتابه: ليطأ الملك على هذا التراب فيبرّ قسمه، وهذه ناصيتي قد بعثت بها إليك، وأنا عبد الملك، فلما وصل ذلك إليه أعجبه ورضي عنه وأقرّه، ثم إن أبرهة رأى الناس يتجهزون أيام
الموسم للحج إلى بيت الله الحرام فسأل: أين يذهب الناس؟ فقيل له: يحّجون إلى بيت الله بمكّة. قال: ما هو؟ قالوا من حجارة؟ قال: فما كسوته؟ قالوا: ما يأتي من هنا وهنا من الوصائل. قال: والمسيح لأبنيّن لكم خيراً منه.ّّ
فبنى لهم كنيسة هائلة بصنعاء رفيعة البناء مزخرفة الأرجاء، فسمتها العرب القُلَيس لارتفاعها لأن الناظر إليها، يكاد تسقط قلنسوته عن رأسه لارتفاع بنائها(66).
ثم كتب أبرهة إلى النجاشي: أنه بنى له كنيسة لم يبن مثلها لملك قبلك، وسأصرف إليها حج العرب. وتناها ذلك إلى مسامع العرب فغضب رجل من النّسأة (وهم الذين كانوا ينسؤون الشهور على العرب في الجاهلية، فيحلون الشهر من أشهر الحرم و يحرمون مكانه).
فذهب إلى الكنيسة، فأحدث فيها، وعاد إلى بلده، فعلم بذلك أبرهة، وسأل عن الفاعل، فقيل له: صنعه رجل من أهل هذا البيت.
فغضب أبرهة وحلف أنه سيسير إلى البيت و يهدمه، وبعث رجلاً إلى قبيلة الرجل الذي أحدث في الكنيسة قبيلة بني كنانة يدعوهم إلى حج تلك الكنيسة، فقتلت بنو كنانة الرجل الذي بعثه أبرهة فزاده ذلك حنقاً وغضباً، وأمر الحبشة أن يجهزوا وسار ومعه الفيل متوجهًا صوب البيت الحرام، وسمعت بذلك العرب فرأوا قتاله حقّاً عليهم فقاتلوه بقيادة ذو نفر وهو من أشراف أهل اليمن وملوكهم، وانتصر أبرهة وأسر ذا نفر ثم مضى أبرهة
لما عزم عليه في هدم الكعبة، فلما كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قبيلتي خثعم: شهران وناهس ومن تبعه من قبائل العرب، فهزمه أبرهة وأسره ثم خلى سبيله، وأخذه معه دليلاً للوصول إلى البيت.
وحين مرّ بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال من ثقيف فقالوا له: أيها الملك إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون، وليس لك عندنا خلاف وليس بيتنا البيت الذي تريد، أي بيت اللات، إنما تريد البيت الذي بمكة، ووعده بإرسال من يدله عليه، فبعثوا له أبا رغال حتى أنزله بالمغمّس، فمات أبو رغال، فرجمت العرب قبره، ومن المغمّس بعث أبرهة رجلاً من الحبشة إلى مكة فساق إليه أموال تهامة من قريش وغيرها، ومنها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم سيد مكة، ففكرت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم بقتال أبرهة، فلما علموا بقوته عدلوا عن فكرة القتال، فبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة ليسأل عن زعيمها، ويبلغه أن الملك يقول: إني لم آت لحربكم، إنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تعرضوا لي بحرب فلا حاجة لي بدمائكم، فإن هو لم يرد الحرب فأتني به.
ولما دخل حناطة مكة وسأل عن شريفها وسيدها قريش، فقيل له: عبد المطلب بن هاشم، فجاءه وأبلغه بقول أبرهة، فقال له عبد المطلب: والله ما نريد حربه وما لنا بذلك معه طاقة، هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم عليه السلام، فإن يمنعه فإنه حرمه وبيته، وإن يحلّ بينه وبينه فما لنا والله دفع عنه. فقال له حناطة: فانطلق إليه، فإنه أمرني أن آتيه بك.
فانطلق معه عبد المطلب ومعه بعض بنيه حتى أتى المعسكر فسأل عن ذي نفر وكان صديقًا له، حتى دخل عليه وهو في محبسه، فقال له: هل عندك من عناء فيما نزل بنا؟ فقال له ذو نفر: ما عناء رجل أسير بيدي ملك ينتظر أن يقتله غدوّاً أوعشياً، ما عندي عناء في شيء مما نزل بك إلا أن أنيس سائس الفيل صديق لي، فأرسل إليه، وأوصيه بك، وأعظّم عليه حقّك واسأله أن يستأذن لك على الملك، فكلّمه مما بدا لك ويشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك. فقال: حسبي، فبعث ذو نفر إلى أنيس فقال له: إن عبد المطلب سيد قريش، وصاحب عين مكة، ويطعم الناس بالسهل، والوحوش في رؤوس الجبال، وقد أصاب له الملك مائتي بعير، فاستأذن عليه، وانفعه عنده ما استطعت، فقال: أفعل، فكلّم أنيس أبرهة فقال له: أ يها الملك هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك، وهو صاحب عين مكة، يطعم الناس بالسهل، والوحوش في رؤوس الجبال، فأذن له عليك فيكلمك في حاجته. قال: فأذن له أبرهة، وكان عبد المطلب أوسم الناس، وأعظمهم، وأجملهم، فلما رآه أبرهة أجلّه وأعظمه من أن يجلسه
تحته فنزل أبرهة عن سريره، فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جنبه.
ثم قال لترجمانه: قل له حاجتك؟ فقال له ذلك الترجمان، فقال: حاجتي أن يردّ عليّ الملك مائتي بعير أصابها لي. فلما قال له ذلك قال أبرهة لترجمانه: قل له: لقد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلّمتني، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلّمني فيه؟!.
قال له عبد المطلب: إني أنا ربّ الإبل وإن للبيت ربّاً سيمنعه. قال: ما كان ليمتنع منيّ. قال:أنت وذاك، فرد عليه إبله، وانصرف عبد المطلب إلى قريش، فأخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة والتحرّز في شَعَف الجبال والشّعاب خوفاً عليهم معّرة الجيش، ثم قام ت عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده.
قال ابن إسحاق: ثم أرسل عبد المطلب حلقة باب الكعبة، وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف الجبال فيتحرّزوا فيها ينظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها، فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة، وهيأ فيله، وعبأ جيشه، وكان اسم الفيل محمودًا، وأبرهة مجمع لهدم البيت ثم الإنصراف إلى اليمن فلما وجهوا الفيل إلى مكة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى
جنب الفيل ثم أخذ بأذنه فقال: ابرك أو ارجع راشدًا من حيث جئت، فإنك في بلد الله الحرام ثم أرسل أذنه فبرك الفيل، وخرج يقبل يشتدّ حتى أصعد في الجبل، و ضربوا الفيل ليقوم فأبى، فضربوا رأسه بالطبرزين (آله معقوفة من حديد) فأدخلوا محاجن له (المحجن: عصا معوجة قد جعل فيها حديد) في مراقّه (أسفل بطنه) فبزغوه (أدموه) بها فأبى، فوجّهوه راجعاً
إلى اليمن فقام مهرولا،ً ووجّهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك، وأرسل الله عليهم طيراً من البحر أمثال الخطاطيف (الخطاف: طائر أسود) والبلسان (الزرازير) مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها، حجر في منقاره وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس لا تصيب منهم أحداً إلا هلك وليس كلهم أصابت، وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاءوا يتساقطون بكل طريق، و يهلكون بكل مهلك على كل منهل وأصيب أبرهة في جسده فمات(67).
ولسان الحال يقول: لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيرتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي نشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم(68).
ولما بعث الله تعالى محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم كان مما يعد الله على قريش من نعمه عليهم وفضله ما ردّ عنهم من أمر الحبشة؛ لبقاء أمرهم ومدتهم، فقال الله تبارك وتعالى:
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ(3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} [الفيل: 1- 5](69).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم فتح مكّة: «إن الله حبس عن مكّة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنه قد عادت حرمته اليوم كحرمتها بالأمس، ألا فليبلّغ الشاهد الغائب». قال العلماء: كانت قصة الفيل فيما بعد من معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتمهيداً لشأنه(70).
كما امتن الله تعالى على قريش أيضاً بقوله تعالى:
{لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ (1) إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ (3) ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: 1-4].

مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم

ولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوم الإثنين فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن أعرابياً سأل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن صوم يوم الإثنين فقال: «ذلك يوم ولدت فيه، وأنزل عليّ فيه»(71).
والمشهور عند الجمهور أن ولادته صلى الله عليه وآله وسلم كانت يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول عام الفيل فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام الفيل »(72)، والمشهور أنه بعد خمسين يوماً. الموافق لليوم العشرين من نيسان سنة 571 م الموافق لسنة اثنتين وثمانين وثمانماية لذي القرنين(73).
وكانت ولادته في دار أبي طالب (التي في الزقاق المعروفة بزقاق المولد، في شعب مشهور بشعب بني هاشم، وكانت بيد عقيل، قال ابن الأثير رحمه الله تعالى: قيل إن رسول الله صلى عليه وآله وسلم وهبها عقيل بن أبي طالب، فلم تزل بيده حتى توفي عنها فباعها ولده من محمد بن يوسف أخي الحجاج، وقيل إن عقيلا باعها بعد الهجرة تبعاً لقريش حين باعوا دور المهاجرين(74).
وكانت قابلة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف «ذكر القاضي عياض عن الشفاء أنها أخبرت به حين سقط على يدها واستهل سمعت قائلاً يقول: يرحمك الله، إنه سطع منه نور رؤيت منه قصور الروم، وعن عثمان بن أبي العاص قال: حدثتني أمي أنها شهدت ولادة آمنه بنت وهب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة ولدته، قالت: فما شيء أنظره في البيت إلا نور، وإني أنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول يقعن عليَّ (75).
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عن أمه الشِّفاء بنت عمرو بن عوف رضي الله عنها قالت: لما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقع على يدي فاستهل، فسمعت قائلاً يقول رحمك الله أو رحمك ربك فأضاء ما بين المشرق والمغرب حتى أني نظرت إلى بعض قصور الروم. قالت: ثم ألبسته وأضجعته فلم أنشب أن غشيتني ظلمة ورعب وقشعريرة عن يميني، فسمعت قائلاً يقول: أين ذهب به؟ قال: إلى المغرب، وأسفر عني ذلك، ثم عاودني ذلك الرعب والقشعريرة عن يساري فسمعت قائلا يقول: أين ذهبت به؟ قال: إلى المشرق، قالت: فلم يزل الحديث مني على بال حتى بعثه الله تعالى(76).
وروى ابن حبان عن حليمة رضي الله عنها عن آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنها قالت: إن لابني هذا لشأناً إني حملت به فلم أجد حملاً قط، كان أخفَّ علي، ولا أعظم بركة منه، ثم رأيت نوراً كأنه شهاب خرج مني حين وضعته أضاءت لي أعناق الإبل ببصرى، ثم وضعته، فما وقع كما تقع الصبيان وقع واضعاً يديه بالأرض رافعاً رأسه إلى السماء(77).
وفي حديث أبي أُمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام»(78).
وعن الحسين ابن البراء -مرسلاً- رحمه الله تعالى قال: قالت آمنة وجدته جاثياً على ركبتيه. ينظر إلى السماء، ثم قبض قبضة من الأرض، وأهوى ساجدًا.
قال بعض أهل الإشارات: لما ولد عيسى عليه السلام قال: «إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا»، فأخبر عن نفسه بالعبودية والرسالة، ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم وضع ساجدًا، وخرج معه نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب، وقبض قبضة من تراب، ورفع رأسه إلى السماء، فكانت عبودية عيسى المقال، وعبودية محمد صلى الله عليه وآله وسلم الفعال ورسالة عيسى بالإخبار ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم بظهور الأنوار، وفي سجوده صلى الله عليه وآله وسلم عند وضعه إشارة إلى أن مبدأ أمره على القُرْب، قال الله تعالى: {وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب} [العلق: 19] فحال عيسى عليه السلام يشير إلى مقام العبودية، وحال محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى مقام القرب من الحضرة الإلهية(79).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من كرامتي على ربي أني ولدت مختوناً ولم ير أحد سوأتي»(80).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان يهودي قد سكن مكة يتجر بها، فلما كانت تلك الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه آله وسلم قال في مجلس من قريش: يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود؟ فقال القوم: والله ما نعلمه، قال: احفظوا ما أقول لكم، ولد هذه الليلة نبي هذه الأمة الأخيرة، بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهن عرف
فرس، لا يرضع ليلتين، فتصدع القوم من مجلسهم وهم يتعجبون من قوله، فلما صاروا إلى منازلهم أخبر كل إنسان منهم أهله، فقالوا: لقد ولد الليلة لعبد الله بن عبد المطلب غلام سموه محمدًا، فالتقى القوم حتى جاؤوا اليهودي فأخبروه الخبر، فقال: اذهبوا معي حتى أنظر إليه، فخرجوا حتى أدخلوه على آمنة، فقالوا: أخرجي إلينا ابنك، فأخرجته، وكشفوا له عن ظهره، فرأى تلك الشامة، فوقع مغشياً عليه، فلما أفاق قالوا: ويلك ما لك؟ قال: والله ذهبت النبوة من بني إسرائيل، أفرحتم به يا معشر قريش؟ والله لَيَسطونّ بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق إلى المغرب(81).
وعن أبي الحسن التنوخي رحمه الله قال: كان المولود إذا ولد في قريش دفعوه إلى نسوة من قريش إلى الصبح فكفأن عليه بُرْمة، فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دُفع إلى نسوة فكفأن عليه برمة، فلما أصبحن أتين فوجدت البرمة قد انفلقتْ عنه باثنتين، فوجدنه مفتوح العين شاخصاً ببصره إلى السماء، فأتاهن عبد المطلب فقلن: ما رأينا مولوداً
مثله، ووجدناه قد انفلقت عنه البرمة، ووجدناه مفتوحاً عينه شاخصاً ببصره إلى السماء فقال: احفظنه فإني أرجو أن يصيب خيرًا(82).
وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ ** وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ

تحريف الكلم

إن اسم محمد منذ الأزل لا ينفصم عن النبوة والرسالة، وهو كذلك وقد جاء بالرسالة الخاتمة وبه ختمت النبوة قال تعالى: {وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [الأحزاب: 40] رسول رفع الله ذكره، ويتردد على الدوام اسمُه، ولذا كان اسمه هدفاً للتحريف في الحروف، والتحريف في الصفات مع أن اسمّيْ محمد وأحمد وردا في التوراة والإنجيل كما وردت صفاته صلى الله عليه وآله وسلم، فهو معروف بذاته قال تعالى:
{ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146]، وقال تعالى: {ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 20].
إن هذا الفريق الذي يصر على إنكار الحق عن علم قد خسر نفسه، وخاب أمله، فإرادة الله تعالى فوق كل إرادة، ونوره لا تحول دونه ظلمة قال تعالى:
{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ} [التوبة:32]،وقال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ} [الصف: 8].
إن الله تعالى بين الذين يحرفون الكلم، وكشف حقيقتهم، وأظهر قصدهم قال تعالى: {مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَٰعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ}
[النساء: 46]، وقال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 13].
إن التحريف في حروف اسم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقصد إلى الإساءة إليه وإلى الإسلام والمسلمين، فالاسم على الشبكة العنكبوتية يرد بصور ثلاث (Mohamet, Mohammed, Mohammad).
يقول الدكتور عبد الكريم وفرة من المغرب: فحين تتصفح اسم النبي الكريم من خلال محركات البحث المختلفة على شبكة الإنترنت تجد صفحات بالملايين، وبلغات مختلفة تتحدث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديثاً تختلط فيه كثير من المشاعر والمواقف المؤيدة أو المعارضة لرسالة الإسلام (83). ويشير إلى أن بعض الموسوعات اليهودية المعاصرة تعمد إلى تقديم صورة مشوهة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورسالته، فقد
زعم محررو تلك الموسوعة أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اطلع على نسخة قديمة من شروح التوراة هكذا دون تفصيل للمسألة، ودون ذكر أي وثيقة تاريخية مرفقة تعضد هذا الرأي الذي لا يعدو أن يكون انطباعاً يصدر عن نفوس تتمنى أن يكون الإسلام صورة طبق الأصل للديانة اليهودية(84).
هذه الموسوعة هي:
Geoffrry wigader /sous/ a direction de: 1996 Dictionnaire
ency clopediyue du Judaisme Editions du cerfi Robert Paris. 163 pages.1 وتصر هذه الموسوعة على تسمية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم Mohomet ويُعرف جيداً أن هذا الاسم مرتبط بكلمة Mahom في اللغة الفرنسية التي تعود إلى القرون الوسطى، ونعي جيداً أن تلك الحقبة التاريخية هي مرحلة ساد فيها الجهل والظلم والتخلف والمجاعة والأوبئة والشرور والآثام والبطش والتنكيل والإقطاع وغلبة رجال الدين، وهيمنة الكنيسة، وتوزيع صكوك الغفران، وتحديد مقاييس دخول الجنة أو جهنم.
وهذا الإصرار العجيب على استعمال تسمية Mohamet بقصد تشويه الاسم الحقيقي للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم خصوصاً أن القواعد الصوتية والصرفية للغات اللاتينية لا تتعارض إطلاقاً مع مسألة إدراج الاسم الحقيقي لنبي الإسلام، وينتج عن هذا الإصرار احتقار واضح لكل ما له صلة بالإسلام والمسلمين عموماً الذين يتحولون في سياق هذا التحريف اللفظي إلى «محمديين» و تصبح ديانتهم ديانة «محمدية » أي مذهباً وضعياً لا ينفصل في شيء عن المذاهب الوضعية الأخرى.
كل هذا يضعنا أمام صورة نمطية يحتفظ الغرب بها في حديثه عن الإسلام، وموقف متناقض من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة وبعد البعثة قال تعالى:{وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ} [البقرة: 89].
وأن التقدم الهائل في تكنولوجيا المعلومات، وتمكن الأفراد والمؤسسات من مخاطبة العالم عبر الشبكة العنكبوتية، وطرح الآراء والأفكار والمعتقدات يكشف عن كمية ما يُعرض وبلا حدود، ومع ذلك فإنه يعكس الموقف من الرسول بخاصة ومن الإسلام بعامة مع وضوح الكذب والتحريف.
ولقد قام الدكتور عبد الكريم بوقرة بعملية جرد للتسميات الثلاث من خلال محركات البحث المختلفة على شبكة الإنترنت، وتوصل إلى نتائج غريبة حول هذه الصفحات المخصصة لكل اسم، وإلى الصفة المرتبطة بهذا الاسم أو ذاك.
اسم محرك البحث مع اسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكلمة البحث مع نتائج الصفحات بآلاف الملايين:

اسم محرك البحث Mohammad MOHAMMED
Mohammadthe Prophet

Mohammedthe Prophe

Mohomet
Mohomed Prophete

Yahoo

15000000

343000000 3780000 3790000 1300000 368000
Google.com
20200000

49000000 1600000 5370000 2600000
201000

Google.fr

800000

387000 201000 568000 2150000
646000

MSN

1279199

2284318 231752 016827 240610
44533

ضم الجدول عدد الصفحات (بالمليون أو الألف) التي تختزنها محركات البحث باللغات اللاتينية بالإضافة إلى اللغة العربية والعبرية.
وينبغي الإشارة إلى أن تسمية محمد في العمودين الأول والثاني تجمع بين اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأسماء أخرى تحمل ذات الاسم، وحينما نطلب من محرك البحث Google أن تتحول واجهته الرئيسية ومجالات البحث باللغة العبرية بشكل كلي فإننا نجد عدد صفحات מוחמד (محمد) 9280000، מוחמד נבי (محمد النبي) 123000 صفحة أما واجهة Google باللغة العربية فتعطي محمد: 735000 صفحة ومحمد النبي 2390000 صفحة محمد صلى الله عليه وآله وسلم 814 صفحة.
وحينما نطلب من محرك البحث العربي الهدهد عدد الصفحات التي يختزنها حول اسم محمد نجده يعطي عدد الصفحات التالية: محمد: 322788 صفحة، محمد النبي: 81313 صفحة، محمد صلى الله عليه وآله وسلم 89173 صفحة.
وتبدو هذه الأرقام هزيلة جدًا بالمقارنة مع مثيلاتها من لغات أخرى كما أشرنا إلى ذلك في الجدول(85).



التوقيع:
[frame="7 80"].

سُكْنايَ حيثُ يحكي النيلُ عن حضارةٍ عظيمة
يشُقُّ صدرَ أرضنا السمراء في عزيمة
وينحني تأدباً في (البركل) الذي يلي كريمة
عادل عسوم
www.marawinews.com
[/frame]
imported_عادل عسوم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-11-2020, 11:10 PM   #[5]
imported_عادل عسوم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_عادل عسوم
 
افتراضي

رحم الله والدي وغفر له فقد كان يحفظ بديعة أحمد شوقي هذه رحمه الله، وإذا بي واشقائي نحفظ جل أبياتها نتاج ترديده لها، لقد كان وجيله مصري الهوى أدبا وثقافة وشعرا، لقد علمنا كيف نتلمس مواضع الجمال في قِصَعِ النثر وقلائد الشِّعر، فحببنا في كتابات العقاد، وخالد محمد خالد، وعبرات ونظرات أحمد لطفي المنفلوطي، ومنه اكتسبنا (ذائقة) سماع كوكب الشرق، والشغف ببرنامج الدكتور مصطفى محمود (العلم والإيمان) رحمه الله، لكن أين مصر اليوم من مصر الأمس!
اللهم أفتح لوالدي في مرقده بابا من الجنة لايسد إلى أن ترث الأرض ومن عليها، وهبه ياحنان يامنان لذة النظر إلى وجهك الكريم يوم يلقاك انك باربي ولي ذلك والقادر عليه.
كم كانت هذه القصيدة اثيرة لديه بالرغم من إعجابه -أكثر- بأشعار حافظ إبراهيم!.
اليكموها:
وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَراءُ وَالـعَـرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي وَالـمُـنـتَـهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ وَحَـديـقَـةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُبا بِـالـتُـرجُـمـ انِ شَـذِيَّةٌ غَنّاءُ وَالـوَحيُ يَقطُرُ سَلسَلاً مِن سَلسَلٍ وَالـلَـوحُ وَالـقَـلَـمُ البَديعُ رُواءُ نُـظِمَت أَسامي الرُسلِ فَهيَ صَحيفَةٌ فـي الـلَـوحِ وَاِسمُ مُحَمَّدٍ طُغَراءُ اِسـمُ الـجَـلالَةِ في بَديعِ حُروفِهِ أَلِـفٌ هُـنـالِـكَ وَاِسمُ طَهَ الباءُ يـا خَـيـرَ مَن جاءَ الوُجودَ تَحِيَّةً مِـن مُرسَلينَ إِلى الهُدى بِكَ جاؤوا بَـيـتُ الـنَـبِـيّينَ الَّذي لا يَلتَقي إِلّا الـحَـنـائِـفُ فـيهِ وَالحُنَفاءُ خَـيـرُ الأُبُـوَّةِ حـازَهُـم لَكَ آدَمٌ دونَ الأَنــامِ وَأَحــرَزَت حَـوّاءُ هُـم أَدرَكـوا عِـزَّ النُبُوَّةِ وَاِنتَهَت فـيـهـا إِلَـيـكَ الـعِزَّةُ القَعساءُ خُـلِـقَـت لِبَيتِكَ وَهوَ مَخلوقٌ لَها إِنَّ الـعَـظـائِـمَ كُفؤُها العُظَماءُ بِـكَ بَـشَّـرَ الـلَهُ السَماءَ فَزُيِّنَت وَتَـضَـوَّعَـت مِـسكاً بِكَ الغَبراءُ وَبَـدا مُـحَـيّـاكَ الَّـذي قَسَماتُهُ حَـقٌّ وَغُـرَّتُـهُ هُـدىً وَحَـيـاءُ وَعَـلَـيـهِ مِـن نورِ النُبُوَّةِ رَونَقٌ وَمِـنَ الـخَـلـيلِ وَهَديِهِ سيماءُ أَثـنـى المَسيحُ عَلَيهِ خَلفَ سَمائِهِ وَتَـهَـلَّـلَـ ت وَاِهـتَـزَّتِ العَذراءُ يَـومٌ يَـتـيهُ عَلى الزَمانِ صَباحُهُ وَمَـسـاؤُهُ بِـمُـحَـمَّـدٍ وَضّاءُ الـحَـقُّ عـالي الرُكنِ فيهِ مُظَفَّرٌ فـي الـمُـلـكِ لا يَعلو عَلَيهِ لِواءُ ذُعِـرَت عُروشُ الظالِمينَ فَزُلزِلَت وَعَـلَـت عَـلـى تيجانِهِم أَصداءُ وَالـنـارُ خـاوِيَةُ الجَوانِبِ حَولَهُم خَـمَـدَت ذَوائِـبُها وَغاضَ الماءُ وَالآيُ تَـتـرى وَالـخَـوارِقُ جَمَّةٌ جِــبـريـلُ رَوّاحٌ بِـهـا غَـدّاءُ نِـعـمَ الـيَـتيمُ بَدَت مَخايِلُ فَضلِهِ وَالـيُـتـمُ رِزقٌ بَـعـضُهُ وَذَكاءُ فـي الـمَهدِ يُستَسقى الحَيا بِرَجائِهِ وَبِـقَـصـدِهِ تُـسـتَـدفَعُ البَأساءُ بِسِوى الأَمانَةِ في الصِبا وَالصِدقِ لَم يَـعـرِفـهُ أَهـلُ الصِدقِ وَالأُمَناءُ يـا مَن لَهُ الأَخلاقُ ما تَهوى العُلا مِـنـهـا وَمـا يَـتَعَشَّقُ الكُبَراءُ لَـو لَـم تُـقِـم ديناً لَقامَت وَحدَها ديـنـاً تُـضـيءُ بِـنـورِهِ الآناءُ زانَـتـكَ في الخُلُقِ العَظيمِ شَمائِلٌ يُـغـرى بِـهِـنَّ وَيـولَعُ الكُرَماءُ أَمّـا الـجَمالُ فَأَنتَ شَمسُ سَمائِهِ وَمَـلاحَـةُ الـصِـدّيـقِ مِنكَ أَياءُ وَالـحُـسنُ مِن كَرَمِ الوُجوهِ وَخَيرُهُ مـا أوتِـيَ الـقُـوّادُ وَالـزُعَماءُ فَـإِذا سَـخَوتَ بَلَغتَ بِالجودِ المَدى وَفَـعَـلـتَ مـا لا تَـفعَلُ الأَنواءُ وَإِذا عَـفَـوتَ فَـقـادِراً وَمُـقَدَّراً لا يَـسـتَـهـيـنُ بِعَفوِكَ الجُهَلاءُ وَإِذا رَحِــمـتَ فَـأَنـتَ أُمٌّ أَو أَبٌ هَـذانِ فـي الـدُنيا هُما الرُحَماءُ وَإِذا غَـضِـبـتَ فَإِنَّما هِيَ غَضبَةٌ فـي الـحَـقِّ لا ضِغنٌ وَلا بَغضاءُ وَإِذا رَضـيـتَ فَـذاكَ في مَرضاتِهِ وَرِضـى الـكَـثـيـرِ تَحَلُّمٌ وَرِياءُ وَإِذا خَـطَـبـتَ فَـلِـلمَنابِرِ هِزَّةٌ تَـعـرو الـنَـدِيَّ وَلِـلقُلوبِ بُكاءُ وَإِذا قَـضَـيـتَ فَـلا اِرتِيابَ كَأَنَّما جـاءَ الـخُصومَ مِنَ السَماءِ قَضاءُ وَإِذا حَـمَـيـتَ الماءَ لَم يورَد وَلَو أَنَّ الـقَـيـاصِـرَ وَالمُلوكَ ظِماءُ وَإِذا أَجَـرتَ فَـأَنـتَ بَـيتُ اللَهِ لَم يَـدخُـل عَـلَـيهِ المُستَجيرَ عَداءُ وَإِذا مَـلَـكـتَ النَفسَ قُمتَ بِبِرِّها وَلَـوَ اَنَّ مـا مَـلَكَت يَداكَ الشاءُ وَإِذا بَـنَـيـتَ فَـخَيرُ زَوجٍ عِشرَةً وَإِذا اِبـتَـنَـيـتَ فَـدونَـكَ الآباءُ وَإِذا صَـحِـبتَ رَأى الوَفاءَ مُجَسَّماً فـي بُـردِكَ الأَصـحابُ وَالخُلَطاءُ وَإِذا أَخَـذتَ الـعَـهـدَ أَو أَعطَيتَهُ فَـجَـمـيـعُ عَـهدِكَ ذِمَّةٌ وَوَفاءُ وَإِذا مَـشَـيـتَ إِلى العِدا فَغَضَنفَرٌ وَإِذا جَـرَيـتَ فَـإِنَّـكَ الـنَـكباءُ وَتَـمُـدُّ حِـلـمَـكَ لِلسَفيهِ مُدارِياً حَـتّـى يَـضيقَ بِعَرضِكَ السُفَهاءُ فـي كُـلِّ نَـفسٍ مِن سُطاكَ مَهابَةٌ وَلِـكُـلِّ نَـفـسٍ فـي نَداكَ رَجاءُ



التوقيع:
[frame="7 80"].

سُكْنايَ حيثُ يحكي النيلُ عن حضارةٍ عظيمة
يشُقُّ صدرَ أرضنا السمراء في عزيمة
وينحني تأدباً في (البركل) الذي يلي كريمة
عادل عسوم
www.marawinews.com
[/frame]
imported_عادل عسوم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-11-2020, 01:58 AM   #[6]
imported_عادل عسوم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_عادل عسوم
 
افتراضي

ليت الجهلاء من الفرنسيين وسواهم ممن لم يعرفوا قدر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قرأوا ماذا قال كل من برناردشو ومايكل هارت عن خير خلق الله:
لقد قال الفيلسوف البريطاني برناردشو في كتابه (محمد) والذي تم احراقه بفعل فاعل:
(ان العالم أحوج ما يكون الى رجلٍ في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والاجلال، فانه أقوى دين على هضم جميع الديانات، خالداً خلود الأبد، واني أرى كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه أوربا..
أما مايكل هارت فقد كتب في كتابة (الخالدون مئة) بعد اختياره نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أول القائمة:
اخترت محمدا في أول هذه القائمة ولابد يندهش كثيرون لهذا الاختيار ومعهم حق في ذلك، ولكن محمد هو الانسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقا على المستويين الديني والدنيوي، فقد دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات، وأصبح قائدا سياسيا وعسكريا ودينيا، وبعد ثلاثة عشر قرن من وفاته فإن أثر محمد لا يزال قويا متجددا، وأكثر الذين اخترتهم قد ولدوا ونشأوا في مراكز حضارية ومن شعوب متحضرة سياسيا وفكريا الا محمدا، فهو قد ولد سنة 570 ميلادية في مدينة مكة جنوب شبه الجزيرة العربية في منطقة من العالم القديم بعيدة عن مراكز التجارة والحضارة والفن.
...
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وآله عدد ما سبح لك من حي وجماد من الأزل وإلى أن ترث الأرض ومن عليها.
إني أحبك ياحبيبي يارسول الله، ياخير خلق الله وخاتم النبيين، وياصاحب الخلق العظيم كما قال ربي جل في علاه.



التوقيع:
[frame="7 80"].

سُكْنايَ حيثُ يحكي النيلُ عن حضارةٍ عظيمة
يشُقُّ صدرَ أرضنا السمراء في عزيمة
وينحني تأدباً في (البركل) الذي يلي كريمة
عادل عسوم
www.marawinews.com
[/frame]
imported_عادل عسوم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-11-2020, 01:59 AM   #[7]
imported_عادل عسوم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_عادل عسوم
 
افتراضي

ليت الجهلاء من الفرنسيين وسواهم ممن لم يعرفوا قدر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قرأوا ماذا قال كل من برناردشو ومايكل هارت عن خير خلق الله:
لقد قال الفيلسوف البريطاني برناردشو في كتابه (محمد) والذي تم احراقه بفعل فاعل:
(ان العالم أحوج ما يكون الى رجلٍ في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والاجلال، فانه أقوى دين على هضم جميع الديانات، خالداً خلود الأبد، واني أرى كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه أوربا).
أما مايكل هارت فقد كتب في كتابة (الخالدون مئة) بعد اختياره نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أول القائمة:
اخترت محمدا في أول هذه القائمة ولابد يندهش كثيرون لهذا الاختيار ومعهم حق في ذلك، ولكن محمد هو الانسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقا على المستويين الديني والدنيوي، فقد دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات، وأصبح قائدا سياسيا وعسكريا ودينيا، وبعد ثلاثة عشر قرن من وفاته فإن أثر محمد لا يزال قويا متجددا، وأكثر الذين اخترتهم قد ولدوا ونشأوا في مراكز حضارية ومن شعوب متحضرة سياسيا وفكريا الا محمدا، فهو قد ولد سنة 570 ميلادية في مدينة مكة جنوب شبه الجزيرة العربية في منطقة من العالم القديم بعيدة عن مراكز التجارة والحضارة والفن.
...
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وآله عدد ما سبح لك من حي وجماد من الأزل وإلى أن ترث الأرض ومن عليها.
إني أحبك ياحبيبي يارسول الله، ياخير خلق الله وخاتم النبيين، وياصاحب الخلق العظيم كما قال ربي جل في علاه.



التوقيع:
[frame="7 80"].

سُكْنايَ حيثُ يحكي النيلُ عن حضارةٍ عظيمة
يشُقُّ صدرَ أرضنا السمراء في عزيمة
وينحني تأدباً في (البركل) الذي يلي كريمة
عادل عسوم
www.marawinews.com
[/frame]
imported_عادل عسوم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-11-2020, 06:04 PM   #[8]
imported_عادل عسوم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_عادل عسوم
 
افتراضي

مركز آدم ناقش خطاب الكراهية ضد الإسلام وقيم الجمهورية الفرنسية الخامسة
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

2020-11-09 07:50

سياسة تقارير

مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحرياتالعلمانيةالنبي محمدالرسوم المسيئةحرية التعبيرالكراهيةفرنسا
ناقش مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات مع عدد من الباحثين والحقوقيين والكتاب والمختصين بالشأن القانوني "خطاب الكراهية ضد الإسلام وقيم الجمهورية الفرنسية الخامسة" على خلفية ما أثاره خطاب الرئيس الفرنسي بشأن الإسلام وما تبعه من ردات فعل على الصعيد الشعبي والرسمي في العالم الإسلامي.

قدم الورقة الباحث في مركز آدم الدكتور علاء إبراهيم الحسني والتي ختمها بالسؤالين التاليين:

1- ما الحد الفاصل بين حرية التعبير عن الرأي والتعسف باستخدام هذه الحرية بالإساءة للآخرين؟
2- كيف يمكن التصدي للسلوك الرسمي الفرنسي المعادي لحرية الاعتقاد؟
جاء في نص الورقة:
صدر في الآونة الأخيرة عن الرئيس الفرنسي العديد من العبارات بحق الدين العظيم "الإسلام" وهو الأمر الذي يستفز مشاعر الملايين من الناس في فرنسا وحول العالم فالمشكلة تتلخص في الخلط غير المبرر بين حرية التعبير عن الرأي والإساءة للآخرين بمجموعهم دون التمييز بين المتطرفين والمسلمين واتهام الإسلام ورموزه كالنبي محمد صل الله عليه واله وسلم ومن سواه بتهم باطلة لا أساس لها من الصحة، وتعمد نشر صور كاريكاتورية مسيئة لمقام النبوة من قبل بعض الصحف والجماعات الفرنسية ومساندة الرئيس الفرنسي لهذا السلوك المشين بقوله "إننا لا نتخلى عن هذه الرسوم ولو تقهقر البعض" وصدور ما تقدم من المسؤولين في فرنسا يضع العلاقة بين فرنسا والمسلمين عموما على المحك، كونه يؤجج مشاعر التباغض والتباعد بين المسلمين ومن سواهم ويجعلهم مرمى للمتصيدين في الماء العكر، بل هو وبحق خطاب كراهية يحمل أنماط من التعبير بوسائل الإعلام وغيرها من شأنها تشجيع التمييز والعداوة للمسلمين وتحرض على الإساءة لهم وازدراء عقائدهم كأفراد وجماعات، وكل ما تقدم سببه التعصب الأعمى والتمييز بين فئات المجتمع الوطني لأسباب تتصل بالعرق أو الدين أو اللغة وغيرها.
وتجلى ما تقدم بما نسب للإسلام والمسلمين زوراً من تعصب والانحراف وهذا السلوك كيل بمكيالين فالتعصب والانحراف الفكري ليس رهناً بالبعض ممن تبرقع بالإسلام بل ان الحركات اليمينية المتطرفة في أوربا أشد تطرفاً وميلاً للإجرام من بعض الجماعات المنحرفة عن الإسلام، وما الاعتداء على الآخرين بحجة علمانية الدولة إلا حجة داحضة وسلوك يعوزه الاتزان، والسبب يعود بتقديري إلى أن الثورة الفرنسية للعام 1789 خطت أولى خطوات الوسطية واحترام حقوق الإنسان، حين تم التأكيد على استقلالية الفرد وحريته في الاعتقاد فقد ورد في المادة (10) من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي للعام 1789 ما نصه ((يمنع التعرض لأي شخص بسبب آراءه وأفكاره، بما في ذلك الدينية منها، شريطة ألا يخل التعبير عنها بالنظام العام الذي ارساه القانون)) يضاف لما تقدم:
1- صدر في فرنسا القانون الجمهوري في (9/ كانون الأول 1905) الذي أنهى العلاقة بين الدين والسياسة ولم تعد فرنسا تعرف نفسها بأنها أمة كاثوليكية، والخطاب الديني من رأس السلطة "رئيس الجمهورية" ولاشك يتعارض مع هذا القانون، ويعد أمراً مستغرباً، والأغرب الربط بين الإسلام والإرهاب، إذ يفترض برئيس الدولة ان يتبنى خطاب يميل لعلمانية الدولة ويدعم حرية الأفراد في الاعتقاد لا ان يتبنى موقفا معاديا لدين الإسلام.
2- ورد في ديباجة دستور جمهورية فرنسا للعام 1946 التي تعد الآن جزء من دستورها النافذ للعام 1958 نص مقتضاه ما يأتي:
"غداة الانتصار الذي حققته الشعوب الحرة على الأنظمة التي سعت إلى استعباد وإهانة البشرية يعلن الشعب الفرنسي مجددا أن كل إنسان يملك حقوقاً مقدسة وثابتة دون تمييز على أساس الأصل أو الدين أو العقيدة، ويؤكد مرة أخرى ورسمياً على حقوق وحريات الإنسان والمواطن المنصوص عليها في إعلان الحقوق الصادر عام 1789 والمبادئ الأساسية المعترف بها في قوانين الجمهورية..... ولا يجوز أن يعاني أي شخص من الضرر في عمله أو في وظيفته بحكم أصله أو آرائه أو معتقداته......إن الجمهورية الفرنسية، وفية لتقاليدها، تحترم قواعد القانون الدولي العام. ويتعين عليها عدم القيام بأية حرب تهدف إلى غزو، ولا يجوز لها في أي وقت كان استخدام القوة ضد حرية أي شخص...."
3- أكد الدستور الفرنسي النافذ للعام 1958 في المادة الأولى منه بأن ((الجمهورية الفرنسية جمهورية غير قابلة للتجزئة، علمانية، ديمقراطية، تكفل المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون))، فهل من مقتضى الديمقراطية الفرنسية نشر خطاب الكراهية بالضد من الإسلام والمسلمين؟ أضف لما تقدم ان الدستور الفرنسي أوضح ثوابت الجمهورية وهي ((الحرية والمساواة والإخاء)) ومن الواضح ان سلوك الرئيس الفرنسي وتصريحاته لا تمت إلى ثوابت الجمهورية الفرنسية بأي صلة فالمجتمع المسلم في فرنسا وأوربا جزء من النسيج الاجتماعي ولا يمكن ان يهمش بهذه الطريقة، كما إن قانون فصل الدين عن السياسة لعام 1905 يضيف لوظائف الدولة الآتي "بان تضمن الجمهورية حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية" فالدولة كأصل عام علمانية إلا أنها لا تحجب عن العامة الواقع الروحي أو الديني.
4- ورد في الإعلان العالمي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة وفرنسا جزء منها،حيث يعد الإعلان وثيقة تاريخية مهمة للإنسانية كافة كونها تؤسس لحقوق الإنسان وقد تولى صياغتها ممثلو الدول وهم يحملون خلفيات القانونية والثقافية متباينة مستقاة من جميع أنحاء العالم، واعتمدت الجمعية العامة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في (10 كانون الأول/ 1948) بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار رقم (217)، حيث تؤكد المادة الثانية على أن "لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي" وتضيف المادة الثامنة عشر بأن "لكلِّ شخص حقٌّ في حرِّية الفكر والوجدان والدِّين، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في تغيير دينه أو معتقده، وحرِّيته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبُّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة" والأهم ان المادة السادسة والعشرين ترسي مبدأ غاية بالأهمية يسمى حيادية المؤسسات التعليمية حيث تنص على أن "يجب أن يستهدف التعليمُ التنميةَ الكاملةَ لشخصية الإنسان وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، كما يجب أن يعزِّز التفاهمَ والتسامحَ والصداقةَ بين جميع الأمم وجميع الفئات العنصرية أو الدينية، وأن يؤيِّد الأنشطةَ التي تضطلع بها الأممُ المتحدةُ لحفظ السلام" وما قام به المعلم في إحدى المدارس الفرنسية بعرض رسوم مسيئة لمشاعر بعض الطلبة عمل مستنكر كما قتل هذا المعلم بطريقة بربرية مستهجن بلا شك، فسحب السجال والنقاش الديني ومحاولة بث سموم الكراهية بعقول وأنفس الشبان اليافعين في المدارس إحدى أهداف الجماعات المتطرفة.
5- والأمر تكرر بصياغات مقاربة في العهدين الدوليين لعام 1966.
وكذا الأمر في الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والتي وقعت في روما عام 1950وورد النص فيها بالمادة العاشرة على أنه "لكل إنسان الحق في حرية التفكير والضمير والعقيدة، هذا الحق يشمل حرية تغيير الدين أو العقيدة، وحرية إعلان الدين أو العقيدة بإقامة الشعائر والتعليم والممارسة والرعاية، سواء على انفراد أو بالاجتماع مع آخرين، بصفة علنية أو في نطاق خاص"
ونود التذكير ان المساواة والإخاء والعدالة التي نادت بها الثورة الفرنسية وتكرست في الدستور الفرنسي النافذ ليس من مقتضياتها ازدراء الأديان والإساءة لرموزها وليس من مقتضيات حرية التعبير بث خطاب الكراهية ضد أحد الأديان تحت ستار الحرية، فالأصل ان الإنسان حر بعد ان حباه الله بنعمة العقل،ولا يسوغ له العدوان على الآخرين مادياً أو معنوياً، والدولة كمشروع اجتماعي تعد ضامنة لحقوق الجماعة والفرد والأصل ان تبنى وتصاغ سياساتها وفق مقتضيات عقلية غير قائمة على الإيمان بشيء معادي للآخرين، وهذا ما أكده الفقيه الفرنسي روسو في كتابه العقد الاجتماعي حين دعا إلى ضرورة التعايش بين العقائد لضمان ديمومة نظام أخلاقي مشترك في المجتمع، ودولة مثل فرنسا تدعي العلمانية ويذهب رئيسها للحديث عن الأديان عموماً والإسلام خصوصاً يتعارض مع علمانية وحياد الدولة بل يفتقر إلى الحد الأدنى من اللياقة.
ولو أخذنا من حياة الجمهورية الفرنسية مثالاً بسيطاً وهو التعليم في المدارس والجامعات والذي نظم بالعديد من التشريعات المتعاقبة في مقدمتها القانون الصادر في 28 آذار 1882 الذي ألزم بأن يكون التعليم مجانياً وإلزاميا في المرحلة الابتدائية على أن يكون تعليماً أخلاقياً مدنياً وليس ذو طابع ديني لإبعاد سطوة الكنيسة عن التعليم، ويمنح التلاميذ يوم عطلة ليتسنى للأهالي اصطحابهم إلى الكنيسة أو غيرها لتلقي تعاليمها في حال رغبوا بذلك، وأردف القانون سابق الذكر بقانون في 30/ تشرين الأول 1886 وهو الأخر ألزم بضرورة حياد الهيئة التعليمية في المرحلة الابتدائية، فعلى المعلمين الترفع عن ازدراء الأديان وبث خطاب كراهية أو أي سلوك أخر يتجافى مع حرية الطلبة في العقيدة، والمقتضى من القوانين السابقة هو حياد المدارس بيد ان الواقع يحكي غير ما تقدم، والسبب ان السلطات العامة بدل ان تتخذ خطوات واضحة باتجاه حياد التعليم تعتبر نشر صور مسيئة سلوكا مقبولا وتدافع عمن اقترفه.
وما تقدم يتنافى حتى مع تعاليم الأديان وممارسة الشعائر والحريات الدينية التي تجلب للإنسان الأمل والطمأنينة وتزرع في المجتمع بذور التفاهم والتعايش والمحبة وبالمحصلة هي تكرس حالة السلام المجتمعي، لكنها اليوم أصبحت تؤدي دوراً عكسياً في بعض البلدان لا سيما في فرنسا بسبب تدخل السياسة في هذا الملف، إذ تبنت فرنسا في العام 2004 قانوناً يمنع ارتداء أي رمز ديني في المدارس العامة لا سيما المادة (141) من قانون التعليم الفرنسي الجديد الصادر في 15/مارس 2004 تحت الرقم (228) والسؤال ألا يتعارض ما تقدم مع ثوابت وقيم الجمهورية وفي مقدمها المساواة في الكرامة بين جميع البشر، والمساواة بين الرجال والنساء، والحرية والإخاء أي التضامن في المجتمع الفرنسي؟.
ألا يتعارض مع التزامات فرنسا الوطنية والدولية ومنها ما ورد في ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945إذ تعد فرنسا أحد المؤسسين لهذه المنظمة وتحوز مقعد دائم في مجلس الأمن فقد ورد النص في المادة الأولى منه على أن "..تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية والعمل على تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء"، وتم التأكيد على ما تقدم بالمواد 13، و55، 62، 68 من الميثاق، كما يتناقض ما صدر عن مسؤولي فرنسا مع اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل 1989 التي نصت مادتها الرابعة عشر على أن "تحترم الدول الأطراف حق الطفل في حرية الفكر والوجدان والدين" وهذه الاتفاقية أضافت مبدأً مهم في المادة السادسة عشر عندما أشارت إلى أنه "لا يجوز أن يجرى أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته، وللطفل حق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرض أو المساس".

المداخلات:
الدكتور محمد مسلم الحسيني:
يجب ألاّ يقتصر تعريف كلمة "إرهاب" على سلب أرواح الأبرياء وتدمير أملاكهم فقط إنما يجب أن يتعداه الى ما أسميه " الإرهاب بالكلمة". استخدام أسلوب السخرية والإستهزاء في التعامل مع معتقدات الناس ومنصات إيمانهم سواء أكان بالحديث أو بالكتابة أو بالرسوم والإشارات أو بغيرها من الأساليب الأخرى، يعتبر إرهابا أخلاقيا نفسيا عاطفيا للغير..... جروح الكلمات قد تكون أقسى وأشد من جروح السيوف، فلماذا الذي يجرح بالكلمة لا نسميه إرهابيّا!؟..... الدول التي تؤمن بالحرية عليها أن تؤمن قبل كلّ شيء بحرية الفرد أن يعيش حرا طليقا بمعتقداته وأفكاره وأعرافه وأحاسيسه، فليس من حق أي فرد في المجتمع الإعتداء أو المساس بهذه الحرية المطلقة المنوطة إليه بإسم التحضر والقانون وحقوق الإنسان. الإعتداء على حقوق الإنسان في معتقداته وبشتى الأساليب والصور هو عمل منافٍ للأخلاق وللتحضر وللإنسانية.
لا أفهم كيف يعلل المنافقون أن الإعتداء اللفظي والكتابي على الآخر هو "حرية التعبير". هذا ليس تعبيرا إنما تعد سافر ماحق على حقوق طبيعية للإنسان تخلق ردة فعل معاكسة لا تحمد عقباها. المنافقون يستخدمون الكلمات مزوقة المعاني كالحرية وحقوق الإنسان وحق التعبير وغيرها في مواقع ليس في مكانها، يستخدمونها لتمرير أجندات سياسية زائغة لخدمة مصالح وأغراض قد تخفي وراءها أسباب عنصرية أو سياسية أو أحقاد دفينة تنطلق بين الفينة والأخرى!. يستخدمون هذه التعابير ضمن مصالحهم وأغراضهم، وينقضوها حسب مواقع الحاجة والضرورة.
لا أحد من الأسوياء يدافع عن الإرهاب بمختلف صوره وأشكاله فالإرهاب "مرض معد قاتل تسببه جراثيم الفكر المنحرف" هذه حقيقة يتبناها كل ذي عقل راجح. لكن علاج الحالة الشاذة يجب أن يكون بأسباب دائها لا بأسلوب منحرف آخر. العالم اليوم مضطرب بحرب عالمية شنتها فايروسات كورونا، وهذا يكفي أن تتحطم النظم الصحيّة والإقتصادية والنفسية وحتى الإجتماعية فيها. لا يتحمل الوضع أن تغزونا فوقها فايروسات الحقد والكراهية المرسومة على صفحات الدين والمعتقدات..... بلدان العالم في أمس الحاجة الى قادة يحسنون التصرف في الظروف الصعبة لا أن يسكبون الزيت على النار ويؤججون أحقاد الحاقدين وكراهياتهم. لا أحد ينتفع من الحروب، سواء أكانت عسكرية أو عرقية أو دينية وطائفية أو اقتصادية أو نفسية أو غيرها.
نزوح بعض الدول من مرحلة العقلانية إلى مرحلة الشعبوية والنرجسية السياسية وحب الأنا، ممثلة بقادة شعبويين إشارة تحذير عن إتجاه العالم إلى الهاوية ما لم تستدرك الشعوب الخطر وتغيّر مجرى إراداتها. المرحلة تتطلب اليوم الحكمة وسداد الرأي وحسن التصرف والتجرد عن الأهواء الشخصية والعواطف الساخنة، خصوصا عند من يملك زمام الأمور والمسؤولية. "فالكلمة تعني.... لا ترموها على عواهنها يا من بيدكم الأمر والنهي!".

الدكتور حميد مسلم الطرفي:
الحد الفاصل بين حرية التعبير والتعسف في استخدام هذا الحق اوضحه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر من الأمم المتحدة عام 1948 والذي أشار له الباحث ففي الوقت الذي نصت به المادة (19) على ما يلي: "لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود" جاء الحد الفاصل لهذا الحق وكل الحقوق الواردة في الإعلان بنص المادة (٢٩) منه إذ قيدت حرية التعبير بنصها على ما يلي: "
(1) على كلِّ فرد واجباتٌ إزاء الجماعة، التي فيها وحدها يمكن أن تنمو شخصيته النمو الحر الكامل.
(2) لا يخضع أيُّ فرد، في ممارسة حقوقه وحرِّياته، إلاَّ للقيود التي يقرِّرها القانونُ مستهدفًا منها، حصرًا، ضمانَ الاعتراف الواجب بحقوق وحرِّيات الآخرين واحترامها، والوفاءَ بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام ورفاه الجميع في مجتمع ديمقراطي".
ولست أدري أي فضيلة أرادها راسم الصور الكاريكاتيرية الفاضحة بشان رجل يحبه ويقدسه 1.5 مليار نسمة في العالم.
أما بالنسبة للسلوك الأفضل الذي نتصدى به لهذه الانتهاكات هو بالضغط الاقتصادي فدول الغرب لاشيء لديها أهم من المادة فلا تجدي معها الاستنكارات ولا التنديد ولا بيانات الخارجية بل يجب أن تضغط الشعوب باتجاه معاقبة فرنسا اقتصادياً وللدول الإسلامية القدرة على ذلك، فحين يكون ثمن الإساءة غالياً ستضطر فرنسا وغير فرنسا لتشريع قانون يجرم الإساءة للأنبياء كما هي تجرم اليوم الإساءة للسامية. ضغط الشعوب المسلمة على حكوماتها سيؤدي الغرض المطلوب.

الدكتور عدي المفرجي:
أن النظام السياسي الفرنسي منذ إعلان جمهوريته إبان الثورة الفرنسية عام ١٧٨٩ رفع شعار النضال من أجل العلمانية ولاشيء فوق العلمانية وتعتبر الأديان ثقافات تنظم السلوك البشري. ولكن تعمد بعض أصحاب الإعلام الفرنسي لأكثر من مرة وبخاصة إدارة تحرير شارل ابيدوا تكرار الإساءة للنبي المصطفى ماهو الا دليل على الأمر ممنهج وأرى أن ورائهم مالك الإعلام الموجه وهو الحركة الصهيونية العالمية..
١. لا يمكن فرض حدود فاصلة للتعبير عن الرأي بالقوة وبخاصة مجتمع أوربي مثل فرنسا ولا تنفع القوة لأن العنف يولد عنف وحلول القوة وقتية بل العكس ستثار المدارس الفرنسية القديمة ضد الإسلام ومنها الاستشراقية ومن الأفضل إحياء وبعث الحياة العالم الإسلامي في نظمه السياسية ومؤسساته وحتى مجتمعه.
٢. إن التصدي هو الحوار والنقاش والتفاهم وتغيير الصورة النمطية التي التصقت بذهنية العالم الغربي عن الإسلام وبخاصة كسب المجتمع الفرنسي ومفكريه ليكونوا هم المحتجون وهم أداة قوية في التغيير. علينا إحياء المؤسسات الإسلامية ودفعها إلى اتخاذ دورها الإيجابي مثل منظمة المؤتمر الإسلامي علينا أن نظهر أن المجتمع الإسلامي صديق لكافة الأديان والمذاهب ومدافع جيد عن العلمانية علينا أن تدفع كل الوسائل الحضارية من صحافة وإعلام ونخب ومثقفين. علي سبيل المثال هنا في كربلاء مجلة ناطقة باللغة الفرنسية في العتبة الحسينية من المفترض أن تقوم بهذا الدور والدفاع عن النبي المصطفى لتساعد على خلق صورة نمطية مغايره لما عرفه المجتمع الفرنسي..

الدكتور اسعد كاظم شبيب:
في الليبرالية الجديدة المتبناة من قبل الدول الغربية التقليدية كفرنسا على سبيل المثال لا توجد حدود للحريات الا عند مخالفة القانون او الإضرار بالمصالح الفردية او العامة او قيم المواطنة، وبالتأكيد هناك تعسف في تبرير استخدام وتوظيف الحريات لغرض ضرب المقدسات لدى فئة كبيرة من سكان العالم او على الأقل سكان ومواطني الدول الغربية ذاتها كفرنسا، الإشكالية تكمن في الآتي ان هذه البلدان بنيت في العصر الحديث على الحداثة والعقلنة والعلمنة، وفي أوقات متأخرة رأت هذه الدول ان هناك تضخم في الظواهر الاجتماعية المخالفة لمتبنيات الحداثة رافق ذلك ان هذه الظواهر الاجتماعية سادها سلوكيات عنفية وإرهابا فكرا وسلوكا داخل هذه المجتمعات وخارجها ولا ننسى ان هناك عشرات الألف استقطبتهم التنظيمات الإرهابية وأصبحوا عندئذ من عناصر هذه التنظيمات، وقد ضربت هذه العناصر داخل المجتمعي الغربي ذاته الذي يعيشون فيه، مما ولد تيار يمني محافظ ومتشدد اتجاه الأديان والدين الإسلامي على وجه الخصوص.
والإشكال الثاني انه هذه الدول وتياراتها اليمنية المتطرفة لا تميز بين سلوكات المسلمين وبين الإسلام ونبيه، ونستطيع أن نعد كل هذه السلوكيات الشاذة هي تعبير عن الإسلام وحتى توظيف بعض النصوص الإسلامية هو فهم وتفسير للإسلام ليس الا. من هنا فضرورة التمييز بين الإسلام وبين ما يقوم به بعض المسلمين، كما على الغرب ان يميز بين الحريات وتوظيف وإساءة استخدامها.

الباحث جواد العطار:
ليس غريبا ان تتكرر صور التجاوز على الإسلام في أوربا والغرب، فالرسوم المسيئة للرسول الكريم التي انطلقت من الدنمارك قبل عقدين من الآن، وامتدت لتشمل دول أوربية مثل هولندا وبلجيكا وحتى محاولات حرق القرآن الكريم في الولايات المتحدة ما هي الا خطط مدروسة للنيل من الإسلام ورموزه تحت عنوان ما يسمى "الإسلاموفوبيا" التي تعني حرفيا الخوف الجماعي المرضي من الإسلام والمسلمين، إلا انه في الواقع نوع من العنصرية قوامه جملة من الأفعال والمشاعر والأفكار النمطية المسبقة المعادية للإسلام والمسلمين.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا استهداف الإسلام دون غيره من الأديان؟ رغم إن الهند وحدها مثلا فيها أكثر من 800 ديانة... ولماذا التجاوز على شخص الرسول الكريم رغم كل الاعتراضات الرسمية والشعبية من مختلف بقاع الأرض الإسلامية؟ بل لماذا الإصرار على تكرار الإساءة رغم انه ينافي قوانين احترام الديانات في تلك البلدان وبالذات ما جرى في فرنسا مؤخرا؟.
لمن لا يعلم فان الإسلام يعتبر الدين الثاني في فرنسا، وتتراوح نسبة المسلمين وفقا لتقديرات جريدة لوموند (2007) ومؤسسة ايبسوس موري سنة 2011 بين 3% وبين 5-8% وفقا لكتاب حقائق العالم، وتشير اغلب التقديرات ان عدد المسلمين في فرنسا يتراوح بين 5 إلى 6 ملايين. فكيف يتم التجاوز على رمز إسلامي مهم يمثل قمة التسامح ومبادئ التعايش في بلد يقر بشكل غير رسمي بان الإسلام الديانة الثانية في الدولة؟:
ان تسويق الخوف من الإسلام ومحاولة ربطه بالإرهاب أصبحت عملية مكشوفة لن تنطلي على احد، فمصطلح "الإسلاموفوبيا" الذي ركزت عليه مراكز البحوث والدراسات الغربية وروجت له بشدة بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ثم عادت بعد أحداث سبتمبر 2001 لتسويقه وربطه بالإرهاب سقط في فخ التعارض مع حرية الديانة والتعبير وقدسية الآخر وحريته الشخصية وضرورة عدم التعدي عليها تحت أي ظرف لأنها مقدسة، فهل يعقل أن تسقط فرنسا الحرية والمساواة والعدالة في هذا الفخ؟.

المحامي زهير الميالي:
لحرية الرأي والتعبير أهمية كبرى واهتمام عظيم لدى الإنسان. لأن الإنسان منذ فترة طفولته يميل نحو الحرية. وهذا يبدو واضحاً إذا ما قيدنا حركاته. لحرية التعبير مدلولات مهمة فإنها تدل على الديمقراطية وكذلك تدل على الأحكام الدستورية الرصينة في البلدان التي يوجد بها اهتمام بحرية الرأي والتعبير. كما يعد هذا الثالوث معياراً للتقدم والتطور إذا وجد في بلد ما. أما إذا تخلف هذا الركن المهم فهو يدل على مستوى التخلف والانحدار في ذلك البلد ويؤثر على دخولها في عصر التقدم والازدهار. كما تعد حرية الرأي والتعبير مطلباً شرعياً وقانونياً وذات قيمة إنسانية. كما ان ممارسة هذا الحق دون مسؤولية يجعلها دون معنى. ويمكن القول أن مجتمعاً غير مطلع جيداً ليس مجتمع حر.
وكذلك لا يمكن أن نكرس هذا الحرية فقط في الصحافة والإعلام. فإنها تشتمل على حق التظاهر والتجمهر ضمن الأطر القانونية. وحسب مانص الدستور العراقي الدائم في المادة. وكذلك يفترض عندما يمارس أي فرد هذا الحق بأن لا يحصل تعد على حق الغير حتى قال احد الفلاسفة تنتهي الحرية الشخصية عندما تبدأ حرية الغير. ولحرية الرأي والتعبير ارتباط وثيق بنوع المجتمع بما يملكه من ثقافات وقيم وهذا يؤدي بنا إلى القول. حرية الرأي والتعبير تختلف من مجتمع إلى آخر تبعاً لاختلاف ثقافات الشعوب والقيم والتقاليد. وكذلك للعامل الديني إثر كبير في هذا الحق. فان الإسلام قد تناول هذا الحق منذ بزوغ البشرية على الأرض وتوسع بها لم يكن ضامن لها فقط بالرأي وإنما الحرية الدينية والعقيد. حيث قال في محكم كتابه. لا إكراه في الدين.. وهذا يقودنا إلى القول بأن الإسلام سبق الغرب في تناول حرية الرأي والتعبير وتنظيمها وضمانها. وحرية الرأي والتعبير ليست حديثة النشأة وإنما موجودة منذ أن ولد الإنسان وهي لصيقة به وما دور القوانين والتشريعات لا تنظيمة بسبب تطور الوسائل التي أصبح من خلالها الإنسان ان يعبر عن رأيه. وبذلك فإن مواثيق حقوق الإنسان والقوانين لم تكن منشأ لهذا الحق وإنما منظمة له فقط.
وكذلك توجد علاقة وثيقة بين تطبيق القانون والحرية حيث أن اغلب البلدان التي يوجد بها اهتمام بحرية الرأي والتعبير توجد صرامة بتطبيق القانون. توجد بعض المحددات لحرية التعبير وضوابط بعضها قانونية وعرفية حتى يمكن أن نميز بين هذا الحق وبين الفوضى في ممارسة هذا الحق والطريق السليم لممارسة هذا الحق. بسبب عدم وجود ثقافة تقبل الرأي الآخر. وكذلك ضرورة المحافظة على الأمن القومي للبلد أثناء التعبير عن الرأي وهذا يعتبر من مبررات تقيد هذا الحق بما يحفظ كيان الدولة وسيادتها. وكذلك حتى يمكن أن نميز بين القذف والسب. وهذا يؤدي بنا إلى القول ضرورة وجود موازنة بين أمن الدولة وبين حق الفرد في ممارسة هذا الحق.

الباحثة سامية بن يحي، باتنة/الجزائر:
إن الحديث عن حرية التعبير وفق المنطق الليبرالي العلماني يجعلك تتوقع أنك قادر على قول وفعل كل ما يخطر ببالك، لكن هل تصورنا يوما ما شكل هذه الحرية التي تصل إلى حد الإساءة إلى الأنبياء -وبالتحديد نبي الإسلام محمد عليه أفضل الصلاة والسلام - وهل فعلا يمتلك الغرب حرية مطلقة؟
بالمقابل من السهل إلقاء اللوم على ديانة معينة أو اعتقاد ما، لكن من غير المعقول الانجراف بنفس القدرة إلى تحليل كل أشكال العنف المتطرف الذي يشهده عالمنا المعاصر والمعولم على أنه تصدير من طرف دين واحد وهو الإسلام، فكثيرا ما شكل الإسلاموفوبيا مفهوما خصبا لتبرئة دوائر العنف الإنساني خاصة عند الغرب، بل أصبح الإسلام مصدرا لصراع حضاري "ما يسمى بأطروحة صدام الحضارات التي تبلورت معالمه أكثر مع نهاية الحرب الباردة، وهذا يجعلنا أمام عديد الأسئلة التي تحتاج إلى إعادة تحليل منطقي أبرزها: هل تعتبر البيئة الإسلامية سببا للجوء إلى العنف؟ لماذا يركز المحللون الغرب على إبراز العنف في المجتمعات المسلمة أكثر من المجتمعات الغربية؟ لماذا يتم شيطنة الديانة الإسلامية؟ كيف تساهم الانقسامات العرقية في الدول العربية والإسلامية في تصدير وتعزيز رؤية الإسلاموفوبيا؟ هل فعلا يوجد صراع حضارات؟ هل فعلا يشهد الإسلام أزمة وفق تصريح الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون؟ ماذا يمكن أن تحمل مرحلة ما بعد كورونا لوضع المسلمين في أوروبا؟
بلا شك أثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حفيظة المسلمين في جميع أنحاء العالم بعد دفاعه عن الحق في نشر الرسوم الكاريكاتورية الدينية بحجة حرية التعبير، و إعلانه بمحاربة "الانفصالية الإسلامية" حتى ظهر ماكرون للعالم المدافع والراعي الأول لحرية التعبير والقيم العلمانية مصرحا أنها "محمية بموجب الحق في حرية التعبير، هذا الدفاع يفرض علينا استعراض أبرز القوانين التي تجيز حرية التعبير في فرنسا وأوروبا بشكل عام، إذ تعد حرية التعبير "حرية أساسية" في فرنسا بموجب الدستور الفرنسي، والإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تنص على أن "لكل فرد الحق في حرية التعبير"، بما في ذلك حرية اعتناق الآراء وتلقي ونقل المعلومات والأفكار دون تدخل من السلطة العامة بغض النظر عن الحدود، وبالتالي حرية التعبير محمية بموجب إعلان 1789 لحقوق الإنسان والحقوق المدنية، والذي تم تضمينه في الدستور الفرنسي، كما أن هذه الحرية محمية بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي تعد فرنسا طرفا فيها.
ومع ذلك، بينما يعتبر القانون الفرنسي حرية التعبير مكونًا أساسيًا في المجتمع الديمقراطي، إلا أنه لا يُنظر إليها على أنها مطلقة، حيث يسعى المشرعون الفرنسيون والمحاكم الفرنسية إلى تحقيق التوازن بين حرية الكلام والضرورات الأخرى، مثل الحريات والحقوق الأخرى، والنظام العام، حيث يتم تقييد حرية التعبير من أجل حماية الخصوصية وحماية افتراض البراءة ومنع التشهير والسب، بالمقابل يمكن تقييد حرية التعبير أيضًا من أجل حماية النظام العام، كما يحظر القانون الفرنسي أيضًا خطاب الكراهية، والتشهير بالمؤسسات الحكومية وأصحاب المناصب، فضلاً عن عدم احترام النشيد الوطني والعلم في سياق الأحداث العامة التي تنظمها أو تنظمها السلطات العامة.
وبالتالي وفق إعلان 1789 لحقوق الإنسان والحقوق المدنية لا يمكن اعتبار حرية التعبير مطلقة، بل تخضع لحدود، حيث تنص المادة 10 على أنه "لا يجوز إزعاج أي شخص بسبب آرائه، حتى الدينية منها، طالما أن إظهار هذه الآراء لا يتعارض مع القانون والنظام المعمول بهما" بينما تنص المادة 11 على أن "يجوز لأي مواطن التحدث والكتابة والنشر بحرية، باستثناء ما هو بمثابة انتهاك لهذه الحرية في الحالات التي يحددها القانون، وبالمثل تنص عليه الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، في حين يحظر قانون 1881 -بشأن حرية الصحافة - التشهير والسب الكتابي واللفظي، علاوة على ذلك يحظر القانون الفرنسي "خطاب الكراهية" الذي يُعرَّف بأنه "تحريض على التمييز أو الكراهية أو العنف ضد شخص أو مجموعة من الأشخاص بسبب أصولهم أو لأنهم ينتمون أو لا ينتمون إلى عرق أو أمة أو عرق أو دين معين"
اذن علينا أن نكون أكثر موضوعية في تقديم إجابات للأسئلة الآنفة الذكر لفهم هذه التصريحات العدائية والهجمة الفرنسية على الإسلام كما وصف ماكرون الإسلام بأنه دين "يمر بأزمة" في جميع أنحاء العالم معلنا أن الحكومة ستقدم مشروع قانون في ديسمبر لتعزيز قانون 1905 الذي يفصل رسميًا بين الكنيسة والدولة في فرنسا، و تشديد الرقابة على التعليم وتحسين السيطرة على التمويل الأجنبي للمساجد، وهذا يحتم علينا أيضا العودة إلى أحداث 2011 التي كانت بمثابة شرارة إعلان ما يسمى "الحرب على الإرهاب" وازدياد الكراهية ضد المسلمين، حتى أصبح التطرف الإسلامي عنوانا لكل أنماط العنف التي يشهدها العالم الغربي رغم أن الدول العربية والإسلامية كثيرا ما أدانت وقدمت صورا مغايرة عن الروايات الغربية حول تعاليم الإسلام الصحيحة، وأن الإسلام دين التسامح والتعايش ينبذ العنف والتطرف بكل أشكاله، لكن يأبى الغرب وبالتحديد صناع القرار السياسي عن الإصغاء وفق حجة "الغاية تبرر الوسيلة" حتى اقترن حفظ السلم والأمن الدوليين بفرضية مكافحة الإرهاب الإسلامي تحت مسميات عديدة، الإسلام الراديكالي، الجماعات المتطرفة، المنظمات الإرهابية، وغيرها، ومما لا يدع مجالا للشك أن هذه الحرب المزعومة على الإرهاب في جوهرها لم تكن إلا إستراتيجية غربية خبيثة تحمل في طياتها شكلا من أشكال التطرف، وإقصاء الآخر باسم حقوق الإنسان يخدم البراغماتية الغربية بامتياز، بالمقابل فإن الإسلام بريء براءة الذئب من دم يوسف من الفكر المتطرف، وكل من يتبنى العنف والإرهاب تحت لواء الدين الإسلامي، بل ينبذ كل التشوهات الفكرية العنصرية المقيتة، ومن هدي القول أن تاريخ الإسلام يثبت مدى إقراره للاختلاف والتنوع الثقافي واحترام كل الديانات والحريات.

الدكتور رائد الهاشمي:
1- إن حرية التعبير الرأي هو حق من حقوق الإنسان التي كفلتها القوانين والدساتير الأممية وخصصت لها فقرة منفصلة في قانون حقوق الإنسان العالمي الذي وقعت عليه معظم دول العالم وكذلك كفلتها جميع الدساتير الدينية لذا يجب أن تحترم هذه الحرية من الجميع ولكن شرط أن لا تستغل هذه الحرية في التعدي والإساءة لحريات الآخرين وبشكل أوضح ان الإنسان الذي يريد ممارسة حريته في التعبير عن رأيه في مجتمع ما يجب أن يراعي عادات وسلوك وتقاليد هذا المجتمع وعندما يشعر بأن ممارسته لحريته قد يتقاطع مع هذه التقاليد فيجب أن يحترمها ويتعامل بإنسانية مع هذا المجتمع
2- إن التصدي للسلوك الفرنسي للإساءة لنبينا المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم يجب أن يكون بتعقل ولا نقابل الإساءة بالقوة والإرهاب لأنها تصرفات غير مقبولة ونتائجها خطيرة تعدد السلم المجتمعي في جميع البلدان ولكن بنفس الوقت يجب عدم السكوت على هذه الإساءة وان لا ندعها تمر بهدوء، فيجب أن يتم التحشيد إعلامياً على رفض واستهجان هذا التصرف المشين الذي يطال رمز مقدس لأكثر من مليار ونصف مسلم في العالم ومحاولة أخذ آراء المثقفين والشخصيات المعروفة عالميآ والتي ترفض هذا التصرف، وكذلك أن تكون للحكومات الإسلامية موقف حازم وشديد من هذه القضية ويحب عمل برقيات استهجان وتنديد ريمية اسلم الى سفراء فرنسا في بلدانهم وكذلك اللجوء الى قضية مقاطعة المنتجات الفرنسية له نتائج مؤثرة على الاقتصاد الفرنسي وأؤكد على رفضي القاطع لأسلوب الرد بالقوة والإرهاب لأن ديننا الحنيف دين محبة وسلام.

الباحث حسن كاظم السباعي:
مبدئيا؛ لابدَّ أن نعرف أن ما يجري في فرنسا أثبت فشل النظام العلماني الحالي أو بعبارة أدق أثبت نقصانه، ذلك أن النظام الجمهوري القائم جاء نتيجة الثورة الفرنسية المطالبة بالحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية وبكلمة واحدة؛ الكرامة الإنسانية. أمّا العلمانية الحالية -إن صح تعبير العلمانية- فقد غفلت أو تغافلت عن أهم عنصر لدى الإنسان وكينونيته الطبيعية والمعبّر عنها في النصوص الدينية بـ "الفطرة"، وفي القاموس السياسي والاجتماعي بـ "الضمير الإيماني؛ The conscience of faith "الموجود في كوامن الفرد وهو جزء لا يتجزأ من شخصية الإنسان، ومن يعادي هذه الميزة أو الخصوصية الفطرية، فهو كمن يعادي لون بَشَرته أو عِرقه أو قوميته؛ أي لا فرق بينها وبين العنصرية المقيتة والمبغوضة، والتي كانت مقننة في زمنٍ من الأزمنة في أفريقيا الجنوبية والمرفوضة الآن حتى من قبل بعض المجتمعات التي تمارسها..
من هنا فلا فرق بين ما قام به الشرطي الأميركي بحق جورج فلويد، وبين ما قام به المعلم الفرنسي أو المجلة الفرنسية من قبل بحق المنتمين لديانة ما، غير أنّ ذاك قد مارس قدرته البوليسية، وهؤلاء مارسوا أو سوّغوا (الثقافة) البوليسية، فكانت الأولى مرفوضة حسب القانون، أمّا الثانية (مقبولة) لأسباب سياسية، إلا ان كلاهما ضد الطبيعة والكرامة الإنسانيَّتين، فإذا كان لا يجوز السخرية أو الطعن بسبب لون الفرد أو عِرقه تحت أي مسمى كان، فكذلك لا يجوز أن نقدِّم "الدين" قربانًا على مذبح "حرية التعبير"، و اذا جاز لهؤلاء أن يتبنوا قانون حماية القومية السامية فلماذا يستكثرون الدعوة إلى إحترام القيم الدينية؟، مما يدل على فقدان المصداقية والموضوعية حتى في مجال حرية التعبير.
وعليه؛ فإنَّ الأصالة والقاعدة في "الدين" لا في "اللادينية" باعتبار أن الدين جزء من طبيعة الإنسان وهتكه يسبب الحط من كرامة الإنسان، ولذلك نرى أن بعض المجتمعات أدركت هذه الحقيقة فمنعت الإساءة للمعتقدات الدينية من خلال قوانينها وحفظتها من دوامة الاستفزاز والعنف القائم حاليًا في فرنسا.
ونموذج بعض المجتمعات الأُوروبية أو المجتمع الأميركي خير مثال على ذلك، حيث أدركوا ما للدين من أهمية في الحياة العامة، والحرية التي تستحق الحماية القانونية هي الحرية التي تحترم قيم المجتمع.
من هنا ؛ فإن الحلقة الأخيرة من مسلسل الاستفزاز والعنف في فرنسا ليست إلا نتيجة الليبرالية أو الحرية الناقصة، فوضع حد أمام الإساءة للأديان لا يقيّد الحرية وإنما يكملها، فحدودها كمالها، فإن تكاملت لن يحصل أي إضطهاد بحق الإنسانية.
أما بالنسبة إلى كيفية التصدي للسلوك الرسمي الفرنسي المعادي لحرية الاعتقاد؟
على الجهات المتصدّية؛ أن تخاطب الدولة الفرنسية لا من باب الدفاع عن الإسلام أو الدين أو المعتقد، وإنّما من باب احترام قيم الجمهورية ومبادئ الثورة الفرنسية وحركة التنوير التي صارت رمزًا ومنارًا لمن يطالب بالعدالة والحرية والكرامة الإنسانية. فالسلوك الفرنسي الحالي يخالف تلك الأصول التي على أساسها بني المجتمع الفرنسي، وباتت الجهات الرسمية تمارس الاضطهاد والديكتاتورية لا بحق بالدين والمتدينين وإنما بحق الفطرة الإنسانية التي خُلق الإنسان معها كما خُلق مع سائر مواصفاته الخَلقية من لون ودم وما شابه.
لذا فإنّه لابد من المطالبة بالحقوق المهدورة وحق الكرامة والطبيعة -في الدين واللون والعِرق- ورفع الاضطهاد بوسائل سلمية وأساليب مدنية بحتة بعيدة عن أي عنف أو استفزاز متقابل، ذلك لأنَّ أي أُسلوب عنف سوف يناقض تلك القيم المتّفق عليها من قبل كل صاحب كرامة إنسانية، وعليه فكيف لمن يطالب بكرامته الإنسانية أن يمارس عملًا يناقض هذه الكرامة!، فالغاية لا تبرر الوسيلة، أو حسب القاموس الديني: "لا يُطاع الله من حيث يُعصى"، فإذا كان الطرف المقابل يكيل بمكيالين ولا يراعي الحقوق، فعلى الطرف المضطَهَد أن لا يحذو حذو المضطهِد، خاصة إذا كان يؤمن بالقيم الدينية وهي الأعلى والأنبل من قيم الثورة الفرنسية.
وبناءً على هذا الأساس فإنَّ أي رد فعلٍ تجاه أي استفزاز أو انتهاك لابد أن يكون أخلاقيًّا وبالتي هي أحسن وبمستوى خُلُق الأنبياء خاصة بمستوى من قيل فيه: "فبما رحمةٍ من الله لِنت لهم، ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك.."، و"يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم".
كما يمكن للأحداث الباريسية الأخيرة أن تتحول إلى فرصة تُستثمر في تعريف مبدأ "اللاعنف" بجميع جوانبه: العنف باليد، والعنف بالقلم، والعنف باللسان. فالاستفزاز كان عنيفًا جدًا من قبل أصحاب الكاريكاتير، وهذا العنف أدى إلى رد فعلٍ أعنف، وكل ذلك مرفوض بالتأكيد.

الدكتور ضياء عبد الله الجابر:
من المسلمات والبديهيات المعروفة منطقا وقانونا لا توجد حرية مطلقة، بدون تنظيم او قيود قانونية، فالحرية المطلقة تقود للاعتداء على حقوق وحريات الآخرين، فهي مفسدة وتقود إلى الفوضى وتؤدي إلى بث الكراهية ونشر العداوة والبغضاء بين الأفراد والمجتمعات والشعوب، الأمر الذي ينعكس سلبا على الأمن والاستقرار المجتمعي، وبشكل يهدد السلم والأمن المجتمعي بشكل صريح وواضح، وقد تكون من نتائجه إراقة الدماء او المساس بسلامة الأشخاص وحرياتهم.
ومن بين الحقوق أو الحريات التي يتمتع بها الإنسان حرية الرأي، والذي يتم التعبير عنه بواسطة وسائل متعددة منها المقروء والمسموع والمكتوب، فأصبحت حرية الرأي والتعبير متلازمتين، بحيث تعرف احدهما من الأخرى، وتحتاج أولهما للثانية، فهما وجهان لعملة واحدة (الحق في حرية الرأي والتعبير).
فحرية الرأي والتعبير تعني وباختصار شديد حرية التعبير عن الآراء والأفكار والمعتقدات عن طريق استخدام إحدى وسائل التعبير المسموعة ام المقروءة ام المكتوبة، تقليدية كانت ام حديثة، بعيدا عن الرقابة الحكومية ووفقا للقانون.
لكن هذا الاستخدام يجب أن يكون بحدود ما سمح به القانون وأجازه بعيدا عن المساس بحقوق وحريات الآخرين، فمن يستخدم حرية التعبير والرأي يجب أن لا يتجاوز على حقوق وحريات غيره من الأفراد او الفئات او الطوائف او الديانات او القوميات، وإلا كان ذلك تعديا يجرمه القانون ويحاسب مرتكبه، ويضع له الجزاءات المناسبة.
وما صدر من بعض الأشخاص في فرنسا، وردده ودافع عنه رئيس الدولة الفرنسية هو صورة من صور التجاوز الفاضح والخروج غير المبرر على حدود ونطاق تلك الحريات التي نصت عليها العديد من الإعلانات والمواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية (إعلان حقوق المواطن الفرنسي 1789، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام1948، الميثاق الأوربية لحقوق الإنسان 1950، العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966، الميثاق الأمريكي لحقوق الإنسان 1969، وثيقة اليونسكو للمبادئ الأساسية الخاصة بإسهام وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي، الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان 1979، مبادئ جوهانسبورغ حول الأمن القومي وحرية التعبير، الميثاق العربي لحقوق الإنسان 2004،، وأكدتها وكفلتها الدساتير العالمية وبنصوص صريحة وواضحة لا غموض او لبس فيها، ومنها الدستور الفرنسي "دستور الجمهورية الخامسة لعام 1958 المعدل".
إن مثل هكذا سلوك مخالف للقانون يتطلب منا كمسلمين ومن الدول الإسلامية، عموما، ومن الحكومة العراقية خصوصا موقفا موحدا تجاه ذلك، ليشعر من صدر منه مهما كانت صفته ومركزه ووصفه الوظيفي انه ملاحق وسيحاسب قانونا، من قبل دولته أولا، ومن قبل الدول الأخرى أيضا، لاسيما الإسلامية منها، والأمم المتمدنة التي يجب عليها إدانة مثل هكذا تصريحات تهدد الأمن والاستقرار، وتبث روح الكراهية بين الأمم.

الدكتور حسين احمد السرحان:
1- تبقى حريات الافراد والمؤسسات محددة بحدود حقوق وحرية الاخرين، وهذا هو الحد الفاصل. فالاساءة باستخدام الحريات والتعبير هو تجاوز على الآخرين. ويرى البعض انه مناداته بالحريات وضمانها وحرية الاعتقاد وانها انظمة سياسية ترعى الحريات، تخوله المساس بمرتكزات واساسيات الاديان الاخرى. وهذا بحد ذاته هو ازدواجية تنسف مصداقيته امام جمهوره اولا وامام من يقابله. وهنا لابد من توافر ادراك واعي لحدود التعبير عن الرأي وان يتم تجنب خطابات الكراهية او أي مساس بمعتقدات الاخرين.
2- التصدي لهذه الظاهرة يكون بالتعريف بالمبادئ السمحة لديننا الحنيف وتقويض أي جهد يمكن ان يسبب الاساءة للمعتقد وهنا يأتي دور الاعلام والتثقيف بالاتجاه الذي يعزل السلوكيات المنحرفة والتي تسبب الارهاب والتخويف للمختلفين دينيا.
الامر الاخر تظهر الحاجة باستمرار الى السلوك العقلائي والعقلاني الذي لا يسيء للدين الاسلامي في التصدي لمن يقوم بالإساءة وعلى اصحاب أي معتقد ان يدافعوا عن معتقداتهم بموضوعية ومهنية قائمة على تقبل الآخر وابراز المشتركات. وهذا السلوك كفيل بأن يوضح المفاهيم والقيم الانسانية للدين الاسلامي وتجعل الرأي العام العالمي والمحلي في أي مكان هو من يرفض أي اساءة تجاه أي معتقد.
فالأفعال الاجرامية والارهابية الفردية والتنظيماتية والمواقف الحادة التي ظهرت من قبل مؤسسات رسمية ودينية وافعال فردية تساهم في ترسيخ الاساءة وتجعل لها مضاعفات لا تختلف عنها وقد تتكرر من دول اخرى كما حصل مؤخرا في فرنسا. فالأفعال الاجرامية دفعت العديد من المسؤولين الى تأكيد الاساءة واظهارها على انها انتقاد لمعتقد اخر من دون قصد الاساءة.

الباحث جميل عودة:
لا ينبغي النظر إلى موضوع الإساءة التي تتعرض لها الرموز الإسلامية بين الحين والأخر، ومنها الإساءة إلى نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله من الباحثين والمؤرخين والمفكرين والإعلاميين والسياسيين بمنظور حرية التعبير والرأي فقط، ولا بمعزل عن مسبباتها الظرفية، سواء ما كان يتعلق بالدين الإسلامي نفسه، أو ما يتعلق بسلوك المسلمين، أو ما يتعلق بعلاقة الغربيين بالإسلام والمسلمين من الناحية الفكرية أو السياسية أو الاقتصادية.
1. من حيث الدين الإسلامي: فالغرب المسيحي لا يحبذ نشر قيم الإسلام ومثله في البيئة الغربية، ولا يريد أن يظهر الصورة المشرقة لنبينا صلى الله عليه وآله، والرموز الإسلامية التي تركت أرثا حضاريا وإنسانيا كبيرا كالإمام علي عليه السلام والأئمة الأطهار، بل من مصلحة القيادة الدينية المسيحية أن يظهر الإسلام ونبيه بصورة مشوهة ومغلوطة لا تتحملها البشرية في عصرها الحاضر، فمن يجمع أحاديث المروية عن علاقة النبي بالنساء في كتب التاريخ الإسلامي يخجل من تلك الأفعال فما بال غير المسلم.
لذا عمل المسيحيون المتدينون منهم على الاستفادة من النصوص الحديثية التي كانت تصور النبي وبعض الرموز الإسلامية أبشع أنواع التصوير من قسوة وشهوة وسلوك منحرف لا يرتضيه الإنسان السوي، وجرى تسويقها في البيئة الغربية.
2. من حيث سلوك المسلمين: فواضح أن بعض المسلمين، لاسيما بعض رجال الدين قد أعطوا صورة مشوهة عن الدين الإسلامي، سواء من خلال أفكارهم الهدامة المنحرفة أو من خلال سلوكهم المشين في التعاطي مع الأحداث والوقائع الحياتية، فليس الغربيون وحدهم من تولدت لديه فكرة سيئة عن هذا الدين وعن رسوله وأئمته، بل المسلمون أنفسهم ابتعدوا عنه بالنظر إلى تلك الأفكار والسلوك الذي يمثله بعض رجال الدين، وفتاواهم قد ساهمت في إشاعة الإرهاب الذي يقوده الشباب المسلمون، ليس ضد الغربيين المسحيين بل ضد أبناء جلدتهم فكفروا الجميع بلا استثناء. حتى أن الأعمال الإرهابية لا ترتكب من المسلمين أنفسهم.
3. إن أعمال العنف التي ارتكبها المسلمون في الغرب والشرق على حد سواء كانت ماثلة أمام الغربين جميعا، شعوبا وحكومات ومنظمات مدنية ومؤسسات إعلامية، وكان من الطبيعي أن تكون ردة فعل المجتمعات الغربية مثيرة إلى حد التجاوز على رسول الإسلام صلى الله عليه وآله. فكل جرائم القتل والسرقة والسلوك المنحرف ترتكب باسم الدين الإسلامي حتى لو لم يقصد الفعال ذلك، فكل من ينتمي للإسلام ولو شكلا، ويرتكب جريمة ما يُنظر إليه على أنه مسلم، وأنه ارتكب جريمته على هذا الأساس.
4. إن حرية التعبير والرأي ليست هي القيمة المطلقة، ولن تكون كذلك عند الغربيين ولا عند الشرقيين بل هي قيمة معتبرة مازالت لا تمس أصل النظام السياسي أو الديني، ولا تتعرض للقيم التي تؤمن بها المجتمعات، فان فعل أحدهم ذلك ونال من هذا الدين أو ذلك النظام السياسي في فكره أو رموزه فان ردود الفعل المعارضة تأتي سريعا، ولا اعتبار لأي حرية الرأي هنا. أريتم ردود فعل بعضنا حين يتعرض شخص لقائد ديني أو سياسي بالنقد ماذا يحصل له؟
5. إن الدفاع عن ديننا ورموزنا الإسلامية لا يأت بردود فعل سلبية ولا بأعمال عنف بحق المسيئين، بل يأت بالحوار والأخلاق والسلوك الحسن، ويأت بتصحيح موروثنا التاريخي والروائي، فكثير من الغربيين مفكرين أو سياسيين أو أناس عاديين لديهم صورة مغلوطة عن الدين ونبيه، إما هي مأخوذة من بطون كتب التاريخ الروائي أو من سلوك بعض المسلمين الدمويين والإرهابين.
.......................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights



التوقيع:
[frame="7 80"].

سُكْنايَ حيثُ يحكي النيلُ عن حضارةٍ عظيمة
يشُقُّ صدرَ أرضنا السمراء في عزيمة
وينحني تأدباً في (البركل) الذي يلي كريمة
عادل عسوم
www.marawinews.com
[/frame]
imported_عادل عسوم غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 06:20 AM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.