نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > مكتبات > بركة ساكن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-11-2008, 01:38 PM   #[61]
أسامة الكاشف
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية أسامة الكاشف
 
افتراضي

المرأة (حتى الآن على الأقل) عصب الرواية
هي الفاعل الأصلي
الأم ، ألم قشي، الصافية ، العازة ، أداليا دانيال وغيرهن
الصافية الوحيدةالتي دخلت دائرة الفعل العام
الباقيات كرسن أنفسهن للمعايش
في مجتمع يبدو فيه الرجل غير فاعل اجتماعيا
اقتصاديا يتشارك المرأة والرجل الفعل
نساء بركة لهن ألق خاص
كل منهن لها جاذبيتها الخاصة
"كل النساء جميلات"
العلاقات الجنسية العابرة سمة جمعت بينهن
هي نتاج طبيعي للمجتمع المتغير المتحرك
الرجال يأتون ويذهبون والنساء باقيات
"هنا النساء أما أن يعملن كجنقوجورايات، صانعات خمور بلدية، أن يدعرن أو يمارسن أكثر من مهنة في وقت واحد، وكلها لا تجدي مع ألم قشي، قبل أن تتزوج كنت أراها تنفع لذلك كله، حتى العهر ولقد مارست معها ذلك، وكانت تعجبني كداعرة، أو بغي تعرف كيف تقدم متعة الشئ للرفيق"
تسمية "ود أمونة" تدل على قوة حضور المرأة
أكثر من "كسرته الأنثوية"
سطوة الأم وقيادتها الخفية لهذا المجتمع
وتوزيع الأدوار
تدعم ما ذهبنا إليه
هل سيتواصل فعل الصافية الإيجابي؟
هل نهب الطريق أسلوب للتعبير عن الرفض؟
إلى أين تقودنا يا بركه؟



أسامة الكاشف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 24-11-2008, 07:03 PM   #[62]
عبد العزيز بركة ساكن
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية عبد العزيز بركة ساكن
 
افتراضي


وَدْ أَمّونَةْ وَحدُه الذِي يَلّمُ
بأطْرَافِ القُوَالاَتِ.

ود أمونه المراسلة بالبنك وحده الذي يلم بأطراف القوالات والحقائق، وربما كان أحد صانعي الأحداث الكبرى في الحلة، كان الموظفون يولونه اهتماماً بالغاً، بل يصل لحد التدليل، وما ذلك إلا لقوة المعلومة وسلطة المَعْرِفَة النادرة التي يتمتع بها، أو ما يحلو للبعض إطلاق عليه جملة: المعرفة السريرية، كانت أمه أمونة في بِداية حياتها، عندما قَدمت من القضارف، التي جاءتها كَمَا يَقولون من أقاصي غرب السودان؛ تَعْمل في المشاريع مع الجنقو.. كانت تأخذه معها وهو صغير إلى المشاريع، و مثل أطفال صديقاتها، تتركه تحت ظِل ضيق من القصب والعدار، فارشة له على الأرض ملاءة قديمةً عليها بعض البلح أو قطعة حلوى يُشاركه فيها الذباب والنمل، وقد تعلم ود أمونه منها درسه الأول:الصبر من النمل والخِسة من الذُباب، سريعا في بلد يكبر الأطفال فيها سريعاً، إذا لم يموتوا وهم دون الخامسة أو في بطون أمهاتهم، تربى وسط ثلاث بنات كلهن اصغر منه عمراً، أخوات امه، لحقن بها بعد أشهر قليلات من إقامتها بالحلة، استقر المقام بهما في السٌعودية، لقد بهرن بجمالهن و شبابهن و نضجهن، قاماتهن و لونهن، امرأة تعمل في السُعودية بحلة تُسمى الكرنتينة بجدة،تجيد استثمار الصبيات، ولو أنهن كن قاصرات، ولكن التاية أقنعت أمونة بأن من مصلحتهن أن يكبرن هنالك،وهي تعرف كيف تصنع منهن ربات جمال وهن في هذا العمر،التربية الجيدة في الصغر هي ضمان النجاح في الكبر، وأن يكبرن على عز ورفاهية خير من أن يعشن في هذا الذل ليوم واحد آخر، وسوف تجد لهن العمل المُريح الشَريف الذي يتناسب مع أعمارهن، بالتالى حالما غادرن الأسرة و لم يُسمع لهن صوت، ولسوف لا يسمع أصواتهن ود أمونة؛ إلا بعد شهرين أي عندما يتم إفتتاح شركة الأتصالات رسمياً، وهو اليوم نفسه الذي يتصل فيه بأمه و العازة أيضاً.إذا يمكن القول إن ود أمونه لم يعش بصورة متواصلة إلا مع أمه وجها لوجه. أمونه امراة جميلة من كُردفان، وهو المكان الذي دائماً ما تطلق عليه هي: أقصي الغرب. ليس من السهل أن نصدق كلما نسمعه ويحكى عنها وعن أصلها، ولا يكن القطع عن المهن التي تنقلت إليها، و لا الرجال،ولكن عرف عنها أنها مترددة سجون، ويترصدها بعض العسكر الذين يرجون منها وطراً و تصدهم، وهي أيضا امرأة شرسة، و شجاعة: ألم نقل أنها جميلة أيضاً؟. ومن المؤكد أن ود أمونة لم يرث من أمه شيئاً، سِوى لون بشرتها، هذا إذا لم يكن أبوه هو اليماني، ويقول الناس من المفترض أن ينمو ود أمونة نُمواً رجولياً بَحتاً، نِسبة للظروف القاسية التي عاشها مع أمه في السجن و في المشاريع، ولكن لله في خلقه شُئوون، ولكن وفقا لحكمة قديمة هنا.. النَارُ تَلدُ الرمَاد،لا يَسْتَبَعَدْ أَحَدٌ أنّ أمُونَةْ هِي أُمْ وَدْ أمُونَةْ !!
قبل عمله في البنك كمراسلة؛ كان يعمل بمنزل الأم أدى في مهنتين، خدمة الأم والنساء العاملات معها في المراسيل السريعة.. مثل جلب الدقيق من الطَاحُونة.. شراء رطل سكر وبن من الدكان..خدمة الزبائن و الضيوف، تسخين الماء وجلب الحطب وأيضاً كان يعمل في هوايته المفضلة هي: عُواسة و صُنع الكِسرةِ، وهي مهن شريفة إذا قِيست بطريقة أو أخرى.. ولكنه أيضاً كان يعمل في مهنةٍ ليست شائعة، في تقدير كثير من الناس ليست بالشريفة وهي ؛ نظافة الملاين لكبار الموظفين والتجار والنساء الثريات.. كان نظيفاً وأنيقاً في ملبسه البسيط النظيف، له شاربٌ كثيفٌ وذقن حليقة باتقان تام.. تجده في كل البيوت في المناسبات الأسرية وغير المناسبات ويعتبر الفرد الوحيد الذي له حق دخول أي منزل في الحلة، وقتما شاء حيثُ لا يحسُ أحدٌ به، كان خفيفاً كالروح؛ طيباً.. مسالماً،مغنياً بارعاً و خاصة لأغاني البنات، يجيد رسم الحناء للنساء، و ترقيص العروس وذلك منذ أن كان في السادسة عشر،له ابتسامة ترافقَهُ دائماً. كان يعرف كل صغيرة وكبيرة عن كل صغير وكبير، ولا يَبْخل بِسِرٍ ولا يَحَفَظُ سِراً ولا يُخْفَي عليه سِرٌ، بالأمس الآن وربما في المستقبل. إستلطفهُ البَنْكِيون فأُستخدم لخدمتهم في البنك كمراسلة حيث رشحته لهم ألم قشي.
أما الآن فود أمونة شخصٌ مختلف قليلاً عنه قبل الوظيفة، وربما لطبيعة العمل الجديد وانه يقضي ثمانية ساعات يومياً طالعا نازلاً سلالم البنك، حيث اصبحت له اهتمامات أخرى إضافية، مثل التلصص على حسابات العُملاء ومعرفة : من يمتلك كم.. سحب كم.. أورد كم؟ وهي لشخص غير ود أمونه تعتبر مهمة صعبة، ولكن لهذا الأمي الذي لم ينل من فصول العلم سِوي شهور ضئيلة يسرتها له العازة في أيام حريتها القلائل، من الحيل ما يمكنه دائماً من اشباع طموح المعرفة التي يحتاج اليها في ونساته الليليه في بيت الأم او مع النساء في بيوتهن أو حتى ونسة لتحلية نظافة الملاين لرجل ما، حيث أنّ العمل غير شيق، فلابد من تسويقه بحيل مدهشة:
-عارف الليلة الجلابي حسين خت كم في البنك ؟
ولكن ود أمونة شخصٌ ماكرٌ، فإنه يعرف متى تصبح معرفة رصيد العملاء تجارة رائجة، ويعرف مَنْ بإمكانه دفع مبلغٍ كبيرٍ في الحصول عليها.. هم: الدائنون وأحيانا أقارب الأثرياء، وتحتاج إليها نساء السوق في أحايين كثيرة، أما المعرفة التي تجعله يشعر بمتعة الونسة وعظمة وسلطة المعلومة ويهبها مجاناً ويستطيع أن يدفع مقابل أن يُصتنط اليه باهتمام، وأن يُعْلّق بإعجاب على كلامه... هي المعلومات السريرية.
- فلان وفلانه..
وكم اشترى مريسة وعسلية للفدادة، وكم علبة سجائر برنجي قُسمتْ للنساء، وكم من المشويات بُذِلتْ في سبيل قَعْدَةٍ وونسة حلوة يستعرض فيها ود أمونه بمعلوماته السريريه النادرة، التي قد يقع أحد المستمعين يوماً ما ضحية لها.. قد يكون موضع الونسة فيما يُشبه الندوة، ولكن هكذا يقول الجميع: فلنستمتع بحكاية الآخرين اليوم. ولكن الصفة غير الحميدة حقاً؛ هي القطيعة و النميمة،وهي من صفات ود أمونه التي لا يُحسد عليها، وهي أيضاً بمقابل، حيث يدفع الرمَالِيون والوداعِيون والفُكيا الكذبة، مبالغاً كبيرةً في سبيل الحصول على معلومات عن مرضاهم، ماذا يدور في أذهانهن فيمن يَشكون أنه سبب المرض.. ما هو تصورهم لعلاجهم، بل ما هي وُجهة نظرهم في المداوي نفسه.
مازال رغم انشغاله؛ ود أمونه وفياً لأدي، ويقدم لها خدمة نظافة ملاين شهرية مجانية، كان يرى ويعلق أن أدي لها أحلى عبق مَلاين وخاصة ما بين الساقين، حيث أنه دائماً ما يفرق بين الناس بما تفرزه ملاينهم من روائح ويقول:
-الرائحة الحلوة قسمة من عن الله. أما إنت زُول ريحتك حلوة؛ أو زُول ريحتك عفنة... والعياذ بالله..
ظهرت مهنة تنظيف الملاين مع ظهور البنك وشركة الإتصالات وقدوم موظفي طُلمبة المواد البترولية وانشاء محلية حديثة وتوظيف عدد من خريجي الجامعات القادمين من المُدن الكبرى كضباط إداريين، ثم توسيع حامية الحِلة ومدها بِضباط حربيين في رتب كبيرة.. حدث ذلك في بحر العشر سنوات الأخيرة، كانت مِهْنة سِرية ابتكرها ضابط إداري منعم، قدم من امدرمان، قابل ود أمونه صدفة ذات يوم في منزله يضع حلوى تنظيف الشعر الزائد لزوجته من السُكر والليمون والقَرَنَفُل، وهي خلطة اشتهر بها ود أمونة في تلك الأنحاء من الشرق. ومنذ النظرة الأولى لمظهر ود أمونة الخارجي، وطريقة كلامه ولو أن شاربه ينبئ بذكورية بغيضة، إلا أن خبرة الضابط الإداري، استطاعت أن تنفذ إلى ما وراء الرموز، وبكل شجاعة طلب من ود أمونة، عندما يكمل صُنع الحَلوى ينتظره في الديوان، ثم عند الديوان حكى له عن عبده زهرة، الذي كان يقدم له وللمسؤولين الكبار والوزراء وأصحاب الشركات التي هي الآن ملء السمع والبصر، بل لرؤساء سابقين أيضاً، خدمة لا تُقدر بثمن، وأنه افتقده الآن في: البلد الكَُرور دي، بلد إذا ربطوا فيها الحِمَار؛ يقطع الحبل ويهرب..
وتفهم ود أمونه سر العلاقة ما بين اسمه وعبده زهرة الذي ربما يكون اسماً آخر، ولكن حوَّره الضابط الأداري الذكي لكي يقرّب مسافة الفهم لود أمونة، شك ود أمونة في باديء الأمر في نوايا و مقاصد الرجل، و ظنه يريد خدمة سَرِيريّةٍ مُريبة،ولكن بحمد الله تَمّ إلتقاط الفكرة، إلا أنّ ود أمونة لم يقم بهذا العمل من قبل.. فأنَّى له !!!
- حأعلمك.. دي مهنة تجيب الدهب.. وهي برضو مِهنة شَريفة.. زي عمل الحلاق وتحتاج لفنيات بسيطة..
ثم أخذ الضابط التنفيذي يصطاد الزبائن لود أمونة، حتى يخلق له سُوقاً تجعل من وظيفة ود أمونة وظيفة مُستدامَة، لها جمهورها وسُوقُهَا وسُوقَتُها، حتى لا ينصرف عنها ود أمونه..




صَيْدُ الحَلُوٌفْ.

أصبحت الأعشاب عالية، كأعلي ما يكون، الخريف في هذا العام كان مكتملاً، و الأمطار غزيرة، مما أدى إلى توقف المواصلات من و إلي كل المدن و القُرى، مما خلق ندرة في موارد الغذاء، حيث كنا نعتمد علي اللواري السفرية في مدنا بما نحتاج إليه من دقيق، يرسله لنا الأصدقاء أو التجار، إتفق الجنقوجورا الذين معي في التاية بأن نقوم بصيد الحَلُوٌفْ، وهو الخنزيز البري،لكي لا نموت من الجوع، وهو حيوان متوفر في تلك الأنحاء، و على الرغم من صعوبة وخطورة صيده، إلا أن كل جنقجوراي يدعي أنه الأكثر مهارة في صيد الحَلُوٌفْ، و يحفظ حكايات شتى تبرر إدعائه، كان معي بالتاية خمس من الجنقو، أنا و مختار علي و عبدرامان البلالاوي الذي تزوج قبل شهور من كلتومة بت بخيتة النوباوية، و مازلنا ندعوه بالعريس، ورجل كان يعمل بالجيش سنوات طويلة وهو الآن بالمعاش نسميه حِمْرِيطِيْ، و لا نعرف شيئاً آخر عن اسمه، و امرأة شابة اسمها حواية بت الملايكة، أنا إعترف بأنه لم يحصل لي شرف صيد هذا المخلوق أو أكله، بالتالي لم أكن طرفاً في النقاش الحاد الذي دار بين الجنقو بما فيهم بت الملايكة، عما إذا كان الحَلُوٌفْ يَدَخُل و يخرج من حفرته بمؤخرته أم برأسه أولاً؟
و إحتد النقاش لدرجة أن وصف بعضهم البعض بصفات مثل:هَوانْ وتعيس وود البُقُسْ. شربنا ما توفر لنا من أمبلبل،وحملنا فئوسِنا و سكاكيننا، و توغلنا في الغابة، الحَلُوٌفْ كما هومعروف؛ حيوان ضخم، قد يكبر إلي أن يصبح في حجم عجل البقر مع قوةٍ و قِصَرٍ في القوائم، له أظافرٌ قويةٌ صلبةٌ و نابان معكوفان حادان بارزان كأنهما قرني ثور، في نهايتي فمه، يستعملهما دائماً في الدفاع عن نفسه، و ضربة و احدة من أي من النابين يمكنها أن تقتل الضبع بشق بطنه إلي نصفين، لذا كل الحيوانات تتجنب الدخول في معركة مع هذا الحيوان الغابوي ذي اللحم اللذيذ الممتنع، وعدوه الوحيد هو الجنقوجوراي،الذي يبتكر الحيل في الأيقاع به، ولكن الجنقو قي ذلك اليوم كانوا منشغلين بإثبات أحد الأمرين، أكثر مما كانوا منشغلين بتوقيع الحَلُوٌفْ في الفخ، كلا الطرفان يريد أن يبرهن بأنه الأعرف بالحَلُوٌفْ، ما عدا أنا، كنت أريد لحماً يكفي إطعام فريق العمل لأكثر من إسبوع، أو إلى أن تجف الأرض وتستطيع اللواري السير،وكنت انبههم بين فينة وأخرى على أهمية التركيز في صيد الحيوان، ولكنهم جميعاً أتفقوا على أنهم سوف يصطادونه علي أية حال، ولكن بعد أن يتأكدوا في كيفية دخوله لحفرته، لأن الأمر أصبح موضوع كرامة وتحدٍ، ووجدنا بيت الحَلُوٌفْ، وقال الجنقو العارفون به:إنه قريب جداً من بيته، أثره و رائحته يدلان على ذلك، وحددوا بأنها الأنثي ووحدها، هذا كان متفق عليه من الجميع، ودون مغالطات أو تشكك و لا حتى إحتمالات. طلبوا مني أن أبقى بعيداً، ويستحسن أن أصعد شجرة لالوب قريبة،أي أن أبقى أبعد ما يكون حتى لا يصيبني الحيوان الشرس الغبي، فإصاباته بالغة في كل الأحوال، توزع الجنقو الثلاثة بطريقة مدروسة حول الحُفرة، و طلبوا من بنت الملايكة أن تبحث عن الحيوان متتبعة رائحتة و أثره، وعندما تجده ما عليها سِوى أن تقف في الأتجاه المعاكس لوجره و أن ترميه بحجرٍ من على بَعدٍ كافٍ، فسوف يهرب الحيوان عائداً مباشرة إلى بيته، وهنا يتنظره الجنقوا ليتأكدوا من الطريقة التي يدخل بها إلي وجره، أبرأسه أم بمؤخرته؟ ثمَ بعد أن يدخل؛ سوف يعالجون مَسأله صَيده، ولو أن صيد الحَلُوٌفْ لا يتم بتلك الطريقة؛ كما أخبرني مختار على وتعلمت فيما بعد، أنه يتم بأن يُغْلَقْ أو يُسَدْ مدخل جُحره بحجارة و أشواك و أحطاب كبيرة و ضخمة، وعندما يأتي الحَلُوٌفْ مندفعاً، لدخول وجره، فإنه يُفاجأ بأن باب حُفْرته قد تَم إغلاقه، فيتردد بعض الشيء ليرتب أموره أو يحدد وجهة أخرى، هنا يهاجمه الجنقو ضرباً بالفؤوس، إلى أن يموت.
خَطَرتْ فِكرة لا يعلم أحدٌ ما هي؛ إلى ذهن عبدارمان البلالاوي، وسوف لا يعلم ماهيتها أحدٌ فيما بعد. على مرآى من الجميع تحرك من موقعه خلف شجرة كبيرة، حيث يختفي، خلف حفرة الحَلُوٌفْ، تحرك نحو الحُفْرَة، كأنما كان يريد أن يتأكد من شيء، قال البعض إنه ربما أحَسّ، بِحركة الحيوان في الداخل، لأنه كان أقرب الناس إلى الحُفرة،كما أن موقعه كان أعلى حفرة الحيوان، ولكن الشيء الغريب الذي حدث هو أنه في اللحظة التي قاصد فيها عبدرامان البلالاوي وسط الحُفرة، خرج الحَلُوٌفْ الذكر مُندفعاً في جنون نحو الخارج، وصادف عبدرامان أمامه، فصدمه برأسه القوي الضخم، أو أخذه: لقد إختلف الجنقو في هذا الأمر كثيراً، و أندفع به نحو الغابة في رعب وسرعة فائقتين، وبدون تفكير، إندفعنا جميعاً، خلفه، في محاولة لإنقاذ عبدرامان المسكين الذي لم يجد الوقت الذي يصرخ فيه، لقد فاجأه الحيوان مفاجأة تامة، كنا نتوقع أن يسقط من الحيوان في كل لحظة و أخرى، إلا أننا ظللنا نجري في أثره إلى ما يُقارب الساعة، إلى أن أُرهقنا تماماً، ولكن أثر الحَلُوٌفْ على الأرض بيناً وو واضحاً، نسبة لأن الأرض مبتلة و العُشُب كثير، وأن الحيوان يلقي بالعشب تحت قدميه وثقله وهو يمضي بعبدرامان، أخذنا نهرول خلفهما في إصرار، إلى أن إنقضي اليوم كله و كادت الشمس أن تغيب و قد ابتعدنا كثيراً عن التاية ونحن نتجه غربا خلف الحَلُوٌفْ، إلى أن وجدنا أنفسنا على مشارف جَبل عِسَير،هنالك أوقفنا رجل من الجنقوا وجدناه صدفة يتجول في تلك الأنحاء، وعندما عَرِف مقصدنا طلب منا أن نعود، وأن ننسى موضوع عبدرامان المسكين، وذلك من أجل سلامَتنا نحن،لأن الحَلُوٌفْ بما لا يدع مجالاً للشك يكون قد صعد إلى الجبل، ويكون قد وصل إلى أسْيَاده، وعندما سألت أنا عن ماهية أسْيَاده، قال لي الجنقوا أصحابي، العارفون بمصائب الدهر: إنهم ناس بسم الله الرحمن الرحيم.
ونحن في طريقنا إلى التاية، كان الناس يتحدثون عن مصير عبدارامان المحتوم، وهو مصير أزواج كلتومة بت بخيتة النوباوية، لقد تأسفنا كثيراً لفقده وترحمنا على روحه.
ولكن الغريب في الأمر أن ذلك لم يحسم النقاش حول كيف يدخل الحَلُوٌفْ و يخرج من وجره، لأن مختار علي قد أقسم أنّ الحَلُوٌفْ قد خرج من جُحره بمؤخرته و أنه أستعدل في لمح البصر، وخطف عبدارامان بمقدمة رأسه وجرى به إلى حيث لا يعلمون.
إكتفينا ببعض السلاحف البرية، وورل عجوز إصطاده الجنقو،وقليل من الجراد، وعدنا للتاية.



عبد العزيز بركة ساكن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 24-11-2008, 07:43 PM   #[63]
تاج السر الملك
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية تاج السر الملك
 
افتراضي

صباع الأمير!!
ياخي دي قمة الأيرووسية في الدنيا قرررررررررررر
السستة خلوها؟؟
لك تحياتي و اعجابي اللامحدود
الملك



تاج السر الملك غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 24-11-2008, 09:26 PM   #[64]
مي التجاني
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

"الحَلُوٌفْ يَدَخُل و يخرج من حفرته بمؤخرته أم برأسه".
نظرية والناس في مهمة لاثباتة و قضية لايمكن الحياد عنها، ويستمر النقاش حت بعد موت واحد من الاعضاء، "لقد تأسفنا كثيراً لفقده وترحمنا على روحه .ولكن الغريب في الأمر أن ذلك لم يحسم النقاش حول كيف يدخل الحَلُوٌفْ و يخرج من وجره، لأن مختار علي قد أقسم أنّ الحَلُوٌفْ قد خرج من جُحره بمؤخرته و أنه أستعدل في لمح البصر، وخطف عبدارامان بمقدمة رأسه وجرى به إلى حيث لا يعلمون"
ما بقدر اتوقف من الضحك لما اقراها، كمية من الفكاهة والخستكه والحقيقة والسرد اكتر مما تحتملة المخيلة.

المهم انا محتفيه شديد بالسرد الممتع المتماسك الموازي تماما لسرد Paulo Coelho



مي التجاني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 24-11-2008, 09:46 PM   #[65]
SHAZALY SIDDIG
:: كــاتب جديـــد ::
 
افتراضي

ساكن...........رفيق الزمن الجميل الذي لم يسمح لنا بسبر اغواره يوم كنا وحيدين

لك التحيه والانحناء لأعمالك التي ترد الروح وتجلب المستحيل

نصدقك القول حكى عنك كثيرا بهاء ارباب ورفيقته بت الخاتم وصديق صدوق اخر ولم يوفوك

حقك ..........اسدر بنا كما تحب ونشتهي ........



SHAZALY SIDDIG غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 24-11-2008, 09:54 PM   #[66]
عبد العزيز بركة ساكن
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية عبد العزيز بركة ساكن
 
افتراضي

سعيد بمرورك و بالأيرسة، المكتشفة
وسعيد بقراءتك

للرواية و استمتاعك بها، و مواظبتك
وانا لا أعرف ماذا يقصد ود أمونة بصباع أمير؟؟؟؟؟؟

لك الود وسنواصل



عبد العزيز بركة ساكن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 24-11-2008, 10:01 PM   #[67]
عبد العزيز بركة ساكن
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية عبد العزيز بركة ساكن
 
افتراضي

اولا أود ان ارحب بك يا صديقتي مي تجاني هنا في سودانيات،

وانا متأكد حتكوني اضافة فاعلة، قوية، لطيفة، انسانية،حتكوني : بت من سودانيات.

شكرا على مرورك

وسمعت ضحكتك وفوضى روحك تحلق في اسافير البورد

لك الود



عبد العزيز بركة ساكن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 28-11-2008, 01:55 PM   #[68]
عبد العزيز بركة ساكن
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية عبد العزيز بركة ساكن
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة SHAZALY SIDDIG مشاهدة المشاركة
ساكن...........رفيق الزمن الجميل الذي لم يسمح لنا بسبر اغواره يوم كنا وحيدين

لك التحيه والانحناء لأعمالك التي ترد الروح وتجلب المستحيل

نصدقك القول حكى عنك كثيرا بهاء ارباب ورفيقته بت الخاتم وصديق صدوق اخر ولم يوفوك

حقك ..........اسدر بنا كما تحب ونشتهي ........
الصديق شازلي صديق
كيف هي احوال الدنيا بك، و ما هي أخبار الصديقين امل الخاتم و بهاء الدين ارباب؟
قابلتهما في عودتهما الأخيرة للسودان و كانا جميلين و انيقين و سعيدين و مشغولين و مندهشين جدا.
كانا امل وبهاء،، وكانا أكثر من ذلك بكثير.
لك الود



عبد العزيز بركة ساكن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 28-11-2008, 02:09 PM   #[69]
عبد العزيز بركة ساكن
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية عبد العزيز بركة ساكن
 
افتراضي


بُوشَايْ.


بعد المعارك الطاحنة التي دارت بين الجنقو وكتيبة من الجيش ترتكز بحامية زهانة، انتبهت الحكومة المركزية لخطورة ما أسمته بالشِفْتة أو النَهب المُسَلّحْ، وجرى الحديثُ عن القوى الخارجية التي تريد أن تطيح بالحكومة الوطنية واجهاض المشروع الحضاري للدولة، تحدثوا عن المعارضة، جبهة الشرق، الأسود الحُرة، مؤتمر البجا، حركة العدل والمساواة وغيرهم وغيرهم ثم حٌشِر اسم دولة جارة، وللتَحَليةِ أو الواجب القومي وتوحيد الجبهة الداخلية؛ ورد اسم دولة إسرائيل كجوز للتميمة لابد منه، ولكن نسبة لخبرة الحكومة المركزية الكبيرة في مجال الحرب الأهلية، كان أصحاب القرار؛ يعرفون أنّ الجنقو وتمردهم هذا المفتعل على الواقع ليس خلفه أحدٌ، سِوى الجنقو أنفسهم، وأنّ اخماد هذا التمرد لا يتم باسلوب قتل باعوضة بقنبلة نووية، ولكن يتم بقتل الباعوضة وليكن برطلٍ من الدي دي تي.
كان الخريف قد أجهز على عيناته الأُوَلْ جميعهاً، بل ومضى إلى ما بعد المنتصف، ونمت الأعشاب عالية، في طول أشجار الكتر والطلح، بل أصبحت بعض أعشاب العدار أطول من قُطيات التايات، ولأن المطرَ غزيرٌ هذا العام، فإن معظم الآفات التي تشكل خطورة على المحصول في مراحله الأولى،مثل الفأر وبعض أنواع الجراد، قد دَمرها المطر وهي في تشققات الأرض التي انسدت تماماً بفعل السيول، وتصعب الحركة كلما ازداد المطر هطولا وتشربت التربة الطينية الخصبة السوداء بالماء، الجنقو يعرفون المكان كمعرفتهم ببطن أكفهم.. العسكريون لا يعرفونه.. الجنقو يستطيعون دخول الأراضي الأرترية او الأثيوبية، اذا تركوا سلاحهم بمكان ما ولو داخل أحراش إحدى الدولتين، ولكن جيش الحكومة لا يستطيع..
الجنقو يحاربون لأنهم يحسون بالظلم والغبن ويريدون المال،والعسكر لا يعرفون لماذا يقاتلون.. لأجل من ؟
لذا كانت غالباً ما تنتهي المعارك غير المتكافئة بانتصار الجنقو أو إيقاع خسائر كبيرة في جيش الحكومة، والنصر الدعائي الذي يفتعله العسكريون في الغالب يُضِعفُ الروح المعنوية للمواطنين،ويصيب الأطفال بذاكرة مشحونة بالكوابيس و الأسئلة الصعبة عن قيم الحياة و الموت. ولكنه لا يخفى عن الناس حقيقة الهزيمة الشنيعة التي تكبدوها، وهذا اليوم شاهدٌ على ذلك، حيث استيقظنا في الصباح الباكر على صوت بروجي وعزف مارش عسكري بغيض، وخرجنا مع جميع السكان إلى الشوارع وهي في الحقيقة ليست سِوى أزقة تحددها أشواك الكتر، التي تحفظ أحواش القصب والبوص من الأغنام و الحمير، ثم كما لو أن هنالك جهازًا سريا يقود أرجلنا.. توجهنا إلى الميدان العام قُرب الهلال الأحمر السوداني، حيث تم عرض جُثة القتيلين، كانا معلقين على صليبين كبيرين من الخشب، الرجلان معروفان لدى جميع السكان.. حتى الأطفال منهم: الذي يرتدي زي الجيش الحكومي ذو الجثة الكبيرة المنتفخة المزينة بالذباب والرائحة الكريهه هو أبكر هبيلا على طليق حلوم الزغاوية والرجل الآخر في جُلبابه المتسخ ولباسه الكبير المنتفخ في هذه اللحظة، النحيف في الماضي، الصامت الآن الحزين.. المرح في الماضي.. صانع النِكات.. هو عبدالله مهدي الحردلو..
قالو لنا بالميكرفون، بعد أن كبر آدم المُلقب بأم الشهيد
- كل يوم حنجيب اتنين من الجنقو الكلاب ونعلقهم هنا..
وسُمِيَتْ الساحة في حينها بساحة النصر، أطلق جنود سُكارى مسطولون منفعلون الرصاص على الجثتين.. كانت الروح المعنوية للجميع متردية في مهاوي عميقة مرة ومظلمة.. عدنا إلى بيوتنا ونحن نخمن ماذا يكون عليه واقع الحال ؟.. وفيما يُشبه الندوة في يوم عسلية أم جابر يوم الجمعة.. توصلنا بسهولة على أنّ الأمر ليس سِوى انتقاماً وتخويفاً، واتفق الناس على أنّ الرعب قد تملك كثيراً من الموظفين الأثرياء بالمدينة، وربما ذَكر رجلٌ أو رجلان أنّ الفكي علي يفكر في مغادرة الحِلة نهائياً، وانه قد ابتنى له بيتا في الخرطوم بالحاج يوسف وانه سوف يذهب إلى هناك نهائياً، ونُقِلَ عنه: " السُوق هناك أحسن.. ناس الخرطوم تعبوا من الدكاترة والمستشفيات الخاصة.. والفُكَيَةْ هناك شَغالين زي المكنات.. قروش زي التُراب..علاقات زي السم..... ونحنا قاعدين هنا.. يومياً فلان كتلوه.. فلان صَلبوه.. فلان طردوه للحبشة.."
شَيَلَنِيّ صِدِيقْ العَوَضْ أردبين من الذُرة كتفلي، وألمح لي بدبلوماسية باردة أنه بالرغم من علامات الإستفهام الكثيرة حولي وحول صديقي الذي هرب إلى الخرطوم، إلا أنه عملاً لله شَيَلنِي الكتفلي، حتى أدفع لعمال الحصاد،وحتى لا أخسر مالي الذي أنفقته في الزراعة، إدعيتُ عدم الفهم، بل وتَبَالَدتُ وأنا أوقع باسمي على وصل الأمانة بثلاثة أضعاف المبلغ الذي أخذته فعلياً، ليس لديّ خَيَارٌ آخر.
طِوال هذه الشهور التي قضيتها بدون ألم قِشي لم أنسها أبداً.
كان مُختار علي قد خصص وقته كله من أجلي، وقبل بعد لأي ان نكون شركاء في المشروع الصغير الذي نعمل فيه معاً منذ بداية الموسم الزراعي وكان معنا الشايقي الذي فضل العمل في صفوف ما اسمتهم الحكومة الشفته وقد جلب لي المشاكل ومراقبة الشُرطة واستدعيت أكثر من خمس مرات للاستجواب بمكاتب الأمن في الحي الغربي.. وحدثني ذات مرة ود أمونة أنني وُضِعتُ في القائمة السوداء..
علاقتي ببوشي تميزت بإمورٍ ثلاثة.. أولها أنّ بُوشي كانت معجبة بي كشخص يعرف أشياءً كثيرةً، بتعبيرها هي: كُل شئ. وكانت كما قالت لي أكثر من مرة تتمنى أن تكون مثقفة و ملمة بأشياء مختلفة في الكون، على الأقل أن تتخرج في الجامعة.. ولكنها تركت المدرسة وهي في الرابعة عشر، نسبة لعدم مقدرة أسرتها على دفع الرُسوم المدرسية وخاصة ملابس المدرسة فهي ترى فيّ حلمها..
أما الشئ الآخر فهو حكايتي مع ألم قِشي، ويعجبها حُبي ووفائي لألم قِشي، وهذا حسب ما تعتقد هي: نادر الحدوث.. الرجال في هذا الزمن قلوبهم طايرة.. فهي ترغب بشدة وهذا ما لم تصرح به أن تحل محل ألم قشي..
أما الشئ الثالث هو أنني ضعيف جداً أمام النساء السوداوات جداً والنساء البيضاوات جداً، وخاصة إذا كانت الواحدة منهن تتمتع بقامة عالية وساقين طويلتين ممتلئتين. وأحبهن أكثر إذا كُنّ يجدن الغناء أوالرقص أو أية موهبة كانت، حتى إذا كانت طريقة متميزة في الكلام و المشي.. وبوشي هي أنموذج مثالي لهذه المرأة.. أكثر من ألم قِشي.. حيث أن ما يميز ألم قشي عن كل النساء هو أنها أوّل من طلب مني من نساء الدُنيا أن: أحَمِلها ببنت.. ولم استطع أن أحقق لها هذه الأمنية التي أصبحت أمنيتي أنا أيضا.. أهم ذلك أن الصدق الذي تكلمت به.. عذوبة النطق وسحره.. كأن جسدها كله يتكلم الهواء حولنا.. المرقد.. ألم قشي امرأة.. أخرى.
ولم تعرف بوشي حقيقة أن ألم قشي امرأة أخرى ومحاولة حل محلها عبثٌ لا طائل من ورائه، ولكن البحث عن مكان مجاور أكثر إمكانا للتحقق، ولكن لماذا علينا وضع ألم قشي في الإعتبار.. هذا..
كنت أعجب ببوشي، ولكن كُنت أتعامل معها بحذر شديد، خوفاً من أن أدخل معها في التزام، وأنا شخص يوفي بالتزامه مهما كلفه ذلك، ولكن.. في الحق .. لم أحس ألى الآن على الأقل بحاجة لمرأة كشريك فراش، أزمة ألم قِشي مازالت مستفحلة، ومازلت أحبها، أُحبها حُباً شديداً. و أحلم بها كل يوم، و أتذكرها كل ثانية، و أظن بيني وبين نفسي أنني سوف أفشل مع بوشاي، بل هذا مؤكدٌ، وكنت لا أصدق ما قاله لي أبرهيت، بأن ألم قِشي قد تآمرت ضدي مع البنكيين أو غيرهم من الأشخاص، وكنت اكتفي بأن لا تفسير مقنع لما فعلته معي. وقد قالت ليّ الأم
-إنت كل يوم أسوأ.
ولكني أيضا أتعامل مع النساء وفقاً لشروط نفسية معقدة وربما وراء نفسية، ولكن في كلا الحالتين تمضي العلاقة بيني وبين المرأة سَلِسَة وطيبة بل واستطيع أن أقول خالية من العقبات الكبيرة، مثلما كانت ألم قشي تأتيني في منتصف الليل تفعل بوشاي، تأتي لتغني لي كي أنام، تغني بلغة الشلك والباريا، وتحفظ أغنيتين بالأمهرا، وذلك بالتأكيد يعجبني جداً،
عمرها بالتمام سبعة وعشرون عاماً، وهي في الواقع تكبر هذا العمر بعشرين أو ثلاثين أخريات.. فطبيعة الحياة التي عاشتها بُوشاي تجعل فكرة حساب اليوم في حدودٍ أربع وعشرين ساعة، مُفارقة بائسة وسيندهش الكثيرون.. وأنا نفسي اندهشت..إذا عرفوا أن بوشي تعيش في أسرة تتكون من شخص واحد هو بوشاي ذاتها، حدث هذا منذ أكثر من عامين، كانت مثلها مثل الآخرين لها أخوان هما: علي وألالا ولها أخت واحدة صغرى اسمها أبوك والدها من الشُلك وقد انضم لجيش الحركة الشعبية، تحت قيادة عبدالعزيز الحلو واستشهد في احدى المعارك على مشارف همشكوريب.. أمها توفيت بعد ذلك بزمن قليل..ألالا هاجر إلى استراليا عن طريق مصر، عَليْ لا أحد يعرف أين هو.. آخر مرة رأته فيها قبل عامين.. أهل والدتها لا يحبونهم لأسباب عرقية، ولو أنّ والدهم كان مُسلماً.. أبوك أخذتها التاية للسعودية وهي ترسل أخبارها بانتظام.
وجَدَت بوشاي نفسها وحدها وقبلت التحدي وعملت كما تعمل النساء الفقيرات في صناعة الخمور البلدية، ولكنها لم تقم بانشاء علاقة تذكر مع رجل ما على الأقل لم يتسن لود أمونة معرفة ذلك، ولم تستطع ندوة ما كشف أية علاقة لبوشي برجل من الجنقو أو غيرهم، ولكن هذا لا ينفي أن لبوشي عشاقٌ، وأنها تصطفي ما شاءت ولكن لأسباب تعرفها.. خارج بيتها.
حسناً، كان الجميع يتعاطف مع بوشي وكثير من صديقاتها يتطوعن على المبيت معها في بيتها، ورفضت عرضين للزواج وعرض للمصاحبة والآن الناس يتحدثون عن زواج عُرفي بينها ومدير البنك تركاوي، ويتحدثون عن الموبايل الذي أهداه لها، كأول موبايل في الحي الشرقي.. وقدر الأهالي علاقتي معها ليست إلا قضاء وقت من جانبي، ومحاولة فاشلة لزواج من رجل عُصامي من جانبها هي. ويجد كلانا العزاء في الآخر ولكني كما قُلت: مُعْجَبٌ ببوشاي كفتاة عصامية تعمل طُوال الوقت لتوفير قوت يومها.. بل أبعد من ذلك حيث أن بوشاي هي أول من اشترى جهاز استقبال قنوات عالمية رقمي في الحي الشرقي كله، لم يكن ذلك اعتمادا على ما ترسله أبوك لها من السعودية حيث أنّ أبوك لا ترسل شيئا، مازالت تعمل لتغطية تكاليف سفرها واقامتها في السعودية، وهي مدينة بذلك للتاية.. وألالا أيضا لا خبر منه في استراليا ولا أثر له ولا تعرف كيف تتصل به.. كانت تبيع المريسة والعسلية وهذا ليس بالعمل السهل، لأن التعامل مع السُكارى يحتاج لطولة بال وسياسة، فان السُكارى يبدأون هادئيين وطيبين، يحكون عن الحَلُوٌفْ ويتغالطون فيما اذا كان يدخل بيته مقدما مؤخرته أم رأسه.. ويقصون مغامراتهم مع أبشوك أو المرافعيين. ويقيمون ندوات القطيعة و النميمة.. هذا في الساعات الأولى، إذا لم يكن من بين الندماء رجلاً مدمناً، لأن المدمن يسكر من أول كأس ويبدأ برامج الشجار مبكرًا، مما يخرب الجلسة ويعكر صفو صاحبة البيت، وقد يكون سبباً في استقدام الشرطة أو بوار المريسة.. لكن إذا لم يكن هذا المدمن موجوداً، فإنّ الساعات التالية تتسم بمحاولة السُكارى للاستمتاع بوقتهم عن طريق الطرب، يغنون لأنفسهم مستخدمين آنية المريسة الفارغة كادوات ايقاع والبعض وهم قلة يقومون بتسلية أنفسهم بالتغزل في صاحبة البيت أو بناتها أو يديرون مجرد حوار عن الزواج والحب والأسرة.. وهذه الساعات الوسطى نفسها تزداد فيها الرغبة لمعاشرة امرأة ما، وهذا ما يمثل خطورة كبيرة اذا استغرق السكران في التفكير في النساء، فانه حتماً سوف يصطدم برجل آخر... زوج، أخ أو عشيق، صاحب او حتى رجل قانون. ويبدأ العراك الفعلي، وقد تستخدم فيه الأسلحة المحلية ببراعة وشراسة وعدم رحمة أو مسؤلية.. صاحبة البيت المدربة الذكية العاقلة هي الأمهر في إدارة هؤلاء الناس المنفلتين، وهي تمثل بذلك أمهر الإداريين مطلقاً، طالما تستطيع أن تعمل في وسط يُعْتبر حقل ألغام وكوارث كبيرة:
طَعنة سكينٍ.. تليبة في بيت جار.. كسر يد بعصى.. حضور الشرطة.. مصادرة أدوات العمل وقد تصل العقوبة لسجن طويل..
تعلمت بوشاي سياسة إدارة السُكارى من جامعة السُكارى أنفسهم، وكانت تعرف طبائع الزبائن كلهم المدمن الذي يبتدر الشجار والمدمن الذي ينام من أول كأس على البنبر، المبتدئ الذي عندما يسكر يتبول على ملابسه مثل الطفل أو يبكي وينوح متحسراً على حياته كلها.. الفدادي الشِريب المتزن العاقل الذي عندما يسكر يكتفي بالغناء أو أخذ عكازة والمضي إلى بيته، أو فرش عمته على الأرض في مكان جانبي، والذهاب في نوم عميق تعرفهم بالإسم والصفة وتديرهم بنمط إدارة شخصي، بوشي، في الحق لا تميل للجنقو كرفقاء سرير..
- هم وسخانين.. ما بيهتموا بنظافة ملا بسهم ولا جسدهم وريحتهم ترمي الصقر من السما.. ديل ناس ساي..
وعلى بوشي أن تعمل بدبلوماسية أيضاً في جبهة أخرى، وهي جبهة البنك، ذلك الغول الذي تدخل في كل تفاصيل الحياة اليومية.. قَصّ لها مدير البنك كثيراً جداً حِكاية امرأته غير الجذابة التي تعشق المال فقط، ولا تهتم به كرجل.. وأنه تزوجها لأنها بنت عمه وذلك دون حب يذكر..
- وانا دخلي شنو ؟
حسناً، صنع الخمر البلدي يجرمه القانون، وبامكان الشرطة والمباحث تخصيص قليل من وقتهما فلتكن الظهرية لوقف هذه البلاوي، التركاوي يستطيع أن يمنعهم ويستطيع أيضا أن يأتي بهم..
كل مشاريع ضباط الشرطة والمسؤلين الكبار هي بتمويل منه شخصياً، أو من البنك وتركاوي كما وضّحَ لها نفسه: رجل تقي ويخاف الله.. هو يرغبها ولكن ليس بالحرام وأيضا ليس بشناة السُمعة و الفضائح ولكن بزواج عُرفي وأصّل لها بنصوص قال إنها شِيعية أو لا نصوص. ولكنها كرهت العجرفة والإدعاء ورائحة الصُنان النفاذة التي زكمت أنفها يوم أن قابلته.. لن تنساها أبداً.. قالت له:
-أنا ما عايزة اتزوج لا بالعلن ولا بالعُرفي ولا بالحرام ولا بالحلال..
ولكن الذي يعرف التركاوي يعرف أنّ المعركة لا تنتهي هنا.. قابلته مرة واحدة فقط.. جاءها متنكرا في شكل جنقوجوراي ثم أفصح عن نفسه.. ولكن ظل اللقاء اليومي بينهما قائماً عبر ود أمونة.. كان بارعاً في نقل الكلام كما هو.. وكأنه مسجل أو كتاب وذلك تلبية لطلب التركاوي نفسه، وكان ودأمونة هو الذي رَشّح بوشاي لمدير البنك، بعد أن شكى له مظالم البيت وشرح له مشاهيه هو، ثم تم الإستغناء عن ود أمونة عندما عَملت شركة الموبايل العملاقة، حيث استطاع التركاوي أن يتحدث مع بوشاي في أي وقت أراد، وبما أراد، الشيء الذي لا يستطيعه مع ود أمونة، لأنه يعرف أن ود أمونة لا ينقل كلامه لبوشاي وحدها، ولكن للحي كله، وكان مجبراً عليه.
وعندما عجز التركاوي من إقناع بوشاي في الزواج منه عُرفيا، أو ممارسة الجنس معه بمقابل، طلب منها، كطلب إنساني أن تمارس معه الجنس بالموبايل، وشرح لها كيف، رفضت أيضاً،ولكنه أصر و أصر و ألح وألح، فوافقت، وهذا يفسر المشهد الذي لم يجد له ود أمونة تفسيراً، و مازال يُدهشه إلى اليوم، حينما دخل ذات يومٍ على بُوشاي، ووجدها جالسةً على بَنْبَرِهَا تطبُخ شيئاً في الراكوبة؛ وهي تتوحوح وتصدر أصواتِ تَوَجُعٍ و ألمٍ و تشهقُ في غِوايةٍ، لا يمكن أن تصدر عن امرأة إلا إذا كانت علي فراش رجلٍ، وشاهد ود أمونة الموبايل على فمها؛ لمّا راتهُ، إرتبكت، صرخت وأغلقت الموبايل، أخذت تضحك في هستيريا، عندما سألها عما كانت تفعل، قالت: مافي حاجة، مافي حاجة، إنتَ سِمِعتْ شُنو؟
قال لها ود أمونة ضاحكاً: ولا حاجة.
الكلامُ عن الحرب هو كلام الساعة، والكلام عن شنق طليق حلوم وعبدالله مهدي أو صلبهم او رميهم بالرصاص طغى على أخبار الخريف ومكائد البنك الذي - كما فسر الكثيرون أنه ينتقم لنفسه من ثورة الخُراء التي ما عاد أحد يذكرها.. لقد كانت دخيلة على هذا المجتمع، وتم اسقاطها تدريجيا من السجل اليومي للقولات... وذكر كلمة خُراء نفسه يعاني من اشكالية جمالية هنا في مجتمع يحتفي بالطهر والنقاء.. الجنقو وغيرهم من العاملين، بعد مقتل الجنقوجورايين على يد جند الحكومة انحسرت أخبار الحرب قليلاً، وقِيل أنّ الجنقو قد انسحبوا إلى تخوم مدينة تِسَني، حيث يقضون الخريف هنالك مستفيدين من ثمن الأسلحة التي استولوا عليها من قوات الحكومة وقاموا ببيعها للزبيدية في جبهة الشرق، وكان هذا مصدر دخل كبير جداً للجنقو إذا استثنينا العائد من تجارة الخمور، حيث كانوا يهربون الخمور المستوردة من إرتريا وأثيوبيا إلى داخل مدينة خشم القربة ثم عن طريق البطانة إلى، الخرطوم وعطبرة وربما شرب سُكارى عاشقون الأنشا الأثيوبية في دنقلا العُرضى وفي وادي حلفا وفي أبي حمد.
زارني الشايقي وبعض أصحابهُ في التالية منتصف ليلة مظلمة مطيرة، عواء ذئابها يطير القلوب شظايا.. احتفلنا باللقاء العزيز وذبحت لهم تيساً من الأغنام التي احتفظت بها في التاية تحسباً لشظف في العيش أو عطب الطريق، وشربنا الشاي والقهوة وأخذوا يحدثونني عن مغامراتهم و قتلاهم و ضحاياهم، عن نصرهم و بعض هزائمهم، وعندما تذكرنا يوم بص همدائييت وكيف أنهم تغابوا فيّ المعرفة ضحكوا وقالوا لي: قروشك ياها دي معانا.. هاك ليها..
وأَخذتُ ما لي من مالٍ منهم، وسألوني أسئلة كثيرة جاوبتها بصدق وقالوا لي:
- نحنا حالفين نأدب ناس البنك.. نوريهم نجوم النهار.. وما.. الآن.. ولكن لمان يجي وقته حتعرف ونحن حنكون في أرتريا إلى أن يجئ اليوم داك.وحاولوا أن يطيبوا بخاطري فيما حدث لي من ألم قِشي، ولكنهم أثاروا غضبي حينما وصفها أحدهم بالداعرة، فدافعت عنها دفاعاً مستميتاً، و قلت لهم ما لم يَقُله الرجل هنا عادة، وهو أنني أحبها، ومهما فعلت، فإنني أجد لها العُذر. قالت لي أداليا دانيال ذاتَ مرةٍ: الجنقو اتعلموا طبيعة الحبش.. ما بيخلوا حقهم بالساهل.



عبد العزيز بركة ساكن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 29-11-2008, 08:56 PM   #[70]
ابوريم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية ابوريم
 
افتراضي

عبدالعزيز
مشتاقين
ومتابعين
....غرقانين في بحر الابداع....
اسامة مامون



التوقيع: مابيفهم المكتوب
البيقرا بي القلبه

محجوب شريف
ابوريم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 29-11-2008, 09:05 PM   #[71]
عبد العزيز بركة ساكن
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية عبد العزيز بركة ساكن
 
افتراضي

صديقي اسامة مأمون
مشتاقين شديد
ومشتاق لأبنتي ريم، كانت بتضرب لي كل يوم، ولمان ضاع موبابلي ، توقفت، ياربي هسع بتضرب للحرامي؟؟؟


شكرا على مرورك ولك الود



عبد العزيز بركة ساكن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 29-11-2008, 10:19 PM   #[72]
الجيلى أحمد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الجيلى أحمد
 
افتراضي

بركة
يابركة يابركة

أنت ياصديق قادر دومآ على صنع الدهشة,

هذه كتابة حية تسعى على أرجل..


وتحتاج لإحتفائة تليق بها


طالعت عرس الطين

وأطالعك اليوم بإعجاب كثير

يابركة دى كتابة عجيبة



التوقيع: How long shall they kill our prophets
While we stand aside and look
Some say it's just a part of it
We've got to fulfill de book
Won't you help to sing,
These songs of freedom
'Cause all I ever had
Redemption songs
الجيلى أحمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 29-11-2008, 10:43 PM   #[73]
عبد العزيز بركة ساكن
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية عبد العزيز بركة ساكن
 
افتراضي


صديقي الثائرُ

جاء صديقي إلى الحِلة بعد فترة غياب طويل، قضاها في الخرطوم أو أي مكانٍ آخر استمتع به، ولكن بدا واضحاً أنّ الحِلة قد أصبحت المكان المفضل عنده، بين كل الأمكنة التي يزورها باستمرار، وقد قال لأكثر من شخص ذلك: هنا أجمل مكان..
كان يرى ما قام به الجنقو من حمل للسلاح وقطع للطرق وحرب للجيش الحكومي لن يستمر طويلاً، ولن يقود إلى أي نتيجة؛ مالم يسنده تنظير سياسي وتحليل إجتماعي، وهدف محدد بدقة، يمكن تحقيقه في مثل هذه الظروف، وقرر أن يكون هو حادي ركب التنظير، ولا يتم ذلك إذا لم يعايش الجنقو الذين يحملون السلاح؛ ويعيش معهم في غابات الكِتِرْ والخيران المتوحشة، تحت تهديد نيران كتائب الحكومة، في الخوف والجرى والإقبال والإدبار والجوع والحرمان والهزيمة والنصر.. كان يقول:
- التنظير بدون معايشة الواقع، مثل طباخة الإدام على النار مباشرة بدون وسيط، يُفْسَدُ الإدام وتُفْسَدُ النار.
وطلب مني أن أدله إلى المكان الذي يختبئ فيه الجنقو المسلحون، ونصحته بأنه قد لا يستطيع أن يعيش كما يعيشون، ولو أنه يأكل كل شئ تماماً مثل الجنقو، ولكنه - كما أصفه- ود مدينة وعلاقته بالمكان لا تتعدى كونها سياحة خشنة، والخطر الكبير الفعلي هو أنه قد يتعرض للأسر و الأسر هنا يعني الموت بألم بالغ، أو الإصابه أو ربما القتل..
قال كعادته عندما يُخْشَى عليه من الموت: أنا ما حأموت قريباً.. عارف كدا. والإنسان يموت بارادته، وإذا لم يكن مستعداً للموت، فلا شئ يستطيع قتله..
أنا أعرف أنه لا يُحَاج، ودائماً ما لديه ما يبرر به فعلته، وأعرف الصعوبات التي سيواجهها أقصد التي سوف تهزمه هزيمة شنيعة.. وذَكرّتَه بعواقب مغامرته مع الصافية وكيف انتهت بتوريثه سُمعة سيئة، ومغامرته مع أبرهيت ولدو إسحق و النهاية المأساوية التي أفضت إليها، حيث شَمتَتْ علينا طَفْلَةٌ عِشرينيةٌ، مَدّتْ لنا لساناً أرقط تفوحُ منه رائحة الكرملا، وعن نقاشه البيزنطي مع الأم مريم كُودي راعية الكنيسة، حيث كاد أن يقتلنا المؤمنون لولا أن ستر الله، وأخبرته بأن ما حدث بينه و بين ود أمونة أيضاً كان حواراً فاشلاً، وقد كسبه ود أمونة، و مغامرات أخرى صغيرة فاشلة تافهة هنا وهنالك، وكل ذلك هين، ولكن الأمر الآن قد يصل للموت وهنا تكمن الخطورة !!
قال لي: أولاً، هنالك مبدأ أؤمن به، وهو أن الرجل الناجح هو الذي يفشل ليستثمر فشله، أما موضوع الصافية دا موضوع مصنوع من خيال الجنقو والجنقوجورايات لا أكثر، ومستحيل امرأة تغتصب ليها راجل... يا راجل..
قلت له ضاحكاً
- حتى لو كان عندها موضوع وصفه الفكي على الزغراد بكلمة: كبير.
قال محتجاً
- وين شافو الفكي على الزغراد.. وكيف ؟
ثم فَنّدَ ليّ كل ما ذكرته من فشل، محيلاً إياه إلي إنتصارات، بل فتوحات باهرة. أخذته إلى التاية معي وبقي هنالك خمسة أيام، قبل أن يأخذه الشايقي إلى تخوم إرتريا.
كفا نسمع أخباره من وقت لآخر، تأتينا مَشُوكةً بالكِتِرْ والحَسَكَنِيتِ، ملوثةً بطين سبتمبر الّلزذج، وعليها خَوفُ الناقل و حِرصُ السامع وهَوهَوةُ الريحِ الجنوبيةِ الرطبةِ، تأتينا أخبارهُ مرةً باللغةِ التِجِرِنّةِ، ومرة بالأمهرا، وأحياناً بالبَنِي عَامِر والبجاويت أو العربية المُكسرة، عربي جنقو أو بلهجة البدو الرشايدة الزبيدية.
كان يرسل لي رسائلاً كثيرةً، مع أقرب زائرٍ أو صديق مشترك يلتقيه.. وكنت أراسله،ولكن بحذر شديد، طلب مني ذات مرة أن أرسل إليه ما أسماه الجدول الزمني اليومي لحركة موظفي البنك، كتقرير بعد مراقبة لصيقة لأسبوع واحد فقط، ثم اسبوع آخر بعد مرور اسبوعين من الأول، ثم مراجعة الجدول كل ثلاث أسابيع لحساب معدل الإنحراف بصورة دقيقة، وفعلا قمت بالعمل على أكمل وجهٍ، مستعيناً بوود أمونة ولكن ليس بطريقة مباشرة، لأنني مثل الجميع، لا أثق في ود أمونة، و لربما أشك في انه قد يكون عميلا مزدوجاً، ومستفيدا من معلومات استخلصتها من بُوشاي نفسها، حيث أنّ مدير البنك، مازال يضاجعها على الهواء، عن طريق التلفون الموبايل، كانت تعرف قليلاً عن نظام حياته، ولكن الفائدة التي قد نجنيها من علاقته ببوشاي هي كبيرة، لأن بوشاي إذا طلبت منه أن يحضر إلى منزلها في أي وقت كان، فانه لا محالة قادم وحده متنكراً دون أن يعلم أحدٌ بتحركه، وهذا يتيح فرصة التصرف فيه كما يَشاء الجنقو المقاتلون، في الحقيقة لستُ أدري ما يُريد الجنقوا أن يفعلون بالبنك و أهله، ولكنهم بلا شك ينوون شَراً، ربما يُمْكن وَصفه بأنه: مُستطيرْ.



عبد العزيز بركة ساكن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 29-11-2008, 10:48 PM   #[74]
عبد العزيز بركة ساكن
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية عبد العزيز بركة ساكن
 
افتراضي


فَتَاةٌ مِنْ أَسْمَرا
َجَرَبَتَهُ، ويُظَنُ أنها كانت أول من حاول معه، زينب إدريسيت، القادمة من القَرْقَفْ،صبية صغيرة معجبة بنفسها عاشت في أسمرا ما لا يَقِل عن سبع سنوات، عَرِفَتْ فيها حياة الحُرِية ِوالرفاهية ونظافة الجسد والمكان والروح.. هربت من الخدمة الوطنية الإلزامية في بلدها، أقامت بالقرقف اسبوعاً كاملاً، إلى أن أرشدها بعض فاعلي الخير إلى الحِلةِ، ثم أُقتِيدَتْ إلى بيتِ الأم، وعند الباب قابلت ود أمونة، ولم تخف إعجابها به حين أعلنت وهي في دهشتها الأولى.
- هنا برضو في رجال حلويين ونضاف بالشكل دا.
قلن لها: بالتأكيد.
ولم يفْصَحْنَ أكثر، حيث احتفظن بإجابات كثيرة أخريات لأنفسهن، وقد سألتْ بَعضهنِ بَعضهنِ: لماذا لم تفكر في ودأمونه كرجل ؟
لقد ظل عالقاً في أذهانهن كصديق، أخ أو خادم طَيّع، وربما في كثير من الأحيان: عَرّابْ ؟
شرحت لها أدي وضعية ود أمّونة في البيت، وأنّ بامكانها الإستعانة به في كل شئ.. وعليها أن تعامله برفق ولا تثقل عليه.
-هنا نحنا نعامله كدا.
تَمّ تصنيفها كفتاة سرير جيدة، بالتالي حُدِدَتْ لها شروط الوظيفة وأخلاقياتها وقيمها، كان لها طلبان. الأول.. أنها لا تفعل شئياً مع أي كان إذا لم يكن هنالك عازلاً جنسياً، وعَرّفَتَهُ بالإسم كوندوم. الثاني؛ لها الحق في أن تقبل بالزبون أو أن ترفضه،ولا يجب أن يجبرها أحدْ: حسب مزاجي أقبله أو أقول لأ.
ثم أضافت جملهً جعلت أدي تضعها في مصاف المحترفات، كشفتْ كذبتها المركزيةِ، بأنها ما قَدمِت إلا هروباً من الخدمة الوطنية الإلزامية، حيث قالت وهي تلوي فمها يُمنة ويُسرة في مزاجية عجيبة: السُمْعَة الطيبة المعروفة بها أدي، خلتني ما أناقش مسألة القُروش؛ نصيبها كم؛ ونصيبي كم ؟
ولأن أدي في حاجة إلى دماء جديدة، وافقت على كل الشروط وكُلّفَ ود أمونه بالذهاب إلى سُوق الكِترة وشراء كرتونة كبيرة من العازل الجنسي الكوندوم، بالمواصفات التي قدمتها زينب إدريسيت، مرفقة باسم الشركة، وسنة الصُنع أعطتهُ أيضا عَيّنة للمقارنة، حتى لا يمكن خداعه بعينة قديمة انتهت صلاحيتها. في حقيبتها تحتفظ بكمية كبيرة من أجود الأنواع للطوارئ. قالت لها أدي:
- ود أمونة، إعتبريه أخوك..
واعتبرت أدي نفسها، قد قلّدَتْ زينب تميمة تحمي ود أمونه من أي نوايا سريرية قد تفكر فيها زينب، فقد نُقِلَ لأدي تعليق زينب، بعد تكيفه محلياً بتفاسيره الملحقة. لم تُعّلِقْ زينب بت أسمرا، هزّت رأسها إيجاباً وابتسمت. قالت زينب لود أمونه فيما بعد
- إنت أجمل راجل في الحِلة دي كلها..
قال خجلاً حيث أنه أول مرة في حياته يَسمع تعليقاً واضحاً عن نفسه وصريحاً
- معقول ؟
قالت بصراحة ووضوح
- كلهم عفنين ووسخانين وريحتهم ترمي الصقر من السما. الرجال في أسمرا يشبهوا الملايكة.. إنت مفروض تعيش في أسمرا.. تشتغل في أي بار أو فندق هناك بارستا، تكسب دهب عديل..
ثم أخبرته عن المكانة الكبيرة التي كانت تشغلها في أسمرا، وكيف أنها كانت نجمة عالية في سماء أسمرا، سمعتها تملأ الآفاق.. لولا التجنيد الإجباري... آه... آه، أنا ما بحب الحرب ولا الموت ولا بحب أشوف الجروح.
أخبرها عن رجال مختلفين ومثقفين جاؤوا من الخرطوم، مدني، القضارف، كسلا وبورتسودان، الأبيض.. يعملون في البنك وشركة الإتصالات، طُلمبة البترول، الأمن،الشرطة، سُوق المحاصيل وفي المحلية أيضاً، هنالك ضباط جيش وبعض الجلابة أصحاب المشاريع الكبيرة وأولادهم أيضاً، شرح لها أنّ الحِلة بالنهار ليست الحِلة بالليل، وأنّ معظم من ذُكِرَ، يأتون للعشاء الفاخر في منزل أدي ليلاً، وبعضهم يأتي لتناول وجبة الإفطار، حتى معلمو الثانوية العُليا، وأكد لها بأنه وأدي سوف يُخَصِصِانِهَا للرجال من طبقات عُليا وليس الجنقو. أشارت له أنها تحس أنّ بينه وأدي شئٌ غريب، فحلف لها بربه أنّ ذلك لم يكن.. وأنّ أدي لا تمثل له سوى صاحبة المنزل.. فالمهنه تقتضي ألا تخترق حدود الأم. ولما اطمأنت: راودته عن نفسه. حَسناً، سوف يقض آخر طلبات ادي ويعود إليها، ولكنها فقط عندما طلعت شمس اليوم التالي، تأكد لها بما لا يدع مجالاً للشك أنه لن يعود: نامت.



عبد العزيز بركة ساكن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 29-11-2008, 10:49 PM   #[75]
عبد العزيز بركة ساكن
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية عبد العزيز بركة ساكن
 
افتراضي


قََسَمُ الشَيَخِ اللّحوِي.

الأراضي التي زرعها البنك وموظفوه قُدِرَتْ بثلاثة ألف فدان أو أكثر بقليل. في الواقع كانت هذه الأرض بوراً؛ تنموفيها أشجار الكِتِرْ، الطلح والسَيّال وبعض الأعشاب المُوسمية، التي تخضر مع موسم المطر: مثل البُوص والنَال والعَدَارْ. وقد حُجزت هذه المساحة مُنذ عصر الإستعمار الإنجليزي المصري كمراعي للماشية، حَيثُ يُحيط بتلك المنطقة بدو الحمران واللحوييين بأعداد كبيرة، وهم يعتمدون في حياتهم على الرعي. وما كانت فدادين البنك تثير اشكالية ما، لولا أنها كانت كَلما تبقى من أراض غنية بالأعشاب للرعاة، حيث أنّ كِبار التجار ظلوا يستولون على أراض الرعي بشراهة في السنوات العشرين الأخيرة، مما دفع الرُعاة على الهِجرة إلى ما حول المُدن والتجمعات السكنية، وقد تخلص كثير منهم من حيواناته واشترى عربة بوكسي وبيت وفتح دكاناً أو مطعماً وعمد على حياة المدينة، ولكن البعض وهم كُثر، إعتصموا بماشيتهم؛ هم مَنْ أثار مشاكل اليوم.
دفع الرعاة بوثيقة قديمة مُنْذُ عهد الإنجليز، تخصص المكان للرعي، ترسمه، تخططه، تحدد معالمه مختومة وموقعه من حكومة السودان.. كان يحتفظ بها أحد شُيوخ اللحويين في جُراب من جلد الماعز، محشورا في شنطة حديدية كانت تُستخدم لتخزين الذخيرة من بقايا حرب تعرف بحرب الطِليان والإنجليز، كانت تفوح منها رائحة وبر الشياه وعبق عشرات المواسم المطيرة، التي مرت عليها، ووهن الأزمنة التي تنسحب متباطئة كسولة.. وعفونة خيانةِ حكومات وطنية شَتى، وحكام وطنيين عدة، كانت تنتظر في صبرٍ حذرٍ، مثل نزع فتيلة لُغْمٍ قديم صدئ.
طُرحت الوثيقة على الأرض مباشرة، على الرغم من المحاولات المميتة من قبل أعضاء اللجنة لإقناع الشيخ اللحوي في وضعها على طاولة كبيرةٍ من الصفيح، كانت تتوسط الخصوم والمصلحين. قُرِأَتْ على عَجَلٍ، وكأنها محفوظة مدرسية. ثم حلف شَيخُ العرب بالطلاق؛ إذا لم يتنازل الآن موظفو البنك عن الأرض وعليها ما زرعوه؛ إنه سيفعل ما لا تُحمد عُقْبَاهُ، وختم قسمه قائلاً: السَوَّاي مُوْ حَدَّاثْ.
وأكد أنه لا يخشى الحكومة اطلاقاً، طالما كانت عصابة من البلطجية والسُفهاء تقلع حقوق الناس نهاراً جهاراً..
لم يستمع لما قيل بعد ذلك.. أطبق وثيقته في رفق وأناة وخرج.. تبعه سَبَعة من أولاده، وكبار عشيرته صامتين، ووصل إلى مسامعهم بعد يومين؛ أنّ مدير البنك، علّق قائلاً
- وَرَقُهُ دَاَ خَلِيهُ يَبلّهُ ويَشّرَبْ مُويتهُ.. هو قايل الإنجليز لَسّعْ قَاعِدِينْ !! ظاهر عليهم ديل ناس أهل الكهف استيقظوا الآن..
لجنة المصالحة والأعضاء الآخرون و نسبة لما ادعوه من معرفة حقيقية وثرية وعميقة، معرفة معايشة للعرب أنّ بعض المال و الإعتذار سوف يبطل ثورة شيخ العرب، ويحولها في الغالب إلى تكبيرة فرحة، وفعلاً.. حُدِدَ مبلغٌ من المال كبير، وأُضِيف إليه وعد بهبة إلى شيخ العرب مقدارها مائة جوال من الذرة بعد الحصاد.. وتَمّ ارسال المبلغ والوعد مع وفد صلح رفيع المستوى، أكرمهم شيخ العرب.. أبدى رفضاً ضعيفاً للمال والوعد، ولكن أجبره المرسلون على استلامه.
فيما بعد فسَّر أحد أعضاء وفد المصالحة أنّ قبول الشيخ للمال بهذه السهولة، يعني أنّه أخذه كحق، لا كرشوة، وهذا يعني أنه مازال على موقفه الأول.. لم يصدقه أحد.. فالبعض مشائيم تسيطر عليهم روح التشكك. ولأن شيخ العرب بنفسه أكّدَ على إكرام الزائرين لا يتم بأقل من قبول وساطتهم، وهذا إرث يحرصون على صونه، وإذ قال شيخ العرب فإنه: يعني.
قال العضو المتشكك: ولكنه حلف بالطلاق..
وهذا أضعف خيط من نسيج المنطق.. قالوا
- العربي لوما حلف بالطلاق في اليوم ثلاثة مرات يكون مريض..
كانت في نفس المتشكك خيوط منطق واهنة أخرى، ولكنه فضّل الإحتفاظ بها حتى لا يصنف طابوراً خامساً، وبه رغبه في أن تستمر علاقته بالبنك مزدهرة وسالمة من عيوب الزمان والمكان: مالك وموضوع شيخ العرب.
قالوا، أنّ البنك عندما صَنّفَ اعداء التقدم والمدنية بالحلة الموسومين بتهمة خلق المشاكل واثارة النعرات القبلية وادعاء المعرفة.. أخذت أنا وصديقي مواقعاً في أعلى القائمة، وليس غريباً أن يستجوبني مكتب الأمن في بناياته خلف السوق، وكانوا يطالبونني باجابه لسؤال واحد، داروا حوله كثيراً، وقد بدأوا به أيضاً، وخرجت منهم ولم أُشبع شهية السؤال فيهم لأنهم انتهوا به كذلك.
- لماذا جئت إلى الحلة ؟
أنا لم أسأل نفسي هذا السؤال، وكان حَريٌ بي ذلك.. لقد زرنا أماكن كثيرة أنا وصديقي: قرىً مدناً و مفازات. ومنذ أن طُرِدنا للصالح العام، قبل خمس سنوات، ما استقر بنا الحال في مكان أكثر مما هو الحال بالحِلةِ. حيث تزوجت بها وذلك للمرة الأولى في حياتي أحبُ امرأة وأعرفها جيداً، وهي ألم قشي وللمرة الأولى أفلح الأرض ويكون لي بيت وأرضٌ خاصتي وأظنُ هكذا يتم أيضا تحقيق هدف الحياة: إعمار الأرض.
لا أدري كيف كنت أجاوبهم، ولكنني ذكرت إسم ألم قِشي أكثر من عشرين مرةٍ، على الرغم من أنهم لم يطرحوا علي ولو سؤالاً عرضياً عنها، قالوا أنهم يعرفون عني وعنها كل شئ ما عدا: لماذا جئت إلى الحِلة ؟؟
ولكن بيني وبين نفسي أعرف أنّ هذا السؤال هو المفتاح السحري لدائرة إبليس عند طَواسين الحلاج، إذا قبلت به، دخلت الدائرة اللّعينة التي تحتوي دوائراً فيها، كلما انغلقت واحدةٌ انفتحت أخرى، بالتالي يستحيل الخروج إلا للدائرة السابقة فقط، لذا كنتُ بغرائزية ميتافيزيقية إنزلق على سطح الدائرة، ولا أحفر فيها للولوج، وهو ما يَعرِفَهُ الأمنيون بالزوغان من الإجابة، وغالباً ما يُعالجْ هذا المرض الخطير بالضرب مباشرة في الرأس، لكنهم لم يفعلوا ظنا منهم أنّ الوقت تجاوز هذا الإسلوب، أنّ ضرره أكثر من نفعه.



عبد العزيز بركة ساكن غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 12:35 PM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.