نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > منتـــــــــدى الحـــــوار

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-07-2010, 07:42 AM   #[46]
قمر دورين
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية قمر دورين
 
افتراضي

[align=center]أستاذ طارق...
يسعد صباحك....

بوست توثيقي قيّم جداً.....
أحييك عليه.....


يا سلااااام......
[/align]



التوقيع: [align=right][fot1]مسرح الغزلان في الحدايق[/fot1][/align]
قمر دورين غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-07-2010, 07:46 AM   #[47]
طارق الحسن محمد
Banned
الصورة الرمزية طارق الحسن محمد
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قمر دورين مشاهدة المشاركة
[align=center]أستاذ طارق...
يسعد صباحك....

بوست توثيقي قيّم جداً.....
أحييك عليه.....

يا سلااااام......
[/align]

يسعد كل صباحاتك
وشكرا كتير
وخشى معاى وجيبى ووثقى
جيتك عندى غالية بالحيل ياقمرنا
ارقدى عافية
مودتى



طارق الحسن محمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-07-2010, 07:59 AM   #[48]
قمر دورين
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية قمر دورين
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق الحسن محمد مشاهدة المشاركة

يسعد كل صباحاتك
وشكرا كتير
وخشى معاى وجيبى ووثقى
جيتك عندى غالية بالحيل ياقمرنا
ارقدى عافية
مودتى
[align=center]وصباحك دائماً خير....

بالتأكيد لن أتوانى عن أي إثراء لعمل جميل كهذا....

واقتراح ....
لو أمكن تُضاف مادة مسموعة مرافقة لكل صورة وسيرة....
زي مداخلة الشيخ صدّيق أحمد حمدون كده...
بيكون صورة وصوت وسيرة....

[/align]



التوقيع: [align=right][fot1]مسرح الغزلان في الحدايق[/fot1][/align]
قمر دورين غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-07-2010, 09:54 AM   #[49]
طارق الحسن محمد
Banned
الصورة الرمزية طارق الحسن محمد
 
افتراضي الاعلامية الراحلة ليلى لبمغربى



[B]

الاذاعية ليلي المغربي

والتي تعتبر من اميز الاذاعيات في جيلنا المعاصر ....!

من مواليد مدينة أمدرمان - متزوجة -تلقت تعليمها قبل المدرسي والجامعي

بكلية الاحفاد للبنات -تخصص علم نفس - ثم دبلوم وسيط مكتبات وتوثيق

من جامعة الخرطوم دراسات اضافية - دبلوم انتاج اذاعي من معهد الموسيقي

والدراما بالخرطوم -نالت دورات متعددة شملت الفنون الاذاعية من اكاديمية

الاذاعة بفلادفيا ومركز التدريب الاذاعي بمدينة كولون المانيا عن البث المباشر

عملت فترة طويلة في التلفاز والاذاعة السودانية ... ولخبرتها الطويلة استعانت

بها عدد من الاذاعات في دول الجوار منها الاذاعة القطرية والقنوات المصرية

والاذاعة الاماراتية والبي بي سي ...

عملت مستشارة اعلامية للهلال الاحمر والخطوط الجوية السودانية ونالت عضوية

عدد من الجمعيات الطوعية ( جمعية تنظيم الاسرة والسكان - شوؤن اللاجئين-)

الجمعية العالمية النسوية - الجمعية القومية لاتحاد التنس ...

أرتبط اسمها بالبرنامج الشهير في اذاعة امدرمان( نفحات الصباح )

وهي شاعرة مبدعة قدمت الكثير من القصائد الشعرية .... عملت في الفترة


الاخيرة بمجلس الصداقة الشعبية العالمية رسولا للسلام وبوابة للدبلوماسية

العالمية ... توفيت أثر حادث حركة مروع بالسعودية ومها شقيقتها( هيام )

وهم يؤديان مناسك الحج في مارس 1999م

رحم الله الفقيدة ليلي المغربي بقدر ما أعطت للوطن ... ....[/
B


اهداء خاص
للعزيزة قمردورين
عملت بنصيحتك
[align=center]


[rams]http://www.sudanyat.org/upload/uploads/lilaalmagrby.mp3[/rams]



طارق الحسن محمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-07-2010, 12:05 PM   #[50]
فتحي مسعد حنفي
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فتحي مسعد حنفي
 
افتراضي

ياطارق في معلومة عايز اتأكد منها:
هل لما المرحومة ليلي المغربي قرت الجامعة كان في حاجة اسمها كلية الأحفاد للبنات.
وبعدين حسب علمي عائلة المغربي من الخرطوم وأبوهم كان عندو دكان في السوق العربي. لكن ممكن تكون سكنت أمدرمان بعد الزواج..



التوقيع: شيخ البلد خلف ولد..
سماهو قال عبد الصمد..
كبر الولد ولامن كبر نهب البلد..
ما خلي زول ما قشطو..
وآخر المطاف بقي شيخ بلد..
عجبي..
فتحي..
فتحي مسعد حنفي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-07-2010, 12:49 PM   #[51]
قمر دورين
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية قمر دورين
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق الحسن محمد مشاهدة المشاركة
اهداء خاص
للعزيزة قمردورين
عملت بنصيحتك


[rams]http://www.sudanyat.org/upload/uploads/lilaalmagrby.mp3[/rams]
[align=center]
شكراً على الإهداء الجميل ...
رحم الله الأستاذة القديرة الجميلة...ليلى المغربي
وياله من إهداء....

وكمان على قبول الإقتراح...
بالتوفيق دائماً....
[/align]



التوقيع: [align=right][fot1]مسرح الغزلان في الحدايق[/fot1][/align]
قمر دورين غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-07-2010, 05:00 PM   #[52]
طارق الحسن محمد
Banned
الصورة الرمزية طارق الحسن محمد
 
افتراضي الأستاذ/ د. عبد الكريم الكابلي




[align=center]
[rams]http://www.sudanyat.org/upload/uploads/AbdelKarim Alkablifromkartoum.mp3[/rams][/align]



الأستاذ/ د. عبد الكريم الكابلي


ولد الفنان الكابلي في الثلاثينيات من القرن العشرين بمدينة (الثغر) بورت سودان على الشاطئ الأفريقي للبحر الأحمر
وقضى طفولته ودراسته الأولية بين مدينة بورت سودان والقضارف ودوكة والقلابات ثم أكمل دراسته المتوسطة بمدينة بورت سودان حيث تفتحت مواهبه الفنية
منذ ذلك العمر الباكر.
أدرك أساتذته وزملاؤه مقدرته على الغناء ووضع الألحان فكانوا يقدمونه لقيادة الأناشيد المدرسية التي كان يقوم بتغيير ألحانها في حالات كثيرة. أجاد العزف على آلة (الصفارة) وفي السنة الرابعة من تلك المرحلة علّم نفسه العزف على آلة العود.
ثم انتقل إلى مدينة أم درمان حيث التحق بكلية التجارة الثانوية الصغرى التي قضى فيها فترة عامين ليلتحق بعد تخرجه منها بالمصلحة القضائية في وظيفة كتابية.
كان يقوم بتقليد كبار فناني الغناء في ذلك الوقت بين مجموعة صغيرة من زملائه وأصدقائه.
وبحلول أوائل الستينات عرف أهل السودان الكابلي كنجم غنائي يكتب الشعر ويضع الألحان ويختار الجيد من الشعر.
وفي نفس تلك الفترة أظهر اهتماماً عميقاً بالتراث الشعبي السوداني بصفة عامة وبالغناء الشعبي في مناطق السودان التي تأثرت باللغة العربية بصفة خاصة
وكم تمنى لو أنه عرف أكثرية لغات أهل السودان , وبدأت مسيرته الطويلة في ألقاء المحاضرات المفسّرة لمواطن الجمال في التراث الشعبي السوداني والداعية إلى الإهتمام به.
غنى للطبيعة ولنهضة المرأة وللطفولة المعذبة ولأهمية التعاون وللعدالة كقيمة لاتصلح الحياة إلا بتوفرها كما كتب وغنى في مناوأة الحروب وصناعة السلاح وأدوات الدّمار.
زارالعديد من البلاد العربية والأفريقية والأوربية وبلاد الصين والولايات المتحدة الأمريكية وشارك في العديد من الندوات الثقافية والفنية وألقى العديد من المحاضرات باللغة العربية والأنجليزية في جامعات ومعاهد ومنتديات ثقافية في بلاد كثيرة.
درج الكابلي على جمع مادته التراثية من روافد متعددة من أهمها الأخذ من أفواه المسنين نساءً و رجالاً وعن طريق الزيارات والتسجيل الميداني إلى جانب تتبع المخطوطات القديمة.
وعلى الرغم من القدرة الفائقة للكابلي على إعادة صياغة الألحان التراثية باسلوب استحوذ على مشاعرعشاق فنه
إلا أنه قد درج على المناداة المتصلة بأهمية الحفاظ على الفنون التراثية في صورتها الأولى حتى يتعرف الدارسون والمهتمون على الأصول ثم لا مانع من الإجتهاد.
ولا يقف اهتمام الكابلي عند التراث أو الموروث الذي حمل تجاريب الأوائل إذ نادى ومازال ينادي بالنسب المتساوية من الإهتمام بالماضى والحاضر ثم المستقبل,
على ان يتم ذلك من خلال منظور إبداعي قادر على إقناع الوجدان الإنساني. فالماضي تجربة يفيد منها الحاضر الذي يمكن من خلاله رؤية المستقبل .
هذا وقد شارك ويشارك الكابلي في العديد من المنظمات الخيرية.
والآن, يرى الكثيرون من المهتمين بالمسارات الثقافية من أهل السودان بأن الكابلي قد أسهم اسهاما مباشراً في الحفاظ على شريحة هامة من التراث الغنائي السوداني
تم تقليده وسام الجزائر الذهبي على يد الرئيس عبد العزيز بو تفليقة، كما تم منحه درجة الدكتوراة الفخرية من جامعتي نيالا والسودان.
قبل ثلاثة عقود من الزمان سأله صحافي عن أي الناس يحترم ويقدر فأجاب الكابلي
:" إنني أحب وأقدّر كل من يرى نفسه في الآخرين ويرى الآخرين في مرآة ذاته التي أفترض أن تكون صافية وقد يتمدد ويكبر هذا الحب ليغطي كل ما أوجد الخالق العظيم في هذا الكون".


.................................................. ............
الكابلي في الثلاثينات وحط كأبتسامة على ثغر بلادنا . . جاء يحمل في عروقه ثراء التنوع الثقافي في بلادنا . . شيء من الشرق . . وشيء من دماء الكنجاره في الغرب . . وشيء من الشمال.
بدأ تفتحه أول مرة عبر مسالك الأناشيد المدرسية وهو لا زال يعزف على آلة الصفارة وأدى تشجيع أستاذه ضرار صالح ضرار إلى نيله جائزة في إلقاء الشعر وهو يلقي رائعة صفي الدين بن الحلي . . (سل الرماح العوالي عن معالينا). وانتقل من المدرسة المتوسطة إلى الثانوية الصغرى بأم درمان وهو يجيد العزف على آلة العود وقد أكمل قراءة طه حسين والمنفلوطى وما إليهم، ولكنه لم يشبع فأخذ يدندن بأشعار المتنبيء. وفي أم درمان دخل ندوة عبد الله حامد الأمين فأنتقى منها عقدا منضدا من عيون الشعر السوداني . . مولد المجذوب وأنشودة تاج السر الحسن لآسيا وافريقيا. وإن تسألني عن مكان الكابلي في حركة الأدب السوداني أجيبك بأن تاريخ الشعر السوداني يحفظ للكابلي تعريفه للمتلقي بروائع كراسة الشعر السوداني. التيجاني . . توفيق . . جماع . . الناصر . . المجذوب . . الفيتوري والآخرين. وعندما بدأ المد الثوري ينتظم حركة التحرر في دول العالم الثالث غنى الكابلي لباندونق وفلسطين وفيتنام والجزائر والقنال . . غنى للومومبا وعبد الناصر وكينياتا وسوكارنو وغاندي وطاغور وجميلة الجزائر . . فأثبت بذلك بأن تاريخ الغناء السوداني ظل يرتبط بأحداث هامة في تاريخ العالم.
الكابلي يحبه أهل السودان لأنه عاد بهم غائصا في عمق التراث الشعبي والقومي . . تراث بنونة وشغبة وبت مسيمس ولم يقدم ذلك مغنيا وكفى بل قدم المحاضرة تلو المحاضرة والندوة تلو الأخرى في دور الثقافة والمنتديات محليا وعربيا وأجنبيا.
إن مكان الكابلي في حركة الثقافة السودانية كبير ومتسع كاتبا ومؤلفا موسيقيا ومغنيا ووطنيا محبا لبلاده كما أحبها خليل فرح وهو يصدح كما الكابلي من بعده . . (يابلادي كم فيك حاذق . . غير إلاهك ما أم رازق).
عبد الهادي الصديق . . أمين إتحاد الأدباء السودانيين



طارق الحسن محمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-07-2010, 01:12 AM   #[53]
طارق الحسن محمد
Banned
الصورة الرمزية طارق الحسن محمد
 
افتراضي


[align=center]جزء من قصيدة الحردلو فلان الفلتكانى
بصوت ليلى المغربى[/align]

[align=center][/align]
[align=center] اضـــــــــــغــــــــــــــــــــــط[/align]



طارق الحسن محمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-07-2010, 01:21 AM   #[54]
طارق الحسن محمد
Banned
الصورة الرمزية طارق الحسن محمد
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قمر دورين مشاهدة المشاركة
[align=center]
شكراً على الإهداء الجميل ...
رحم الله الأستاذة القديرة الجميلة...ليلى المغربي
وياله من إهداء....

وكمان على قبول الإقتراح...
بالتوفيق دائماً....
[/align]

اضغط هنا



طارق الحسن محمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10-07-2010, 09:19 PM   #[55]
طارق الحسن محمد
Banned
الصورة الرمزية طارق الحسن محمد
 
افتراضي الفنان إبراهيم الصلحي (صرماطي) سجل حضوره الفاعل في دفتر التشكيل العالمي










أترى هل فكر إبراهيم بن الحاجة اليمن الداؤودية لحظة وهو منكب في توضيب (المراكيب) البلدية بوصفه صبي (صرماطي) يساعد شقيقه عثمان صانع الأحذية الشعبية في إجازاته المدرسية، أتراه هل فكر ـ حينها- أن يزدهي ويسمو اسمه بتحقيق كل تلك النجاحات في عالم الفن التشكيلي وأن يسجل حضوره الفاعل في دفتر العالمية.؟

التشكيلي السوداني إبراهيم الصلحي يتكئ الآن على شرفات (فيلا) خاصة تطل على نهر التايمز في اكسفورد، يرنو إلى الأفق متأملاً سيرته التشكيلية المتكئة على بعضها، بعض ملامحها أسطورية من حي (العباسية) الشعبي بأم درمان، فهاهو يقول: تمنيت لو أن باحثاً اجتماعياً متخصصاً درس هذا المكان- يعني العيارية- فلقد ولدت ونشأت في مكان فريد يصلح نموذجاً لدراسة التكوين القومي للأمة.. شاهدت أفواجاً من السحنات والأعراق.. فهاهم (الهوسا) يعزفون (الكيتا) بتجويد.. وأولئك الطمبارة على مقربة وفي زقاق آخر احتشدت الحناجر بالمديح الأنصاري والزار.. والنبوي والرايات المطرزة بالنذور من كل مشرب ولون.. ثم الحلب والعرب والزنج- حتى بعض الوافدين من مصر، والأقباط بشباك صيدهم وبصارتهم في صنع الحياة.. هذه (المائدة) الأمدرمانية التي تشترك في خطة واحدة هي تصوير خلجات مجتمع وإنسان وحياة.

هذا الصلحي تعود جذوره إلى مجموعة قبائل فهو هواري من بربر، تعود أصوله من جهة الوالد إلى المغرب، فيما تعود جذور والدته (اليمن) إلى المسلمية الداؤودية والمنتمية من ناحية أجدادها إلى المحس (الشيخ حمد والشيخ خوجلي) ومحس شرق النيل، ووالدتها من الجعليين ولها صلة بأحفاد المك ناصر (جموعية أبوسعد).

الصلحي منذ تخرجه في مدرسة التصميم بكلية غردون التذكارية في العام 1951 ما انفك يبحث عن شعبة تشكيلية ذات تعبير سوداني، مخالفاً من اختطوا تيارات ومدارس تشكيلية غربية، لذا منذ أن بدأ بهذا التراب ما يزال (يغربل) فيه إلى اليوم، لذا قدم لوحة حدد أجزاءها، مثلت خلجات شعب يئن ويكابد ... ويصبر.. لوحة مثلت الوطن بجملته، بكل ما فيه من سمو وانحطاط.. حركة وجمود، فبرز إبداعه لأن الإخلاص يقتضيه أن يكون فناً جدلياً ومشاركاً بانحياز للإبداع..لا الإتباع.

أسس الصلحي مدرسة الخرطوم التشكيلية مع رفيقه البروفيسور شبرين والتي بدأت منتصف الأربعينات وتعد القاعدة التي بنى عليها التشكيل الحديث بالسودان، وهي ذات جهد واضح في البحث عن الهوية والخصوصية السودانية ذات البعد القومي- المحلي، وهي تجربة فنية واكبت المتغيرات المرتبطة بحركات التحرر من قيود المستعمر البغيض.. ويرى النقاد أن المدرسة نجحت في إعادة قراءة التراث القديم وتقديمه في لغة فنية جديدة.

يقول التشكيلي حسين جمعان: تحسَّن أداء الصلحي تحسناً لفت الأنظار من أساتذته وزملائه، وتعلم العلاقة الخطية والمساحات والكتل في بناء وحدة العمل الفني في الرسم، كما أحكم التدقيق والتأمل وقوة الملاحظة، متصلاً بالفكر والحس والمشاهدة العالية، ودرس التعامد والأفقية في عمل المنظور والضوء والعتمة في الطبيعة الصامتة من رسم للنبات والثمار والفراغات المحصورة بينهما ودراسة العناصر المختلفة في الشكل والأرضية وخلافه.

وبحسب جمعان لـ (الحقيقة) فإن التنوع الذي اكتشفه الصلحي من دراسته للرسم جعله يدرك العلاقة المتواشجة بين الأشياء، وأدرك سائر العلاقات الجمالية في الجسد البشري، وعلاقة النسب مع بعضها البعض، وربط أعضاء الجسم بالأوضاع.

وفي ذات الجانب يقول الصلحي في مجلة الفنون الصادرة عن مدرسة الفنون الجميلة والتطبيقية، في عددها الثاني متحدثاً عن الموديل العاري: في بادئ الأمر أصبنا بحرج ودهشة.. وإثارة، لكن تعودنا عليه بكثرة أخذنا عليه.. صباح مساء، حتى صار الواحد منا لا يرى من الجسم العاري، إن كان لفتاة في ريعان شبابها أو العجوز في آخر حلقات عمرها سوى لون البشرة وتناسب الأعضاء وأبعادها.. لا فرق بين جسم الفتاة العاري وبين المقعد أو الأريكة التي تتكئ عليها، إلا في الشكل والحجم واللون والملمس وما إلى ذلك من القيم التصويرية.

ويتابع الفنان حسين جمعان: ما وجده الصلحي من أفكار وتوجيهات عن الحجم والكتلة والقياس النظري الدقيق أو وقع الأثر والحركة الكامنة في شكل الكتلة، كل ذلك اثناء تلقيه الدراسة بكلية الأسليد.

فيما يقول التشكيلي حسن موسى: إن ممارسة الرسم لدى الصلحي لا تقتصر على البعد الجمالي العملي وحده، بل تعدتها نحو السعي الفكري لتأسيس إشكالية فلسفية حول دور الفنان في مجتمعه.

ويزيد: الناظر لأعمال الصلحي القديمة والحديثة يلمس بسهولة أن الرجل لم ينقطع أبداً عن تعلم التقنيات والأساليب الجديدة واستكشاف الرؤى الإبداعية المخالفة لكل ماعهد عنه في أوقات سابقة.

ويضيف موسى: إن أهميته في مشهد التشكيل السوداني المعاصر تأتي من طريقة المبدع الرائدة في مقاربة الممارسة الفنية بانتباه نوعي لبعدها الاجتماعي، وهذا أمر لم ينتبه إليه جيل الرسامين الذين سبقوه، بل لم ينتبه إليه كثير من جيل الصلحي نفسه.

الفنان التشكيلي العالمي ولد في أسرة مبدعة اهتمت بالعلم والإبداع والتصوف، فوالده عمل أستاذاً بمعهد أم درمان العلمي، وكان خطاطاً مبدعاً، ودرس الفقه وأقام خلوة بأم درمان، وشقيقه الأكبر عهد عنه ميله وحبه للزخرفة على الخشب، وكاتب قضائي في محكمة شرعية، بينما شقيقه علي كان مهتماً بالتجريد ومتميزاً في تجليد الكتب، فيما ورث عن شقيقه عثمان مهنة صناعة الأحذية البلدية (المراكيب)، حيث اشتهر بـ (صرماطي) إلى جانب عمله في المحكمة الشرعية كعامل قضائي أيضاً، أما شقيقه عربي الصلحي فهو فنان تشكيلي اشتهر بميله الواضح للموسيقى والغناء وبرع كملحن قدم أغنيات للفنان عبد الدافع عثمان، ولم يبتعد شقيقه قريب الصلحي عن التشكيل بحذاقته في الجداريات رغم امتهانه الهندسة، فيما عرف عن شقيقته سعدية بروزها كمتخصصة في التراث وتصميم الأزياء القومية، وتميزت مريم الصلحي باهتمامها بالموسيقى وبراعتها في العزف على آلة العود بينما اهتم شقيقه حسن بالتراث والتاريخ.

للصلحي ثمانية من الأبناء هم محمد، سامي، عثمان، عمرو، شامة، زكريا، ريا، زين العابدين وليزا.

ويتفق جمعان مع حسن موسى في أن الرسم لدى الصلحي لا يقتصر على البعد الجمالي وحده، فبحسب التشكيلي حسين جمعان أن أعماله تفسر بالإقناع والإيحاء والتأويل في كثير من الأطر الفلسفية والتأملية التي يتخيلها ويستلهمها في انفعالاته ويتحكم فيها برزانته وسلوكه الهادئ، ويزيد: يرتكز الصلحي في أعماله على روح الكائنات والخلائق والعناصر الروحانية، وتلك الوجوه الجاحظة والعيون الغائرة، والأيدي المعروفة والبطون الخاوية، لذا حمل مسؤولية صياغة الحياة وتأملها.

ويرى جمعان أن الصلحي يمتلك عالمه الداخلي الثر فيظهره بأسلوبه المتمكن، فأعماله في الرسوم التوضيحية راعشة.. دقيقة.. رقيقة تتحرك في متاهات الورق الجاثم أمامه فتخلق علاقة حميمة تنسجم مع جزيئياتها ولا تنفك تدور حول نفسها لتخلق عوالمها الجمالية بقدر عالٍ من الصدق والاتقان والكمال.

هذا الفنان من أولئك الذين رفعوا تيجان العظمة على جباههم دون أن ينقلهم ذلك إلى دروب الأنفة والكبرياء والتطلع الأخرس لسوح النرجسية، ولعل صوفيته ونقاءه قادته لكل ذلك التسامح..

يقول الصلحي: منذ اعتقالي بسجن كوبر في سبتمبر 1975 حتى مارس 1976 صارت النزعة الصوفية متحكمة في أعمالي، لإدراكي إرادة الخالق بعد الفرصة التي وجدتها بالانفراد الكامل مع الذات والتأمل في كل ما هو محيط- يعني فترة الاعتقال- فمنذ تلك الفترة تحققت لي شروط الاستقامة المطلقة رغم نشأتي في أسرة ذات جذر ديني متأصل، فوالدي انشأ خلوة بالمنزل، ويعرف عن والدتي تدينها، وبيتها مبذول لخدمة الضيوف بعد تأسيس الخلوة التي صارت جزءاً من المنزل.

يقول جمعان: الفترة التي قضاها الصلحي في الاعتقال بسجن كوبر، كانت مرحلة خصبة لإنتاج أعمال متكاملة ومتميزة من الرسم التوضيحي بالأحبار الملونة أو الأسود والأبيض بفعل الماء الدافق على سطحها أو على سطح جاف بالخطوط، بأحجام مختلفة في تجريد ورمزية، فقدم في معتقله مجموعة من الأعمال يغلب عليها الجانب العاطفي والفكري والفلسفي والحنين الطاغي بعيداً عن الأهل والأحباب، وحزناً على تردي حاله جراء معاملة بائسة لا يستحقها، فكانت تلك الأعمال تعكس حالته النفسية في السجن وما تحدثه من (هلوسة) فرسم كثيراً من تلك الرسومات لوجوه غريبة وأبدى احتجاجية ترفعها عالية، ووحوش ضارية، ونبال وحجارة وما شابهها من روح الكآبة.

ويزيد: كما رسم الصلحي نقيض ذلك في منفاه من أعمال ملونة عن المرأة والبعد الذي نشأ بين مسافة السجن والخيال.

هذا الفنان تستعد جامعة كورنيل الأمريكية لتكريمه بتوثيق كافة أعماله عبر مشروع توثيقي ضخم يحوي كل أعماله التشكيلية التي بذلها منذ خمسينات القرن الماضي، مع أصدارها كتابين لسيرته الذاتية بالانجليزية والعربية مع طبع الجامعة كتاباً لخص حوارات متبادلة بينه والتشكيلي حسن موسى استمر 13 عاماً- حسب موقع سودانيز أون لاين- وذلك إعداداً لتنظيم معرض متنقل بكل المتاحف الأمريكية..

التشكيلي جمعان أرسل اتهاماً إلى الصلحي ودمغه بترسيخ مفهوم خاطئ في مناهج الرسم وفق قواعد مغلقة بعد وصوله إلى قناعة أن الرسم أساس كل عمل فني ناجح، فمن لا يحذقه لا يستطيع أن يجود عمله الفني في التخصصات المختلفة..

وقال إنه عاد بهذا الفهم بعد رجوعه الى السودان معتقداً أنه لا يقل عن رسامي فن النهضة الاوربيين!

مستدركاً: (الصلحي حقيقة هو الملك بلا منازع) وعاد ليقول: الصلحي أدخل روعاً في الأساتذة والطلاب بمدرسة الفنون الجميلة والتطبيقية بهذا الفهم، متابعاً (قد يكون الرسم مهماً لتعليم الطلاب الضوابط والدقة والحذق والصبر والملاحظة والتجويد وهو مادة كأي مادة أخرى ولا يعلو على شيء).

ويتابع جمعان: هناك من أتقن الرسم على الطريقة الاوروبية وفشل في تقديم لوحة واحدة ناجحة، والبعض الآخر لم يحذقه ذلك الحذق وبرع في عمله كفنان له مكانته.

وزاد قائلاًً ( شخصياً لا أميل لهذا الرأي وأرى أن مادة الرسم مادة عادية مثلها وبقية المواد الأخرى، ويتوقف نجاح الطالب فيها بموقف من يقوم بتدريسه من الأساتذة ورؤيته حول مادة الرسم والغرض من تدريسها).

منبهاً إلى أن كلية الفنون الجميلة والتطبيقية تسير في مناهج الرسم على الطريقة الاوربية بتلك الصرامة والمقاييس المتفق عليها منذ عصر النهضة. وطالب بتغيير مفهوم تدريس الرسم لحل الإشكاليات الأكاديمية بأفق واسع (لقد تغيرت كل الأشياء من حولنا ولم يتغير وضع الرسم وكأنه على نمط القصيدة التقليدية ووقوفها الدائم على الإطلاق)!

ولم ينس جمعان أن يشير إلى ان الصلحي لم ينفعل بالطباعيات (اللاينو، الخشب، الكرتون والزنك) واكتفى بالرسم الإيضاحي فقط، مستعملاً الريشة أو الفرشاة أو الاثنين معاً، وقال إنه لو فعل لأتى برؤية جديدة كالتي أحدثها شبرين في محفوراته الرائعة على خامة الخشب، اللاينو والاسكربر بورد التي حقق بها نتائج عالية الجودة والرؤية.

مستدركاً (قد يكون مرد ذلك إن مادة الطباعيات من مواد التصميم الإيضاحي، لقد تحول شبرين من التصميم الإيضاحي إلى التلوين ويبدو أن تخصص شبرين الدقيق جعله يعطي الطباعيات عنايته الخاصة)..

وتابع : الصلحي يعتقد وما يزال أنه لا يقل كفاءة عن فناني عصر النهضة الاوربيين.. وأعتقد أيضاً أنه كذلك.







طارق الحسن محمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10-07-2010, 09:23 PM   #[56]
طارق الحسن محمد
Banned
الصورة الرمزية طارق الحسن محمد
 
افتراضي







إعداد: حذيفة محي الدين

اعتلى منبر الخطابة وهو طالب في الفصل الثاني بكلية غردون, وكان ذلك في رثاء صحافي السودان الأول السيد حسين شريف, وفي رثاء فنان السودان الأول خليل فرح, وأُقيم حفل التأبين بنادي الخريجين بأم درمان.

تحدّث نيابةً عن الطلبة في وداع المستر يودال عميد كلية غردون بمناسبة تقاعده بالمعاش، وطالب بضرورة إنشاء جامعة بالخرطوم.. اهتم المستر يودال بالخطاب وطالب بترجمته وحمله معه إلى لندن وكان ذلك في العام 1929م.

أنشأ الجمعية الأدبية بود مدني، التي سطع في سمائها فكرة مؤتمر الخريجين العام.

كان أحد الأربعة الذين حملوا فكرة المؤتمر إلى نادي الخريجين بأم درمان.

وعندما قام المؤتمر العام 1938م انتُخب عضواً في اللجنة الستينية وانتُخب عضواً في اللجنة التنفيذية للمؤتمر التي تقدمت للحكومة بمذكرة المؤتمر المشهورة التي تُطالب بحق تقرير المصير العام 1942م.

قابل وزميله أحمد يوسف هاشم بصفتهما الصحفية المستر استافورد كريس وزير خارجية بريطانيا القومية أثناء الحرب العالمية الثانية وهو في طريقه إلى الهند عن طريق رأس الرجاء الصالح، قابلاه أثناء الفترة القصيرة التي قضاها في الخرطوم وتحدثا إليه عن جهود السودان لمساعدة الحلفاء في الحرب, وكيف وضع السودان كل إمكانياته الاقتصادية والحربية لمساعدة بريطانيا، وفي ختام المقابلة قال لهما: أمامكم ميثاق الأطلنطي وهو يقول بصراحة لكل الشعوب التي أسهمت في الحرب حق تقرير المصير, ونقل الصحافيان نتائج المقابلة إلى مؤتمر الخريجين وهو يعد في مذكرته المشهورة.

عين العام 1939م رئيساً لتحرير صحيفة «صوت السودان» اليومية وأدارها بطريقة قومية وكانت لسان حال مؤتمر الخريجين.

أنشأ العام 1945م صحيفة «الرأي العام» المستقلة وكانت أول صحيفة سياسية يومية مستقلة تصدر في الخرطوم.

مُنح الدكتوراة الفخرية من جامعة الخرطوم العام 1980م، كما مُنح الدكتوراة الفخرية من جامعة أم درمان الإسلامية العام 1985م.

وقال عنه د. غازي صلاح الدين ووصفه بذي الأخلاق الحسنة. وقال إنه اشتهر بدماثة الخُلُق والطبع والتديُّن واعتدال المزاج، واحتفظ بعلاقات جيدة وممتازة مع جميع أطراف المجتمع السوداني بمختلف مكوناته السياسية والاجتماعية، وقال: كانت له إسهاماته الكبيرة والواضحة في الحركة الوطنية السودانية إبان فترة الاستعمار، لا سيما مؤتمر الخريجين، وأشار إلى أنه كان من الرعيل الأول الذي أسس للصحافة السودانية ومن المجددين فيها، وأضاف: ربَّى أجيالاً من الصحافيين ينتشرون اليوم في الصحف السودانية كافة، وغرس فيهم أخلاقاً وفضائل وسلوكاً. وأبان أنه كان شخصاً معروفاً حاضر الذهن. وقال: «رغم أنه توفي وقد قارب المائة لكنه كان حاضر الذهن يعرف الجميع بأسمائهم». وأضاف: كانت إسهاماته حتى قبل وفاته بيوم أو يومين. وأكد غازي أن الفقيد كان عملاقاً وعلماً بارزاً من أعلام السودان والعمل العام بصورة عامة.

من جانبه قال الإمام الصادق المهدي: (إن الأستاذ الراحل كان من الجيل الذي أسس السودان بعد الاستقلال, وكان مع جيله يعمل على تحقيق الاستقلال). وأشار الى أن جيله وصف بالجيل الخلاق المبدع. وأضاف: «(ن الرجل من زملاء والده عبد الرحمن المهدي، مشيراً إلى أنه من الذين جعلوا الصحافة السودانية سلطة رابعة بما فيها من الرأي المستقل، والرأي الحر، والخبر الصادق، وأسسوا لصحافة حديثة). وقال إن الصحافة في زمان العتباني اعتمدت على نفسها، وأوضح: «ليست كالآن معتمدة على غيرها».

وأصدر الاتحاد العام للصحفيين بياناً في وفاته جاء فيه أن العتباني رائد صحفي كان له الفضل مع آخرين في إنشاء الصحافة السودانية المستقلة وبناء المؤسسات الصحفية الوطنية, وأوضح البيان أن للعتباني إسهاماته الكبيرة والواضحة في الحركة الاستقلالية التي أفضت في نهاية الأمر لاستقلال السودان، وقال إنه كان له دوره الفكري والسياسي والصحافي والثقافي البارز من خلال الجمعيات التي نشأت والأحزاب التي تبلورت، ووصف قلمه بالواضح المعاني والجلي الفكرة, يستوعب احتياجات أمته وقضاياها المصيرية. وأكد الاتحاد أن العتباني انفعل بالواقع المحلي والإقليمي والعالمي, وجعل من هذا النشاط في صحيفة (الرأي العام) التي احتلت مكانة كبيرة عند جمهور القراء السودانيين.

واقعة اعتلاء الأستاذ الراحل إسماعيل العتباني منبر الخطابة وهو طالب في الفصل الثاني بكلية غردون التذكارية مَثّلت مُؤشراً على مساره المستقبلي، إذ يمكن اعتبارها أول ما يشير إلى رغبة كامنة لديه في خوض غمار العمل العام والانغماس فيه في ما بعد، لقد ألقى حينها خطبة رثاء لشخصيتين هما حسين شريف أبرز صحافيي ذلك الوقت وخليل فرح أبرز فناني البلاد، وبدأت مع تلك الخطبة رحلة الأستاذ مع العمل العام عموماً، والصحافة والأدب والسياسة على وجه الخصوص، وكان العمل الثقافي والأدبي مدخله إلى ممارسة الصحافة والسياسة، وبرزت الميول الأدبية بشكلٍ لافتٍ عقب انضمامه إلى ما كان يُعرف بمدرسة (الأبروفيين) التي كانت تُعنى بالقراءة والاطلاع, كما يقول د. محمد إبراهيم الطاهر عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم، ومن أعضائها إبراهيم حسن وإبراهيم عثمان إسحاق وعبد الله ميرغني وخضر حمد وحسن وحسين الكد.

وعندما نقل إلى ود مدني، لم يمض الأستاذ الوقت في لعب «الورق والطاولة والضُمنة» - على حد تعبير د. محمد إبراهيم ـ بل شدّته ميوله الأدبية ليؤسس برفقة أقرانه جمعية تقوم بقراءة الكتب ومناقشتها أدبياً في ركن من النادي أطلق عليه روّاد النادي (ركن المجانين).

دَخَلَ العتباني مضمار العمل العام بمواهب متعددة، لم تقتصر على إسهاماته الأدبية فحسب، بل بدأ ممارسة الصحافة منذ وقتٍ باكرٍ أيضاً. ويقول الأستاذ محجوب محمد صالح رئيس تحرير صحيفة (الأيام) إن الأستاذ من الرعيل الأول الذي قامت على أكتافه الحركة الوطنية الحديثة, وأسهم بقلمه في نشر الوعي منذ بدأ الكتابة مطلع الثلاثينات كاتباً غير مُتفرغٍ في مجلة (النهضة) السودانية، ثم رئيساً لتحرير صحيفة «صوت السودان»، وعمل مع زملائه من أبناء ذلك الجيل في نشر الوعي الوطني وبناء الحركة الوطنية الحديثة، ووصلت جهودهم ذروتها بإنشاء مؤتمر الخريجين.

ويرجع د. محمد إبراهيم الطاهر للأستاذ بعضاً من فضل إنشاء جامعة الخرطوم، وتعود تفاصيل ذلك إلى العام 1929م عندما كان طالباً بالسنة الثانية بكلية غردون التذكارية, وألقى كلمة في وداع مستر بودال عميد الكلية وكان عنوانها: (مسكين يا إسماعيل) وذكر فيها أنّه لا يوجد للطالب السوداني مجال للالتحاق بالدراسات الجامعية, وتأثّر مستر بودال بتلك الكلمة وترجمها إلى اللغة الإنجليزية ونشرت في الصحف اللندنية، كما يشير الطاهر إلى الندوة الشهيرة التي عقدتها الجمعية الأدبية بنادي الموظفين بود مدني في ذلك الوقت, وشارك فيها المرحوم أحمد خير باعتبارها لحظة ميلاد الدعوة لتأسيس مؤتمر الخريجين تأسياً بحزب المؤتمر الهندي، ويقول الأستاذ محجوب محمد صالح إن الراحل كان من المجموعة الصغيرة في جمعية ود مدني الأدبية برئاسة المرحوم أحمد خير, التي انبثقت منها فكرة مؤتمر الخريجين خلال مُحاضرة قَدّمَها أحمد خير العام 1936م في مدينة ود مدني.. ويضيف الأستاذ محجوب: إن الجمعية بلورت فكرة الاقتراح الذي ورد في تلك المحاضرة ونقل الفكرة إلى الخرطوم الراحل العتباني وثلاثة من زملائه ليطرحوها أمام نادي الخريجين بأم درمان، وانتهى التداول بإنشاء أول تنظيم سياسي علني جامع هو مؤتمر الخريجين، وكان الراحل العتباني من أركانه المهمّة.

الإسهام الضخم التالي للراحل الكبير كان تأسيس صحيفة (الرأي العام)، ويقول الأستاذ محجوب محمد صالح في شهادته إنّها أول صحيفة يومية مهنية مستقلة، حرص الراحل على أن يوفر لها الحياد والمصداقية والمهنية العالية والالتزام بالرأي والرأي الآخر في نهج ديمقراطي مُتميِّز، ويشير السيد ميرغني النصري عضو مجلس السيادة عقب الاستقلال إلى تأسيس (الرأي العام), الصحيفة التي ارتبطت باسم العتباني وارتبط بها هو باعتباره عاملاً مُهمّاً في توسيع قاعدة العمل السياسي, وربط قطاعات واسعة بالحركة الوطنية واعتبر أنها كانت تمثل الرأي العام السياسي بالسودان في ذلك الوقت، ويضيف: إن الصحيفة كانت المناصر الوحيد لقرار اتحاد طلاب جامعة الخرطوم في العام 1954م بسودنة إدارة الجامعة أُسوةً بحركة السودنة التي انتظمت المُؤسّسات والقطاعات الأخرى، وأن (الرأي العام) نشرت الخبر أعلى صفحتها الأولى، ويقول: (وقع ذلك في أنفسنا وقعاً عميقاً كطلاب في ذلك الوقت).

بروفيسور علي شمو رئيس مجلس الصحافة تحدث عن الأستاذ العتباني قائلا إنّه آخر العمالقة المُؤسّسين للصحافة السودانية، وهرم من الإهرامات الصحفية في السودان.. وأنشأ أقدم صحيفة مُستمرة منذ العام 1945م وحتى الآن.. رجل تاريخه النضالي طويل وهو طالب في المدرسة وفي الكلية وإسهامه في تأسيس مؤتمر الخريجين.. وفي الفترة التي سبقت قيام الأحزاب السياسية وبعد قيامها.. وخلّف جريدة مستقلة بحق وحقيقة لعبت دوراً كبيراً جداً في شحذ الهمم والكفاح والنضال بموضوعية واتزان، إضافةً إلى أنّه وبالرغم من سنه المتقدم كان رجلاً عابداً وذاكراً يرتاد المسجد.. ويُصلي أغلب أوقاته في مسجد أبي روف.. وكان ذهنه حاضراً حتى وَدّع هذه الدنيا.. وكان ذا فكر وعقل متزن حتى رحل.. ويضيف: هو دائماً بالنسبة لي مثل الأب.. فهو يشعرك بأنّه أب يتعامل بأدبٍ و(حِنيّةٍ) وعطفٍ وصدقٍ.. وكان رجلاً باسماً يحب الناس.

هذه الأبوَّة التي تحدث عنها البروفسير على شمو ورددها الصحفيون والعمال الذي عملوا معه في الصحيفة, أكدوا أنه استطاع أن يجعل من فريق العمل في الصحيفة أسرة واحدة يشعر الجميع بأنهم ينتمون إليها بحق وحقيقة, وأحدهم قال إن مصطلح (أولاد الرأي العام) لم يأت وليد صدفة, بل هو اسم نبع من حقيقة وطبيعة مجتمع الرأي العام الذي يشعر فيه الجميع بأنهم أسرة واحدة, وقد ظل العتباني الكبير أباً لهذه الأسرة حتى بعد أن ابتعد عن الصحيفة وتوقف عن ممارسة عمله فيها.

وفاته:

انتقل إسماعيل العتباني إلى رحاب الله فجر الجمعة. ليرحل أحد مؤسسي الصحافة السودانية وأعمدتها التاريخية فى يوم مبارك عند جموع المسلمين.

رحلة عمر قضاها الراحل من أجل الكلمة الحرة، ونثر بذور التنوير على امتداد المليون ميل, أرسى عبر مساهمته الفاعلة حركة ثقافية وسياسية خطت طريقاً ما زال بائناً. بتأسيس مؤتمر الخريجين الذي غيّر مصير السودان. ومائة عام قضاها العتباني وهو يؤسس مدرسة )الرأي العام) ويقود دفتها في بحر متلاطم الأمواج من أجل إحداث تغيير اجتماعي وثقافي وسياسي، انطلاقاً من التزامه الصارخ بأصول وقواعد المهنية الصحفية، مع التماس خلاق لروح المسؤولية الوطنية. في وقت مخاضٍ عسير للأمة السودانية بأسرها وهي تنافح من أجل الحرية والاستقلال والانعتاق من قيود الاستعمار. ولم يرض العتباني برحيل المستعمر فقط، بل أراد تعزيز معنى الاستقلال بإرساء دعائم أمة مستقرة وطامحة، عبر سياسة رشيدة ونظام ديمقراطي. فالعتباني ما فتئ يردد عن يقين ووعي أن الديمقراطية بكل مساوئها هي أسلم الطرق للحكم الرشيد في السودان. الأستاذ عبد العزيز الذي سطر بكائية الراحل يمضي ويقول:

وإن كان العتباني أحد الرواد قد شق طريقاً محفوفة بالمخاطر من أجل صباحات مشرقة، فإنه فتح كوة لأجيال من بعده. وإن كنت أنتمي لما يعرف بجيل الألفية (آخر عقدين في القرن المنصرم), فثمة هوة زمنية سحيقة تفصل بيننا والعتباني، إلا أن الارتباطات الوجدانية تجعلنا من أهل الحظوة، لنقطع هذا البرزخ الزماني بسهولة، ونحن نتزود بلبنات وضعها الراحل ورفاقه منذ أمد بعيد. لنتشرب من روحه وننهل من فكره ومدرسته الصحفية متجاوزين كافة الأطر والحواجز الدقيقة. رافعين ذات الراية التي حملها الراحل وزمرته في سبيل صحافة ذات تأثير وفعالية واضحة في محيطها، تتلمس في اتجاهاتها نبض الشعب السوداني، وتعبر في ذات الوقت عن مواقفه وطموحاته، وتشاركه آلامه وآماله، من أجل بناء وطن وفق ما نشتهي..
[/B]



طارق الحسن محمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10-07-2010, 09:26 PM   #[57]
طارق الحسن محمد
Banned
الصورة الرمزية طارق الحسن محمد
 
افتراضي سر الختم الخليفة..حبيب ابناء الجنوب









سر الختم الخليفة رجل وطني غيور، اعتلى عدة مناصب سيادية وقيادية، أهمها رئيس وزراء حكومة أكتوبر، قدم للوطن عصارة جهده واجتهاده في مجال التعليم. وكانت له بصمات واضحة جعلته رمزاً مميزاً، منها : نشر اللغة العربية بجنوب السودان حيث كان مسؤولاً عن التعليم هناك، كما شارك في وضع المنهج التعليمي ببخت الرضا.

اشتهر الرجل بعلمه الثر وحكمته وصبره فهو شديد الوفاء لوطنه وأهله وأصدقائه، وكان مثالاً لرجل الخدمة العامة واسع الإدراك، أحبه الإخوة الجنوبيون، وشعروا أنه لا ينفصل عنهم، ويكفي أن نعاه قادة الجنوب: سلفاكير، أبيل ألير، بونا ملوال، لام أكول، فهم أصدقاؤه وكثيراً ما تجدهم معه بمنزله، وكان له القدح المعلى في تعميق أواصر الوحدة الوطنية، فهو الذي وضع لبناتها الأولى بعقده مؤتمر المائدة المستديرة عام 1965 الذي أدى للفهم العميق لمشكلة الجنوب والذي أدى كذلك لعقد اتفاقية أديس أبابا عام 1972م.

قال عنه الأستاذ علي عثمان محمد طه: إنه قامة وطنية وتربوية، قدم الكثير لبلاده. كما وصفه لام أكول بالوطنية والحصافة، فهوة حبيب لكل أبناء الجنوب. وقال عنه المتعافي: إن سر الختم اهتم بترسيخ الوحدة الوطنية بين أبناء الشمال والجنوب. وكان حضور الجنوبيين مكثفاً في حفل تأبينه، وقد بدا الحزن على وجوههم لفقدهم من علمهم اللغة العربية قراءة وكتابة. وقال أحدهم: كل الذين ملأوا مقاعد الجامعات في الخمسينات والستينات مدينون لسر الختم ورفاقه بهذه النقلة في حياتهم. فقد كان حفل تأبينه كما وصفه الصحفي الرقم محجوب محمد صالح بالمظاهرة الوحدوية إذ وحد فقيدنا المشاعر بين أهل الجنوب والشمال.

حدثنا شقيقه الأستاذ حسين الخليفة الحسن قائلاً:

ولد سر الختم بمدينة الدويم في أسرة دينية يغلب عليها الطابع الصوفي. عرف بطيبة القلب والسماحة وحبه الدافق لكل البشر. كنت في حضرته ليوم كامل قبل رحيله بمنزله بضاحية الفردوس بالخرطوم. كان الأستاذ معلماً ذائع الصيت أحبه كل من عمل معه، ومن إشرافاته كما عرفت منه هي أنه استطاع بخبرته ورصيده الوافر من العلم أن ينجح في إدخال اللغة العربية الى الجنوب، كان بجانبه في هذا العمل الوطني الأستاذ حسن أحمد يوسف وزير الدولة بالتعليم الأسبق وصديقاه داؤد عبد اللطيف والد الأخ أسامة (السوداني الرقم) وجورج حجار والد (أنيس) رجل الأعمال المعروف..

تحدث لي الأخ سر الختم في ذلك اللقاء عن أيامه الأولى بقلعة العلم بخت الرضا والتي كان أحد بناتها تحدث عن دورها الرائد في تدريب المعلمين وبناة صرحها من التربويين: المستر قريفس، عبد الرحمن علي طه، عوض ساتي، نصر الحاج علي ود. أحمد الطيب ود. عبد الله الطيب وشاعرها الفذ عمران العاقب. وحدثني بإسهاب عن تاريخ التعليم بالسودان سنفرد له مقالة أخرى بإذن الله. وأهم ما تحدث لي عنه هو مشاركته في السياسة لأول مرة واختياره بإجماع وطني مذهل ليصبح رئيساً لوزراء ثورة أكتوبر التي أعقبت حكم الرئيس عبود. تحدث لي عن أسباب اندلاعها؟ وكيف تم اختياره منفذاًَ لأهدافها.

وقال إن قبوله لرئاسة الحكومة يومذاك كان واجباً وطنياً لا بد أن ينصاع له ولرأي الأغلبية من الأحزاب وجبهة الهيئات والقوات المسلحة. وقد أجدمعت عليه هذه الفئات الوطنية لتميزه بالآتي: أولاً: لاستقلاليته وحياده التام. ثانياً: لإلمامه التام بقضية الجنوب والسعي لحلها، وقبول أبناء الجنوب لشخصه. ثالثاً: لثقافته الممتدة ولما عرفه به من حكمة وحصافة وذكاء متوقد ودبلوماسية يقظة. رابعاً: لعفة يده ولسانه مع الاستقامة والأمانة. وقال: لقد حاولت أن أدير دفة الحكم بمجلس وزراء ممثلاً لكل الأحزاب والهيئات (لحم راس) ورغم ذلك كسب ثقة وحب الجميع حتى نفذ كل بنود الميثاق الوطني وأجرى الانتخابات القومية في موعدها المحدد. ومن سياسته الحكيمة لتوطيد الوحدة الوطنية وإزالة حاجز الثقة Barrier أنه قام بتعيين كلمنت امبورو الجنوبي الأصل وزيراً للداخلية فهي وزارة سيادية هامة مما أثلج صدور أبناء الجنوب وكسب ودهم وحبهم، ثم تحدث لي عن أن إتفاقية السلام انجاز وطني يستحق الإشادة فهي الضمان لتحقيق الاستقرار والوحدة الوطنية. وذكر لي أنه إبان التمرد عام 1955 الذي حدث بتوريت كان قد قرر التوجه لتوريت لتوزيع كتب اللغة العربية على المدارس ومعرفة موقف المدارس، وعندما طلب من سائقه الجنوبي (جون) تجهيز العربة للسفر لتوريت يرفض السائق وقال له: لا تذهب هناك تمرد بتوريت، وفي أثناء حديثه معه لدغته عقرب منعته من السفر. وبعد التمرد قال له المعلمون الجنوبيون بتوريت كان لن يصيبك سوء إذا حضرت، فهذه حادثة تدل على ما يكنونه له من حب عميق.

لقد أعجبت ملكة بريطانيا اليزابيث بشخصيته وطلاقة لسانه في اللغة الانجليزية وقد منحته لقب سير –Sir- عندما كان سفيراً للسودان بلندن فهو لقب منح من قبله للسيدين المهدي والميرغني يومذاك..

قدم العديد من المحاضرات بمنابر جامعات بريطانيا عن التربية والتعليم في السودان. اهتم سر الختم بثقافة الطفل وأنشأ مجلة الفارس التي أصبحت منهلاً عذباً للأطفال وأثرت ذخيرتهم اللغوية.

كتب عنه الأخ دكتور ابراهيم دقش مقالة رائعة ومفيدة عن حياته وعلاقاته الممتدة، وذكر أنه زاره بمنزله بالفردوس الذي تم شراؤه وهو في آخر أيامه فلم يملك منزلاً بأرض السودان العريضة خلال فترة عمله. وقال (دقش) إن دار سر الختم بجوبا عرفت بدار أبي سفيان يأمن فيه الخائف، ويطعم فيه الجائع ويرتاح في كنفه المتعب. وأميز ما في شخصيته أنه يفصل بين الجد واللعب وبين وقت العمل والوقت الخاص. فهل تكون مسيرته قدوة لرجال الخدمة المدنية اليوم؟

انتهى المطاف بسر الختم الخليفة رئيساً لمجلس أمناء جمعية حجار الخيرية فعلاقته بجورج حجار توطدت وهما في الجنوب، ولابد أن آل حجار اختاروه إدراكاً منهم لقدراته ومقدرته على العطاء والشفافية الزائدة في الإدارة. وطيلة معرفة الناس به لم يروه غاضباً يوماً ما، ولم يتفوه بلغو الكلام.. كان عفيفاً يتخير كلماته ويزن ألفاظه كما كان ممراحاً تطربه الطرفة، ويرتاح إلى النكتة. وقال دكتور دقش إنه رجل لم يغيره منصب أو يؤثر فيه موقع فظل محتفظاً بنقائه وبساطته وعلاقاته.. وإذا كنت قد أبرزت عفة لسانه، فإن عفة يده تفوقها. يكفي أنه حتى قبل سنوات كان ينتقل من بيت أجرة إلى آخر بعد أن أخرجوه من بيت الحكومة دون أسباب.. ولما اشترى داراً في آخر عمره كان في (سقط لقط) في حي الفردوس بالخرطوم وليس في نمرة (1) أو (2)، ويذكر دقش أنه بحث عن ذلك المنزل وتاه ثم سأل.. وعندما وصل المنزل بصعوبة روى له أن أحد جيرانه عندما سأله عن منزل سر الختم الخليفة قال له: مش بتاع أكتوبر؟ وهنا ضحك سر الختم من قلبه وعلق: (كويس هناك من يذكر اكتوبر ذاتها..)

وسدك الله الباردة يا سر الختم.. فحزني عليك أطنان وجبال.

هاهو شاعر بخت الرضا عمران العاقب يرثي أستاذه سر الختم الخليفة في درته (ذكرى رائد جيل)، فليسمح لنا أن نقتطف من حديقته الغناء زهرات نضرات..

ودعت يا رب البيان مفارقاً

صمت البيان وما وعى ما قيلا

المعهد المحزون في بخت الرضا

لا يستبين إلى لقاك سبيلا

أما الجنوب فقد تضاعف حزنه

فأقام بعدك مأتماً وعويلاً

ورعيت في دنيا الجنوب قبائلا

لهجت بذكرك بكرة وأصيلا

شاكراً (لحجار) عظيم وفائه

صنع الوفاء لرأسه إكليلا

رحم الله سر الختم .. وحفظ الله أبناءه



طارق الحسن محمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10-07-2010, 09:30 PM   #[58]
طارق الحسن محمد
Banned
الصورة الرمزية طارق الحسن محمد
 
افتراضي فاطمة أحمد إبراهيم..امراة اهتز لها عرش الرجال





[B]


(الاسرة كانت تقضي العطلة الصيفية مع أسرة والدي بمدينة القطينة – وهناك بجانب جدتي وعماتي كانت توجد امرأة ، تناديها عماتي (بفضل الرحام).. وكانت أمراة طيبة وكنت أعتقد أنها أخت جدتي حسب معاملتهم, وكنت أحب تلك المرأة جداً وأجلس بجانبها، وهي تطحن الذرة، ثم تعد الكسرة، وتطعمني منها، وأثناء عملية الطحن، كانت تغني بصوت جميل لكنه حزين، وبلغة لم أفهمها وبرغم ذلك كانت دموعي تنهمر، وأبكي بشدة لسماع ذلك الغناء الحزين.. وفي ما بعد علمت أن تلك المرأة ليست جدتي، ليست أخت جدتي وإنما هي امراة من جنوب السودان، واختطفها أحد تجار الرقيق من أسرتها، وتم بيعها من شخص لآخر، إلى ان استقرت مع اسرة والدها, وبالرغم من معاملتهم الحسنة لها، الا انها بالطبع لم تنس اطفالها وزوجها). وتقول فاطمة إن اكتشاف تلك الحقيقة، غرس بداخلها احساسا مؤلما بقسوة تجارة الرقيق، وتجاه الظلم والاضطهاد بشكل عام وبخاصة تجاه المواطنين من الجنوب وجبال النوبة. كان لتلك القصة اثر كبير في وقوف فاطمة أحمد إبراهيم الى جانب الفقراء والمضطهدين والمستغلين وصارت تلك هي قضية المناضلة فاطمة.

قصة تمرد

وتقول فاطمة عن نفسها إنها متمردة ومهما حدث لها ستستمر في النضال الى ان تموت.

ويبدو أن البحث عن العدالة الاجتماعية والاهتمام بقضايا الفقراء هو الذي قاد منذ وقت مبكر الاستاذة فاطمة أحمد إبراهيم أو (الرائدة) كما يطلق عليها الى الانتماء الى الافكار الشيوعية, وهو الامر الذي بدا غريبا حينها خاصة وأن فاطمة هي ابنة امام المسجد, لكن هذا العجب هو الذي تحكم عليه فاطمة نفسها بالتلاشي بتبرير كانت نتيجته (ان ليس في الامر عجب), فالإنتماء الى الفقراء جعل من والدها اماما للمسجد والانتماء للفقراء جعل منها شيوعية، غير ان شيوعية فاطمة لم تتناقض أو تبدو غريبة عن القيم التي تربت عليها في بيت شيد على التقوى, فكان ان الفت بين هذا وذاك. وتقول فاطمة أحمد إبراهيم ان الدعاية المعادية للشيوعية كانت تبث في الناس ان الشيوعية امر منافي للدين ويدعو للفساد والانحلال الخلقي, وتقول انها لم يكن بمقدورها ايقاف تلك الدعاية غير انها كانت تراهن على سلوكها الشخصي, وانها تؤدي صلواتها كمسلمة وربما هذا ما جعل البعض يقول ان فاطمة ليست شيوعية, على نحو ما فعلت سعاد إبراهيم احمد عندما قالت في حوار مع (الوطن) السودانية: (أنا رأيي، من زمان، إنو فاطمة ما شيوعية والآن، بعد أن عادت من لندن تأكد لي أكثر أنها ما شيوعية.. فقد دخلت برلمان «الجبهة».. وقابلت البشير.. وأدوها أرض بالقرب من كوبري المنشية الجديد، حيث قالت إنه تعويض لها عن أرض صادرتها منها حكومة الجبهة).. غير أن هناك من يرى أن برلمان الجبهة دخلته فاطمة بقرار من الحزب الشيوعي ولم تكن فاطمة وحدها بل كان برفقتها الاساتذة سليمان حامد وصالح محمود عضوا اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي، وقد تناولت فاطمة احمد ابراهيم الفرق بين هذه التجربة في المشاركة في المجلس الوطني المعين ومشاركتها البرلمانية السابقة. وتقول ان الفرق كبير باعتبار ان البرلمان الأول كان عن طريق الانتخاب الحر, اي انه برلمان شرعي بينما تقول عن المجلس الوطني المعين انه قد جاء بحكومة استلمت السلطة غصبا, وحول مشاركتها في المجلس الوطني الانتقالي في اعقاب توقيع اتفاق نيفاشا للمصالحة الوطنية يقول الاستاذ يس محمد نور يس عضو المجلس الوطني الانتقالي: (نحن نكن احتراماً خاصاً للأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم وعلى الرغم من تباين مذاهبنا ومناهجنا الفكرية معها, ولكنها امرأة تستحق الاحترام وما ذلك إلا لعصاميتها ثم لجرأتها في اقتحام هذا المجال الذي لم تسبقها عليه امرأة من قبل, ثم صبرها ومثابرتها في التعاطي مع الشأن العام وهي سودانية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى). بينما يرى كثيرون ان اصل الصراع بين فاطمة وسعاد لا علاقة له بتلك المشاركة بل كان حول الموقف من قضايا المرأة, وهو الامر الذي تقره الاستاذة الرائدة سعاد ابراهيم احمد في ذات الحوار عندما قالت: (فاطمة لم تستطع أن تنسى موقفي في الستينيات من الآلية النسوية التي لم أقتنع بها), وربما يقودنا حديث المناضلة سعاد هذا الى قصة تأسيس الاتحاد النسائي وموقف فاطمة من قضايا المرأة والتي كان لفاطمة فيها القدح المعلى. وتقول فاطمة أحمد إبراهيم ان الحديث عن انشاء الية لعمل المرأة بدأ منذ ان كانت في المرحلة الثانوية, وانها كانت تحض الفتيات على ضرورة ان يضعن اياديهن فوق ايادي بعض حتى ينجحن في تغيير وضع المرأة والقضاء على العادات الضارة التي تقلل من قدر المرأة. ومن خلال هذا التفكير اليومي نشأ الاتحاد النسائي السوداني عام 1952م بقيادة فاطمة أحمد إبراهيم وعدد من الرائدات مثل الدكتورة خالدة زاهر، نفيسة أحمد الأمين، حاجة كاشف، عزيزة مكي، و ثريا امبابي. وتقول الاستاذة فاطمة ان ميلاد الاتحاد واجه عقبات وصعوبات اجتماعية عديدة خاصة مع النظرة السائدة نحو المرأة في ذاك الاوان, ولكن العمل المثابر للاتحاد النسائي استطاع ان يحقق نجاحات كبيرة تغيرت معه نظرة المجتمع خاصة ان الاتحاد كان يراهن على الوعي. واليوم تنظر الاستاذة فاطمة احمد ابراهيم الى تجربة الاتحاد النسائي بكل الفخر والاعزاز عندما قالت للزميل الاستاذ قرشي عوض: (بكل فخر يمكن أن تكون الحركة النسائية السودانية هي اعظم حركة نسائية في العالم, وأنا لا اقول ذلك من فراغ ولكن من خلال الواقع الذي دفع الامم المتحدة لمنح الاتحاد النسائي السوداني جائزة حقوق الانسان, نسبة للانجازات التي حققها للمرأة السودانية). وقصة تأسيس الاتحاد النسائي تقودنا الى قصة اخرى تحكي نضالات المرأة السودانية السابقة لنضالات النساء في المحيط الاقليمي, وهي قصة اصدار صحيفة صوت المرأة فقد شعرت فاطمة (السمحة) كما يحلو للبعض تسميتها, ان بعض الصحف اليومية تهاجم الاتحاد النسائي لتحجيم دور الاتحاد مما دعا فاطمة ورفيقاتها للتفكير في اصدار صحيفة تعنى بشؤون المرأة وتدافع عن قضاياها, فكان ميلاد (صوت المرأة) الصحيفة الناطقة باسم الاتحاد النسائي, وحتى اصدار الصحيفة تم بشرط ألا تتناول القضايا السياسية فوافقت فاطمة أحمد ابراهيم على الشرط وهي تضمر امرا حيث ان السياسة كانت تجري في عروق فاطمة. وتقول فاطمة إن (صوت المرأة) لعبت دورا رائدا في مقاومة حكم عبود العسكري – فهي اول صحيفة سودانية تستعمل الكاريكاتير لهذا الغرض الامر الذي ادى لانتشارها – وتعرضها للحظر لعدة مرات – لقد لعبت صوت المرأة دورا بارزا في توضيح قضية المرأة ، ومشاكل الاطفال ، والحركات النسائية ، وموقف الاسلام الحقيقي من المرأة. وفي عام 1954 طالب الاتحاد النسائي بالحقوق السياسية للمرأة ، حق التصويت وحق الترشيح – فتعرض للهجوم من قبل الجبهة الاسلامية، بحجة ان الاسلام لا يسمح بمساواة المرأة وانخراطها في السياسة – ونظمت حملة واسعة ضد الاتحاد النسائي وضدي شخصيا من ائمة المساجد ، لان والدي كان اماما، وقد تعرض كذلك للهجوم، وهذا ما دفعني للرجوع للقرآن الكريم لاثبت ان الاسلام ليس ضد مساواة المرأة، ولا ضد اشتغالها بالسياسة، وكانت تلك الوسيلة الوحيدة لاقناع الجماهير المسلمة، والتي تتلقى معرفتها لاحكام الاسلام منهم.

وتقول فاطمة ان وعيهم السياسي في الاسرة بدأ مبكرا اذ تعرض والدها لضغوط ومشاكل كثيرة بعد تخرجه من كلية غردون، من قبل ادارة التعليم البريطانية، لانه كان مبرزا في اللغة الانجليزية لكنه رفض تدريس اللغة الانجليزية ، بحجة انها لغة المستعمر الكافر فاضطر للاستقالة من المدرسة الحكومية ، والتحق بالتدريس بالمدرسة الاهلية ، استاذا للغة العربية والدين الاسلامي، وتقول فاطمة ان معظم نقاش الوالد مع الوالدة كان يدور حول الاستعمار البريطاني ، وتذكر فاطمة حادثة كان لها الاثر الحاسم في انضمامها للحزب الشيوعي وتقول: (في يوم من الايام اقتحم رجال الامن منزلنا واعتقلوا شقيقي صلاح، بتهمة الكتابة على الحيطان وتوزيع منشورات الحزب الشيوعي ضد الاستعمار, ولكن اطلق سراحه لصغر سنه وفيما بعد اتضح لها ان شقيقها مرتضى كان عضوا في الحزب الشيوعي ولكنه استقال منه في ما بعد)

الانضمام للحزب الشيوعي

كانت فاطمة أحمد ابراهيم تسمع عن الحزب الشيوعي من شقيقها صلاح ـ الشاعر والأديب المعروف ـ ويأتي بمنشورات الحزب لشقيقته فاطمة ويحدثها عن الاشتراكية,, والامر الذي لفت نظر فاطمة من خلال تلك الاحاديث أو الدروس هو تحليل الاشتراكية نظرياً لاسباب اضهاد المرأة، وبداية ابعادها عن مواقع العمل والانتاج، وحصر دورها في المنزل فكان ان دخلت فاطمة الحزب الشيوعي في عام 1954 ، وبعد فترة صارت فاطمة عضوة باللجنة المركزية للحزب، غير ان تلك القصة لم تمر مرور الكرام فعندما سمع والدها بخبر انضمام ابنته للحزب الشيوعي ثار ثورة شديدة وغضب من ذلك الفعل, غير ان فاطمة ارادت ان تقنع والدها بدلا من الدخول معه في مواجهة فطلبت من والدتها ان تحضر لها بعض اصدارات الحزب الشيوعي لتضعها تحت وسادته, فلما رقد احس بوجود اوراق تحت الوسادة، فاخرجها وقبل ان يسأل اخطرته زوجته بانها وضعتها له ليقرأها، فاذا وجد أي كلمة ضد الاسلام او ضد الاخلاق، فانها ستتولى اخراج ابنته واولاده من الحزب الشيوعي, وبعد ان قراها اقتنع وعلق بأن كل محتوياتها في مصلحة الفقراء والمضطهدين, ولا توجد أي كلمة ضد الاسلام او الاخلاق ووافق على ان تصبح ابنته عضوة في الحزب الشيوعي.

يوليو 1971م.

هذا التاريخ يعني الكثير لفاطمة احمد ابراهيم فبعد ان انقض الرئيس الاسبق جعفر محمد نميري عام 1969م على ديمقراطية اكتوبر, وهو الانقلاب الذي اثار جدلا كبيرا لجهة نسبته للشيوعيين, الا ان نميري سرعان ما قلب للشيوعيين ظهر المجن عندما قام ضباط ينتسبون للحزب الشيوعي بالانقلاب عليه في عام 1971م, وبالفعل نجحوا في ذلك بقيادة الرائد هاشم العطا ولكن لمدة ثلاثة ايام فقط, ليعود بعدها نميري ويعمل سيف الانتقام ضد الشيوعيين في ايام سوداء علق فيها قيادات الحزب الشيوعي على المشانق, ومنهم زوج فاطمة القيادي العمالي الشفيع أحمد الشيخ والسكرتير السياسي للحزب المناضل عبد الخالق محجوب وجوزيف قرنق, كما تمت تصفية بابكر النور وفاروق حمد الله وهاشم العطا وعدد من القيادات العسكرية, مما ولد لدى فاطمة عداءً كبيراً ضد نميري ونظامه لم تمحه السنوات الطوال, فقد كان الحدث فاجعة حقيقية للحزب الشيوعي ولفاطمة احمد ابراهيم ،لم تنس فاطمة ذلك, وبعد توقيع اتفاق نيفاشا وتكوين المجلس الوطني الانتقالي ومشاركتها بجانب عدد من الشيوعيين في ذلك المجلس, اكتشفت فاطمة ان احد الذين اشرفوا على اعدام زوجها يجلس في ذات المجلس فاقتربت منه محاولة صفعه, وهي الحادثة التي اثارت لغطاً كبيراً, غير أن الحادثة تدل على ان فاطمة لم تنس تلك الايام السوداء مما قادها الى ذلك الفعل الذي بدا لبعض النواب تلقائيا, كما قال حينها حسن ابوسبيب أنه ناتج عن انفعال طبيعي, وكذلك كما قال النائب يحيى الحسين الذي اقترب حينها من فاطمة وأخذ بيدها. وبعد تلك الحادثة ابتعدت فاطمة عن المجلس الوطني وقل نشاطها الحزبي, غير ان ادبيات الحزب الشيوعي وثقت لتلك الايام السوداء في حياة الحزب وحياة فاطمة أحمد ابراهيم في اعقاب اعدام زوجها الاستاذ الشفيع احمد الشيخ, بابيات مازال يرددها الشيوعيون كبارا وصغارا:

وا حلالي أنا وا حلالي

أريتو حالك

يابا حالي

أموت شهيد نجمي البلالي

وأخلف اسماً لي عيالي

الشفيع يا فاطمة في الحي

في المصانع وفي البلد حي

سكتيها القالت أحَّي

ما عماره الأخضر الني

بدري بكر خضر الحي

ومات شهيد أنا وا حلالي

يا المصانع يالسكك الحديد

يا ورش نارها بتقيد

يا عمال الميناء البعيد

جروا حبل اليوم السعيد

وشايفوا قرب أنا وا حلالي

أحمد أحمد تكبر تشيل

اسم أبوك في النجم والنيل

خط أبوك بالدم النبيل

كل زهرة وزهرة إكليل

ومات شهيد أنا واحلالي[




/B]



طارق الحسن محمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10-07-2010, 09:35 PM   #[59]
طارق الحسن محمد
Banned
الصورة الرمزية طارق الحسن محمد
 
افتراضي ود المكي.. آخر المتمسكين بأهداب خلاسية هويتنا

[align=left]

[/align]




إعداد: صلاح شعيب



محمد المكي إبراهيم شاعر متفرد في حقل الإبداع، وسفير سابق ترك عضويته البرلمانية، وخرج من بلاده غاضباً إزاء سياسات الإنقاذ، التي لم يجد مجالاً للكتابة السياسية إلا وسعى لتعريتها، وهجائها نثرياً، فضل أن تكون محطته الحياتية في الولايات المتحدة التي استقر بها لما يقارب العقد، ونصف العقد. وبين فترة، وأخرى، يعود إلى وطنه الذي كتب عنه أجمل القصائد التي صدح بها وردي، وأبوعركي.

يقول الدكتور حسن أبشر الطيب في مقدمته للأعمال الشعرية الكاملة للشاعر محمد المكي إبراهيم إنه "ولد في مطلع عام 1939 بحي القبة بمدينة الأبيض، عاصمة ولاية كردفان بغرب السودان، وهو من أرومة سامقة، بيت دين وعلم ينسب إلى طائفة الإسماعيلية، وهي من أكبر الطرق الصوفية، عميقة الجذور والأثر في السودان، وقد عرف بين أترابه في حي القبة بـ"ود المكي" ولا يزال هذا الاسم لصيقاً به، حبيباً لأصدقائه بالرغم من أن ذلك لا يعبر عن كل الحقيقة. حقيقة الأمر أن المكي ليس اسم والده، فاسمه محمد المكي من الأسماء المركبة تيمناً بما جرى عليه العرف والتبرك بشيوخه حفظة السجادة الإسماعيلية، بداية بالشيخ إسماعيل الولي، مؤسس الطريقة، والعقد الميمون من أبنائه وأحفاده السيد المكي، والسيد البكري، والسيد الحنفي.

تفتحت شاعرية ود المكي إبان دراسته بمدرسة خور طقت الثانوية، حيث عرف بين أقرانه بتميزه، ورصانة لغته العربية، ولغته الإنجليزية، وقدرته على التعبير، فنصبوه عن حق حادياً للركب، وشاعراً يبز شعراء المدارس الثانوية وقتئذً، ولقد كانت المدارس الثانوية، بما أتاحت من مناخ ثقافي وعلمي وأدبي في اكتشاف، وتنمية، وصقل مواهب الشعراء الأدباء الشباب الذين كان من بعد أثرهم البين في إثراء الحياة الفكرية والأدبية والثقافية في المجتمع السوداني".

ويضيف أبشر بأن الشاعر محمد المكي إبراهيم "حمل لواء الشعر المبدع بعد شيخه المجذوب، محافظاً على شعلته المضيئة الخيّرة، حريصاً على تراث القصيدة العربية كرافد لتطور الحركة الشعرية الإيحائية الحديثة، رافضاً للقطيعة مع بناء القصيدة العمودية المحفلية، منفتحاً في ذات الوقت لتطوير القصيدة وتجديد بنائها في إطار شعر التفعيلة. إن هذا الموقف يجعله رائدًا من رواد الحركة الشعرية المتجددة كحال صلاح عبد الصبور والشاعر أحمد عبد المعطي حجازي في أرض الكنانة".

ويقول ود المكي للمحرر عن علاقته بعالم القراءة إنه: "في سن الحادية عشرة اكتشف القراءة وكان ذلك "بفضل صديق وزميل المرحلة الوسطى علي أحمد نصر، وفقه الله أينما كان. كنا في نفس الصف وأهم من ذلك في نفس ضآلة الحجم حتى أن زملاءنا حسبونا في يوم المدرسة الأول أولاد من جيران المدرسة يلعبون في فنائها. كان ذلك في مدرسة الأبيض الأميرية الوسطى..وحين كتبنا أول إنشاء أثارت إعجاب استاذ اللغة العربية فأطلعني على سره الرهيب وهو قراءة الروايات البوليسية مثل روايات الجيب وروايات مكي سبيلين الذي كنت في ذلك الزمان أظنه كاتباً سودانياً. من الروايات البوليسية انتقلنا إلى روايات جورجي زيدان وسلسلة إقرأ التي صنعت رهاناً مع نفسي لقراءة كل ما يصدر منها من كتب. وقد نجحت الوصفة وقبل نهاية العام الدراسي التالي كنت قد حفظت صناعة الإنشاء، وفي واحدة من تلك المناسبات دعا أستاذ اللغة العربية ناظر المدرسة للحضور إلى صفنا ليستمع إليّ وأنا أتلو على مسامعهم موضوع الإنشاء الذي كتبته واستحوذ على إعجابه. كان الناظر رجلاً مهيباً هو طيب الذكر المرحوم حسن علي كرار، وبعد أن استمع إلى ما كتبت ذهب إلى مكتبه وراجع دفاتر تسديد المصروفات ثم استدعاني إلى مكتبه وسألني: لماذا لم تسدد قسط المصروفات؟ قلت إن أبي سافر للحج إلى بيت الله الحرام، وعند عودته سيسدد ما علينا من متأخرات. فقال لي: حين يعود والدك من الحج قل له إن الناظر أعد لك هدية تعجبك..قل له إنني أعفيك من المصروفات الدراسية".

وبرغم أن ود المكي حاز على بكالريوس القانون من جامعة الخرطوم إلا أنه امتهن العمل الدبلوماسي وبدأ حياته العملية بوزارة الخارجية، وتدرج فيها حتى وصل إلى درجة سفير، ومثل السودان في باكستان وزائير سفيرًا، بالإضافة إلى العمل بسفارات السودان في أقطار أوروبية وأفريقية أخرى. وعاد إلى العمل بالوزارة إلى أن استقال عن الوظيفة، وهو من رموزالدبلوماسية السودانية الذين جمعوا بين الأدب والدبلوماسية أمثال جمال محمد أحمد، صلاح أحمد إبراهيم، جمال محمد إبراهيم، صلاح أحمد محمد صالح، علي حمد، عمر عبد الماجد، وسيد أحمد الحردلو، وهناك آخرون.

ومع ذلك يقول الشاعر: "إن الشعر والدبلوماسية لا يجتمعان فى قلب مؤمن. هنالك سفيران حازا جائزة نوبل للشعر. ولكن بعد التدقيق تجد أنهما خرجا من بلديهما وبالتالي من مهنتهما وفى الغربة كتبا الشعر العظيم الذى أهلهما للجائزة، أحدهما السفير الفرنسي سان جون بيرس والثانى سفير يوناني وكلاهما خرج من بلده نتيجة للاحتلال النازي.أما نزار قباني فقد هجر الدبلوماسية هارباً بشعره من نفاقها وملايناتها ليكتب بحرية وبلا مواربة. ويخطىء من يظن أنه قد بلغ مرتبة السفير فقد وقف عند حد المستشار وعمل فى ثلاث سفارات فقط هي لندن والهند وأسبانيا. الدبلوماسية هي فن إلغاء العاطفة والإمساك بالعصا من وسطها ولكن الشعر هو الوضوح والسفور وكشف المستور".

بعد مغادرته السودان خلسة بعد قناعته بعدم جدوى وظيفته بالبرلمان غادر محمد المكي إبراهيم مع أسرته إلى الولايات المتحدة والتي قضى فيها تسع سنوات لم يتمكن من خلالها العودة إلى بلاده. ولكنه عاد بعد توقيع إتفاقية نيفاشا، وظل فيما بعد يغدو ويروح دون أن يقرر الاستقرار نهائياً في بلاده.

حول وجوده بالولايات المتحدة التي هاجر إليها غاضباً من الإنقاذ قال إنه لم ينضم لأي معارضة "برغم أنني معترض على الكثير من السياسات المتبعة في بلادي وعلى رأسها الحجر على الحريات وانتهاك حقوق الإنسان وتبديد الثروة القومية والمتاجرة بالدين، احتفظ بعلاقات مودة شديدة مع كل المعارضين من كل الأحزاب واشترك في مناسبات استقبالهم وتكريمهم والاعتراف بما يسدون للوطن من جليل التضحيات، وخلال إقامتي بالعاصمة الأمريكية شاركت في استقبال الزعماء الصادق المهدي والميرغني وجون قرنق والتجاني الطيب وعلي محمود حسنين والعميد عبد العزيز خالد".

وحين سأله المحرر عام 2006 عن سبب عدم عودته للوطن قال: "حالياً أجد صعوبة شديدة في زيارة الوطن إذ أن السلطات منعت تجديد جواز سفري الدبلوماسي وعملياً منعتني من الحصول على جواز عادي وبطبيعة الحال يمكنني الحصول على جواز امريكي ولكنني لا أريد أن أزور وطني على جواز أجنبي، ويمكن القول إنني سأمتنع عن زيارة الوطن وشفاء ما أعاني من شوق لمفرداته الحبيبة إلى أن يقضي الله في هذه العقبة. ولكنني اجد صعوبة كبرى في تخيل نفسي مقيماً مستديماً في سودان هذه الأيام، فهنالك ليس أمامي سوى الصمت او الانضمام الى جوقة المطبلين ونافخي الأبواق وأرى في الحالتين حكماً بالإعدام فوري التنفيذ".

يسأل المحرر: أنت تقول إنك لم تنضم للمعارضة ولكن كان نشاطك في الخارج يتواءم مع عمل المعارضة.؟

ــ هذا صحيح هنالك لقاء تلقائي غير مدبر ولكنه حقيقي وكامل كما تقول، ولكنني أحاول أن أختار كلماتي ببعض العناية لعلمي أن هذا التوافق لن يدوم، ففي زمن ما سيتخذون طريقهم في البحر سربا ويتركون سفائننا جانحة على اليابسة (هاي آند دراي كما يقولون) والآن هاهم قد بدأوا التسلل نحو المعسكر الآخر في مصالحات وتسويات تاريخية وغير تاريخية. وكما تعلم هنالك فرق واضح بين موقف المثقف وموقف السياسي، فالأول يدفعه اعتراضه المبدئي والثاني يهمه نصيبه من كعكة السلطة. ولذلك يمكن استرضاء السياسي اما المثقف فالسبيل اليه هو السأم من الغربة أو ربما المرض وشيخوخة الجسد عموماً الناس أحرار في اختياراتهم ولا مانع من حصول الناس على جنسيات الدول الأجنبية فالدول نفسها تعترف بذلك وتسمح بازدواج الجنسية لمواطنيها..وهنالك مزايا لا سبيل الى التنازل منها مثل الحق في معاش التقاعد واستحقاق الضمان الاجتماعي التي لا أشجع أحدًا على التنازل عنها، ورغم ذلك كله صعب جداً دخول الوطن بجواز أجنبي.

إن أكثر ما ارتبط بتاريخ الشاعر تمثل في عضويته في تيار الغابة والصحراء والذي كان له القدح المعلى في إثارة موضوعة الهوية عبر الشعر ونقده. ولعل السودانيين ينتظرون الاستفتاء القادم ليروا انفصام عرى العلاقة بين (الغابة والصحراء) أو تعزيز صيرورتها التاريخية، بينما، والحال كذلك، فالشاعر محمد المكي إبراهيم، وهو يملك أجمل إيقونات الشعر السوداني الحديث ومن مؤسسي ذلك التيار الأدبي الذي نادى بتسوية مجتمعية في الستينات، يتمنى لو أن الفرضية الفكرية التي بنى فيها بعض مداميك الشعر، والنثر، تظل ناجعة برغم الأنواء السياسية الماثلة. وإذ هو بقي ود المكي آخر المتمسكين بأهداب خلاسية هويتنا بعد وفاة الشاعرين محمد عبد الحي والنور عثمان أبكر، واللذين شاركاه في دفع التيار، فإن شاعر الأمة يعايش المستجدات السياسية هنا وهناك تفرض أوضاعاً متأزمة على الدوام، وهي التي دعت بعض الكتاب والمنظرين السياسيين إلى تقرير مصير كل الأقاليم السودانية، عوضاً عن ملاحقة تسوية تاريخية بين المركز والهامش.

الأستاذ عبد المنعم عجب الفيا يفذلك الخلفية الفكرية لتيار الغابة والصحراء بقوله إنه: "قد تنبهت الطلائع المثقفة من السودانيين باكرًا إلى الخصوصية الثقافية والإثنية للذات السودانية. وقد برز الوعي بهذه الخصوصية أكثر حدة في الخمسينات والستينات مع المد الثوري لحركات التحرر الوطني ودعوات القومية العربية والاتجاهات الزنجية في أفريقيا وأمريكا اللاتينية . ففطن نفر من هؤلاء المثقفين إلى أن السودان يمتاز بخصوصية فريدة لا تتوفر في غيره من دول المنطقة ، فهو يجمع بين الانتماء العربي والأفريقي في آن معاً. فتفتق وعيهم عن صبغة يصفون بها هذه الحالة الفريدة. وحيث أن معظمهم كانوا شعراء فقد هداهم حسهم الشعري إلى صيغة شعرية ذات دلالة رمزية عميقة وهي صيغة (الغابة والصحراء)، الغابة إشارة إلى العنصر الأفريقي والصحراء إشارة إلى العنصر العربي، وذلك للدلالة على ذلك التمازج الثقافي والإثني ".

ويقول د.عبد الله علي ابراهيم"..دعاة الآفروعربية لم يلقوا في ريعان الشباب من ثقافتهم العربية والإسلامية ما يروي غليلهم من الحب والتعبير، فإضطروا إلى الهرب بأجندة الريعان والشغف إلى فردوس أفريقي مطموس في تكوينهم الإثني ولأن رحلتهم لم تقم على فهم وتعاطف مع سجن الثقافة العربية والاسلامية الذي هربوا منه، أو معرفة بالثقافة الافريقية التي هربوا إليها كان حصادهم مؤسفاً"..

إلا أن للأستاذ محمد المكي إبراهيم رؤية أخرى، فهو يقول إن "عرب السودان فقدوا ذاكرة اللون، ففي المناخ الأفريقي الذي اقتحموه كانوا وحدهم بمواجهة كتلة لونية تتشكل بكاملها من الألوان السوداء فأضحى الآخر بنظرهم هو الأسود و(النحن) هو ما ليس بأسود. وفي حظيرة نفي السواد هذه أدخلوا كل الظلال الممكنة للسواد مثل (الخضرة) والسمرة والزرقة وكلها مسميات لدرجات من السواد او بالأحرى هي أشكال متنوعة من نفي السواد.. إلا أن الدنيا لا تثبت على حال والذين قدموا الى السودان بإهاب عربي فاتح السمرة انتجوا عن طريق اختلاطهم بأهل البلاد القدماء أجيالاً من المولدين أخذوا عنهم درجات متناقصة من لون الإهاب وذلك أمر ملاحظ من جيل الى جيل حتى في إطار العائلة الواحدة فالجد في غالب الأحوال هو الأفتح لوناً من الحفيد إلا إذا دخلت على العائلة دماء جديدة او إذا لعبت الكروموزمات الموروثة لعبتها الاعتباطية وغيرت من ملامح الحفيد".

حقاً إن أجمل ما في الجدل حول شؤون الهوية هو الافتراضات المعرفية التي تفرزها قراءات سجالية ومرجعية لنقدة وكتاب هنا وهناك، وسيكون من الخطأ التماس الخطأ والصواب في الرؤى حول الهوية، خصوصا ً أن جانبا ً من هذه الرؤي إنما يتصل بالذات في استلطافها اللامتناهي ومزاجها المتعكر برغم نشداننا الموضوعية، وكان الأديب الأريب جمال محمد أحمد يقول: "..لا تبحثوا عن هويتكم..فأنتم تجدونها في أغانيكم وصناعة ألسنتكم".

وأخيراً هل لا تزال فرضية الغابة والصحراء قائمة، خصوصاً وأن كثيرين يرون أن انفصال الجنوب عن الشمال لا يعني انتهاء العلاقة بين الأفريقانية والعروبية، ويشيرون أن رمزية الغابة تمثل بعداً ثقافياً وليس جغرافياً فقط؟

ود المكي يرد:

الله يا خلاسية

يا حانةٌ مفروشةٌ بالرمل

يا مكحولة العينين

يا مجدولة من شعر أغنية

يا وردة باللون مسقيّه

بعض الرحيق أنا

والبرتقالة أنت

يا مملوءة الساقين أطفالاً خلاسيين

يا بعض زنجيّه

يا بعض عربيّه

وبعض أقوالى أمام الله






طارق الحسن محمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10-07-2010, 09:37 PM   #[60]
سمراء
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية سمراء
 
افتراضي

بوست اقل مايقال عنه ....تحفة بحق !!
والله ياطارق انت زول رائع
واصل بدون فواصل للتوثيق الانيق ده
وحانفتح بيهو بوست فى نوافذ باذن الله ونحاول نتوسع فيهو بصورة تخصصية اكتر
ممكن يكون ارشيف للعمالقه ديل ..

تسلم كتير والله



التوقيع:
غيرنا التوقيع عشان النور قال طويل 
اها كدة كيف ؟
<img src=images/smilies/biggrin.gif border=0 alt= title=Big Grin class=inlineimg />
سمراء غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 09:21 AM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.