بعد غياب طويل ... طويل ... إرتحلت ذات مرة ملبياً نداء الأشواق الى معشوقتي ... الوطن ... ووطدت العزم حين أصل اليها أن أمتع ناظري بدايةً .. من ثغرها ( بورتسودان ) حيث ترعرعت ودرست ... مروراً بخصرها ونهاية بأخمص قدمها .. تجولت بثغرها متصفحاً كتاب الذكريات الثرَّة , وبللت نذرا يسيراً من شوقي اليه .. وأثناء تجوالي , وفي طريقي .. حين تيممت صوب خاصرتها التقيته ( أدروب ) في كل منحنيات أرضها وتضاريسها .. كان يركض خلف الحافلة حافياً .. تارةً أمامها وتارة من خلفها .. لاتكاد تميز لون رداءه المهترئ ولا لون بشرته من لون الارض المقفرة الجدباء ... غير آبهٍ بالرمضاء ولا وحشة الخلاء ... وفي يده جفنة من جلد ماعز خاوية وفي عينيه نظرات التمني .. والعشم أن يلقى اليه فيها فتات خبز يابس حتى ... حللت وسط أهلي ولم أستطع أن انتزع صورته من مخيلتي برغم فرحة الوصول ومقابلة الاهل ... وجيئ بالصواني والاواني مكللة بأطباق حمرٍ وفيها أصناف من الطعام ... مددت يدي على مهل .. وأدروب شاخص أمامي .. لم أستسغ للطعام طعما , ليس لعلة فيه .. ولكن ... كان هنالك شئ ما في حلقي ...
عشم الزاد
أوقــووك ( بيتـك ) شـدر صنطـاً عجـاف
واقفـات مـتل لــون الجــبـل لـونك
دراريب الخلاء المحروق ولون الصحراء في عيونك
يا بايت القـوى المطبوق تمـد للغاشي ماعونك
وزي ما اتمدا جاك راجع يكون المولى في عونك
إشن تشـرب وإشن تاكل تحـاحي الجـوع
لبينة ناقة كان جـادت تسد الفاقة لى اسبوع
حفاك يسبق جري الباصات في ليلاً ملان بالروع
وليلك ماهـو ليل الناس متل هدمـا ً قديم مرقوع
وسعنك زي حشاك ضامر على عود العشم مرفوع
شـروق وغـروب تمـر الدنيـا يوم في يوم
وأرضك زي سمـاكا ضنينة ما درَّت عليها غيوم
تبحلق في الدجى المبهم تمني قليبك المحروم
تبيت تحلم بدفقة ري تبل ريق الحشى المعدوم
ودشـوة زول رقد شبعان مـورم جفنو كُتر النوم
ويا حليلك ... أمانيك وين .. ؟ من إيديك ولى فمك
لا سـاس الـرسـن شامخـات ولا لـون
الجـرن فـارهــات طـرق همــك
وأمانيهم تنوني تطير و نص الليل تمص دمك
مراحـاتهم بعيده عليك وميسهم مـا بدور لمك
براك تضرع مهاوي الليل تقش النازلة بى كمك
ولا زارك عشاء البايتات عشان تحكي وتقول نمك
توريهو الشدير المات ومـا ضاق الترى النديان
وقصة صبرك الممطـوط ومن ولدوك مع النسيان
وكيف في الليل بكاء الفلذات ومد الايد على الاحسان
وكيف الضيق وكت يكتر يخـليك مـا تكون انسان
أمـانيك لقمة منسية مفضلة في جـراب شبعان
وأماسيك رقـدة ملـوية وقنتة تقطـع المصران
لا أنيت شكيت حالكك ولا غنيت تبل الريق
تجي وتمـرق بدون ضجة وبدون تصفيق
لا زفة عريس تغشاك ولا يوم جابا ليكا طريق
اجاويد ناس تعديكا وتمد ايديها كايسا صديق
وماك زولا بكوسـوكا ولاك زولا بتبقى رفيق
صكوك غفـران وبيع إيمـان شغـل تلفيق
وليك ربك دبايوا يها محل ما كنت لايك الضيق
دبايوا ... يها ... ومـد إيديك تعال قـالد
دبايوا ... يها ... سلام يغشاك محل قاعد
سلام يغشاكا كان واقف وكان عز الضهر راقد
وكان شقيان ورا قطرة تبلل جوفك الهامد
وكان حفيان ورا اللقمة تصارع العيشة وتكابد
تعيش الناس وعيشتك انت عيشة السو
تجف الناس وعرقك إنت يقطر شو
تشوف الناس وعينيك ما بعرفن ضو
وكلو اتساوى في نظـرك عماك النو
عبدالعظيم الطاهر
|